اتصل بنا

Español

إسباني

       لغتنا تواكب العصر

من نحن | | إبدي رأيك | | عودة | | أرسل الى صديق | | إطبع الصفحة | | اتصل بنا | |بريد الموقع 

 
 

 

 

 

 أربط بنا

وقع سجل الزوار

تصفح سجل الزوار

 أضفه إلى صفحتك المفضلة

 اجعله صفحتك الرئيسية

 
 
 
 

 

 

 

 
 الفاتيكان سلطة الباباوات
 

البابا يوحنا بولس الأول

     يوحنا بولص الأول

    شكل نبأ موت البابا المبتسم صدمة كبيرة، ما كاد آلاف الرومانيين المجتمعين في ساحة سان بيترز يصدقونها.

   مر ثلاثة وثلاثون يوما فقط على ارتقائه المنصب. مع إعلان الخبر الحزين عبر قرع أجراس كنيسة روما كان عميد كلية الكاردينال في مساكن البابا الخاصة يحطم حلقة الصياد لإبحار البابا الميت ضمن طقوس تعود إلى القرون الوسطى. ولكن الحداد على البابا الفقيد لا تخلو من بعض الريبة. فهل مات فعلا بذبحة قلبية كما يصر الفاتيكان؟  أم أنه راح ضحية جريمة اغتيال؟

   تحدث سكرتيره الشخصي دون ديغو بكل صراحة  قائلاً أن الأخت فينسينزا هي التي وجدت البابا، ولكن البيان الرسمي جاء مختلفا، ويقول دون ديغو أن البابا كان ما يزال يحمل بعض الوثائق الرسمية، ولكنهم ثبتوا كتابا دينيا بين يديه عنوانه تقليد المسيح.

     انشغلت الهواتف في الفاتيكان فقد فوجئ المسيحيين في أرجاء العالم بحقيقة ما جرى.

 كيف مات البابا؟

ومن عثر عليه؟

وهل مات بأسباب طبيعية؟

وما الذي يخفيه الفاتيكان؟

    الفاتيكان ليس حصنا، بل يتألف من لحم ودم. لهذا فهو يتبادل الثرثرات ويتناقل الأكاذيب. وقد كذب الفاتيكان بشأن موعد العثور على الجثة. وكذب الفاتيكان بشأن هوية من عثر عليها، وكذب الفاتيكان بشأن الأوراق التي كان يحملها، وكذب الفاتيكان بشأن حالة البابا الصحية، وكذب بشأن التشريح الذي لم يحدث أبدا، وما زال يكذب حتى اليوم.

  لاذ الفاتيكان بالصمت.

   ما عزز الشبهات.

   نشأت أجواء من الشك منذ اليوم الأول.

  هل تعرض البابا يوحنا بولص الأول للاغتيال؟

  أحيانا ما يموت الناس بذبحة قلبية فعلا. ولكن الغرابة الوحيدة في هذه الحالة  تكمن في أن الموت قد حدث بعد ثلاثة وثلاثين يوم فقط. لو مات البابا  بعد خمس سنوات لم جعل  أحد من موته قضية.

  لندن حزيران يونيو 1982

  عثر أحد المارة على جثة هامدة لشخصية هامة تحت جسر بلاك فرير.

  تبين أنه الشخصية الرئيسية في أكبر قضية مصرفية عرفتها إيطاليا.

  روبيرتو كالفي رئيس مصرف أمبروسيانو.

  كما قادت التحريات الجارية نحو الفاتيكان.

  يستقر معهد المؤسسات الدينية  خلف بوابة سانتا آنا، وقد أجريت خلف هذه الجدران العديد من الاتفاقات مع مصرف أمبروسيانو.

   تولى مكتب الادعاء العام فحص بعض التفاصيل الخاصة بالعلاقة بين معهد المؤسسات الدينية ومصرف أمبروسيانو، وقد تبين أن رئيس المعهد يتحمل مسؤولية جزئية عن إعلان الإفلاس في أمبروسيانو.

     ركز المدعي العام جل اهتمامه على رئيس الأساقفة بولص مارسينكوس المدير المصرفي لدى الفاتيكان.

  في كتاب نشر عام أربعة وثمانين تقدم المؤلف البريطاني ديفيد يالوب بما هو أكثر حين تحدث عن تعرض البابا للاغتيال.

  حيكت مؤامرة تورط فيها بانكو أمبروسيانو باختفاء ألف وثلاثمائة مليون دولار. وقد قتل البابا يوحنا بولص الأول لأنه أوشك على تقويض أسس الاحتيال. أوشك على اكتشاف حقيقة ما يجري دون الإعلان عنه. أراد البابا في آخر يوم من حياته أن يطرد مارسينكوس، لم يقبل بأن يدير مارسينكوس شؤون الفاتيكان المصرفية بعدها. هناك أسباب أخرى ولكن هذا هو السبب الرئيسي.

  ماذا عن قضية كالفي؟ فهل راح أيضا ضحية مؤامرة؟

    جرى إعادة تمثيل الأحداث ليلة موته لصالح الدعوة القضائية من خلال أرملة كالفي، سعيا منها للمطالبة بتأمين زوجها على الحياة. حققت كلارا كافلي النجاح. وبعد ذلك غاصت في تخيلات غريبة.

   ليس لديها أدنى شك بقيام كهنة الفاتيكان بذلك. هذا ما شرحه زوجها لها. قالوا له إن قتل شخص ليس خطيئة بالنسبة لهم، لأن كل ما يفعلونه بذلك هو تخليص روح الشخص من جسده. وقالوا أنهم بعد ذلك سينسحبون إلى حصنهم المنيع حتى انتهاء الضجيج.

  أصدر مكتب الادعاء العام في ميلان قرارا باعتقال المسؤول المصرفي في الفاتيكان، ليس لاتهامه بأي مسألة لها صلة بالاغتيال بل لتورطه بالإفلاس المصرفي.

     ولكنه لم يقف أمام المحكمة، فالفاتيكان دولة ذو سيادة، ولا يمكن تسليم الأساقفة، وبقي مارسينكوس في منصبه حتى موعد تقاعده سنة ألف وتسعمائة وتسعين.

   وجد قداسة البابا في حكمته الواسعة وإحسانه  من الأفضل أن يعمل كل فرد وفق كفاءته. لهذا كان لا بد من تسليم معهد المؤسسات الدينية لشخصية علمانية ذات كفاءة.

  هذا ما يشبه الجنة للمتقاعدين الأثرياء في أريزونا.

  لوحق وطورد لأول مرة. تقاعد، ولكنه يعنى بالسعادة الروحية لأصحاب الملايين: إنه رئيس الأساقفة مارسينيكوس، الذي كلفت مغامرة تعيينه الفاتيكان غاليا، فقد دفع مائتين وواحد وأربعين مليون دولار لدائني مصرف أمبروسيانو وحده. دون أن يكون في ذلك اعترافا بالمسؤولية بل دفعة تطوعية.  تعرض الدائنين للأذى عبر المؤمنين بالكنيسة.

   نشأت أساطير خرافية حول الثروات التي تمتلكها دولة مدينة الفاتيكان. والحقيقة أنهم يعيشون على إعانات الكنائس في أرجاء العالم. وخصوصا ما يبديه الكاثوليك الألمان من سخاء. يقدمون كشفا بحساباتهم بشكل معلن. يعتمد عدد من الأبرشيات الألمانية على ميزانيات تفوق تلك الخاصة بالحبر الأعظم. قد يجدر  شرح ظروفهم بشكل أوضح.

  ألبينو لوشياني، الأب المبتسم في آخر لقاء له قبل يوم واحد من موته.

     هل اكتشف الكثير عن الفضيحة المصرفية القادمة إلى حد أجبرهم على التخلص منه؟

  السر المحيط بموت البابا.

 هل تقدم حياته جوابا على ذلك؟

  ولد البابا عام ألف وتسعمائة واثني عشر في محافظة بيلونو في دولوميتيس البعيدة. تشير ملاحظة في سجلات الكنيسة أن ولاّدة دفعت مقابل تعميد عاجل.

 يبدو أن الطفل لن يبقى حيا.

 كان والده اشتراكي ملتزم قلما يتواجد في منزله، فهو عامل مؤقت في المنطقة الصناعية الألمانية في روهر.

     تتمتع والدته بإيمان كاثوليكي عميق. نشأ ألبينو بأوساط فقيرة في منطقة ما زالت الكماليات تندر فيها حتى اليوم.

   كانت أوقاتا عصيبة، كانوا فقراء جدا، الأطفال في حيّهم يتسكعون حفاة من أيار مايو حتى أيلول سبتمبر، دون أحذية أو جوارب، جميعهم هكذا بما في ذلك ابن العمدة وابن الطبيب.

     أراد ألبينو أن يصبح كاهنا منذ طفولته فغادر المنزل بملء إرادته في الحادية عشرة من العمر.

  تحول في الدير من طفل متحمس إلى كاهن هادئ يعمل بجد ونشاط.

  متواضع ونشط ومطيع. الكنيسة بأمس الحاجة لرجال مثله، كالوشياني.
   كان شخصية مستقيمة لا يميز نفسه عن الآخرين، إلا أنه يتمتع بذاكرة رائعة. أما من حيث الذكاء فكان هناك صبي واحد  اسمه، إرمينيو اسكولا، كان أفضل من لوسيانو. ولكن ذاكرته كانت رائعة.

   أقام لوشياني في الدير طوال ثلاثين عاما، حيث بلغ منصب نائب للعميد.

ثم جاءت دراسة اللاهوتية والفلسفة، وجاء التقدير عاليا.

ما كان يطمح إلى الاحتراف، فكرس جل اهتمامه على أداء واجباته.

هو إنسان بسيط جدا، ليس لديه إلا حلم واحد، أن يصبح كاهنا في القرية إلى جانب أمه تعنى بمنزله. هذا ما كان يسمع منه مرة بعد أخرى، إنه حلمه الأكبر.

  تميز لوشياني بأشياء عظيمة جدا.

  سأل البابا يوحنا الثالث عشر مرة لماذا يتراكم الغبار على وثائق لوشياني هكذا" لماذا لا يصبح أسقفا؟ فجاء الرد إلى قداسته بأنه شاب مؤمن محسن، وخبير في اللاهوتية، ولكن لديه مشكلتين، الأولى أن صحته ليست جيدة، والثانية  أنه خجول.

  فأجاب البابا قائلا " سأجعله أسقفا على أي حال، 

  ولو كانت صحته سيئة، وإذا مات بعدها فليمت أسقفا.

   بدأ حياته الجديدة أسقفا لفيتوريو فينيتو وهي محافظة هادئة، وضع فيها الكفاءة والموهبة قبل مشيئته.

  اهتم لوشياني بالسعادة الروحية أكثر من البيروقراطية. ولكن سرعان ما ظهرت فضيحة تتعلق بالشأن المالي.

   لقد واجه مشكلة مالية تعني إفلاس حتمي ناجم عن تعيين الاسقف السابق لمدير عديم الاكتراث.

   لوشياني والمال عالمين منفصلين. كانت أبرشيته تدين بأربعة ملايين مارك ألماني.

     رغم براءة الأسقف من أي خطأ إلا أنه أجبر على حل بعض الأمور. فباع أرضا تملكها الكنيسة، ليبقى دين بقيمة مليون مارك.

   يعمل الناس مع لوشياني بكل ارتياح. وهم يخلصون له منذ البداية.

  ما أن تظهر المشاكل حتى يهبون للمساعدة، تضامنا مع الأسقف.

  اعتبر حل المشكلة المالية ضربا من المعجزات في فيتوريو فينيتو.

   جاءت امرأة إليه وسلمته ظرفا.  وكأنها أرسلت من السماء. لأن المبلغ الذي يحتويه الظرف هو تحديدا ما كانوا يحتاجون إليه لحل الأزمة المالية.

   أراد البابا يوحنا من مجلس الفاتيكان الثاني أن يرفع الكنيسة إلى مستوى العالم المعاصر.

   كان لوشياني مساهم متحمس، لانتمائه إلى حفنة من الداعين إلى حداثة تتوافق مع روح العصر.

  ولكن سرعان ما مات الأب يوحنا.

  قلما يؤدي موت البابا إلى مثل هذا الحداد الكبير.

 من الذي سيخلفه؟

    هناك شخص واحد منوط به إنجاز عمل المجلس. فكان رئيس كهنة ميلان جيوفاني بابتيستا مونتيني البابا بولص الرابع.

 عاد لوشياني إلى طاعته مجددا ليقول: ليس مهما كيف تحكم المهم كيف نخدم.

   عام ألف وتسعمائة وثمانية وستين انطلقت دعوات لمنح الحرية واتباع سبل مختلفة للعبادة. وتوالت الدعوات للحرية في الحب والجنس. فما هو رد الكنيسة؟

   منع البابا استخدام أي نوع من الحبوب أو سبل المنع الأخرى.

فكان لوشياني قادرا على تقبل ذلك.

    صحيح أنه كان منفتح جدا حول قضايا من هذا النوع، ولكن  عندما أفصح البابا عن وجهة نظره عبر إعلان عرف بلقب هيومان فيتايي، ذهب لوشياني للصلاة في الكاتدرائية، حيث تبنى الموقف الرسمي للكنيسة.

    تبنى لوشياني منذ تلك اللحظة موقف البابا بولص الرابع ودافع عنه ضد جميع الانتقادات. جاءت وظيفة لوشياني في المرتبة الأولى.

    عين بعد ذلك في فينيسيا، التي تعتبر من أهم الأبرشيات الإيطالية، ما يشكل مهمة صعبة لأي أسقف في الأرياف.

    شعر سكان فينيسيا بداية بشيء من الخيبة، فهم معتادون على خطابات عظيمة كان الكاردينال السابق يدلي بها، ولكن لوشياني لم يستطع تحقيق تمنياتهم في البداية ما أثار لديهم خيبة الأمل.

     ربما تملك الكاردينال الجديد شعورا مشابها، لأن أناقة فينيسيا ملكة المتوسط ليست عالمه المفضل.

     كتب الكاردينال في قصر كوريا رسائل موجهة إلى شخصيات من التاريخ.

     إنه واقعي جدا، وليس أرستقراطي بملابس دينية.

   كان منذ الصغر يبذل قصارى جهده لتجاهل المشاكل، وكان ليواجه الجميع حين يستدع الأمر اتخاذ القرارات. وإلا فعادة ما يحاول نسيان المشاكل.

   لا يستمتع الكاردينال بالعمل المكتبي، بل يفضل الخروج لمساعدة الناس في العناية الروحية، ويترك العمل الإداري لفريق عمله. فهو مدير للكنيسة وكاهن في آن معا.

   لم يكن طامعا في هذا المجال،  بل بالعكس كان يفضل البقاء في المؤخرة، فعندما عين كاردينالا ما كان يخرج بثوبه الأحمر، بل يفضل ملابس الكاهن العادي، وقد اعتاد إخفاء الصليب حول عنقه، وما كان يسعى لبلوغ مناصب أعلى، ولو عاد الأمر له لفضل البقاء راعيا للأبرشية.

   نجد مقابل ذلك أن العم ألبينو كان أميرا للكنيسة على طريقته الخاصة. كما يدعو إلى التضحية بالذات وهو محاط بروائع كاتدرائية سان ماركس.

    شعوب العالم تتعرض لمعاناة رهيبة.

   وكان بدوره يعاني معها، بالجسد أيضا.

   كل من يعرف فنيسيا يدرك شدة البرد والرطوبة فيها، وقد اعتاد لوشياني على العمل في هذا المناخ طوال اليوم، وعادة ما كان يعاني من ارتفاع حرارته ليلا.

    قدر البابا عمل لوشياني وجاء لزيارته، بعد أن كان قد أصبح كاردينالا. وأمام إعجاب الحضور قام البابا بوضع وشاحه على كتفي لوشياني.

    عام ثمانية وسبعين مات البابا بولص الرابع. ليس هناك بابا أسيء فهمه أكثر منه.

   لا يذكر الناس إلا أنه منع أقراص الحمل.

    لقد أحب الناس البابا يوحنا، ولم يحبوا البابا بولص. فمن سيخلفه؟

   كان ألبينو يعرف بعضا مما هو آت، وقال أن الأمور تميل إلى الخطورة الشديد جدا، وأمل بأن يختاروا شخصا آخر.

   أعدت كاتدرائية سيستين لاجتماع الكرادلة السري.

  أغلقت الأبواب كليا عن العالم الخارجي، ليتبع مائة وأحد عشر كاردينالا الشعائر القديمة في انتخاب البابا.

  هل يمكن أن تتغير الطلائع؟ وإن حدث التغيير أي شكل سيتخذ؟

   كان الشك يتملكهم، من وجهة النظر السياسية.

   ولكن حقيقة اختيارهم لشخص بخلفية إنجيليو بسيطة، يؤكد هدفهم الأساسي لاختيار ابن أصيل من أتباع المسيح، شخص يستحق أن يخلف القديس بطرس.

  حلّت ساعة الكرادلة.

     لديهم فرصة الاختيار.

     كان بولص بابا سياسي، وهم اليوم بحاجة إلى شخص روحي وليس آخر شبيه به.

     يحتاجون إلى شخص مثل كردينال  فينيسيا، ليبقى دائما في المؤخرة.

     كان المرشح الأكثر احتمالا منذ البداية. وكان قبل الانتخابات بفترة قصيرة قد كتب لقريبته بيا يقول: عزيزتي بيا، من الصعب العثور على الشخص المناسب لهذا المنصب. ولكني بعيدا عن الخطر والحمد لله.

   وتصاعد الدخان الأبيض بعد جولة التصويت الرابعة من موقد كنيسة سيستين.

    بعد الاجتماع السري توجه البابا بكلمة إلى الكرادلة قائلا: أدع الله أن يسامحكم على ما فعلتموه.

   اكتسب شعبية على الفور. لقد أحبه الناس. كان لطيفا في تصرفاته. وقد ألغى على الفور المسائل المعلقة والتي ما عاد لها أي معنى على أي حال.

   كان ألبينو لوشياني البابا الأول في التاريخ في تخليه عن بلوراليس ماجستراتيس. أو استعمال صيغة الجماعة للتحدث عن الذات. ولكن هذا الاختيار منح استمرارية بدل البداية الجديدة.

   لقد علمه بولص الرابع كيف يحب وكيف يخدم وكيف يعمل، وكيف يعاني من أجل الكنيسة والمسيح. لهذا سيتخذ اسم يوحنا بولص.

   إنه أول بابا يحمل اسمين. فهل يشعر بالارتياح في دوره الجديد؟

    لم يشأ يوحنا بولص أن يتوج، بل فضل مراسيم بسيطة، طالما كان ذلك ممكنا في الفاتيكان.

     أقيم حفل صلاة حضره بعض من أقوى الشخصيات في العالم. فدعا إلى التواضع والبساطة.

    كان البابا حين يتوج في الماضي كان يعتمر التاج المثلث، وهو ثلاثي أشبه بقذيفة المدفعية. ولكنه يرمز إلى السلطة، فجاء يوحنا بولص الأول ليغير ذلك ويعتمر عصبة من الصوف الناعم تسمى طيلسان. وهي ترمز إلى سلطة راعي الأبرشية، وهذا أمر مختلف جدا.

    إلى جانب التخلي عن رموز السلطة القديمة يبدو أن صولجان الأسقف كان يناسبه.

    فهل سيحكم أتباع الكاثوليكية في العالم على طريقة سلفه؟ أم أن السلطة التي منحه إياها الكرادلة ستجعل منه دكتاتوريا؟

    لو استمر حكمه لفترة أطول من ثلاثة وثلاثين يوما لاستمر كل شيء على الطريقة التقليدية. كان شخصية منفتحة، ولكنه كان متعلق جدا بالماضي. يعتقد أنه ما كان سيجري تحديثات كبيرة. بدون جيشان.

    مع أنه صارح الكرادلة بقلة خبرته، وهذه مسألة جديدة.

   تمنى من الكرادلة أخوته في المسيحية، أن يساعدونه في حمل هذا الصليب، فهو شخص فقير، لإدراكه بأنه لا يستطيع العودة إلى حياة كاهن عادي، كان راعيا لأبرشيات صغيرة باستمرار.

   ما عاد هذا الزعيم الروحي راغبا بالقيادة من العرش. بل نزل إلى الناس وسار بينهم.

     أثار هذا التصرف تمنيات ونظريات غريبة.

   لقد تخلصوا من شخص كاد بوضوح أن يخلق ظروفا قد يسمح فيها للكاثوليك باستخدام حبوب المنع. أراد أن يجد سبيلا يسمح فيه لأتباع الكنيسة الكاثوليكية، وهم ألف مليون شخص، لاستخدام وسائل المنع.

    سبب آخر للاغتيال هو أنه يسوعي جاء لدعم تناول حبوب المنع ومعارضة الشهرة. تم تسجيل رد لوشياني ولكنه لم يعلن على الملأ. يمكن لهذه التعديلات أن تسبب إرباكا واضطرابات كبيرة.

   توالت الرسائل على الفاتيكان تطالب قداسة البابا بأن يجعلهم يحملونه على كرسيه السيار عبر شوارع سيديا جيستاتوريا حتى يتمكن الجميع من رؤيته.

     وافق البابا على طلبهم عبر ابتسامة أصبحت معروفة، مع أن هذا ليس أسلوبه.

     حكم البابا في روما كأكبر شخصية في العالم المسيحي، عبر منصب مرهق حتى في أبعاده المادية.

  علاقات دبلوماسية مع الدول ذات السيادة.

   هذا هو قلب عالم الكنائس.

   صوت البابا ينتشر في العالم عبر إذاعة الفاتيكان.

  لا يمكن للبابا أن يتهاون.

  فقد أصبح الآن تحت الأضواء.

  ولا تجمعه علاقة طيبة بالجهاز الإداري للفاتيكان.

  مع أنه اعتاد أن يقول: لا أعرف الكثير عن السياسة والبيروقراطية والمالية. أدرس الآن كتاب الباباوية السنوي كي أعرف كيف تتم إدارة الحبر الأعظم.

   لو بقي لفترة أطول في المنصب لوجد أشخاصا يساعدونه في مواجهة تحدياته الجديدة. خصوصا أنه كان كاهن أبرشية بسيط. كان البابا يوحنا الثالث عشر من جهة أخرى  يتمتع بخلفية دبلوماسية في الفاتيكان. أي أنه يدرك الأمور بشكل أفضل.

   أصبح ألبينو لوشياني من كنال داغوردو أحد أصحاب أكبر المناصب في العالم.

     فهو رئيس دولة مستقلة سكانها لا يدفعون الضرائب، ولكنهم يضحون بأنفسهم كليا.

   كان متعبا في منصب الأسقف وقد ازداد تعبا حين أصبح بابا.  كان يستيقظ  في الخامسة والنصف من صباح كل يوم، ولا يأوي إلى الفراش حتى العاشرة والنصف ليلا. وكان يعقد اللقاءات على مدار الساعة ما تطلب منه الكثير من التركيز. يمكن لخطأ في أي كلمة أن يسبب كارثة. من الصعب تخيل ما كان عليه في نهاية النهار. لو كنت مكانه لما استطعت ذلك.

   قداسة البابا معرض دائما للخطر، هذا ما يقوله حراسه.

  عشرات الآلاف من الناس ينتظرون البابا. وقد جاءوا من مختلف أرجاء العالم لرؤية من يمثل الكنيسة المسيحية على الأرض.

   لو أخبره أحد بأنه سيصبح يوما بابا لكرس مزيدا من الوقت للدراسة كي يصبح أكثر استعدادا.

   بقي البابا المبتسم على حاله طوال ثلاثة وثلاثين يوما. ولكنه حين ينفرد بنفسه لا يبتسم أبدا.

   ثلاثة وثلاثين يوما في منصب البابا، ثلاثة وثلاثين يوما من النشاط.

   لم يكن هناك وقت للسياسة. كان يكثر مما يتقنه، وهو التحدث مع الناس، والعناية بأرواحهم. كانوا يشعرون أنه شخص يكترث فعلا بهم. إنه البابا الأول الذي يتحدث إلى الأطفال.

    حين قال "تعرف أن أمك تحبك ولكن الله يحبك أكثر منها. كانت تلك أول مرة يسود الصمت بين حشد من الإيطاليين، فهم عادة ما يثرثرون طوال الوقت. ولكنهم هذه المرة قد استمعوا، لأنهم كانوا أمام  مشهد متحرك. فقد أسر قلوبهم جميعا بابتسامته البسيطة.

  كان يحب الناس ولكن هذا عمل مرهق.

   كانت حدائق الفاتيكان ملاذا له.

  أمره الطبيب بالتمارين.

  عانى البابا من ضعف في الدورة الدموية. وأحيانا ما كان ساقيه يتورمان.

   كان يشعر بالضغط. ولا يستطيع الانفراد بنفسه.

  كان مريضا منذ البداية.

   لم يؤثر انسداد الأوعية الدموية  إلا على عينيه. وكان  يعلق على ذلك مزاحا بالقول: تخيل لو أثر انسداد الشرايين على الرئتين. كنت لأموت دون الشعور بذلك.

   كان الروتين اليومي حملا يثقله.

   فكانت الحديقة ملاذه الأخير.

   في أحد الأيام عثر حارس سويسري على أوراق سرية تحمل ختم البابا. وكأن الرياح طارت بها من الحديقة. ما يشير إلى أنه تعرض لضغوط كبيرة.

   كانت المرة الأولى التي يغادر فيها البابا يوحنا بولص الأول الفاتيكان عندما عين أسقفا على روما.

   لقد شعر البابا بالعزلة، إذ أنه لم يجد الوقت الكافي للتواصل مع العائلة.

  أقام البابا واحدة من آخر حفلات الصلاة قبل أيام قليلة من موته.

   كانت قريبته بيا وابنها يقفان في الصف بانتظار تناول العشاء الرباني من بين يديه.

   فكانت تلك آخر مرة يلتقي فيها عائلته.

  في الليلة الأخيرة شعر يوحنا بولص الأول بآلام حادة، ولكنه رفض الاتصال بالطبيب.

  في التاسعة مساء وكما يحدث كل ليلة، تمنى لسكرتيره ليلة هانئة.

   صباح اليوم التالي لم تمس القهوة التي تضعها الأخت فينسينسا منذ سبعة عشر عاما. وبعد ذلك بقليل وجدت البابا ميتا في فراشه.

    لو قالوا أن راهبة قد وجدته ميتا في السرير لأثيرت فضيحة كبيرة. لاحظت بأنه لم يمس القهوة فطرقت الباب ثم قالت لاحقا بأن السكرتير هو الذي وجده. ولكن هذا غير صحيح. بل هي الأخت فينسينسا،  أخبرت ذلك بنفسها.

   نشأت قصة رواية في غرفة البابا الميت.

   كان البابا يحمل خطابة أو مقالة تعود إلى زمن كان فيه أسقفا على فيتوريو فينيتو، لأنه كان يعد لحظة يريد الإدلاء بها يوم الأربعاء أو الأحد  التالي. ولكن الكاردينال فيلوت اعتبر أنه من الأفضل القول بأنه مات وهو يحمل الكتاب المقدس بين يديه، لما في ذلك من تقليد للسيد المسيح. كان هذا خطأ كبيرا. لأن كذبة تجر أخرى.

   مات البابا بشكل مفاجئ. ولكن عائلة لوشياني  لم تفاجأ.

   مات الكثير من أفراد عائلته وهم في الستين تقريبا.

     جده على سبيل المثال أرسل حفيدته لإحضار بعض الحطب، وحين عادت إليه وجدته ميتا. مع أنه لم يكن مصابا بأي مرض أو صداع  أو فقدان الشهية.

   طُرح سؤال خلف الستائر. هل سيتم تشريح الجثة؟ عائلة لوشياني رفضت ذلك.

   لم توافق على التشريح. عادة ما يشرحون الجثة بناء على طلب من العائلة، ولكن رفض الجميع ذلك حينها وما زالوا يرفضون اليوم. لم يفكروا أبدا باحتمال ألا يكون قد مات بِأسباب طبيعية.

   ظهر ما يكفي من مؤشرات التحذير.

     ولكن مهمات البابا مرهقة جدا.

    صحة البابا موضوع منفرد بحد ذاته. لماذا لم تخضع جثة البابا يوحنا بولص الأول للتشريح؟ لأن صحة البابا لا تعني الكرادلة. إنها مسألة سرية جدا. هذه هي عقلية الفاتيكان. ما أن يموت بابا حتى يأتي آخر بعده.

  ينتقل البابا الجديد إلى قصر الفاتيكان.

   وتحته بأربع طوابق يستمر مارسينيكوس في منصبه، الذي كان ليبقى فيه حتى في ظل يوحنا بولص الأول. ليس هناك دوافع للجريمة، ولا حتى أموال.

    لا يمكن الثقة بمارسينيكوس لإدارة مصرف. ليس لأنه لا يمكن الاعتماد عليه، بل لأنه ليس مدربا للقيام بهذا العمل. قد يبدو صاحب كفاءة في الظاهر، فهو أمريكي لهذا ظن الناس أنه قد يتقن الشؤون المالية، كما يعتقدون أن الإيطاليين يتقنون الغناء، ولكن هناك إيطاليين لا يستطيعون الغناء نهائيا.

   يشكل أحد المنازل الريفية الواقعة إلى الشمال من لندن جزءا من كتاب يتحدث عن اغتيال البابا، وما زال مؤلفه يكسب الأموال عبر سلوك الفاتيكان السري.

     لم يحلم بأن يحرز الكتاب مثل هذا النجاح المنقطع النظير،لم يتخيل أن يبيع كتابا من تأليفه ستة ملايين نسخة. لم يتخيل أن يكون هذا ممكنا.

   إنها قصة خيالية مثيرة.

   يالوب مجرد ثرثار، ولكنه ذكي جدا. فقد ألف كتابا يمكن قراءته من قبيل التشويق، مع أنه خيالي، أي أنه لم يؤلف كتاب توثيقي، والأسوأ من ذلك أن غالبية الناس يقرأون الكتاب على أنه تقرير موثق وليس من مذهب التشويق.

    أسرار الفاتيكان كتاب نصفه من نسج الخيال، وقد عزز بعبارات تفوح منها رائحة الفضائح كتبها مؤلف عديم الضمير حوّل  قصة موت مأساوية إلى جريمة.

     هذه شائعات وتساؤلات تلاحق عائلة البابا  وقد عذبتهم في فترة الحزن والحداد. كما أنها تزرع الخيبة في قلوب أناس حول رجل أحبوه فعلا.

    كثيرا ما يعتقد الناس بأن الظاهر مخادعة، وأن الحقيقة الخفية لا بد أن تنكشف يوما ما.

    وما زال زوار المقبرة التي تضم رفات الباباوات  يقفون عند قبره ويهمسون بأنه قد قتل.

    هذه أسطورة لم تخضع للفحص الدقيق ولكنها ما زالت قائمة.

   ألبينو لوشياني البابا المبتسم، مات وحده وبهدوء.

--------------------انتهت.

إعداد: د. نبيل خليل

 
 
 
 



 

 

 

 

 

من نحن | | إبدي رأيك | | عودة | | أرسل الى صديق | | إطبع الصفحة  | | اتصل بنا | | بريد الموقع

أعلى الصفحة ^

 

أفضل مشاهدة 600 × 800 مع اكسبلورر 5

© جميع الحقوق محفوظة للمؤلف 1423هـ  /  2002-2012م

Compiled by Hanna Shahwan - Webmaster