اتصل بنا

Español

إسباني

       لغتنا تواكب العصر

من نحن | | إبدي رأيك | | عودة | | أرسل الى صديق | | إطبع الصفحة | | اتصل بنا | |بريد الموقع 

 
 

 

 

 

 

 أربط بنا

وقع سجل الزوار

تصفح سجل الزوار

 أضفه إلى صفحتك المفضلة

 اجعله صفحتك الرئيسية

 
 
 
 

 

 

 

 
 صورة أم ثقافة؟
 

الغرب يحاولُ تعميم فكره وعقيدته وأنموذجه

 

  

24-10-2016 

 

د.بثينة شعبان   

 

 

حين اجتمع قادة دول البريكس في نيودلهي الأسبوع الماضي، بالتزامن مع اجتماع قادة أوروبيين مع أميركيين في لندن، كانت الأنظار شاخصة إلى قرارات هاتين القمتين والمقارنات التي يمكن أن تجري بينهما، ولكنّ صورة واحدة صدرت عن اجتماعات قادة دول البريكس، حملت إليّ مؤشراً مهماً لكلّ ما يمكن أن أستنتجه على مستوى المواقف والآراء.  

 

 وفي الحقيقة، لم تكن قمة القادة الغربيين في لندن ذات شأن؛ إذ اختلفوا وحاولوا لملمة مواقفهم، هذا فضلاً عن البُعد الشاسع الذي يفصل عادةً بين النتائج الفعلية والعبارات الموجّهة للإعلام، التي تعمد إلى خلق المفهوم الذي يبتغون ترسيخه في أذهان المتلقّين، حتى وإن لم يكن انعكاساً لما جرى الاتفاق عليه. وهذا بالطبع ناجم عن ازدواجية المعايير، والسّعي وراء المصالح، في الوقت الذي تشير فيه كلّ الادعاءات إلى أنّ السعي هو وراء إنجاز قيم إنسانية وأخلاقية. أمّا في قمّة البريكس، فقد كانت النتائج بسيطة وسهلة على الفهم: موقف حازم ضدّ الإرهاب، وضدّ التدخّل في الشؤون الداخلية للدول، ولكنّ أداء قادة البريكس تجاوز الموضوع السياسي ليلامس شغاف الموضوع الثقافي، وهو الموضوع البالغ الأهمية في ضمائر الشعوب وحياتها، وإن كان الساسة غالباً لا يجدون الوقت للخوض فيه أو الإشارة إليه.

 

وهنا كانت صورة واحدة قادرة على حمل إيحاءات جمّة ومهمّة لا بدّ من التوقّف عندها، لأنها تمثّل جوهر الصراع الإنساني في عالم اليوم. ظهر كلّ قادة دول البريكس في نيودلهي؛ الرئيس الروسي، والصيني، والبرازيلي، والجنوب أفريقي، ومضيفهم الهندي طبعاً وهم يرتدون الزّيّ الهندي، ويرفعون أيديهم المتشابكة والابتسامات تعلو وجوه الجميع. هذه الصورة على بساطة فكرتها، تمثّل مفارقة مهمّة مع الثقافة الغربية، التي كانت مجتمعة في لندن في اليوم ذاته لأنّ هذه الصورة تعبّر عن احترام الآخر، وعن الاعتراف بأنّ كلّ ثقافات الشعوب تمثّل رافداً للثقافة الإنسانية، ومصدر غنىً لها، بينما العلاقة مع الغرب تبدأ دائماً من ضرورة الامتثال له، والظهور بمظهره هو، وتناول غذائه، واحترام طريقة عيشه هو بغضّ النظر عن الثقافة التي تشرّبتها منذ نعومة أظفارك، والتي هي أنت، ولا يمكنك أن تكون أنت كاملاً ومتوازناً وكريماً إذا ما جرى تجريدك منها، أو حتى من بعض عناصرها.  

 

قد تكون هذه هي العلامة الفارقة والجوهرية والمهمّة جداً للجميع بين القطب الاستعماري الغربيّ الذي هو في حالة انحدار اليوم، وقطب البريكس، الذي يصعد نجمه يوماً بعد يوم؛ إذ إنّ الدول الغربية استعمرت شعوباً وسلبتها الخيرات والكرامة والسيادة، وأبادت شعوباً كاملة عن بكرة أبيها كانت تحمل موروثات ثقافية وروحية وتاريخية هائلة، فحرمت الإنسانية هذا المصدر الثقافي الثرّ. ولذلك، فإنّ النظرة الغربية الاستعمارية للثقافات والحضارات الأخرى هي نظرة السيد إلى العبد. وبرغم تمظهرات الحداثة، وادعاءات احترام السيادة وحقوق الإنسان، فإنّ الغرب بمجمله ما زال يتصرّف بأنه السيد، وأنّ أفضل ما يمكن أن يتطوّر إليه الآخرون هو أن يكونوا تابعين له ومقلّدين. ولذلك، فإنّ دعوة الغرب لنشر الديمقراطية هي باختصار دعوة لتعميم أنموذجه من الديمقراطية، وطريقة عيشه، وأسلوب عمله وحياته. فمع أنّ إيران وروسيا والصين والهند والبرازيل وجنوب أفريقيا كلّها دول ديمقراطية، إلّا أنّ كلّ نظام ديمقراطي في كلّ بلد من هذه البلدان يختلف عن النظام الديمقراطي في البلد الآخر، وهذا طبيعي جداً، لأنّ ثقافة كلّ بلد وطريقة العيش فيه، وأسلوب حياته تختلف بحسب مكوّنات الشعوب وتاريخ الشعوب.  

 

وباسم الانفتاح على الآخر، وتحويل العالم إلى قرية واحدة، فإنّ الغرب يحاولُ تعميم فكره وعقيدته وأنموذجه. ولذلك فإنّ الانفتاح على الغرب يعني له شيئاً واحداً، هو الذوبان فيه، وأن تخلق نفسك وبلدك مرّة أخرى على صورته، بينما الانفتاح بالنسبة إلى دول البريكس ومعظم دول العالم من ورائها يعني التلاقح الثقافي مع الحفاظ على كلّ مكونات الثقافات التي يغتني بها الجميع. ذلك لأنّ النظرة هنا ليست استعمارية أو استعلائية، بل هي نظرة صحية وجميلة للاختلاف، ونظرة قبول للآخر واستعداد للتعلّم منه، أو على الأقلّ الاغتناء بما لديه.  

 

ولكنّ المشكلة التي نعانيها نحن في العالم العربي هي أنّ فريقاً من بلداننا قرّر الذوبان في المشروع الغربي، وخدمة أهدافه بحجّة الانفتاح عليه، وأصبح نقطة ضعف في مجتمعاتنا وبلداننا لأنّه مثّل اختراقاً يمكن للغرب النفاذ منه لتقويض ثقافتنا وهويتنا وحضارتنا، بذريعة الانفتاح على الآخر. ولا بدّ هنا من أن نتذكر قول المهاتما غاندي في هذا الصّدد، حيث قال: «يجب أن أفتح نوافذ بيتي لكي تهبّ عليه رياح جميع الثقافات، بشرط ألّا تقتلعني من جذوري». إذاً ليس من قبيل الصدفة أن تلك الصورة لقادة البريكس ظهرت من الهند، وأنها ليست مجرّد صورة، بل هي ثقافة ستحلّ أهلاً وتتموضع سهلاً في عقولنا وقلوبنا، بديلاً من الثقافة الغربية الاستعلائية، وفي وقت ليس ببعيد ستكون نقطة جاذبة لأبناء الإنسانية جمعاء، كلّ ما نأمله هو أن يتمكن العرب، كلّ العرب، من فتح أبواب نوافذهم فقط من دون أن يقتلعهم هذا الانفتاح من جذورهم، ويدمّر حضاراتهم وهويتهم وحضورهم في التاريخ البشري.

--------------------انتهت.

المصدر: الميادين نت

 
 
 
 



 

 

 

 

 

 

من نحن | | إبدي رأيك | | عودة | | أرسل الى صديق | | إطبع الصفحة  | | اتصل بنا | | بريد الموقع

أعلى الصفحة ^

 

أفضل مشاهدة 600 × 800 مع اكسبلورر 5

© جميع الحقوق محفوظة للمؤلف 1437هـ  /  2002-2016م

Compiled by Hanna Shahwan - Webmaster