اتصل بنا

Español

إسباني

       لغتنا تواكب العصر

من نحن | | إبدي رأيك | | عودة | | أرسل الى صديق | | إطبع الصفحة | | اتصل بنا | |بريد الموقع 

 
 

 

 

 

 أربط بنا

وقع سجل الزوار

تصفح سجل الزوار

 أضفه إلى صفحتك المفضلة

 اجعله صفحتك الرئيسية

 
 
 
 

 

 

 

 
 عالم البيئة 21
 

بركان كيلوا

على عمق ثلاثة آلاف قدم تحت سطح المحيط تتشكل أحدث جزيرة في العالم.

من المحتمل أن تطفو على سطح المحيط على مسافة ألفين وخمسمائة ميل من أقرب قارة، وذلك بعد ما يقارب الستين ألف عام.

لتصبح أولا مجرد قطعة صغيرة من الأرض القاحلة، لتنبض فيها الحياة بعد آلاف السنين.

عوالم أخرى.

تتمتع الجزر بجاذبية خالدة ومخادعة في آن معا.

وهي تنضح بالهدوء والأسطورية والرومانسية لنشوئها في مناطق نائية وبحار لازوردية. هي ملاذ من روتينية الحياة اليومية، هي صورة كلاسيكية عن الجنان.

ولكن الجزر بالنسبة لعلماء الأحياء والباحثين، هي أكثر من ذلك، إنها مختبرات طبيعية فريدة، موطن لأشكال غريبة من النباتات والحيوانات، التي نتعلم منها الكثير حول طبيعة الحياة على الأرض.

وقد كانت بالغة الأهمية على وجه الخصوص بالنسبة لعالم القرن التاسع عشر، تشارلز داروين، ذلك أنه كشف في براري الجزر عما أسماه بلغز الألغاز، لغز التطور.

اعتمد داروين في دراسته على المحيط الهادئ، الذي يعج بجزر تفجرت من تحت سطح البحر.

هذه أرض ولدت من نار. هي أصغر سلسلة من الجزر البركانية في هاواي إذ يبلغ طولها ألفي ميل.

إنها جزيرة نشأت في المحيط كغيرها من تلك التي لم ترتبط يوما بأي من القارات، بل اندفعت من قشرة  الأرض وسط المحيط  وما زالت مستمرة بالنمو.

يسمى هذا البركان كيلوا، وهو الأشد نشاطا في العالم، إذ أنه لا يتوقف عن قذف الحمم.

يقع هذا البركان فوق تشقق في قشرة الأرض يعرف بالمنطقة الساخنة، هي واحدة من حفنة على حافة المحيط، أحيانا ما تسمى بدائرة النار.

تخرج الصخور المنصهرة، أو الحمم من باطن الأرض على درجة حرارة مرتفعة جدا لتتصلب بسرعة.

شعوب بولينيزيا الأولى التي استقرت في هاواي، تعتقد خطأ بأن بيلي سيدة النار التي تحكم البراكين هي صانعة الأرض من الصخور المنصهرة، وهي المدمر بالنار. وأن صورتها تظهر على شكل تدفق الحمم وانبعاث الدخان.

يغطي المحيط الهادئ ثلث مساحة الأرض، ويحتل أكبر مساحة جغرافية في العالم، لدرجة أن مساحة اليابسة بكاملها تتسع فيه، وهو يحتوي على غالبية الجزر البركانية التي يصل عددها إلى خمس وعشرون ألف.

تحيط بالجزر البركانية في المحيط الهادئ  صخور مرجانية رائعة.

علما أن المرجان ليس من الصخور الميتة، بل من الكائنات الحية التي تفرز هيكلا من الصخور الكلسية بمعدل نصف إنش في العام. فتشيد بها صروح هياكل صلبة وأنيقة.

يعتمد المرجان على حيوانات صغيرة تسمى الزوائد اللحمية، وهي تتغذى على معلقات تطفو، وهي تتمتع بأفواه مجهرية عن نهاية الأطراف.

المرجان هو مزيج غير اعتيادي من الحيوان والنبات، مزجها بين الأمرين معا يساعدها على البقاء وسط صحاري المحيط الاستوائية، فتلتهم الطاقة من المعلقات وأشعة الشمس في آن معا.

ولكن ما يثير الإعجاب هي كمية الحيوانات البحرية التي تحيى بين الصخور المرجانية وحولها، إذ يوجد هناك أكثر من ألف وخمسمائة نوع من الأسماك ومئات الآلاف من المخلوقات البحرية الأخرى.

على الصخور المرجانية أن تحيى في مياه براقة تخترقها أشعة الشمس بوضوح تام ما يحدد قدرة المرجان على العيش في أعماق قلما تزيد عن مائة وعشرين قدم.

ولكن على مدار آلاف بل وملايين السنين، تتراكم أعماق البحار ويتصاعد مستوى المرجان ليبلغ مساحات هائلة، قد تصل سماكتها أحيانا إلى مئات الأقدام.

ربما كانت هذه من أشد الظواهر تعقيدا على الأرض، حتى أن مستوى فهمها ما زال في مراحله الأولى بعد.

تجلب وفرة  البحريات في الصخور المرجانية الحيوانات البرية في المحيط، ومن بينها سمك القرش والبركودا.

يعتبر الشفنين العملاق من زوار المرجان أيضا، وهو أحيانا ما يسمى تأبط شرا، بسبب قرنيه.

يزن الشفنين أكثر من طنين، ويبلغ قطر جناحيه سبعة عشرة قدم. وهو يتغذى على المعلقات، وذلك بفتح فمه والقيام بجولات دائرية. ويقوم باستكشاف المحيط وكأنه سفينة إبحار قديمة.

أحيانا ما يخترق بعض المرجان سطح الماء مع الوقت،  ما يجعل النباتات تستولي على المكان حتى تتحول الصخور المرجانية إلى جزيرة.

يعج المحيط بآلاف الصخور المرجانية الجزر الناجمة عن البراكين.

أحيانا ما تركد الرؤوس البركانية في بعض الحالات،  ليختفي الكثير منها تحت الأمواج. بينما تستمر الصخور المرجانية المحيطة برأس البركان بالنمو صعودا.

عندما يحدث ذلك يتسبب بنشوء دائرة مرجانية تحيط ببحيرة، فتظهر مجموعة جزر توصف بالمرجانية، وكأنها نصب تذكاري متنام على شرف البركان.

تعتبر طيور البحر من أولى  المخلوقات التي تغزو جزر المحيط النائية.

يحلق القطرس فوق مياه المحيط وكأنه أغرب عجائبه.

كثيرا ما كان القطرس ملهما للكثير من الخرافات بين البحارة، فمنهم من كانوا يعتقدون خطأ بأنه عندما يموت القبطان، تتخذ روحه شكل القطرس لتجول في أرجاء المحيط إلى الأبد.

يستفيد القطرس من وجهة الريح فلا يبذل جهدا أثناء التحليق، لهذا يمضي أقل من عشرة بالمائة من حياته الطويلة على اليابسة.

تعزز الرقصات الشعائرية بين الذكر والأنثى اللذان يتزوجان إلى الأبد.

يضع هذا النوع من القطرس ذات الأقدام السوداء بيضه في عدد قليل فقط من جزر المحيط النائية.

تمضي الطيور الناضجة خمسة أشهر من العام تحلق فوق المحيط دون أن تحط على اليابسة ولو لمرة واحدة حتى تصل إلى جزيرة ميدواي في أقصى غرب جزر هاواي.

رغم أنها تعتبر أحيانا طيور منعزلة، من المدهش أن نرى هذه العدد الهائل منها تتوالد في مكان واحد. يتزاوج أكثر من نصف مليون من طيور القطرس هذه في هذه الجزيرة، أي ثلث أعدادها المنتشر في العالم.

إلى جانب طونها من طليعة المخلوقات التي تغزو الجزر الجديدة، فهي كثيرا ما تحمل بذور النباتات التي تعلق بين الريش وتلتصق في القوائم، لتنمو على الجزيرة حيث تحط، بعد أن تحصل على الرطوبة والغذاء من العواصف الاستوائية المارة.

مجرد بذرة صغيرة تحملها الرياح من جنوب شرق آسيا لتسير بها عبر التيارات العاصفة على ارتفاع ثمانية أميال.

من المحتمل أن ينتهي بها الأمر في حقل من الحمم الباردة، في جزيرة جديدة.

رغم الشكل القاحل للحمم الباردة، إلا أنها تحتوي على العناصر الأساسية اللازمة لنمو النباتات.

أي أنه يمكن لأول بذرة أن تستقر هناك دون منافسة تذكر.

وسرعان ما تتحول إلى نبتة ناضجة بعد أن تستسقي الماء من الأمطار الاستوائية.

تصعد سحلية على ظهر هذه الخشبة الطافية لتبحر معها.

أحيانا ما تحمل هذه الأخشاب بذور النباتات المقاومة إلى جانب الحيوانات والحشرات.

ولكن توالد الأنواع القادمة حديثا يتطلب مجموعة كبيرة من الشروط  والظروف الملائمة.

يصل معدل وصول الأنواع الجديدة إلى هناك إلى نوع واحد فقط كل عشرين ألف عام.

يعتبر جوز الهند من أفضل القادرين على البقاء بعد رحلة في المحيط.

تساعده قسوة الغشاء المميز الذي يتمتع به على الصمود في رحلة طولها ثلاثة آلاف ميل دون أن يتلف لمدة ثمانية أشهر في المياه المالحة.

تتغذى النبتة من الثمرة التي في داخلها عندما تصل إلى اليابسة، وسرعان ما تطلق جذورها عميقا في الأرض.

وما ان تستقر تماما حتى تتمكن من تحمل الرياح العاتية والشمس الحارقة أكثر من غالبية النباتات.

تعتبر هاواي واحدة من أقصى مجموعات الجزر شمالا، وقد غزتها النباتات منذ ملايين السنين.

تحمل الرياح معها أمطارا أثناء عبورها المحيط البارد. يبرد الهواء مع ارتفاعه ويسقط كميات هائلة من المطر.

تعتبر مستنقعات ألاكاي في قمة كاواي الأكثر مياها في العالم. حيث تهطل فوقها أربعمائة وثلاثون إنش من الأمطار كل عام.

المناخ الدافئ وكثرة المياه هما شروط مناسبة لنمو النباتات حيثما كانت.

وسرعان ما تكثر الحشرات والطيور التي تبع وفر النباتات والزهور والثمر.

كانت الحمم البركانية القاحلة  تغطي هذه الجزيرة البرية قبل ملايين السنين، ليس فيها إلا بعض النباتات التي حملتها الرياح بذورا.

وقد تحولت هذه البذور اليوم إلى غابات كثيفة خضراء.

ولكن العواصف نفسها التي غذت هذا النمو الكثيف، تقوم اليوم بتدميره تدريجيا.

تتميز حمم البراكين بالنعومة، وسهلة التآكل. لهذا تحفر فيها المياه عميقا وتصنع منها أشد الأشكال غرابة. لتحمل التربة إلى حيث تشكل السهول الخصبة. فتحفر  الأخاديد والوديان.

تؤدي مواجهة الأمواج العاتية في بعض الأماكن  إلى سقوط أجزاء كبيرة من الأرض في المحيط، لتشكل أعلا السفوح الصخرية في العالم.

يؤدي تقاذف الأمواج المستمر إلى تحطيم الجزر البركانية وإعادتها إلى عمق المحيط، من حيث انفجرت لأول مرة قبل آلاف السنين.

أما نتيجة هذه الولادة والدمار، هي الجنان.

------------

تلك الرياح والتيارات نفسها، التي جاءت بالبذور والحيوانات إلى جزر المحيط حملت معها البشر أيضا.

كان البولينيزيين الأوائل، من المغامرين الرحالة، الذين أبحروا من جنوب شرق آسيا، عبر آلاف الأميال دون أدوات تذكر، يتبعون طيور البحر والحيتان المهاجرة.

عندما وصلت زوارقهم الشراعية أخيرا إلى هاواي، قبل ألف وخمسمائة عام، عثروا على مناخ جيد، ووفرة في النباتات ، وشواطئ غنية بالسمك.

كانت الخرافات والأساطير تتحكم بحياة السكان الأوائل في هاواي، وكانت لديهم أربع معتقدات تتميز جميعها بالقوة نفسها.

كان الملاذ بمثابة محمية يعفون فيها عن المجرمين.

عادة ما كان يحكم على المجرم بالموت، إلا إذا تمكن منتهك القانون من الوصول إلى الملاذ الآمن.

ولكن الوصول إلى هناك يعني السباحة عبر التيارات الصعبة، ومواجهة القرش.

غياب اللغة المكتوبة، جعلهم يسجلون التاريخ بحفر الرموز على الصخور البركانية.

وعلى هذه الأرض الغنية، تخلوا عن تقاليدهم الرحالة عبر المحيط، واستقروا  عبر مجتمعات دائمة أنشأت الثقافة  والموسيقى والرقصات.

ولكن هذه الجزر البعيدة لم توضع على الخريطة العالمية حتى وصل إليها المستكشفون الأوروبيون على غرار الكابتن جيمس كوك، ما عزز اهتمام وفضول علماء الأحياء.

وكان من بينهم العالم تشارلز داروين، الإنجليزي المغمور حينها، والذي أبحر على متن سفينة مسح بريطانية صغيرة تابعة لسلاح البحرية، تسمى بيغيل. وما كان يعرف بأن اكتشافاته ستدهش العالم بعد عشرة أعوام من ذلك.

عام ألف وثمانمائة وخمسة وثلاثون، أبحرت بيغيل عبر مجموعة من الجزر البركانية النائية الواقعة إلى الشمال الغربي من شواطئ أمريكا الجنوبية.

لم يكن هناك ما يشع على زيارة جزر غالاباغوس، سوى أنها اشتهرت بشيء واحد، وهو أنها غريبة جدا، على خلاف أي جزر العالم الأخرى.

كانت هذه الجزيرة بالنسبة لبيغيل مجرد محطة أخرى، أما بالنسبة للبحارة، فكانت تبدو أشبه بالجحيم.

إذ كانت تستلقي على الصخور مجموعات من السحالي البغيضة. بالكاد كان فيها أي نبات يذكر،حتى شجرة جوز الهند التي ترمز إلى المحيط كانت غائبة أيضا.

ولكنها كانت رائعة بالنسبة لداروين، ذلك أنه أخذ من هنا بتكوين فكرة متناسقة عن بدء الحياة على هذا الكوكب.

وقد كتب في مذكراته يقول: هنا، بدأنا نقترب بالمكان والزمان من الحقيقة الدامغة التي قد تكشف عن أشد الغموض غموضا، والمتعلقة بظهور أول الكائنات على وجه الأرض.

جرى ذلك قبل عشرة أعوام من إعلان داروين لأفكاره على الملأ. ذلك أنه كان يعيش في عصر فيكتوريا الإنجليزي، حيث حظر الحديث عن أصل الأنواع.

ولكن اكتشاف أعداد كبيرة من الحيوانات والمخلوقات الجديدة الأخرى، جعل كل النظريات السائدة حول الأنواع حينها عرضة للتساؤل والشك.

كان كارل لينيز قد سجل حوالي ستة آلاف نوع جديد قبل مائة عام من ظهور داروين. ما يعني أن الشك في تلك النظريات التي طرحت قبلا كان واردا علما أنه لم يظهر للعيان مباشرة على اعتبار أن كارل لينيز كان يعتبرها خطوة على طريق التطور.

قام داروين بدراسة الأنواع التي عثر عليها في جزيرة غالاباغوس، كما هو حال السلحفاة العملاقة، التي جعلته يعتبر بأن المخلوقات نمت وتطورت حسب الظروف المحيطة بها منذ الولادة.

وقد كتب في مذكراته يقول أن بعض السلاحف كانت بحجم يجعله تصل إلى صدر جسم بشري إذا أوقفت على قوائمها الخلفية.

سبق لداروين أن شاهد أنواع مشابهة لهذه ولكنها أصغر بكثير على شواطئ أمريكا الجنوبية.

فاستخلص بأن هذه العمالقة كانت أسلاف بعيدة من تلك التي على أرض القارة، وأن العيش على الجزيرة كان السبب في نمو حجمها الهائل.

هناك مخلوق آخر بدا أكبر حجما من أقاربه في القارة، وهو الإغوانا، التي وصفها داروين بالسحلية الوحشية.

يبلغ طول هذه السحلية أربعة أقدام، وهي عنيفة بطبيعتها، علما أنها تتغذى كليا على الزهور ونباتات الصبار.

وعلى الشواطئ، تجد الإغوانا البحرية، وهي قريبة من إغوانا اليابسة، ومع ذلك فهي تبدو أشبه بمصغر لدراغون ذات ذنب قصير. وقد أسماها داروين بعفاريت الظلام.

كل ما يتعلق بهذه الإغوانة يعتبر غريبا، بما في ذلك وجودها بكميات كبيرة.

في لا تخوض في اليابسة إلى مسافة تزيد عن عشرة ياردات، وهي تتشمس على الشواطئ، أو تغوص في البحر، حيث أصبحت تبرع بالسباحة.

 وقد اعتاد على أكل أعشاب البحر، وهذه مسألة أكدها داروين وفريق بيغل الجراحي، عندما فتحوا أمعاء واحدة للتعرف على محتوياتها.

يمكن أن تراها عبر المياه الشفافة تغوص حتى الأعماق، حيث يمكنها البقاء هناك لفترة طويلة.

قام بحار من سفينة بيغيل برمي واحدة منها مربوطة بمثقال، وعندما سحبها بعد ساعة من ذلك كانت بعد على قيد الحياة.

ومع ذلك فإن هذه الحيوانات البحرية تكره البحر غرار بعض البحارة. أمسك داروين واحدة منها من الذيل ورماها عدة مرات في بركة، وكانت في كل مرة تسرع بالخروج إلى اليابسة.

فاستخلص من ذلك أنها تخاف من القرش، وتسارع في العودة إلى الشاطئ حيث لا أعداء لها.

تعيش غالبية حياوانت الجزر بدون خوف، حيث لا تعرف هناك أعداء لها، أدى ذلك إلى متغيرات غير اعتيادية، كالعجز عن التحليق. فبما أن الطعام وفير ولا أخطار من حولها ما حاجتها بالأجنحة لا تفيده في الهرب والسيد؟

يشتهر البطريق بأنه طائرة لا يحلق، ولكنه من الطيور التي تعيش في القطب المتجمد الشمالي.

على خلاف غيره من البطريق يعتبر النوع الذي يعيش في غالاباغو الأصغر في العالم، كما أنه يستوطن كليا على خط الاستواء.

حيث يتغلب على الحرارة، بتخلصه من الدهون وتمتعه بطبقة رقيقة من الريش، والسباحة في تيارات هومبولت الباردة التي تصب على شواطئ الجزيرة حاملة معها رفوف هائلة من الأسماك.

هناك نموذج رائع آخر عديم التحليق يحاول الانتعاش تحت أشعة الشمس الاستوائية، إنه طائر الغاق في غالاباغوس.

تجد أن هذا الطائر هنا على خلاف أقاربه في القارة، يتمتع بأجنحة ضعيفة فيها بعض الريش، كما فقد عبر التطور قدرته على التحليق.

أما الأسباب فهي نفسها، إذ لا يوجد حيوانات مفترسة، والطعام وفير والصيد سهل جدا، أي أن لا حاجة له بالأجنحة، أي أن طائر الغاق هنا يعيش في الجنان.

اعتبر داروين أن جزيرة غالاباغوس تستحق الإعجاب، ذلك أن الحيوانات فيها تسجل تحولا من مخلوقات جوية إلى أخرى برمائية.

عندما غادر داروين غالاباغوس، مر بعدد كبير من جزر المحيط الهادي.

لو أنه توقف لبعض الوقت، لتأكد كليا من تأقلم الأنواع التقليدي في الجزر.

يعيش في كليدونيا الجديدة نوع من الحلزون أكبر من حجم القبضة البشرية. نذكر هنا أن كبر الحجم وخصوصا لدى الزواحف والطيور مسألة مشتركة في جميع الجزر حول العالم.

هناك عملاق آخر يعيش في الغابات الاستوائية لجزيرة سولومون.

يختبئ بين أوراق الموز نوع من السحالي العملاقة التي تعتاد الغذاء على الأشجار، وهي تتمتع بذيل إمساكي تتعلق به على أغصان الشجر.

إنها تملأ فراغا تحتله القرود في أماكن أخرى، التي قلما تستطيع الوصول إلى جزر المحيط النائية كغيرها من الثديات.

يبدو أن عدم التحليق هي ظاهرة  مشتركة في الجزر حول العالم. هناك عدد من الطيور التي لا تحلث في جزر المحيط، كما هو حال كاسواري الذي في بابوا نيو غينيا، وهو يبدو كأنه من قبل التاريخ.

يشكل الكاغو بمفرده فصيلة من الطيور الخاصة به وحده، فهو يعيش في الغابات ولا يستطيع التحليق، تجده في نيو كليدونيا، على الشواطئ الشرقية من أستراليا.

تعتبر نيوزيلندا جزيرة قديمة، وهي تختلف عن جزيرة غالاباغوس في أن غالبية الحيوانات التي فيها وجدت ما يكفي من الوقت كي تتأقلم كليا على الظروف المحيطة بها.

من بين الطيور العاجزة عن التحليق نذكر ما يسمى بطير تاكاهي، من فصيلة القضبان التي تتغذى كليا على الأعشاب الجافة.

وفي الأعماق الرطبة للغابات نجد واحدا من أشهر الطيور العاجزة عن التحليق في العالم. إنه الكيوي، طير نيوزيلندا ورمزها الوطني.

ولكن الطيور ليست وحدها التي لا تحق هنا.. فالخفاش هو من بين الثديات القليلة التي تستطيع الوصول إلى جزر المحيط، باستخدام أجنحتها.

يتمكن هذا الخفاش من التحليق بعد، ولكنه قلما يفعل ذلك، فلا حاجة لذلك،  فلا يوجد حيوانات مفترسة هناك، كما أن غالبية طعامه موجود على الأرض.  ما يعني أن أجنحته يوما ما قد تختفي تماما.

عند عودته إلى اليابسة من رحلة دامت خمس سنوات على متن بيغل، استغرق دارون عدة سنوات لمعالجة أبحاثه، وتطوير نظريته حول أصل الأنواع.

وتأكدت شكوكه عندما وصل إلى مرحلة تصنيف نماذج النباتات والحيوانات المتعددة، غالبية الأنواع كانت فريدة فعلا، وهي توجد في جزيرة غالاباغوس دون غيرها، ذلك أنها اتبعت مسارا  من التطور يختلف عن أقاربها في القارات.

ولكنه أثناء الدراسة بعد عشرة أعوام من ذلك، مكنته الملاحظات التي كتبها عن حقيقة طيور البرقش العادية في الجزر من اكتشاف نظرية التطور المنفصل.

فقد تمكنت في إحدى الجزر من تطوير منقار قوي وكثيف، وذلك لتحطم به الحبوب والبندق. وكان منقارها أصغر في جزر أخرى لصيد الحشرات. تمكن أحد طيور البرقش من تطوير منقار يمكنه اقتلاع شوكة صبار ليخرج ما تحتها من غذاء.

وينتهي إلى القول بأن هذه الطيور قد نمت منفصلة عن بعضها، بعد أن نشأت عن برقش واحد، وذلك عبر عملية الاختيار الطبيعي. أي أن النظريات العشوائية القديمة لا تنطبق عليها.

عندما نشرت نظرية داروين إلى جانب العمل الموازي لألفريد روسيل والاس،  ورد فيها أن هذه الحيوانات لم تظهر إلى الطبيعة في وقت واحد، بل تطورت عبر ملاين السنين، وذلك من شيء بدائي جدا، وهي ما زالت تخضع لنمو وتطور يخضع له الإنسان أيضا.

اعتبرت هذه النظرية بدع هدامة في أجواء عصر فيكتوريا البريطاني. فإذا ما ثبتت خلاصته وخلاصة والاس، لا بد من إعادة النظر في كل ما سبقهما من نظريات طرحت في جميع أنحاء العالم منذ بداية التاريخ البشري.

------------

لا يوجد في العالم جزيرة محيط تحتوي على نماذج التطور الفريد للأنواع من تلك التي في هاواي. ربما كانت المناطق المناخية هي السبب في ذلك. من أعالي القمم المغطاة بالجليد إلى غابات المطر والصحاري.

على ارتفاع عشرة آلاف قدم، حيث تغطي الثلوج أعلى براكين هاواي، مونا كيا، هناك أنواع تتميز بقدرة خاصة على التأقلم ومنها بقة ويكيو  المميزة.

تحمل الرياح إلى هنا الكثير من الحشرات، حيث تتجمد أو تموت جوعا.  أما بقة ويكيو فقد تأقلمت لدرجة تمكنها من العيش على هذه الكميات الهائلة من الأطعمة المجلدة.

وهي تستطيع ذلك بعجزها عن التحليق، ما يحول دون انجرافها مع الريح، وتطويرها إلى مضاد للتجلد في الدم.

وهكذا عثرت كغيرها من أنواع الجزر، على البيئة الملائمة فأقلمت أسلوب حياتها وجسمها أيضا بما يتناسب مع هذه البيئة.

كما غيرت موارد غذائها، من امتصاص العصارة من أوراق الشجر والثمار، كما كان يفعل أجدادها في المناطق المنخفضة، إلى امتصاص الدم والبروتين من الحشرات التي تأتي بها الرياح إلى هنا.

من النباتات الفريدة التي اعتادت على حياة  الجزيرة، ما يعرف بالسيوف الفضية، وهي قريبة أعشاب ضارة من كليفورنيا، تسمى أعشاب القطران الضارة.

يمكن للسيوف الفضية أن تحتمل الظروف القاسية في هذه الحفر، التي تحول جدرانها دون سقوط المطر.  

وهكذا تمكنت السيوف الفضية من مواجهة هذه المشاكل.

تغطي أوراق هذه النبتة شعيرات أشبه بالألياف الزجاجية، تقوم بدور المرايا التي تعكس أشعة الشمس الحارقة.

تتميز هذه الأوراق بالكثافة وتحتوي على سوائل هلامية للحفاظ على الرطوبة.

تزهر هذه النبتة مرة كل عشر سنوات، فتطلق وردة طولها ستة أقدام. وما أن تجف البذور حتى تموت النبتة بكاملها.

لا تعيش إلا حفنة من البذور للأجيال القادمة.

عادة ما تعيش أعشاب القطران الضارة في المناطق الجافة والمفتوحة، ولكنها تنمو أيضا في اتجاه مختلف، لتصبح نباتات تعيش في غابات المطر الاستوائية.

في المناطق المبللة باستمرار، وعلى مسافة أربعة أميال فقط من حفر السيوف الفضية القاحلة، نعثر على نبتة قريبة جدا لها هي السيوف الخضر، التي لا تحتاج أوراقها إلى الشعيرات العاكسة أو السوائل الهلامية الحافظة للماء، لأن السماء تمطر هنا كل يوم.

هناك ثمانية وثلاثون قريبا للسيوف الفضية والسيوف الخضر في الجزيرة.

نجد نحو أسفل الجبل في الغابات الرطبة مخلوق آخر نما بطريقة فريدة ومميزة.

يوجد في هاواي ثمانية عشر نوع من اليرقات آكلات اللحوم،   التي تملأ فراغ الحشرات التي تأكل اللحوم مثل النمل الذي لا يوجد أي منه.

ليسان، هي جزيرة مرجانية غير مسكونة من سلسلة هاواي، تسكن فيها أنواع من البط التي طورت أساليب غذائية غريبة.

إنه نوع غريب من البط معرض للانقراض، وقد عثر على مصدر جديد للغذاء، بمطاردة كميات هائلة من الذباب، الذي يحلق فوق مستنقعات الجزيرة.

من أبرز نماذج الأنواع التي تنمو بطرق مختلفة كي تتأقلم مع ظروف عيش وموارد غذاء مختلفة، كما يرد في نظرية داروين، نجد ملتهم العسل في هاواي، وهو يحمل هذا اللقب لأن أجداده كانت تتغذى على الرحيق.

أما اليوم فقد اختلف غذاءه، كما تغير منقاره، فأصبح متعدد الأهداف، ما يساعده على امتصاص الرحيق وأكل الحشرات أيضا.

نمت لبعض طيور الرحيق منقار يشبه منقار الببغاء، أي أنه قصير وقوي، بحيث يمكنه تمزيق الزهور وتحطيم عيدانها.

يساعد عصفور الرحيق المتوج على تلقيح الزهور أثناء غذائه، وذلك بنقل الرحيق من زهرة إلى أخرى عبر تاجه.

بينما يعتبر غيرها أقل عونا. يستخدم الأمارخي منقاره القصير للنيل من قاع الزهرة وامتصاص الرحيق دون المساس باللقاح.

وهكذا تعتمد زهرة اللوبيليا على نوع آخر من عصافير الرحيق للبقاء على قيد الحياة وهو الليوي، الذي يتمتع بمنقار طويل بما يكفي للغوص في الزهرة نحو الرحيق، فيحمل على رأسه اللقاح، ليشكل بذلك نموذجا عن نوع يقدم عونه لآخر.

يعتبر هذا التنوع الهائل لتفرع أنواع تنشأ جميعها من أصل واحد يتغذى على الرحيق، نموذج عالمي هام للتطور المنفصل، بما يتناسب مع اختلاف البيئة والغذاء، وهي ظاهرة يسميها داروين، إشعاع تكيفي.

كان سكان بولينيزيا الأوائل يصطادون طيور الرحيق، ليس لأكلها بل للحصول على ريشها الناعم. كان هكام هاوزاي يرتدون العبي ويعتمرون القبعات والخوذات المصنوعة من ريش طيور البحر والرحيق المتعدد الألوان.

لا بد من أربعمائة وخمسون ألف ريشة تقتلع من ثمانين ألف طير، تجري حياكتها بالأخشاب، لصناعة عباءة واحدة. كان هذا أول أشكال تأثير الإنسان على الطبيعة في الحياة الطبيعية البرية لهذه الجزيرة.

بدأ سكان بولينيزيا يستقرون في هاواي التي تعتبر أرض الوفرة، ويعتمدون على الزراعة وصيد الأسماك للعيش بالسبل التقليدية.

ولكنهم لم يجدوا الكثير من النباتات القابلة للأكل، أو الحيوانات الكبيرة بما يكفي لإطعامهم.

وهكذا جاء سكان بولينيزيا بما كان ينقصهم في الجزيرة، كما هو حال الكلاب والكلاب والمواشي.

زرعت سهول الشواطئ الخصبة منذ المراحل الأولى وتم ريها بالاعتماد على أنظمة السدود والجداول للحصول على أسماك البرك والمستنقعات، التي اشتهرت بالطيور المحلية على غرار المطوال أسود العنق.

زرعت نباتات على الطريقة التقليدية كما هو حال القلقاس وقصب السكر وجوز الهند وغيرها.

ما زال القلقاس الشبيه بالبطاطا الحلوة، مصدر للعجين الرمادي المليء بالكربوهيدرات الكثير الاستعمال في أطعمة هاواي.

غياب كميات كبيرة من الحيوانات البرية جعل غالبية البروتين يأتي من البحر. عالج الإنسان  صخور كبيرة لبناء برك يصطاد فيها اسماك المحيط.

أصيب داروين بالدهشة من سكان بولينيزيا حين مر بهم. ولكن تأثيرهم على بيئة الجزر الضعيفة كان عميقا حينها.

قام سكان بولينيزيا بتدمير الغابات الكثيفة  والتربة  في الجزيرة الشرقية، ثم غادروها وهي قاحلة تماما.

سبق أن شيدت التماثيل الضخمة  في هذه الجزر وسط الغابات،  التي اختفت تماما، واختفت معها كميات أنواع كثيرة من حيوانات ونباتات الجزر.

بعد ملايين السنين من وجودها في عالم مستقر يعتمد على نفسه، تصبح الجزر ضعيفة جدا أمام تدخل الغرباء. وخصوصا بني البشر، كما تشهد الجزيرة الشرقية القاحلة على ذلك.

هناك إثباتات على تأثير سكان بولينيزيا على البيئة في أكبر جزيرة استعمروها، وذلك في كهوف هاواي البركانية.

كانت تعيش هنا، كما وفي دودو في ماورشيوس، وموا في نيوزيلندا، طيور عملاقة عاجزة عن التحليق ولا تعرف الخوف.

في جزيرة تقل فيها الحيوانات التي يمكن أكلها، لا شك أن السكان اصطادوا هذه الطيور عن بكرة أبيها واستعملوها للأكل.

إنها أوزة هواي العملاقة العاجزة عن التحليق. التي تزن ما بين عشرين وخمسة وعشرين رطلا، التي كان يطلق عليها لقب موا نالو، بفك السلحفاة.

هذه الأيام التي يسير التقدم فيها بخطوات سريعة، أصبح التوازن البيئي في هاواي وجزر المحيط الأخرى مهدد باستمرار.

تتعرض أعشاش طيور القطرس في جزيرة ميدواي التابعة لهاوي للإزعاج المؤقت، عبر أعمال التهبيط الجارية في قاعدة جوية أمريكية هائلة، حيث تجهز الجزيرة لتصبح محمية طبيعية.

ومع ذلك، رغم ضجيج الجرارات والشاحنات التي تجول المكان من حولها، ما زالت طيور القطرس تعرب عن عدم الخوف الذي يميز حيوانات الجزر.  استطاع النقل الجوي من جعل العالم أقل حجما على مدار المائة عام الماضية. فالجزر النائية التي استغرق كوك أو غيره من المستكشفين عدة أشهر للوصول إليها، أصبحت اليوم على بعد أربع وعشرين ساعة من أي مكان في العالم.

أصبحت الجنان في متناول الجميع. أما في هاواي، فإن السواد الأعظم منها يختفي تحت الإسمنت.

ثمن التقدم، هو تعرض جزيرة تضم أكبر تنوع حيوي في العالم، إلى أعلى معدل لانقراض الحيوانات فيها.

لو قام داروين بزيارة هاواي بدل غالاباغوس، لتمكن من التوصل إلى خلاصة نظريته بوقت أبكر مما فعل، طورت نظرية داروين على مدار السنين بعد أن قبلتها المجتمعات العلمية وغيرها، لتحل بذلك محل جميع النظريات التي سبقتها على مدار التاريخ البشري منذ بداية العصور الحجرية.

ولكن زيارة داروين للجزر النائية في المحيط الهادئ، لعبت دورا هاما في صياغة نظريته الشهيرة عن أصل الأنواع.

مكنه التكيف الغريب الذي وجده في جزر الحمم والمرجان، من صياغة نظرية متماسكة، عن نمو وتطور جميع المخلوقات، وعلى رأسها الإنسان.

وهكذا تمكن علميا من حل ما كان يصفه بلغز الألغاز.

 

--------------------انتهت.

إعداد: د. نبيل خليل

 
 
 
 



 

 

 

 

 

من نحن | | إبدي رأيك | | عودة | | أرسل الى صديق | | إطبع الصفحة  | | اتصل بنا | | بريد الموقع

أعلى الصفحة ^

 

أفضل مشاهدة 600 × 800 مع اكسبلورر 5

© جميع الحقوق محفوظة للمؤلف 1423هـ  /  2002-2012م

Compiled by Hanna Shahwan - Webmaster