اتصل بنا

Español

إسباني

       لغتنا تواكب العصر

من نحن | | إبدي رأيك | | عودة | | أرسل الى صديق | | إطبع الصفحة | | اتصل بنا | |بريد الموقع 

 
 

 

 

 

 أربط بنا

وقع سجل الزوار

تصفح سجل الزوار

 أضفه إلى صفحتك المفضلة

 اجعله صفحتك الرئيسية

 
 
 
 

 

 

 

 
 أضواء على ظلمات أمريكا، الفضل في اكتشاف القارة
 

كريستوفر كولمبوس

 

يثير عدد لا بأس به من المفارقات التاريخية على ممر العصور الدهشة والاستغراب لدى الكثير من الشعوب، لما تحمله من معان وآثار على واقع حياتنا اليومية.  نذكر من بينها مثلا توافق سقوط مدينة غرناطة عام 1492 ونهاية الحكم العربي في الأندلس، مع اكتشاف البحار الإسباني كريستوفر كولمبوس للقارة الأمريكية في العام نفسه.

ما زال هذا التوافق التاريخي يطرح على الباحثين في العالم أسئلة تقول: كيف تمكنت إسبانيا وهي في غياهب العصور الوسطى من اكتشاف قارة جديدة، عجز العرب عن الوصول إليها وهم يتربعون على عروش العلوم والتجارة والحضارة حينها؟  أم أن سقوط غرناطة في ذلك العالم قد أسقط معه علوم الفلك والرياضيات وخبرات الملاحة التي تراكمت عبر قرون من التجارة في جميع البحار؟ 

من الصعب منطقيا أن نصدق بأن إسبانيا الفتية المجزأة حينها قد تمكنت من الوصول إلى أمريكا قبل العرب وهم في قمة مجدهم الحضاري والعلمي والتجاري.  ولكن هذا ما تؤكده الوقائع الحالية، فالقارة الأمريكية اليوم تنطق بلغات رئيسية ثلاث هي البرتغالية والإنجليزية والإسبانية. ولكن هل يكفي ذلك للقول بأن كريستوفر كولمبوس وجان كابوت قد وصلا أولا إلى هناك؟

قبل إثارة هذه المسألة الجدلية علينا أن نسلم بداية بأن السكان الأصليين أو ما يعرف خطأ بالهنود الحمر، هم أولى الشعوب التي وصلت إلى تلك القارة منذ آلاف السنين، ويعود لهم شرف اكتشافها والفضل في حضاراتها القديمة والحق الأول والأخير في جميع ثرواتها دون منازع. ومع ذلك ما زال الإدارات الأمريكية المتعاقبة تتغاضى عن هذه الحقائق الدامغة، فكيف لها ألا تتستر على حقائق أقل أو أكثر أهمية تتعلق باكتشاف أمريكا؟

هناك أعداد كبيرة من الدراسات والأبحاث التاريخية التي تقدم الدلائل والحجج حول اكتشاف أمريكا في العصور البائدة من قبل حضارات قديمة كالفينيقية والإغريقية والفرعونية وغيرها، فهناك آثار لكتابات إغريقية تتحدث عن وصول السفن إلى بحار وأراض بعيدة تنطبق عليها مواصفات القارة الأمريكية. أما الكتابات الهيروغليفية الفرعونية فليست أقل شأنا، كما أن وجه التشابه في بناء الأهرامات كتلك التي تنتشر  في المكسيك وغواتيمالا، قد تعتبر دليلا آخر على احتمال وصول الفراعنة قبل غيرهم من الحضارات القديمة إلى القارة الأمريكية.

أما العرب فقد أرسلوا في عصري العباسيين والموحدين في الأندلس أو المغرب العربي عدة بعثات بحرية لعبور ما كانوا يطلقون عليه بحر الظلمات، دون أن ترد أنباء موثقة عن وصولها أو عودتها، ولكن هناك بعض الوثائق التي تتحدث عن التحضير لهذه البعثات  وانطلاقها للملاحة في الأطلسي. وتقل احتمالات هلاكها إذا أخذنا بعين الاعتبار أن العرب كانوا حينها الأكثر علما في شؤون صناعة السفن ومهارة في الملاحة والإبحار.

تعتبر مذكرات كريستوفر كولمبوس نفسها من بين الوثائق الهامة الأخرى التي تتحدث عن احتمالات وصول العرب إلى القارة الأمريكية قبل كولمبوس،  فهو يذكر في إحدى صفحاتها عن مشاهدته مئذنة جامع إسلامي فوق إحدى تلال جزيرة في حوض الكاريبي وهو على بعد مسافة من الشواطئ بعد. رغم أن البعض يعلل تلك الأسطر من مذكراته بإصابته بالهذيان.

يقول أمين مروّة،  وهو باحث كندي من أصل لبناني في دراسة له حول هذه الموضوع، أنه قد حفر على بعض الصخور الأثرية التي وجدت في عدد من المناطق الأمريكية نقوش لكلمات عربية تبرز من بينها كلمتي الله ومحمد. ويضيف  مروة في جانب آخر من دراسته أن اللغات المتداولة حاليا بين عدد من قبائل السكان الأصليين في أمريكا وكندا تضم عددا لا بأس به من الكلمات العربية.

أما تفسير اختفاء أي أثر للإسلام هناك بعد الفتح الإسباني فهو العداء الشديد الذي كان يكنه الغزاة الإسبان للعرب والمسلمين. هذا ما يفسر عدم وجود أي وثيقة تتحدث عن ذلك، خصوصا وسط تلك الأجواء الدموية التي سادت في تلك الحقبة، والتي نرى مثال عليها في المذابح البشعة التي ارتكبها إيرنان كورتيس للقضاء على إمبراطورية الأزتيك  بكاملها بين عامي 1519 و1521، حيث قضى على مئات الآلاف من البشر، وأباد شعوبا وقبائل عن بكرة أبيها، فكيف يتردد في القضاء على أي أثر محتمل لوصول العرب إلى هناك.

هناك بعض الآثار التي تؤكد وصول شعوب أخرى إلى أمريكا قبل كولومبوس  بمئات السنين على الأقل. نجد هذه الإثباتات إلى الشرق من شمال نيوفونلاند،  عند منطقة تعرف بأنز أو ميدو. كان هذا أول موقع نروجي، أو اسكندنافي جرى اكتشافه في أمريكا الشمالية، وقد جرى بناؤه على يد النرويجي هيلغا إينستاد عام تسعمائة وستون.

كان ليف إريكسون، ابن الزعيم الأكبر لغرين لاند قد استقر هناك عام تسعمائة وست وثمانين، لاستكشاف ما يعرف اليوم بشواطئ أمريكا الشمالية، فقرر إقامة مخيم رئيسي هناك.  استطلع إريكسون ما هو أبعد من ذلك لكثرة الثروات التي قد تكون ذا قيمة عالية لغرين لاند، وقد وردت هذه المواصفات في كتابات أيسلندية يعود تاريخها إلى العصور الوسطى. إنه المخيم الرئيسي، الذي أقامه ليف إريكسون وحافظ عليه طوال عدة سنين. ليشكل قاعدة انطلاق للرحلات أخرى.

تعلم بحارة النرويج أصول الملاحة على خط العرض، وهكذا اكتشفوا أيسلندا عام ثمانمائة وسبعون، وغرين لاند بعد مائة عام تقريبا. بقي من هناك مائتي ميل فقط عبر مضيق دافيس للوصول إلى جزيرة بافين، التي يسمونها هيليلاند،  أو أرض البلاط. ثم تابعوا التوجه جنوبا بمحاذات الشواطئ نحو لابرادور،  وماركلاند، أرض الغابات. واستمروا جنوبا نحو ما أسموه بفينلاند، أي أرض الدوالي، علما أنه لا يوجد فيها مزارع للعنب. بل هناك ثلاث مجمعات على الشواطئ الباردة المفتوحة.

يؤكد علماء الآثار أن ما جرى اكتشافه ليس مستوطنة، بل مخيما رئيسيا لاستكشاف مناطق في عمق أمريكا الشمالية.

لدى علماء الآثار إثباتات تؤكد بأن بحارة النرويج كانوا يقومون برحلات متقطعة إلى القارة الأمريكية، على مدار ثلاثمائة عام تلت على الأقل.

عندما تحدت  ملكة إنجلترا  إليزابيث المطالبة الإسبانية بالقارة الجديدة، قالت بأن مادوك وهو من أمراء الويلز كان قد استقر في أمريكا قبل ثلاثمائة عام من وصول كلومبوس.

عام ألف وثمانمائة وتسع وثمانين، قال أولاف أوهمان، أنه عثر في مزرعته في مينيسوتا، أثناء اقتلاع إحدى الأشجار على صخرة تتحدث الكتابات التي حفرت عليها عن ثمانية قوطيين واثنين وعشرين نرويجيا خرجوا في رحلة استكشافية من فينلاند،  فقتل عشرة منهم. وقد ذيلت بعبارة تقول ليحمينا الله من الشر.

لم تكتب أول أنباء أوروبية وردت عن شعوب أمريكا الشمالية على أيدي النرويجيون، بل كتبها عالم عربي شهير جدا في الجغرافيا كان يعمل في صقلية عام ألف ومائة وخمسين، أي قبل مائتين وخمسين عاما من وصول كلومبوس إلى هناك. إنه الإدريسي،  الذي كتب يتحدث عن مواصفات شعوب أمريكا الشمالية في ذلك العام كما كانت شعوب البحر الأبيض المتوسط تعرفها.

من المحتمل جدا أن تكون المعلومات قد نقلت حينها عبر طرق النورمان التجارية إلى صقلية التي كان يحتلها النورمان يومها، لهذا من الممكن أن تكون المعلومات المتعلقة بالمستعمرات النرويجية قد انتقلت إلى أوروبا عبر طرق  النورمان، ومنها إلى ما كان يعرف باستشارية باسل حيث رسمت الخريطة التي ربما كانت تعتمد على المعلومات الجغرافية التي يتم تداولها في المراكز الجغرافية حينها في العالم.

رغم الغموض الذي يكتنف شخصية الأمير مادوك، قد نجد هنا عنصرا آخر لتفسيرات الآثار، وهو تكنولوجيا سفن الفايكينغ. من الواضح أن الويلز لم يكونوا على خبرة ببناء السفن، ولا أرى الكثير من المراجع التي تتحدث عن أي دراية محلية في بناء السفن حينها كتلك التي كانت لدى العرب، مع ذلك أعتقد أن الفايكينغ كانوا يملكون مفاتيح هذه التكنولوجيا.

هناك أسطورة قديمة لدى السكان الأصليين تتحدث عن سفينة بمواصفات تنطبق على السفن الفينيقية أو الفرعونية أو الإغريقية أو تلك الخاصة بالفايكينغ،  في  فترة كانت قبائل الماندان الأصلية الكندية تعتمد على قوارب صغيرة جدا تصلح لشخص واحد، أما السفينة التي تصفها تلك الأسطورة فهي أكبر بكثير من حدود الخيال حينها، إذ كانت تتمتع بعنق طويل، وفي مقدمتها رأس حيوان هائل أشبه بالذئب.

نشبت أواسط القرن الخامس عشر حربا على الأسماك المحيطة بأيسلندا، في فترة كانت شواطئ نيوفونلاند أغنى مناطق الصيد في العالم، حيث غطت أسماك شمال الأطلسي احتياجات أوروبا من هذه الثروة، فأبعد صيادي مدينة بريستول البريطانية عن المنطقة على أيدي الألمان. إلا أن اقتصاد المدينة لم يتأثر. ما يوحي تماما بأن رجال الصيد  توجهوا نحو الغرب، قريبا من الشواطئ الأمريكية.

نعرف عام 1480، أن هناك محاولات جدية هادفة جرت للملاحة نحو أمريكا الشمالية أو ما كانوا يسمونه حينها بجزيرة البرازيل. يجب ألا نتعامل مع هذه الرحلة على أنها الأولى بل هي أول محاولة للقيام بذلك دون الملاحة عبر غرينلاند،   التي كانت دليل الوجهة المعتاد. تكررت هذه المحاولة عام1481، السبب الوحيد الذي جعلنا نتأكد من حصول هذه الرحلة هو مواجهتها للمشاكل مع سلطات الجمارك وهذا مدون في السجلات.

لو أن رحلة عام 1480 فشلت بالوصول إلى اليابسة في القارة الأمريكية، لما استعد التجار لتمويل رحلة أخرى في العام التالي. حدث هذا قبل أحد عشر عاما من بعثة كولومبوس، وقبل ستة عشر عاما من اكتشاف جان كابوت رسميا لأمريكا الشمالية، الذي شاءت المفارقة أن يبحر منطلقا من بريستول أيضا.

تم العثور مؤخرا على رسالة كتبها في شتاء عام 1497، إنجليزي اسمه جان داي إلى كريستوفر كولومبوس يحدثه فيها عن نجاح جان كابوت في رحلته إلى أمريكا الشمالية. وفي معرض حديثة عن الوجهة إلى هناك، أشار في الرسالة إلى معرفة كولومبوس بخروج البحارة من بريستول إلى الجزء الشمالي من القارة كمحاولات تجري منذ عدة سنوات، دون أن يذكر عددها، لاستخدامه التعبير الإسباني أوتروس تيمبوس،  أي  فترات ماضية.

من عادة الصيادين أن يلوذون بالصمت حيال مناطق صيدهم. ولكن ربما كان كولومبوس قد أعطى العالم فكرة حين رسم خريطة عام 1502، يستعرض فيها شواطئ لم يسبق له أن رآها معززة بخمسة أعلام إنجليزية، كتب تحتها، البحر الذي اكتشفه الإنجليز. جمع كولومبوس كل ما أمكنه من معلومات حول شمال الأطلسي. ومن المحتمل جدا أنه كان يعلم بوجود أراض مسكونة هناك. إلا أن حكام إسبانيا أرسلوه كي يصل إلى آسيا.

كان كولومبوس يعلم بما يعرفه كل البحارة حينها، وهو أنه إذا ما أراد الملاحة عبر المحيط عليه التوجه عبر خط دائري، وربما يقوم بما فعله جان كابوت بالتوجه نحو الشمال أولا حيث يقصر خط العرض حتى يعبر المياه ويأخذ في النزول بعدها. أما كولومبوس فقد اتبع الطريق الأطول مباشرة عبر المحيط. ربما كان يحاول الابتعاد عن كندا وتفادي الوصول إلى فينلاند والابتعاد عن مناطق الأشجار الكثيفة والصخور والأسماك التي لم تكن ما يبحث عنه عندما أبحر باتجاه الغرب سعيا للوصول إلى آسيا.

عام 1492 اكتشف كولومبوس جزر الكاريبي. وعام سبعة وتسعون، أبحر جان كابوت منطلقا من بريستول لاكتشاف أمريكا الشمالية. واحتفل العالم طويلا في هذه الرحلات الشهيرة، لينسى كل عمليات العبور التي جرت قبلها.

يبدو من المؤكد أن كولومبوس كان يعلم بوجود أمريكا الشمالية، حيث أشار إليها في خريطته بأعلام أطلق عليها لقب البحر الذي اكتشفه الإنجليز.  ولكن يبدو أيضا أنه فكر بالإبحار من تحتها للعثور على الصين. ومن المحتمل جدا أن يكون قد سبق للرجال الذين خرجوا على متن سفينة ماثيو بقيادة كابوت، أن أبحروا إلى أمريكا الشمالية بالاعتماد على الجانب نفسه من الخريطة المذكورة.

يتضح لنا إذا سلمنا جدلا بما سبق، أن جميع الذين وصلوا إلى القارة الأمريكية قبل كولمبوس وكابوت تعاملوا مع سكانها المحليين بطرق التفاعل الحضاري الذي يبدو أنه ترك أثرا ساهم تدريجيا باستساغة الحضارات المحيطة الأخرى في العالم، حتى حفرت في ذاكرة هذه الشعوب على شكل أساطير شعبية بل وخرافات ما زالوا يتوارثونها جيل بعد جيل.  بما يختلف كليا عن أساليب البطش والإبادة والحرمان الذي اعتمده الأوروبيون في إخضاع هذه القارة،

ما فعله كولومبوس مبدئيا مع جان كابوت وجون أميريك التاجر البريطاني الذي مول رحلة هذا الأخير،  هو أنهم جردوا  القارة من كل شيء، جردوها من لغاتها وحضارتها القديمة ومن تاريخها ودياناتها وتقاليدها، كما جردوا سكانها من ثرواتهم وممتلكاتهم وأرضهم وكل شيء وعزلوهم فيما يشبه مستوطنات الفصل العرقي بعيدا عن الأراضي الخصبة والمناطق الغنية تحت لواء نشر الحضارة والتطور. وهم ليسوا وحدهم بل شاركهم في ذلك من جاء بعدهم من أجيال سارت على هذا النهج حتى اليوم. 

المؤسف في الأمر هو أن الرأي العام العالمي يقدر هذه الشخصيات عاليا، ويتطلع إليها بإعجاب شديد، مع أنها لا تستحق هذا الاحترام، لما جاءت به من ويلات ودمار لشعوب ما زالت حتى اليوم عرضة لسوء المعاملة والحرمان بشتى أشكاله. هذا ما سنتحدث عنه في الحلقة القادمة من هذا البرنامج الذي يسلط الضوء على بعض الجوانب الغامضة من تاريخ أمريكا.          

 --------------------نهاية الجزء الأول.

الجزء الثاني

إعداد: د. نبيل خليل

 
 
 
 



 

 

 

 

 

من نحن | | إبدي رأيك | | عودة | | أرسل الى صديق | | إطبع الصفحة  | | اتصل بنا | | بريد الموقع

أعلى الصفحة ^

 

أفضل مشاهدة 600 × 800 مع اكسبلورر 5

© جميع الحقوق محفوظة للمؤلف 1423هـ  /  2002-2012م

Compiled by Hanna Shahwan - Webmaster