اتصل بنا

Español

إسباني

       لغتنا تواكب العصر

من نحن | | إبدي رأيك | | عودة | | أرسل الى صديق | | إطبع الصفحة | | اتصل بنا | |بريد الموقع 

 
 

 

 

 

 أربط بنا

وقع سجل الزوار

تصفح سجل الزوار

 أضفه إلى صفحتك المفضلة

 اجعله صفحتك الرئيسية

 
 
 
 

 

 

 

 
 من الاندماج النيوليبرالي إلى الإندماج الشعبي والتضامني
الخيار البوليفاري ألبا ALBA: خيار واقعي لأميركا اللاتينية
 

أمريكا اللاتينية

 

أصبحت الولايات المتحدة الأميركية القوة العالمية الأولى في كل المجالات. مع إنتاج داخلي خام بقيمة 11.25 مليار دولار سنويا، وأكثر اقتصاد متطور في المعمورة إلى حد بعيد. يليها اليابان بنمو أقل بستة عشرة مرة.

بديهي، أن الاندفاع الحاصل منذ عقود، للقوة التي اتصفت بها الولايات المتحدة الأميركية، منذ منتصف القرن التاسع عشر والتي سمحت بأن يعتبر القرن العشرين "عصرا أميركيا"، بدأ يضعف. وفي أيامنا، ورغم سقوط المعسكر الاشتراكي في أوروبا، بقي حضور أميركا الشمالية المهيمن على الكوكب غير قابل للنقاش، وقوتها العسكرية الهائلة لا تترك أي شك: في كونها قوة لا تقهر، أكثر مما كانت في ذروة الحرب الباردة.

لكن اقتصادها بدأ يفقد اندفاعه، وهذا ما يدركه إستراتيجيوها. وإذا كان من غير  الممكن التأكيد بأن الأمر يتعلق "بعملاق من ورق"، فإن الاتجاه الذي يتصف به نموها لم يعد بالقوة التي لا تقاوم. فقد ظهر على الساحة، من ناحية، اتحاد أوروبي خرج كليا من تداعيات الحرب العالمية الثانية بواسطة العملة القوية الموحدة، ومن ناحية أخرى، الصين، التي من خلال دمج غريب بين رأسمالية ورقابة للدولة مفروضة من قبل حزب ما يزال يسمي نفسه شيوعيا، ما يدل على وجود قطبين يملكان حيوية واندفاع أكبر مما هي عليه الحال في الولايات المتحدة اليوم، وهذا ما بدأ يرخي بظلاله فعلياً عليها.

في هذا السياق الجديد، مع اقتصاد ينمو بطريقة غير متناسقة من خلال استهلاك 30% من الإنتاج العالمي بينما عدد سكانها لا يمثل 5% من سكان العالم، تؤدي الدينامية الاجتماعية الثقافية التي تتصف بها الولايات المتحدة، بالرغم من تباطؤ نموها، إلى المزيد من طلب الرفاهية، مما يسبب، بشكل عام، دخول البلاد في عملية ركود وانهيار لا يعالج، وتعيش دائما على مزيد من الاقتراض الذي يعتمد بشكل متزايد على ثروة الآخرين (كمصادر مادية وكتحويلات مالية). إن بقاء الهيمنة الأميركية يعني بالنسبة لواشنطن الحفاظ على مستوى معيشي فقد مبرراته ولكنه يستقوي، ويستمر في الاستقواء على الأقل في المدى المنظور، بفضل منطق القوة الخالصة (راجع: في السيطرة الإمبريالية المستندة إلى حروب السيطرة).

تبعاً لهذا السياق الذي تسعى من خلاله الولايات المتحدة لخلق فضاءات للتسلط تم وضع إستراتيجية "منطقة التبادل الحر في القارة الأميركية"[1]، ألكا ALCA. إنه مشروع جيوبوليتيكي بالنسبة لواشنطن، وهو وإن بدأ بخلق منطقة تبادل حر لكل بلدان القارة الأميركية، إلا أنه في الواقع، يبحث عن إقامة نظام شرعي ومؤسساتي طابعه يتجاوز الحدود الوطنية ويعطي للسوق وللشركات المتعددة القومية الأميركية-الشمالية حرية مطلقة للفعل في مجال تأثيرها التقليدي المعروف باسم "الحديقة الخلفية الأميركية اللاتينية".

وفي الواقع، ثمة خطوات هامة أنجزت لتحقيق المشروع: "اتفاقية التبادل الحر لأميركا الشمالية" Accord de Libre Echange Nord Americain ALENA  التي تعمل منذ العام 1994. وهي عبارة عن اتفاق معقود بين الولايات المتحدة الأميركية وكندا والمكسيك، وهي بالواقع، لم تخدم إلا الولايات المتحدة وكندا. إضافة إلى كافتا  CAFTA-RD "معاهدة التبادل الحر بين الولايات المتحدة، وبلدان أميركا الوسطى وجمهورية الدومينيكان" التي هي في طور التوقيع. إن هاتين المعاهدتين تشكلان المقدمة للتوقيع على اتفاقية ألكا كآلية استتباع أميركية.

على البلدان الملتزمة بهذه الاتفاقية أن تدستر constitutionnaliser الاتفاقات النابعة من نصها، مظهرة هكذا إضعاف قدرتها على المفاوضة والتزامها بإلغاء سيادتها من أجل تسيير سياساتها التنموية. وفق التصريحات الأكثر فصاحة لكولن باول، الوزير السابق في إدارة بوش: "مع ألكا يصبح هدفنا أن نضمن للمشاريع الأميركية مراقبة المساحة الممتدة من القطب الشمالي إلى القطب الجنوبي، والانتقال الحر، دون عوائق ولا صعوبات، لمنتجاتنا وخدماتنا وتقنياتنا ورساميلنا لتشمل نصف الكرة الأرضية".

بتعابير أخرى: ستكون القارة أسيرة لجيوإستراتيجية واشنطن في السيطرة المبنية على النهب الممأسس للمواد الأولية والمصادر الطبيعية، واستغلال الأيدي العاملة الرخيصة، وعلى طرح منتجاتها الخاصة في منطقة سيطرة الدولار. بديهيا، إن ضمانة المشروع ستكون في نهاية الأمر بواسطة السلاح.

ستكون دول أميركا اللاتينية والكاريبي خاسرة بعد التحرير الشامل للتجارة والاستثمارات التي ستقيمه ألكا. والمطلوب الآن تعميق عمليات الإنفتاح والتصحيح النيوليبرالي العائد للتسعينيات التي أحدثت ضرراً بالغاً للإنتاج الوطني، من خلال تعريض الصناعة والزراعة في أميركا اللاتينية لمزاحمة غير قانونية وغير صحيحة مع الولايات المتحدة، وهذا ما سيدخل هذين القطاعين في عملية إنهاك وسيعرض عدد غير متوقع من فرص العمل للضياع. وسوف يتعمق الفقر ويزداد الحرمان الاجتماعي.

 

إن مناقشات كيبك عام 2000 التي دارت بين مختلف دول القارة والهادفة إلى السير باتفاقية ألكا كانت على خلفية وجود عدة مستويات متفاوتة، ليس على الصعيد الاقتصادي فحسب بل على صعيد مستوى التطور.

ولكي يكون مشروع الدمج صحيحا، ينبغي البدء بتخفيف تلك الفوارق الهائلة. في الحالة المعاكسة، يستحيل النقاش بطريقة متكافئة. وإذا لم تتحقق الأفعال الهادفة إلى تحسين الشروط الاجتماعية والإنتاجية، فإن بلدانا تملك خصائص متفاوتة ستخضع بنفس الشروط للهيمنة الأميركية. سوف تظهر تلك البلدان مضطرة للدخول ضمن نفس القواعد على الرغم من عجزها وضعفها، وهذا ما جرى الحديث عنه مطولا في عدم المساواة ضمن ما يسمى "حرية" التجارة.

انطلاقا من الفوارق الاقتصادية والاجتماعية المتفجرة والمثيرة والتي تجتاح المنطقة (أميركا اللاتينية هي المنطقة الأقل مساواة في الكوكب وتشهد أكبر تمركز للثروة بين أيدي الأقلية)، فإن المطروح بشكل ملح هو ضرورة تقوية وتفعيل وظيفة الدولة في مواجهة المشاكل الحالية المتعددة.

ولكن، في الاتفاقيات الأساسية للتبادل الحر التي هي قيد النقاش في النصف الجنوبي لأميركا، فإن المقترح هو إعطاء قوة قانونية للإصلاحات الليبرالية التي وضعت ضمن دائرة الخطر حكومات ديمقراطية عبر نسف قواعدها الاجتماعية والسياسية من خلال الإفقار المتزايد لشعوبها. فبدون وجود دولة ناظمة وفعالة (كما هي الحال في الدول المتطورة ومن بينها الولايات المتحدة الأميركية)، يستحيل على الإطلاق تفعيل سياسات ناجعة لمحاربة الفقر والتخلف والاستبعاد. والحال، تسعى ألكا بالتحديد إلى نوع من تصفية الدولة الوطنية.

دون أدنى شك، لم تكن المناقشات الجارية شفافة. لقد جرى إقرار وتأكيد الشروع في تنظيم مشاورات تسمح بأوسع مشاركة للمجتمع المدني في عملية نقاش المعاهدة، ولكن لغاية الآن، كانت الشفافية جد محدودة. إنه فقط وبعد ضغط شديد من قبل جمعيات المجتمع المدني، تم نشر أول مشروع للمناقشات وذلك في حزيران عام 2001.

أما المشروع الثاني فقد كان في تشرين الأول عام 2002. أظهر هذان المشروعان الحدود الضيقة جداً للشفافية، لأنه كان من المستحيل معرفة البلدان التي تقدمت باقتراحات ما وما مواقف حكوماتها في المفاوضات. وفي الواقع، فإن المواقف السرية للممثلين تنفي بالجملة كل إمكانية للنقاش الشعبي، المستعلم والديمقراطي. ذاك بالتحديد الثمن الضروري للديمقراطية. بينما ذلك الغرام بالسرية يفسر بذاته ضعف احتمالات الغالبية العظمى بمعرفة ما كان يحاك.

تبدي الولايات المتحدة استعجالاً خاصاً لتنفيذ ألكا. إن إلحاحها في تحقيق هذا الاتفاق يستند إلى ضرورة استفادتها من ضعف التكامل الإقليمي والمحلي الذي يسمح لها بالتمتع بالوضعية المؤثرة ، بل المهيمنة على بلدان المنطقة. فاندماج بلدان أميركا اللاتينية وبلدان الكاريبي اليوم ولأسباب عديدة ضعيف جدا.

بينما ترى واشنطن أن فوز وترسيخ القوى الديمقراطية التقدمية في بلدان هي على احتمالات في القدرة الاقتصادية كالأرجنتين والبرازيل وفنزويلا، والتي يضاف إليها بلدان أخرى حيث يفرض اليسار نفسه كالأوروغواي، ويمكن أن يفرض نفسه كبوليفيا ونيكاراغوا، أو يحكم ككوبا، بوصفه احتمالا واقعيا لأن تشكل منطقة أميركا اللاتينية والكاريبي الموحدة جبهة بوجه قوى السيطرة الخارجية. وهنا يتعلق الأمر بتهديد حقيقي للنيوليبرالية التي تشغل دائما تفكير قسم كبير من النخب السياسية والاقتصادية في المنطقة.

وبالإضافة إلى الخلل الشامل بين حقوق المستثمرين وحقوق الدول، ثمة خلل كبير أيضا بين الالتزامات والقوانين ذات الطبيعة المركنتلية المعتمدة في نصوص فصول مختلفة من ألكا والالتزامات المذكورة في مجال حقوق الإنسان، وحقوق العمل، والحقوق الثقافية والبيئية.

إن كل البلدان المشاركة في مناقشة ألكا هي من الموقعين سابقاً على مروحة واسعة من الاتفاقيات والمعاهدات الدولية التي تهدف تحديدا إلى حماية حقوق الإنسان والبيئة. وفي بعض الحالات، فإن الالتزامات التي تضطلع بها دولة في معاهدة أو اتفاق ثنائي أو متعدد أو شامل قد تدخل هذه الدولة في صراع أو تناقض مع اتفاقيات أخرى موقعة أو ملتزم بها سابقاً، لا سيما ما يتعلق منها بقوانين العمل الداخلية وبمطالب العمال.

 

أخذا بعين الاعتبار أن كل ما أشير إليه يشكل الأساس الحقيقي لآلية الدمج التي تفرضها واشنطن، فإن ألكا لن تقدم، ولا تستطيع أن تقدم، نفعاً لأميركا اللاتينية والكاريبي.

يتركز الدمج التقليدي في تحرير التجارة والاستثمارات. ولا يعطى إلا قليل الأهمية لحرية تنقل الأشخاص، لمحاربة الفقر والاستبعاد الاجتماعي. إن التغلب على هذه المظالم يستلزم تصحيح الخلل والفروقات بين دول المنطقة. مما يعني إعلان حالة الطوارئ لمواجهة المشاكل التالية:

أ- التبادل اللامتكافئ السائد كتعبير عن نظام اقتصادي عالمي ظالم.

ب- العوائق التي تحول دون تمكن البلدان النامية من الحصول على المعلومات، والمعارف والتقنيات.

ج- الفوارق واللاتكافؤ بين بلدان الشمال والجنوب.

د- عبء الديون الخارجية صعبة السداد التي تمتص الرساميل الضرورية للاستثمارات الرسمية مضافا إلى التصحيح الهيكلي المفروض من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي الخاصع للولايات المتحدة والرأسمال العالمي.

هـ- المشاكل الحائلة دون ترسيخ ديمقراطية حقيقية مثل احتكار وسائل الإعلام.

 

في النتيجة: إذا تركزت عملية التوحيد فقط في البحث عن منافع المؤسسات الاقتصادية، فإنه لن يؤخذ بأي من محتوياتها، وبالتالي فالدمج لن يفيد غالبية الشعوب، ما يستدعي توحيداً مستندا إلى عناصر مختلفة من الآن فصاعدا.

 

ألبا ALBA : الوحدة الشعبية والتضامنية

يستوجب التطور الإنساني نموا اقتصاديا مستداما ومنصفا، ويستوجب أكبر قدر من المساواة بين الرجال والنساء، كذلك إشراك الناس في القرارات التي تطال حياتهم. بعكس ما ضجرنا من سماعه في الخطاب النيوليبرالي، حرية التجارة لا تكفي للحصول مباشرة على النمو الإنساني. التوسع التجاري لا يضمن نموا اقتصاديا مباشرا ولا نموا إنسانيا أو اقتصاديا على المدى الطويل. علاوة على ذلك: حرية التجارة لا تشكل الآلية المثلى لتحقيق نموا مستداما ولا للقضاء الحقيقي على الفقر. ورغم ذلك بدأت الدول في إلغاء الحواجز التجارية، بمقدار ما يلائم أوضاعها الداخلية.

عانت أميركا اللاتينية منذ استقلالها (شكليا كانت هايتي أول بلد ينال استقلاله في المنطقة عام 1804) من حروب أهلية لا تنتهي، أدت إلى تفتيتها، تاركة قيادة المجتمعات بين أيدي طبقة أرستقراطية محلية لم تملك أي رؤية توحيدية للقارة، بل بالعكس، فقد أثرت على حساب شعوبها في النطاق الجغرافي الوطني المحدود. لم تخلق قواعد لأسواق داخلية كبيرة، بل تحالفت مع مختلف الامبراطوريات القائمة: سابقا مع بريطانيا العظمى، واليوم مع الولايات المتحدة. فقد نام حلم التوحيد منذ قرنين ولم تنجح كل محاولات تحقيقه، لبواعث شديدة الاختلاف.

وفق مبادئ التنمية البشرية الحقيقية، ليس من خلال التفكير بإله السوق ولا بعائدات المشاريع بل بالكائنات الإنسانية بلحمها وعظمها، بالشعوب التي تتألم، المهمشة والمعروضة تاريخيا للبيع، وباستئناف مشروع الوطن الأميركي-اللاتيني المشترك المطروح بطريقة حاسمة في فترات الاستقلال عن التاج الإسباني، وبمواجهة محاولة السيطرة الجديدة لاتفاقية ألكا، نشأ إذن مشروع "البديل البوليفاري لأميركا اللاتينية والكاريبي" ألبا Area de Libre Comercio de las Americas ALBA.

وهذا ما أعلنه رسميا الرئيس الفنزويلي هوغو شافيز بمناسبة القمة الثالثة لرؤساء دول وحكومات تجمع دول الكاريبي المنعقد في جزيرة مارغريتا في كانون الأول 2001. حيث وضعت المبادئ الموجهة لتوحيد لاتيني-أميركي وكاريبي مستند للعدالة والتضامن بين الشعوب. وكما يدل اسمها، تزعم ألبا القيام بنهضة تشكل بداية عصر جديد متألق.

يرتكز البديل البوليفاري، ألبا، على خلق آليات تهدف لتشكيل مقومات تعاونية بين الأمم تسمح بتصحيح الاختلال القائم بين بلدان القارة. ويعمد إلى ابتكار قدرات تعويضية لتصحيح التفاوت الذي يؤثر سلبا على الأمم الضعيفة في مواجهة القوى العظمى؛ ويعطي أولوية للتوحيد الأميركي-اللاتيني وللنقاش ضمن كتل إقليمية سعيا لإبراز، ليس فقط مجالات للاستثمار التجاري، بل أيضا لنقاط القوة والضعف التي تسمح ببناء التحالفات الاجتماعية والثقافية.

يقتصر مفهوم النيوليبرالية على وضع المعايير اللازمة لتخفيف العوائق الجمركية وإلغاء الحواجز أمام التجارة والاستثمارات. والتبادل الحر لا يفيد وفق مقتضياته إلا البلدان التي تملك المستويات الرفيعة في التصنيع والنمو بالنسبة لأصحاب المؤسسات الكبيرة وليس بالنسبة للجميع.

قد تتطور عمليات الاستثمار والتصدير في أميركا اللاتينية، لكنها إذا اعتمدت على كونها مجرد فروع محلية للشركات العملاقة، المعروفة بعبارة ماكيلادورا[2]، وعلى التصدير المكثف لقوة العمل، فبالتأكيد لن يكون لها نتائج إيجابية في قطاعات أخرى. لن يكون لها تأثيرات إيجابية في المجالات الزراعية والصناعية، وفي استعمالات نوعية، واستعمالات ضرورية للتخلص من الفقر والاستبعاد الاجتماعي. لذلك، يحاول البديل البوليفاري، ألبا، المرتكز إلى التضامن، مساعدة الدول الأكثر ضعفا وإلغاء التفاوت الذي يفصلها عن الدول الأقوى في القارة من خلال السعي لتصحيح تلك الاختلالات.

"حان الوقت لإعادة التفكير وإعادة اختراع السيرورات الضعيفة والمنهارة للدمج الإقليمي والمحلي والتي يشكل تأزمها المظهر الأكثر بداهة في نقص المشروع السياسي المشترك. لحسن الحظ، تتحرك، في أميركا اللاتينية وفي الكاريبي، رياح إيجابية باتجاه إطلاق الخيار البوليفاري ألبا، ليس بوصفه مشهدا دمجيا لا يتوقف عند حدود التجارة، لكنه يستند على أسسنا التاريخية والثقافية المشتركة التي تهدف إلى الدمج السياسي والاجتماعي والثقافي والعلمي والتقني والجغرافي". تلك هي الخلاصة التي استنتجها هوغو شافير من جوهر القضية.

يعتمد المبدأ الأساسي الذي يسيّر عمل البديل البوليفاري ألبا على التضامن الواسع بين شعوب أميركا اللاتينية والكاريبي المستمد من أفكار بوليفار، ماربي، سوكر، أوهجينس، سان مارتن، هيدالجو، موراثان، ساندينو، والعديد من المفكرين المستندين، بعيدا عن الوطنية الأنانية وعن السياسات الوطنية الحصرية، نحو تأسيس الوطن الكبير Patria Grande في أميركا اللاتينية.

إن النشاط الزراعي أساسي لحياة الأمة بالنسبة للعديد من دول أميركا اللاتينية والكاريبي. تتأثر ظروف حياة ملايين الفلاحين والفقراء بإغراق المنتجات الزراعية المستوردة، حتى دون تدخل حكومة الولايات المتحدة الفدرالية. ينبغي القول بوضوح أن نسبة الإنتاج الزراعي أعلى بكثير من إنتاج السلع. إنه نمط حياة. لا يمكن التعاطي معه أو معالجته كأي نشاط اقتصادي أو أي إنتاج دون الأخذ بعين الاعتبار المفهوم الثقافي للعالم الذي يلائمه. يحاول البديل البوليفاري بالتحديد معالجة وجهة النظر هذه.

تطرح ألكا معضلة كبيرة أخرى وهي قضية الملكية الفكرية. تجابه الشركات الكبرى المتعددة الجنسية بلدان الجنوب، وبخاصة التجمعات الفلاحية والسكان الأصليين فيها، بفرض نظام إلزامي وعالمي لحماية الملكية الفكرية، يتوافق مع متطلباتها، انطلاقا من اقتراحات تنظمها شركات الأدوية المتعددة القوميات.

يحمي هذا النظام ما هو لصالح الدول الأقوى، بينما يترك دون حماية ما هو بالتأكيد لصالح دول وشعوب الجنوب: وهو ما يتعلق بالتنوع الوراثي حسب أقاليمهم والمعارف التقليدية للشعوب الفلاحية والسكان الأصليين. وفق هذا المنطق، ومع تطبيقه، قد ننتهي في أن نأكل ونشتري تورتيلا tortillas (نوع من العجة)، وأمباناداس Empanadas (فطيرة)، من ماركة كوكاكولا أو والت ديزني، المرخص لها في لوس أنجلس أو في نيويورك. إن ألبا التي تسعى لمحاربة فقر الغالبية العظمى من الناس، ولمواجهة الاختلالات العميقة واللاتوازن بين الدول، تشكل نقطة الانطلاق نحو مواجهة هذا القلق.

قال الرئيس شافيز: "يكفي فقط أن تتفق مجموعة دول أو رؤساء، وأن تقدم خلال بضعة أشهر مشاريع مقنعة، تغييرية، لكي يكون ممكنا المشاركة في ألكا، رغم أن هذا التغيير سيقود إلى نمط آخر. إنه وفي سياق هذه الرؤية التغييرية والتبادلية قد تم تكوين فكرة ألبا. إذا أخذنا بعين الاعتبارات حاجات شعوبنا وإذا حصلت تغييرات هامة في النمط المعروض، عندها يمكننا أن نتقدم إلى الأمام".

في الأصل، إن هذا الاقتراح طموح جدا: علاوة على تأسيس ألبا لتوحيد أميركا اللاتينية، فإنها تقترح خلق قوة بترولية ضخمة لاتينية-أميركية، بيتروأميركا، قد تتمكن من أن تصبح نقطة انطلاق لعملية واسعة للدمج الاقتصادي في المنطقة تطرح بجدية مسالة احتكار الطاقة بين أيدي الشركات النفطية الكبرى، الأميركية الشمالية في غالبيتها العظمى. يعتبر الرئيس شافيز، ملهم ذلك التصور، أن ألكا "مشروع يستهدف القضاء على سيادة بلدان المنطقة"، وهذا الرأي يتقاسمه مع الرئيس الكوبي فيدال كاسترو.

لم تتحدد ألبا بشكل دقيق بعد. ليس الأمر سوى إعلان نوايا حسنة. يجب أن نطور بعمق اقتراح المندوب الفنزويلي هوغو شافيز الذي يلقى حتى الآن دعما من كوبا. ولأجل ذلك على البلدان المعنية أن تشرك الجماعات الفكرية والتيارات الأميركية المختلفة.

ويمكن للإرادات الحسنة في كل العالم أن تساهم أيضا. فتحقق الدول عملا اندماجيا في ما بينها بغية الاستفادة من العديد من المساهمات الهامة انطلاقا من تجاربها الخاصة. ويمكن الانطلاق من تجربة معاهدات الدمج الإقليمي السابقة، أكانت ناجحة أم لم تكن، ومن بينها، المجلس الاقتصادي لأميركا اللاتينية CEPAL، الاتحاد الاندماجي اللاتيني الأميركي ALADI، المكتب الاقتصادي اللاتيني الأميركي SELA، وحاليا السوق المشترك للقرن الجنوبي، مركوسور MERCOSUR. وهناك أعمال واقراحات مقدمة تتضمن تغييرات وتحسينات. كما توجد كمية كافية من الكفاءات التقنية تستطيع المساهمة بفعالية في تعزيز الاقتراحات.

نلح على واقعة أنه، لحد الآن، نقدم مجرد اقتراح، ليس له نتائج سياسية هامة. ولكن بعض الأشياء بدأت تتحرك. بالواقع، ألكا وفق مخطط واشنطن الأصلي، كان متوقعا لها أن تدخل بقوة في كانون الثاني 2005 لكن ضغط الشعوب والحكومات "الصاخب" حالت دون تحقيق ذلك. من هنا إلحاح حكومة أميركا الشمالية في توقيع معاهدات ثنائية أو محلية، مثل كافتا CAFTA-RD تحضيرا للموافقة النهائية على المعاهدة. مما لا شك فيه أن مبادرة ألبا أعاقت الأمر حتى ولو أنها لم تتحول إلى حقيقة ساطعة لها نتائجها الملموسة والعميقة.

"ثمة تحالف يساري وشعبوي في القسم الأكبر من أميركا الجنوبية. وعلى ساسة الولايات المتحدة مواجهة هذه الحقيقة، وخطؤنا في إهمال محور كوبا-فنزويلا"، هذا ما كتبه أوتو رايخ Otto Reich مساعد وزير الدولة السابق لشؤون القسم الغربي، في مقال بعنوان "الرهيبان في أميركا اللاتينية" في مجلة يمينية من أميركا الشمالية National Review، مشيرا إلى الرئيسين الفنزويلي هوغو شافيز والكوبي فيدال كاسترو، وتمهيدا لشروط إجهاض ردة الفعل الناشئة في هذه البلدان.

على عاتقنا جميعا، نحن الأميركيين اللاتينيين وغير الأميركيين اللاتينيين، تقع مسؤولية إفشال مشروع التوحيد النيوليبرالي الذي تشكله ألكا. إن الشعوب تستحق بديلاً آخر، سواء كان البديل ألبا، أو أعطيناه أي اسم آخر، وهي لا تستحق البؤس والقمع.

 المصدر: شبكة الإعلام والتضامن مع أميركا اللاتينية www.risal.collectifs.net/article.php3?id_article=1364

ترجمة تطوعية روبير عبدالله، فريق "العرب والعولمة"


[1] "منطقة التبادل الحر في القارة الأميركية"، بالفرنسية   Zone de Libre-Echange des Amériques ZLEA، بالاسبانية Area de Libre Comercio de las Americas ALCA

[2] يقصد بعبارة صناعة ماكيلادورا، maquiladora  مؤسسات صناعية هي امتداد للشركات المتعددة الجنسية، يلزمها يد عاملة غير ماهرة. "Maquilla" تعبير أصله عربي ويعني "قليل من الحبوب، من الطحين أو الزيت يعود للطحان بعد الطحن". ارتبط هذا التعبير دوماً، بالعمل المؤقت وبقسوة العمل، وبغياب الحريات النقابية والعمالية، وبأجور بائسة، وبأيام عمل لا حدود لطولها ولقسوتها، مع الانتباه لأولوية استخدام النساء.

 --------------------انتهت.

مارسيلو كولوسي Marcelo Colussi

  الكاتب:

العرب والعولمة

  المصدر:

17 أيار - مايور 2005

  تاريخ النشر:

 
 
 
 



 

 

 

 

 

من نحن | | إبدي رأيك | | عودة | | أرسل الى صديق | | إطبع الصفحة  | | اتصل بنا | | بريد الموقع

أعلى الصفحة ^

 

أفضل مشاهدة 600 × 800 مع اكسبلورر 5

© جميع الحقوق محفوظة للمؤلف 1423هـ  /  2002-2012م

Compiled by Hanna Shahwan - Webmaster