اتصل بنا

Español

إسباني

       لغتنا تواكب العصر

من نحن | | إبدي رأيك | | عودة | | أرسل الى صديق | | إطبع الصفحة | | اتصل بنا | |بريد الموقع 

 
 

 

 

 

 أربط بنا

وقع سجل الزوار

تصفح سجل الزوار

 أضفه إلى صفحتك المفضلة

 اجعله صفحتك الرئيسية

 
 
 
 

 

 

 

 
 بعثات 3 - الجزر المنسية
 

لوس روكيس

 

الأدغال حزينة. لا يوجد عصافير، اذهب إلى الجانب الآخر من البحر، أبحر الرجال وأبحروا حتى وصلوا إلى الجانب الآخر من البحر، حيث رأوا الكثير من العصافير.

الجزر المنسية

          يسمونها جزيرة الطيور، لأنها مسكونة بأنواع لا حصر لها، ولا يكاد يسكنها البشر، فيها الكثير من أشجار البرتقال، ولكن أرضها عقيمة، ليس فيها مياه عذبة. الأسماك وفيرة، إلى جانب السلاحف على أنواعها. هناك أعداد هائلة من أعشاش الطيور المليئة بكميات من البيض.

          على الدرجة الحادية عشرة والنصف وعلى مسافة أربع أو خمس فراسخ نحو الجانب الشرقي تقع ثلاثة أو أربع جزر.

          يقع أرخبيل لاس آفيس أي الطيور، وسط مياه مياه الكاريبي الدافئة، على الشواطئ الشمالية الشرقية لفنزويلا، وتحديدا بين جزيرتي بونير ولوس روكيس. وهو يتشكل من مجموعتي حيد بحريين هما ويندورد آفيس، وليوارد آفيس.

          تفصل بين أرخبيل لاس آفيس وشواطئ فنزويلا مائة وستين كيلومتر من المياه العميقة.

          تحدد ندرة المياه العذبة سكانها، لتقتصر على الأنواع التي تمكنت من التأقلم مع الظروف الطبيعية القاسية.

          تمكن الإنسان من بلوغ هذه الشواطئ لأول مرة بعد ساعات طويلة من الملاحة لعبور مسافات بعيدة من البحار العميقة على متن زوارق صنعت من جذع واحد.

          لم تتغير هذه المناطق النائية رغم مرور الزمن. عثر علماء الآثار هنا على إشارات من الماضي. ترك إنسان ما قبل كولومبوس أثرا واضحا في هذه الأرض المحاطة بالبحر والرمال والشمس.

=-=-=-=-=-

الجزء الثاني

سعيا لمزيد من التعرف على الماضي، عمل أندري ومريانا أنتساك على استكشاف الجزر الفنزويلية طوال السنوات الأحد عشرة الماضية، حيث جمعوا الأشياء التي تركها البشر وهي تتحدث عن بنفسها عن التاريخ هناك.

          تمكنوا من خلال الحجارة، والأصداف، والحلي، وقطع السيراميك والعظام، من تفصيل الحياة اليومية للبشر في مراحل مختلفة من تاريخنا.

          مضت ثمانمائة عام تقريبا على إطفاء هذا الموقد الذي نراه في قاع تلك الحفرة.

          سبق لرجال داباهورو أن خيموا هنا، وهم مجموعات بشرية جاءت من ولاية فلكون الواقعة على شواطئ فنزويلا، ولا شك أنهم جاءوا بحثا عن  الأغذية المتوفرة بكثرة في هذه الجزر، كما هو حال الأصداف الكبرى والسلاحف والطيور والملح.

          اختارت قبائل الداباهورو أفضل ما لديها من صيادين وخبراء في الملاحة للإبحار نحو هذا الأرخبيل البعيد. انتخب هؤلاء الرجال لاستطلاع الأراضي الجديدة والعودة بالأغذية الغنية بالبروتين والمواد الخام إلى أقاربهم على شواطئ القارة.

          عوضت كثرة الأسماك المتوفرة في الجزيرة عليهم عناء السفر الطويل قادمين من الشواطئ. وقد استعملوا الشباك المصنوعة من ألياف النخيل لصيد الأسماك. وأحيانا ما كانوا يستعملون الشراك الكيسية المصنوعة من الخشب.

          تستمر حملات الصيد وجمع الثروات عدة أسابيع. استعان الهنود بالملح لحفظ الأسماك التي تجمع طوال هذا الوقت، إذ كانوا يستخرجونه من برك الأرخبيل الطبيعية.

          تتشقق برك مستنقعات الملح لتتشكل منها كتل ملح الهائلة. بعد سحق هذه الكتل على الصخور يستعمل الملح في الطهي وحفظ اللحوم.

          بعد تنظيف لحم السمك جيدا يضعون عليها كميات كبيرة من الملح، ثم يغسلونها للتخلص من الملح الفائض، ويعرضونها لأشعة الشمس لعدة أيام. وما زال الصيادون حتى اليوم يتبعون هذا الأسلوب القديم.

أنتساك: هذه أجزاء من صدفة سلحفاة اخترقت برمح من الهنود، الذين كانوا يصطادون السلاحف بالرماح والشباك أو الإمساك بها بأيديهم. عندما تأتي أنثى السلاحف إلى الشواطئ لوضع البيض، كان الهنود يقلبونها على ظهرها فتعجز عن الحراك.

          تضع كل من هذه السلاحف ما بين مائة ومائتي بيضة في الليلة الواحدة. وهي تحميها من المفترسين بوضعها في ثقوب عميقة تحفرها في الرمال. ولكنها عادة تخلف آثارا لها على الشواطئ، ما يكشف بسهولة عن موقع البيض.

          وما زالت هذه الأعمال تمارس حتى اليوم للأسف الشديد في جميع الجزر التي تأتي إليها السلاحف لوضع البيض، ما يهدد السلاحف البحرية على أنواعها بالانقراض.

          هناك حيوانات أخرى تقتاد عليها هذه القبائل كما هو حال السلاحف، التي تعتبر مهددة بالانقراض، من بينها ما يعرف بالصدفة الملكة التي تختبئ في هذه الصدفة الهائلة التي تستعين بقوة سيقانها لتحمل بيتها وتتنقل فيه عبر المياه الضحلة بين أعشاب البحر والرمال.

          تعتبر هذه اللحوم الرخوية  مغذية جدا، لهذا يجد فيها الهنود مصدر غذائي غني، كما يستعملون الصدف في صنع الأدوات وجمع الماء.

          يؤكد تجمع آلاف الأصداف في مكان واحد استعماله كورشة عمل لرجال الداباهورو الذين صنعوا من الأصداف أدوات متنوعة.

          لا شك ان هذا مكان مميز وفريد جدا في آثار الجزر الفنزويلية، فهو يشكل ورشة أعدت ما قبل الاسبان لأصداف الملكة. كان الهنود هنا يحطمون أعدادا كبيرة من الأصداف لصنع أدوات يأخذونها إلى الوطن للتجارة والتبادل.

          عثر على كميات كبيرة من العقود المصنوعة على شكل خفاش من صدف الملكة، إلى جانب أدوات مشابهة أخرى وجدت في مواقع أثرية سبقت مجيء الاسبان في جبال الأنديس الفنزويلية. من المحتمل أن تكون غالبيتها قد صنعت في هذه الورشة.

          أدى غياب المياه العذبة في هذه الجزر لإجبار الهنود على البحث عن سبل لجمعها.

          من المدهش الاكتشاف بأن هذه الصدفة تتسع لنصف لتر من الماء.

          عند مقارنة أكوام الأصداف التي تراكمت قبل مجيء الاسبان مع الأصداف العصرية وجدنا أن القديمة كانت أصغر حجما. ما يعني أن الهنود في تلك الفترة لم يستنزفوا كميات الأصداف عشوائيا بل أحسنوا استعمالها.

لم تنجو طيور الأرخبيل التي تحلق  باستمرار فوق الجزر من صيد الهنود. عثر علماء الآثار في الأرخبيل  على عظام صغيرة لطيور البجع والنورس والنحام ما كشف عن مصادر غذاء الداباهورو ووسائل صيدهم.

          تمكنت أيدي الفنانين من تحويل هذه العظام إلى خرز صغير يستعمل في صنع العقود، وقد عثر علماء الآثار عليها  بعد عمليات بحث دقيقة في عدد من الحفر والمواقع. قد يسمي الأطفال هذا النوع من البحث مجرد لعبة ولكنها عملية تنخيل للرمال.

          اكتشف علماء الآثار العاملين في هذه الجزر أساليب صيد قديمة هي من أشد الجوانب إثارة للدهشة في أعمالهم.

          بعد التنخيل بشباك ناعمة أخذنا إلى المختبرات كميات كبيرة من حصى الأذن الفكية، وهي حصى كلسية توجد في جماجم السمك، إلى جانب الحراشف وجزيئات أخرى من العضويات البحرية. تعتبر هذه البقايا أشبه بالبصمات التي تساعدنا على تحديد هوية الأسماك.

          بعد إتمام المهمة في هذه الجزر بعد أسابيع من العمل الجاد يستعد الداباهورو للرحيل عبر طقوس وشعائر مقتضبة يبدءون بها ساعة الفجر.

          كان الصيد وفيرا، وقبل العودة إلى مناطقهم، يشكر الهنود آلهة البحر على كرمها، ويرجونها عودة آمنة إلى الديار.

          بقيت آثارهم عبر الزمن كدليل قاطع على إقامتهم في هذه الجزر.  فالرياح والرمال قد حولت الحضارات الحية إل مجرد آثار.

=-=-=-=-=-=

الجزء الثالث

الأمطار في هذه الجزر متقطعة، لهذا تمكن أشهر الجفاف الطويلة علماء الآثار من قضاء فترات طويلة في الحفريات.

          إلا أن شمس الظهيرة هنا قاسية جدا. تبرز من بين الصخور شواهد من الماضي تكلست عبر أشعة الشمس.

يعتبر السيراميك من أكثر العناصر الدائمة وفرة في مجال الآثار في العالم. فمن خلال أشكالها المتنوعة وبنيتها المادية، والديكور، نستطيع التعرف على التشابه والاختلاف بين الشعوب التي صنعتها، والتوصل بذلك إلى ما يعرف بالثقافة الأثرية.

          عند العودة من حق العمل، نأتي معنا بأكياس مصنفة مليئة بالسيراميك الذي علينا تنظيفه وتصنيفه وإعادة بنائه ومعالجته لحفظه. بعد أشهر من التصنيف والقيام بعدة أشكال من التحاليل  تبدأ هذه العناصر بالتحدث إلينا عن الماضي.

          لاحظنا أنه لا يوجد جزيئات من أواني المياه العذبة والجرار. يوحي ذلك بأن الهنود قد حلوا مشكلة ندرة المياه في الجزيرة.

ما هي الاستراتيجية المتبعة في حفر الخنادق؟

وجدنا في أرخبيل آفيس ثلاث مواقع للهنود، كانت المواد الأثرية فيها جميعا نادرة ومبعثرة أفقيا، مع آثار قليلة من الأطعمة، لهذا السبب اتبعنا استراتيجة في الحفر تعتمد على الغوص في مربعات تصطف كالمعينات على طريقة تحريك الفيل في الشطرنج.

بعد سنوات من الدراسة والاستطلاع  أصبح الزوجين أنتساك يدركون كيفية تنقل مجموعات الهنود بين الجزر والقارة.

يحتل أرخبيل آفيس أهمية بارزة في المشهد الأثري العام لجزر فنزويلا، ذلك أنها تشكل منطقة حدودية بين تجمعين بشريين يعيشان على شواطئ فنزويلا. الدباهورو الذين تمكنوا من الوصول إلى لوس روكيس بين الحين والآخر، وقد جاءوا من باراغوانا، وجزر الأنتيل الغربية الواقعة في الغرب. أما مجموعات الفلينسيو فلم تتمكن من اختراق الحدود لبلوغ أرخبيل لاس آفيس، وقد جاء من لا أورتشيلا ولوس روكيس في الشرق. لهذا فنحن في منطقة حدودية كانت تشهد صدامات بين ثقافتين سبقتا وصول الإسبان إلى هنا.

سكنت هذه الطيور البحرية على هذه الجزر باستمرار، وهي شاهد على مرور الزمن فيها.

          يعتبر الأطيش من أكثر الطيور التي سكنت هذه الجزر، وهي أحيانا ما تسمح للطيور الأخرى بسرقة طعامها، لهذا أحيانا ما تسمى بالعربية بالطيور المغفلة، وبالإسبانية بوبا أي غبية.

          تسكن هذه الجزر أيضا طيور النورس الضاحك، وخرشنة السّخام، والأبله البني الذي يزور جزر أخرى من حوض الكاريبي إلى جانب الشاطئ الفنزويلي.

          تركت بعض الجزر الصغيرة فقط لهذه الطيور كي تركز عليها وتحلق بحرية دون إزعاج من أحد. أدى العبث في أعشاش الطيور إلى رحيل الكثير منها عن هذه الجزر كما هو حال النُحام الذي لجأ إلى جزيرة بونير.

          شهدت الطيور القليلة الباقية ما شهدته الجزر من متغيرات دائمة، وتحولت إلى شواهد وضحايا لما يتعرض له الأرخبيل من استغلال وإهمال دائمين.

          جلب هذا الأرخبيل إليه الكثير من المستكشفين. درج الكثير من المغامرين على زيارة هذه الجزر باستمرار، علما أن الحظ لم يحالفهم جميعا أثناء الملاحة في الجوار، فأجبروا على البقاء هنا إلى الأبد.

          عام ألف وستمائة وثمانية وسبعون قام كونت إستريس، نائب أدميرال الوحدة الفرنسية العاملة في الهند الغربية، قام بتنظيم وحدة قوية لمحاربة هولندا في كوراكوا، فقاد بارجتين ووحدة بحرية تتألف من خمسة عشر سفينة أو أكثر.

          في السابع من أيار مايو انطلق الأسطول المؤلف من ثلاثين سفينة متوجها إلى كوراساو. في الليلة الرابعة من الرحلة، وفي الساعة الثامنة، كان الأسطول الفرنسي، يبحر بالسرعة القصوى، فاصطدم باليابسة ودمر بالكامل عدى سفينتين كبيرتين ومركبين صغيرين كانت تبحر خلف البقية، فتمكنت من تعديل وجهتها. وهكذا تحولت خمسة عشر سفينة إلى ركام.

          تولّت الأمواج المتلاطمة على هذا الحيد البحري الضحل تحطيم وإتلاف  بقايا السفن الفرنسية الخمسة عشر. بقيت هذه المدافع المصنوعة من البرونز شاهدا حيا على تلك الحادثة. كانت حديثة في القرن السادس عشر، ذلك انها كانت تتحمل ضغط داخلي هائل، ما يعني شحنها بمزيد من ملح البارود، لهذا كانت قادرة على رمي القذائف على مسافات أبعد من المدافع الحديدية.

          تشكلت هذه الفرقة من سفن حربية مميزة إذ تسلحت بأكثر من ثلاثين مدفعا من البرونز. ورغم كونها أبطأ من السفن الأخرى إلا انها تمتعت بكثافة نارية أكبر. كما أن البدن الذي يحمل البنية بكاملها كان ضعيف جدا، هذا ما جعلها تتحطم أثناء الصدمة وبعدها إلى عدة أجزاء صغيرة.

          حالت الأمواج العاتية دون عمليات البحث عن السفن الغارقة. والآن على حطام السفن أن يبقى في البحر، حتى يتمكن علماء آثار البحر من الكشف عن تاريخ توارى لأثر من ثلاثمائة عام بين هذا الحطام.

          أبعد كونت إستريس من الأسطول، ليصبح غرامونت الذي اشتهر بين قراصنة تلك الفترة مسؤولا عن المنطقة. تقول بعض الحكايات أنه عندما كان يتعرض للمطاردة من قبل السفن كان يفر إلى أرخبير لاس أفيس، حيث يفاجئ عدوه ويتخلص منه عبر اللجوء إلى الممرات المرجانية.

          هذا المكان الذي يتشكل من حيد بحري طويل يتقطع أحيانا بممرات ضيقة تعرف بمعابر القراصنة، التي تعتبر تحديا لأي بحار يجرؤ على عبورها.

          المرجان الذي لا يكاد يطفو فوق البحر يفاجئ البحارة الذين يجرءون على الملاحة في هذه المياه.

          يحاول دليلنا تحت الماء مايكل أوسبورن مع القبطان سلاسار التوصل إلى طريقة لعبور حيد المرجان دون إيذاء المركب.

          وهكذا قادنا الفضول إلى المخاطرة في محاولة عبور هذا الممر.

          تبرز الرؤوس المرجانية وحدها من فوق سطح الماء، كما أن الأمواج العاتية قد تدفع المركب وتغرقه تحت الماء.

          ومع ذلك تمكنا من السير على خطى القرصان غرامونت فتغلبنا على مصاعب البحر وحبرنا خط الحيد المرجاني.

=-=-=-=-=-=

الجزء الرابع

يزدهر المرجان الأسود على أعماق تزيد عن المائتي قدم، حيث يعجز الضوء عن الوصول. أي انه على خلاف أنواع المرجان الأخرى يستطيع العيش بدون أشعة الشمس. هذه الأغصان الجميلة ثمينة لصنع الجواهر وأعمال فنية أخرى. في المنطقة التي تتعرض فيها هذه الجزر للرياح مباشرة، تمزق قوة الأمواج أغصان المرجان وتدفعها نحو الشاطئ حيث تتراكم وتشكل مصطبة من اليابسة.

نجد هنا كميات كبيرة من الحجارة المرجانية المنتشرة بين النباتات. قد لا تبدو هذه ظاهرة هامة بالنسبة للشخص العادي، أما علماء الآثار فيعتبرون هذه المنطقة ذات أهمية تاريخية.

          إذا نظرنا عن قرب سنرى بأن الحجارة المرجانية تشكل دائرة كاملة قطرها ثلاثين قدم. مع نهاية القرن الماضي أشعلت مواقد الكلس هنا. كيف عرفنا ذلك؟

          إذا نظرنا عن قرب سنلاحظ عدة بقع من التربة السوداء ضمن الدائرة الكبيرة لحجارة المرجان. هذه البقع هي كميات كبيرة من الرماد الذي يعود إلى خشب المنغروف، الذي استعمل وقودا في لمواقد الكلس. هنا، في هذه المنطقة من المسطبة نحو اليمين واليسار، انتخب العمال حجارتهم وحملوها إلى مواقد الكلس عبر هذه الممرات.

تولى العبيد السود على وجه الخصوص مهمة استخراج الكلس وإشعاله، وقد جيء بهم إلى هنا للقيام بهذه المهمة تحديدا.

          كان العمل يبدأ مع الفجر، وعند الظهر تصبح الحرارة كالجحيم، فمات الكثير من العبيد إرهاقا.

رغم الاتجار بالكلس المستخرج في الجزر الهولندية وعلى شواطئ فنزويلا، إلا أن جزءا منه استعمل في هذه الجزر. لدينا مثال على ذلك في المنارة التي شيدت على جزيرة غران روكي.

          وضعت هذه الكومة من الكلس المستخرج من المواقد هنا منذ عدة عقود، ولم يتم نقلها إلى الهدف النهائي، لم تتأثر هذه المسطبات باستخراج الحجارة الكلسية، ولكن مساحات شاسعة من المنغروف قد دمرت للحصول على الوقود.

          بدأ استغلال المنغروف بكميات كبيرة في فنزويلا خلال القرن الماضي، حيث قطعت أشجار عالية وأحرقت للحصول منها على الفحم.

          تفاقمت الكارثة مع وصول السفن البخارية، أثناء الترحال عبر الكاريبي كانت هذه السفن تتوقف في الجزر للحصول على حاجاتها من الوقود المؤلف من حطب المنغروف.

          تعتبر هذه الأشجار من طلائع مناطق الجزر، فهي تشكل حدودا بين اليابسة والبحر، كما أنها النباتات الوحيدة على الأرض القادرة على التأقلم مع ظروف الملوحة القاسية في سعيها لتوسيع مساحاتها الجغرافية وتشكيل الجزر العتيدة على أشكالها.

          تتمسك جذورها العميقة بالرمال فتكسب المساحات على حساب البحر، وهي تتمتع بآلية لتصفية الملح فتمتص المياه العذبة وحدها.

          يسكن في مستنقعات المنغروف أكثر من ثمانين نوعا من الكائنات موزعة على مختلف الأنظمة البيئية. تنتهز الطيور ما فيها من مساحات جوية فتستعمل أعالي الشجر لبناء أعشاشها هناك. لا شك أن استغلال أشجار المنغروف يؤدي إلى تدمير النظام البيئي والقضاء على الكائنات التي تعيش عليه.

          تحولت بعض بحيرات الأرخبيل الداخلية إلى مستنقعات ملح نتيجة تبخر المياه، وهي محاطة بمستنقعات المنغروف.

          تحيط بهذه البرك كتل صغيرة من الملح الطبيعي، ما جلب إليها بعض التجار، إلا أن صناعة الملح لم تزدهر في لاس آفيس. مع ذلك ازدهرت أعمال أخرى جلبت لأصحابها أرباحا هائلة.

هذه هضبة صغيرة مغطاة بنبتة الرُجّلة التي تحتوي على سلعة طبيعية أصبحت مطلوبة جدا مع نهاية القرن في أسواق أمريكا الشمالية وأوروبا. استعمل المزارعين هذه السلعة التي تعرف باسم غوانو وهي فضلات الطيور البحرية سمادا للحقول الزراعية.

          خلال السنوات الأخيرة من القرن الماضي، شيدت هنا بنى تحتية كانت مدهشة في تلك الفترة.  وقد شملت منازل للعمال والموظفين، ومرفأ، وعدد من المخازن، إلى جانب سكك حديدية تحمل غربات صغيرة مليئة بالغوانو.

وقعنا اتفاق مع الحكومة لخمسة عشر عاما، سنجمع ثروات من الفوسفات الكلسية.

فعلا،أرسلنا ثمانية شحنات إلى هامبورغ، وسنرسل هذا الأسبوع حمولة أخرى. كم تتلقى الحكومة ثمن كل حمولة؟

ستة بوليفر وربع ثمن الطن الواحد. ولكن يجب أن نعمل بسرعة أكبر. دع الرجال يتابعون. لا بد من إرسال الشحنة مهما كلف الأمر.

مستحيل، لا يمكن للعمال تحمل المزيد. لقد أكلوا الأسبوع الماضي مرة واحدة في اليوم. بالأمس كاد احد رجالي يغرض في البحيرة، وقد أصيب ستة منهم بالمرض.

هيا تحركوا لقد جاءت العربة.

                   أريدكم أن تملئوا هذه العربة بسرعة، يجب أن تغادر غدا.

                   هيا كفوا عن التذمر ادفعوا هذه العربة.

يخفي البحر جزءا من التاريخ في الأعماق. يفاجأ الغطاس هنا بأعداد كبيرة من حجارة البناء وقطع الطين.

             مزقت حركة الأمواج السفينة بالكامل، ما حال دون معرفة المزيد عن غرقها. إلا أن السفن وقطع السيراميك الأخرى تكشف عن جزء من الماضي.

          عند مقارنة هذه القطع بتلك التي نعثر عليها في القارة، يتبين لنا أنها كانت ملكا للشركة التي تتاجر بالغوانو في الجزيرة خلال القرن الماضي.

          نعيد هذه القطع إلى الأماكن التي وجدت فيها، ليتمكن العلماء الذين يملكون التكنولوجيا من الكشف عن الماضي بتفاصيله.

لم يدم الازدهار  طويلا. وقد تحولت المنشآت المدهشة إلى ركام غطته الأعشاب. وهي اليوم تشكل جزءا من تاريخ أرخبيل لاس أفيس.

=-=-=-=-=-=

الجزء الخامس

متابعة لتقاليد بدأت قبل وصول الإسبان إلى هذه الشواطئ، يستمر اليوم بعض الصيادين باعتماد السبل البدائية، ولكنهم أضافوا عنصرا جديدا كما هو حال الرمح الهوائي.

          على هؤلاء البحارة الذين أمضوا حياتهم بين الأمواج واليابسة أن يعملوا بجهد لضمان الانتاجية. وهم يشبهون الصيادين الهنود الذين جاءوا إلى هنا بالسهام والزوارق والشباك بحثا عن الثروات البحرية التي كان الأرخبيل غني بها على الدوام.

بوجود الخزان هوائي لا يجد السمك مهربا، لأني أصبح على مستواه، إذ أستطيع الاستمرار بالصيد لأكثر من ساعتين وتعقبها في مخابئها. ولكن استعمال الرئتين ليس مشابها، عندما أطلق السهم على سمكة يجب أن أصيبها وإلا عليّ الصعود ثانية، وعندما أعود غليها لن أجدها هناك. هذه حياة صعبة جدا، فهي تناسب المغامرين، والحقيقة أني لا أتمناها لأبنائي.

          تربط أنشطة البحر بين الصياد الحالي وأسلافه من البحارة والهنود، كما أن حياتهم حافلة دائما بالحكايات والمعتقدات التي تولد أثناء الأحاديث الطويلة في الليالي المُقمرة. الأكولونغو مخلوق خيالي أشبه بعروس البحر، يعتقد أنه يحمي تاريخ هذه الجزر.

           أما حماية هذه الجزر الحقيقية فهي في أيدي حراس الشواطئ.

تكمن مهمتنا بحماية الشواطئ وزيادة  الأمن البحري، وحماية البيئة، والثروات الطبيعية إلى جانب النقل البحري ومكافحة القرصنة وتجارة المخدرات.

يربط بين الحاضر والماضي بئر المياه العذبة الوحيد في هذه الجزر، الذي رأى زيارات بشرية مختلفة تأتي وتذهب عبرها.

كثيرا ما نسأل أنفسنا عما نفعله في هذه الجزر النائية، حيث نعجز أحيانا عن إيجاد المياه العذبة، حيث لا يوجد فاكهة أو حيوانات، لماذا لا نذهب للعمل في الأهرامات المصرية؟ حيث نكتشف قبور غنية للملوك والمعابد القديمة.

          لا شك أن الهنود الذين زاروا هذه الجزر لم يخلفوا وراءهم مبان هائلة. لا يوجد معابد أو كنائس هنا، ولكن هناك شيء بالغ الأهمية، لا يبحث علماء الآثار عن الكنوز، بل نبحث عن الكائنات البشرية، ما نحاول القيام به هو منح هؤلاء الناس المكانة التي يستحقونها في التاريخ، لن يكون هذا ممكن دون عملنا، ومن المحتمل أن تضيع هذه الآثار الصغيرة إلى الأبد.

يحمي الأرخبيل أسرار ماضيه، وقد أصبح بعض الذين كشفوا عن هذه الأسرار جزء من هذا التاريخ. وكأن هذه الجزر تريد أن تبقى منسية.

--------------------انتهت.

إعداد: د. نبيل خليل

 
 
 
 



 

 

 

 

 

من نحن | | إبدي رأيك | | عودة | | أرسل الى صديق | | إطبع الصفحة  | | اتصل بنا | | بريد الموقع

أعلى الصفحة ^

 

أفضل مشاهدة 600 × 800 مع اكسبلورر 5

© جميع الحقوق محفوظة للمؤلف 1423هـ  /  2002-2012م

Compiled by Hanna Shahwan - Webmaster