اتصل بنا

Español

إسباني

       لغتنا تواكب العصر

من نحن | | إبدي رأيك | | عودة | | أرسل الى صديق | | إطبع الصفحة | | اتصل بنا | |بريد الموقع 

 
 

 

 

 

 

 أربط بنا

وقع سجل الزوار

تصفح سجل الزوار

 أضفه إلى صفحتك المفضلة

 اجعله صفحتك الرئيسية

 
 
 
 

 

 

 

 
 قراءة نقدية تاريخية لأزمة المشروع الوطني الفلسطيني
 

فلسطين

 

الدكتور حسين أبو النمل

 ما هو "المشروع الوطني الفلسطيني" الراهن: تحرير فلسطين أم الهوية الوطنية والدولة؟

من تضييع الأرض إلى تبديد الإنسان ومحاولة إعادة إنتاجه إنتهازياً وزبائنياً

أين المنظمات من الأزمة؟ = إين المنظمات من تحقيق الأهداف؟

مشروع وطني فلسطيني أم مشروع سلطوي؟

سلطة للشعب المتماسك أم شعب ممسوك للسلطة؟

أعيد إنتاج غسان كنفاني أميا وقبيحا وطبالاً!

إحتلال المشروع الوطني الفلسطيني من الداخل: إختراق أمني بعد قصور فكري!

الإدارة بالقلق والإفساد .. والكفاءة مع الوجدان؛ شر على السلطة يجب إجتنابهما! 

 ****

          إحتجنا وقتاً باهظا لنطرح "أزمة المشروع الوطني الفلسطيني"، كنقطة إنطلاق نقاش حددها مركز الزيتونة، وحاضر بها ممثلو "فتح" و "حماس" و"الشعبية"، ما يطرح سؤالا حول هل  يتبنى هؤلاء مفهوماً واحداً لأزمة المشروع الوطني الفلسطيني، أم أن لكل طرف مفهومه الخاص؟ كان النقاش ينصرف غالباً نحو الآخر الفلسطيني، ومن ضمن معيار تنافس داخلي، ما يفرض سؤال: هل نحن أمام مشروع تحرر وطني أم مشروع سلطة؟ هل تدار أمور الشعب الفلسطيني وتوزن قضاياه وفق معايير مبدأية أم سلطوية؟  

          تقول ورقة الزيتونة للإعلان عن النشاط: تناقش الحلقة مجموعة من الأسئلة التي تتناول كيفية الخروج من المأزق الوطني الفلسطيني! حسنا؛ لكن علينا أولاً تحديد أسباب دخول المأزق؟ هل يمكن لأحد أن يخرج من مأزق إلا إذا عرِف كيف دخله؟ من على منبر "مركز الزيتونة" هذا تساءلت مرة: هل يستطيع من دخل المأزق أن يخرج منه بنفس الرجلين؟ هل العقل السياسي الذي تورط بالأزمة مؤهل للخروج منها؟ ثمة من يرى أنه لو كان هنالك عقل سياسي مؤهل للخروج من الأزمة، لما دخلها أصلاً!  

ما هو "المشروع الوطني الفلسطيني" الراهن: تحرير فلسطين أم الهوية الوطنية والدولة؟ 

          لعل بداية الأزمة هي في العجز عن تحديد الأزمة كمفهوم وحصائل عملية وسبل الخروج منها، هذا إن كان من إقرار بوجودها. وبالمعنى المشار له، فأن تحديد الأزمة هو رهن تحديد "المشروع الوطني الفلسطيني"، وسبل قياس الأزمة. أزعم أن ليس من إتفاق وطني على هذا الصعيد، إذ يختلف الأمر بين المــُجَمَّع السياسي الفلسطيني، وبين المجتمع الفلسطيني ككل. يختلف الأمر أيضاً بين من يرى أن المشروع الوطني هو إعلاء شأن الهوية الوطنية الفلسطينية، وتقع ضمن ذلك إقامة دولة فلسطينية على جزء من الأرض الفلسطينية، وبين من يرى المشروع الوطني الفلسطيني صنوا لتحرير فلسطين من بحرها لنهرها؟  

          ثمة فرق بين من يَعِش الأزمة من موقع اللجوء وقاع المجتمع، وبين من يراها من موقع قيادي سلطوي. الحديث عن اللجوء والبؤس والحرمان، ليس نفسه عيش حياة اللجوء والبؤس والحرمان. لذا؛ إسمحوا لي أن أؤشر على أزمة أشد، هي أننا لم نعد شعباً واحداً. حتى داخل التنظيم الفلسطيني الواحد، صار أكثر من شعب. أكثر من مجتمع. لا أقصد 48 و 67 وشتات، بل أقصد تمزق حتى أصغر مخيم، بين مجتمع طبيعي مدني ومجمع سياسي حيث التمايز الطبقي، على نحو أقسى وأقصى من أي مثل آخر.  

          لعلها مناسبة، للفت نظر الجميع إلى ما يدور داخل الجسد الفلسطيني من مخاضات ومناخات مثيرة للقلق. ثمة معنى خطير لأن نتحول من مجتمع متماسك بمشروع سياسي إلى مجتمع ممسوك بأدوات سلطوية. لعل ذلك يؤشر على مظهر آخر من مظاهر الأزمة، هو تحول الحركة السياسية الفلسطينية، من مشروع سياسي وطني يقود المجتمع نحو هدفه العام، إلى مشروع سلطوي وظيفته ضبط المجتمع لسلطانه. 

          أننا أمام ضرورة تحديد مسألتين هامتين على هذا الصعيد، أولاهما؛ أنه تشكل تاريخياً وتحدد مفهوم المشروع الوطني الفلسطيني، الذي يكون واحداً أو لا يكون، وأزمته واحدة أو لا تكون، وحلوله واحدة أو لا تكون. المشروع الوطني الفلسطيني، وبعيداً عن سجالات أو مزايدات، مستمد من إسمه، ربطاً بوطن إسمه فلسطين. مستمد من عام هو تحرير فلسطين، الذي يوحد جميع الفلسطينيين. عدا ذلك، ودون تقليل من أهميته، يمكن أن نسميه أو نعتبره أي شيئ سوى تمليكه صفة العمومية – الوطنية. 

          عبثاً يقبل منطق أن نحتفظ بنفس الإسم لشيئ لم يعد هو نفسه، بعد تغيير مضمونه جذرياً! أقصد المشروع الوطني الفلسطيني، كما جسدته منظمة التحرير وميثاقها الذي تقادم منذ البرنامج المرحلي في 1974، وتكرس في 1988 ثم 1996. بعد تأكيد أن غياب الأهداف الجامعة، يعني غياب المشروع الوطني، كما إمكانية وجود نظام سياسي فلسطيني، فأن ما يهمنا جدا هو، ما يؤشر عليه ذلك من أزمة أن الكلمات –  المسميات لم تعد تعكس معانيها؛ أزمة إنفصال الأقوال عن الأفعال، فكان الإنحطاط.  

من تضييع الأرض إلى تبديد الإنسان ومحاولة إعادة إنتاجه إنتهازياً وزبائنياً 

          لم يعد أحد يصدق أحدا. قيل: حين يفسد الكلام يكون فسد الملح. حين لا تعكس الكلمات معانيها يكون الإنحطاط. كان إنحطاط بإتجاهين؛ (أ)كشف العدو إزدواجيتنا، فتصرف على أن الفلسطيني لا يعني شيئاً مما يقول. (ب) ضُرِب الفلسطينيون في أثمن ما لديهم كشعب؛ مصداقيتهم.  

          أسس ذلك لأزمة إجتماعية فادحة هي إهتزاز منظومة القيم الفلسطينية، التي تسلل إليها كذب تفشى فأصبح ظاهرة إجتماعية، وصلت حد الفصل بين السياسة، وفي مرحلة لاحقة مجمل الممارسة الإجتماعية، وبين القيم. لقد تمت إعادة إنتاج قيم المجتمع، فصار إنتهازياً وزبائنياً. ذلك يضيف إلى أزمة الوطن – السياسة؛ أزمة المجتمع – الإنسان. ليست أزمة المشروع السياسي إلا أحد تجليات أزمة المجتمع. لولا ذلك، لصحح نفسه بنفسه، وأفرز حلولاً ومشاريع وأدوات بديلة عن المأزومة، ما يعنى أن المجتمع أُفقِد حيويته، بعدما كان قادراً تاريخيا على تجديد حياته السياسية وأدواتها خلال 1948 – 1974.  

          إذا حصرنا حديثنا بمنظمة التحرير، التي بقيت قواها تراوح مكانها رجوعاً، كان التجديد من خارج النسق السائد عِبر حركتي الجهاد الإسلامي، 1985، وحماس، 1987. على الرغم من إثباتهما لحضورهما من خلال خطاب مغاير، وممارسة كفاحية نوعية، لكنهما بدل أن تكونا بديلاً لمشروع منظمة التحرير، أصيلة أو مـُعدلة، المأزوم، أصبحتا شريكاً أصيلاً ومتساوياً في أزمة المشروع الوطني الفلسطيني. 

أين المنظمات من الأزمة؟ = إين المنظمات من تحقيق الأهداف؟  

          هذا ما يقوله الواقع في تأكيد إضافي على شمولية الأزمة وتاريخيتها وذلك في ضوء معيار صحيح منهجياً لقياس الأزمة، هو تحقيق الهدف الوطني المـُعلن، الذي قامت بناء عليه مختلف أطياف الحركة السياسية الفلسطينية: تحرير فلسطين. يقود ما تقدم إلى أزمة معيار الأزمة، وعما إذا كان الأمر يعود لمجرد رفع شعار التحرير والتمسك به، أم لتحقيقه؟ ربما، في البداية تنفع المبارزة بالشعارات – البرامج بين القوى، لكن بعد مرور فترة كافية لا يعود ممكناً إعتماد هذا المعيار. المقصود حركة حماس، التي فقدت حقها في إعتبار رفعها شعار تحرير فلسطين والتمسك به إمتيازاً لصالح معيار آخر تماماً هو: ماذا حققت بعد ربع قرن (1987-2012)، من عطاء الشعب الفلسطيني لها، كي تحقق له أهدافه في التحرير؟ 

          تم توليف معادلة السلطة والثورة، لكن الأمور إنتهت إلى غلبة السلطة، في قاعدة تَشَارك بها الجميع، مـُشَكَّلين بذلك مفارقة التمسك بالثورة، من ضمن حدود عدم المساس بإمتيازات تتيحها السلطة. قاد ذلك إلى إنفصام الشخصية السياسية الفلسطينية، الذي تحول فصاماً في الشخصية الجمعية الفلسطينية، ما جعل الجميع أمام سؤال حَرج ومُحرج هو: من نحن؟ هل نحن التحرير أم التسوية؟ هل نحن ثورة أم سلطة؟ عبثاً نؤسس إحتراماً مع زعيق عن الكادحين وضد الفاسدين، وفي نفس الوقت الإقامة بالبريستول مع خدمة فاخرة وسيارة ب.أم.دبليو مرافقة، في حين لا تملك زوجة الشهيد أجرة السرفيس! 

          تجاوز الأمر أزمة المشروع الوطني الفلسطيني إلى أزمة إجتماعية شاملة أوصلت المجتمع إلى وضعية العجز عن وقف الإنحدار أو إنتاج أدواته البديلة، على الرغم من كل ما لحق بالمشروع الوطني الفلسطيني من أزمات، وصولاً إلى أنه تخلى عن نفسه، حين تخلى عن جوهره، تحرير فلسطين، سواء بإحلال هدف بديل هو هدف الهوية الوطنية والدولة، أو بوضعه على الرف والإنصراف لضبط الحدود... والمجتمع. 

          لا أريد أن أضغط على جرح أحد، إلا أننا وقد فشلنا في تحقيق أهداف شعبنا بالتحرير، يجب أن نكون نزيهين معه، بإخباره الحقيقة. غير ذلك ذلك يفضي إلى تدمير ثقة الجمهور الفلسطيني بقيادته، وإعادة إنتاج الشعب الفلسطيني على مقاس التنظيمات، في حين أن العكس هو الصحيح والمطلوب. 

مشروع وطني فلسطيني أم مشروع سلطوي؟

سلطة للشعب المتماسك أم شعب ممسوك للسلطة؟ 

           لقد إنقلبت الأدوار. بدلاً من أن تعبر التنظيمات عن مصالح الشعب، ها هي توظف الشعب لخدمتها، بل أمسكت به من خلال مشروع سلطوي، هو الوحيد الذي مكنها من ضبط المجتمع قسرياً، بعدما كان منضبطاً طوعيا لها من خلال إلتزامه المشروع الوطني الذي تحمله. نطرح ما تقدم على خلفية أنه إذا كانت الجماهير مع "فتح" كمشروع للتحرير، فلماذا بقيت معها بعدما صارت مشروع تسوية. يصح السؤال على حماس التي بدت لفترة وكأنها تستعيد الأمجاد القتالية الأول للمقاومة الفلسطينية، التي مرت في أكثر من مشهد ملحمي. صار ذلك من الماضي، ومع ذلك بقيت لحماس شعبيتها بل زادت! 

          يجازف كثيراً من يُسَطَّح الأمور مستعيداً نظرية لوبون عن غوغائية الجماهير – القطيع الذي يذهب من نقيض إلى نقيض إستجابة لصفير الراعي! ثمة راع عصري له عصا تخيف وجزرة تغري. كان إنتقال فادح من مجتمع فلسطيني متماسك وحيوي إلى مجتمع ممسوك ومحسوبة ومحبوسة أنفاسه بإحكام، ما صعًّب ولادة البديل، غير حين كان الشعب الفلسطيني محتفظاً بحيويته وقدرته على التجدد والإبداع. 

          إذاً، ثمة عرض لمرض، بل مصيبة حدوث تحويل عميق في بنية المجتمع الفلسطيني، ما جعله تحت السيطرة الكاملة والعجز عن إعادة إنتاج نفسه وتجديدها، إن لناحية توفير الخيارات السياسية أو البدائل التنظيمية المناسبة. لو كان أحد غيري أكثر شجاعة لسأل: لكن الحركة السياسية الفلسطينية تاريخياً، قبل 1948 وبعد 1967، في الداخل والخارج، في الشتات وتحت الإحتلال جددت نفسها وأفرزت نخبها وبدائلها؛ في منطقة 1948 وتحت الإحتلال الإسرائيلي! في غزة وتحت الإدارة المصرية! في الضفة الغربية تحت الحكم الهاشمي قبل 1967. بعد 1967 ورغم الإحتلال قامت حركة سياسية فلسطينية وتجددت.  

          ترافق تجفيف الحيوية الداخلية الفلسطينية مع إدارة فلسطينية، ممثلة بفتح أولاً، ثم حماس، للضفة وغزة ومخيمات الشتات. لم تنتج بدائل، بل دُمرت تقريبا حتى المعارضات التاريخية المجيدة، حد التلاشي. لقد مات جورج حبش فعلاً منذ حصلت الجبهة الشعبية على (3) بالماية فقط من أصوات الناخبين! 

أعيد إنتاج غسان كنفاني أميا وقبيحا وطبالاً! 

          كانت البنية الفلسطينية دائماً حصينة على التحطيم المباشر من الخارج، بدليل إعادة الإنتاج والتجدد، ولم تنحط، إلا جراء فعل داخلي جبار ومنسق وبعيد المدى ومتعدد المستويات، لإعادة إنتاج كامل البنية الإجتماعية الفلسطينية سلباً. كان مطلوباً تدمير حيوية الشعب الفلسطيني كشرط لازم لتدمير فعاليته وقدرته على الصمود. لقد أدرك من أدرك أن تصفية القضية الفلسطينية تكون بتصفية الشعب الفلسطيني عِبر تحويله كتلة هامدة غير قادرة على إعادة إنتاج نفسها. كتلة تصير هامدة دون روح حين تفقد نخبتها الحرة، بأسئلتها القلقة والمـُقلِقة طبعاً! لقد أعيد إنتاج غسان كنفاني طبالاً! 

          يكشف ما تقدم عن وجه آخر من وجود أزمة المشروع الوطني الفلسطيني، هو الأزمة الفكرية متمثلة بعجز العقل الفلسطيني عن وعي الأزمة مبكراً، وطرح الأسئلة الواجبة على خلفية أن المرض في بدايته صعب الكشف لكنه سهل العلاج، لكنه عند تفاقمه يصبح سهل التشخيص وصعب العلاج!  

          كان إخفاء الأزمة ضرباً من ضروب الإنتهازية، لأن نتيجة ذلك تَرك الأزمة تتفاقم حد الوصول إلى نقطة اللاعودة، ربماً، أرجو لا. عبثاً نفكر بأزمة المشروع الوطني الفلسطيني، بمعزل عن أزمة العقل الفلسطيني – الفكر الفلسطيني، بما هو تأسيس لرؤية ووعي التجربة، وهل من الممكن بسهولة إستعادته من غيبوبته وإجازته الطويلة. حتى لو عاد؛ هل ثمة مكان له في ضوء البنية الجديدة التي تشكلت؟ 

          لم تتمثل أزمة المشروع الوطني الفلسطيني، في عجزه عن تحقيق أهدافه فقط، بل في عدم إعتراف الجهات المعنية بمسؤوليتها عن الفشل أيضا، ناهيك عن أنها غطته بفظاظة من خلال وسائل شتى، أخطرها إعادة تأسيس كافة الأمور، بدءاً من إعادة تعريف الأهداف وصولا إلى إستبدال الولاء على أساس المبادئ إلى على أساس المصالح. كان الإنتظام على أساس البرامج فصار على أساس الموازنات! 

          لم يع العقل الفلسطيني، الذي غُيَّب أصلاً، أن العدو يملك إستراتيجية مواجهة شاملة. واجهتنا إسرائيل بقدراتها وخبراتها و ما لدى حلفائها من أساليب تخريب، من ضمنها الناعمة التي تلجأ لوسائل إجتماعية غير مباشرة، داخل مجتمع الفلسطيني نفسه، في حين يتكفل العمل العنفي بالمواجهة المباشرة. 

إحتلال المشروع الوطني الفلسطيني من الداخل: إختراق أمني بعد قصور فكري! 

          يضعنا ما تقدم أمام أخطر أبعاد أزمة المشروع الوطني الفلسطيني، عنينا الفشل الأمني جراء قصور فكري لم يفهم الأمن إلا بوصفه فعلاً عسكرياً، لم ير منه إلا أمن القيادات وحمايتها من التصفية، أو التنظيم من الإختراق. أما "أمن المجتمع الفلسطيني"، بما هو مجتمع، فلم يكن يوماً على جدول أعمال المشروع السياسي الفلسطيني، الذي لم يكترث جديا لرخاوة أو صلابة البنية الفلسطينية المستهدفة. 

          لم تترك تلك البنية لكل من هب ودب فقط، بل تعرضت رسمياً لعملية تفكيك وخلق قاعدة إجتماعية جديدة مرتبطة بالمؤسسة الرسمية الفلسطينية تتجاوز على نحو هائل، البيروقراطيات العريقة التي تنشأ  كضرورات موضوعية أو لحوافز طفيلية وزبائنية على هامش السلطة، بغض النظر عن إسمها أيضا.  

الإدارة بالقلق والإفساد .. والكفاءة مع الوجدان؛ شر على السلطة يجب إجتنابهما!   

          حين كنت أجهز خلفية الورقة بقيت على عادة إلقاء نظرة عابرة على جرائد اليوم، فوقع نظري على مقابلة جريدة "الحياة" مع علي التريكي، وزير خارجية القذافي. سأله رئيس تحرير "الحياة": ألغى مجلس قيادة الثورة وفكك الجيش [..] لماذا؟ أجاب التريكي: إنه عدو أي مؤسسة منظمة [..]. ما فعله بالمؤسسة العسكرية فعله بالمؤسسات الأخرى. تصور مثلاً أسلوب الزحف على السفارات وتشكيل لجان لإداراتها. العمل الديبلوماسي يحتاج إلى محترفين ومعلومات ولا يكفي أن يكون الشخص ثورياً أو موالياً! 

          إستطرد رئيس تحرير الحياة سائلا: هذا يعني أنه أدار البلد لأربعة عقود وفق مزاجه؟ أجاب التريكي: أحد زملائنا يشبه الحالة بكيس كبير (شِوال) وَضَعت فيه مجموعة من الفئران فعليك أن تحرك الكيس باستمرار حتى لا تعطيهم الوقت ليفكروا بحل [..] كان دائم التحريك [...] اعتمد أسلوب الحكم هذا لإلهاء الناس وإبقاء كل المواقع والجهات ضعيفة ومنشغلة بسلامتها أو حروبها الصغيرة! 

          صعقني تشبيه التريكي لناحية أنه يلخص بمثل نظام إدارة المجتمعات بالتأزيم؛ بالقلق، أي إبقاء المجتمع في دائرة القلق وعدم اليقين فيستنزف ويستسلم للأمر الواقع. أدرج الإستراتيجي الفرنسي الشهير أندريه بوفر ما تقدم تحت عنوان "مناورة الإعياء"، أي إجهاد الطرف الآخر حد الإعياء ما يمنعه حتى من معالجة جراحه فيتركها تتعفن ... ليتعفن الجسم كله. من هنا ترددت وما زالت نظرية "دع الجراح تتعفن"! 

          كان عليَّ أيضاً أن أفتح بريدي لأطل علَّ به عاجلاً، لأجد دراسة أعدها الدكتور محسن صالح، عن "التجربة الماليزية"، التي تهمني لما تضيفه لنظرية "البناء من فوق"، أي حيث تتولى نخبة مهام إدارة مجتمع متخلف ومنقسم عرقياً ودينياً وإقليمياً، ثم تصل به إلى مستوى متقدم جدا خلال فترة وجيزة. 

          شاءت الصدفة أن أكون أمام نموذجين في الإدارة السياسية؛ نموذج القذافي. مقابل نموذج ماليزيا الذي أتى بنتائج معاكسة. قاد الأول إلى إنحطاط. قاد الثاني إلى مجد! أما وقد صار "المشروع الوطني الفلسطيني" إلى مأزق، فهذا يعني، أننا على نحو عام، أقرب إلى النموذج الليبي في الإدارة منه إلى الماليزي!

--------------------انتهت.

 
 
 
 



 

 

 

 

 

 

من نحن | | إبدي رأيك | | عودة | | أرسل الى صديق | | إطبع الصفحة  | | اتصل بنا | | بريد الموقع

أعلى الصفحة ^

 

أفضل مشاهدة 600 × 800 مع اكسبلورر 5

© جميع الحقوق محفوظة للمؤلف 1423هـ  /  2002-2013م

Compiled by Hanna Shahwan - Webmaster