اتصل بنا

Español

إسباني

       لغتنا تواكب العصر

من نحن | | إبدي رأيك | | عودة | | أرسل الى صديق | | إطبع الصفحة | | اتصل بنا | |بريد الموقع 

 
 

 

 

 

 أربط بنا

وقع سجل الزوار

تصفح سجل الزوار

 أضفه إلى صفحتك المفضلة

 اجعله صفحتك الرئيسية

 
 
 
 

 

 

 

 
 "الفصل الاول"
 

حضارات العالم في بلوغ أمريكا

للعولمة والنظام العالمي الجديد المطروحان على بساط البحث والتنفيذ عواقب قد لا تحتاج إلى مزيد من الشرح والتفسير إلاّ أن جانب صراع الحضارات منها يحتل حيزا هاما فيها، أبرز ما فيه ذلك المتعلق بهيمنة الحضارة الغربية ومحاولة إحلالها محل الحضارات البشرية الأخرى بشتى السبل والأساليب.

 

المفارقة الأبرز في هذه العملية هو أنها تشكل صراعا تصر فيه حضارة الأقوى على إبادة حضارات الأضعف انطلاقا من مبدأ صراع الحضارات، إلا أن الحضارات المستهدفة تصر وسط صيحات الاستغاثة على إطلاق الدعوات تلو الأخرى مطالبة بما أصبح متفقا اليوم على تسميته حوار الحضارات.

لكن نداءات الشعوب المطالبة بحوار الحضارات تدعو إلى ذلك وسط عدم توازن في الاتصالات العالمية، وامتلاك الوسائل الإعلامية الكفيلة بالترويج لهذا الحوار من قبل الجهات الساعية لفرض هيمنتها الشاملة على شعوب هي في وضعها الحالي أشبه بمن يستجير من الرمضاء بالنار.

قد لا يحتاج المراقب إلى كثير من التبحر في التاريخ والعلوم البشرية ليتأكد من أهمية تفاعل الحضارات الإنسانية جميعها لبلوغ ما توارثته اليوم من إنجازات على مختلف الصعد، وبالتالي فإن التنكر لأي حضارة أو إلغاء أي منها سيؤدي بالتأكيد إلى السقوط في عصر من التخلف والظلام الإنساني الدامس الذي يعززه ويحكم من قبضته التقدم التكنولوجي المعاصر.

من شبه المستحيل أن نأتي على ذكر أي من محاور التقدم البشري دون العودة إلى مساهمة مختلف الحضارات فيها ما ينزع الحجة من أيدي العابثين بمفاهيم تتحدث عن بقاء الأقوى والأفضل على حساب الأقل قوة وفضلا.

لا يمكن فصل حضارة حمورابي التي وضعت الشرائع البشرية الأولى عن أفكار الثورة الفرنسية التي ضعت أسس القوانين المعاصرة، أو فصل أولى خطوات تقدمت بها حضارة ابن سينا في علم الفلك عن أول من حلق في الفضاء الخارجي وداس سطح القمر، أو حتى فصل التقدم في الملاحة والإبحار التي بلغت ذروتها في الخرائط التي وضعها الإدريسي عن الوصول إلى القارة الأمريكية.

إذا تناولنا هذه المسألة الأخيرة بالتحديد لاعتبارها نموذجا عن مساهمات شعوب العالم جمعاء في هذا الحدث التاريخي الفصل، سنرى أن قارات الأرض دون استثناء تقريبا قد ساهمت بشكل أو بآخر في بلوغ القارة الأمريكية ولم تكن هذه المسألة، بمنافعها ومضارها حكرا على أحد.

رغم غياب النظرية المحددة التي تتحدث عن أولى أشكال الوصول إلى القارة والانضمام إلى السكان الأصليين الذين ثبت أنهم عاشوا هناك منذ العصر الحجري، تأكد أن عدة هجرات قد وصلت إلى أميركا من مداخل مختلفة جاءت إليها من آسيا وأفريقيا وأوروبا وربما من أستراليا أيضا.

ولم يتم هذا فقط عبر مضيق برمينغ وهي نقطة العبور التي تربط أميركا الشمالية بآسيا من جهة القطب الشمالي. فقد أكدت أبحاث قامت بها عالمة الآثار البريطانية نيد غيدون أن الشعوب القديمة وصلت إلى هناك عبر البحر، خاصة أنها كانت تعرف قوانين الملاحة اللازمة وتملك القوارب الكفيلة بالوصول إلى هناك.

هناك عدة نظريات معاصرة تعالج مسألة بلوغ القارة الأميركية تؤكد أن حضارات مختلفة تحدثت وأشارت إلى القارة الأميركية بشكل أو بآخر. فكان الإغريق من السباقين في هذا المجال لكثافة كتاباتهم وما تبقى من هذه الكتابات التي لها دور فعال كبير فأحيانا ما تمر الحضارات ولا يبقى لها أثر لأنها لم تكتب أو لم يبقى من إبداعاتها الكثير كما هو حال حضارة السكان الأصليين في القارة الأمريكية نفسها. المهم هنا أن الحضارة الإغريقية كتبت والأهم من ذلك أن تبقى هذه الكتابات و أهم من الآثار أن تبقى هذه الآثار، والحقيقة أن الكتابات الإغريقية والآثار الإغريقية قد دونت. قد تكون مساهمتها أقل لكن تدوينها أبقى ميراثها مشاعا للحضارات والشعوب الأخرى.

هناك حضارات قديمة وعريقة أخرى تحدثت عن الوصول إلى القارة الأميركية، لا يمكن أن نغفل الحضارة الفرعونية طبعاً لما وصلت إليه في مجالات الملاحة وعلوم متقدمة جداً في ذلك العصر وهي حضارة دامت اكثر من خمسة آلاف سنة. آثار ومعالم الحضارة الفرعونية موجودة بأشكال مختلفة في القارة الأميركية.

يمكن نتحدث عن الجانب اللغوي في وسط القارة على وجه الخصوص حيث دون كتاب المايا المقدس البو بول بو برسوم وصور تحاكي تلك المعتمدة في اللوحات الفرعونية القديمة.

كما يمكن أن نجري مقاربة بين المفاهيم الهندية القديمة و المفاهيم الفرعونية، ولا نتحدث هنا عن مقاربة دقيقة بل عن بعض التشابه بين الحضارتين من حيث المفاهيم القديمة لغيبيات العالم الأخر والبنية الاجتماعية وألوهية الملك والحاكم، الخ.

كما نستطيع التحدث عن المباني الهائلة التي كانت تقام في أمريكا في بعض المناطق من أمريكا تحديداً في مناطق أميركا الوسطى والمكسيك المباني الهائلة المشابهة جداً للأهرامات وهي تسمى أيضا بأهرامات رغم اختلافات نسبية في هيكلها واستعمالاتها. يوحي هذا كله إلى احتمالات وصول الفراعنة إلى هناك.

وهناك حضارة شرقية أخرى يشار إلى ما تركته من أثر ملموس وواضح عن وصولها إلى القارة الأمريكية هي الحضارة الكنعانية أو الفينيقية كما تسمى أحيانا.

إذا اطلعنا على الحضارة الفينيقية أو على طريقة عيش الفينيقيين نستطيع القول أن الفينيقيين كانوا أسياد البحر والتجارة في تلك الفترة يكفي الاطلاع على جانب من التاريخ الفينيقي لنرى أن قرطاجة قامت بحملة بحرية قوامها 350 سفينة بلغ قوامها 150.000 مقاتل أو جندي وبحار.(1)

أي أنها تقارن بكبرى الحملات العسكرية المعاصرة، ما يدل على مستوى تقدم التجارب وعلم البحار لديهم. من ناحية أخرى إذا أخذنا قرطاجة وحدها نرى أن هنيبعل المعروف في تاريخه الفينيقي قد تمكن من عبور جبال الألب بجنوده بفيلته وصولا إلى قلب أوروبا، فما الغرابة في أن تصل حضارة هذه القوة الهائلة وهذه السفن وهذه الحملات البحرية إلى أمريكا؟

هناك عدة أدلة تتحدث بإسهاب عن هذا الموضوع وتحديداً الحملات البحرية التي تمت حول القارة الإفريقية قد نذكر منها عرضاً الحملة الفينيقية التي جرت عام 500 ق.م في عهد الملك حيرام الثاني وقامت في جولة حول القارة الإفريقية بكاملها.

القيام بجولة بحرية حول القارة الإفريقية يعني الخوض في مياه المحيطين الأطلسي والهندي ما يدل على أن قدرات السفن الفينيقية على الإبحار في تلك الفترة. هذا تقييم للوقائع التي تسمح بالتفكير أو تأهل لاحتمال وصول الفينيقيين تحديدا إلى القارة الأميركية.

ركز الفينيقيون جل اهتمامهم على التجارة وإيصال بضائعهم وصناعاتهم وصناعات الشعوب المحاذية لهم ونقلها إلى البلدان المحيطة بمناطقهم الممتدة على شواطئ فلسطين ولبنان والساحل السوري، وكانوا ينشرون مستعمرات لهم على الشواطئ البعيدة لتسهيل هذه التجارة وحماية البضائع. وكانت هذه المستعمرات تشكل محطات للسفن المحملة لتتبادل ما فيها من مقتنيات وتنطلق منها إلى مناطق أخرى دون أن تعاني من مشقة الاستكشاف وتبديد الوقت والثروات في الاعتماد على الموانئ المحلية وأسواقها، كما يعزز الترويج لبضائعهم والإسراع في تصريفها.

وهناك أدلة تتحدث عن آثار محتملة تركها الفينيقيون كتلك التي يؤكد البعض وصولها إلى منطقة في المكسيك تعرف باسم (تشياباس) تشكل جزءا من بلدة متواضعة اسمها (بالينكي) حيث عثر على بعض المنحوتات تعكس صور حيوانات ليست موجودة في القارة الأميركية. ً نعرف مثلا أن الفيلة كانت من الحيوانات الأفريقية التي استخدمها الفينيقيون في حملاتهم المتعددة، ونعرف أيضا أن الفيلة ليست من الحيوانات المتوفرة أصلا في القارة الأميركية، ومع ذلك تم العثور على منحوتة تحمل صور الفيلة في إحدى المعابد التي تم اكتشافها في (بالينكي) وبقيت مختفية دون أن يتمكن الأوروبيين من بلوغها، لكثافة الأدغال المحيطة بها، حتى وقت متأخر من القرن التاسع عشر.

تدل منحوتة الفيلة في القارة الأمريكية أن صوره قد وصلت إلى هناك بطريقة ما قبل التاريخ، ما يؤكد احتمال وصول الفينيقيين إلى أميركا الوسطى و(بالينكي) أو (تشياباس) الواقعة في منطقة بين المكسيك وغواتيمالا سميت بالمدينة الضائعة لغيابها عن التاريخ واكتشافها عام 1800 فقط، غابت هذه المدينة عن الوجود لما يتراوح بين ألف وألفي عام. أي الفترة التي تتوافق مع تاريخ العصر الذهبي للفينيقيين في قرطاجة وإطلالتهم على مناطق مفتوحة من المحيط الأطلسي. (2)

كما يتحدث كتاب البو بول بو الذي يشبه بإنجيل السكان الأصليين أو الكتاب المقدس لدى الهنود في وسط القارة الأميركية. يأتي الكتاب على وصف ما يسميه بأمير ملامحه غريبة عن القارة الأميركية بشكل عام وغير موجودة في أميركا الوسطى بشكل خاص إذ يأتي الكتاب على وصف قائد حملة أتى مع عشرين رجل إلى شواطئ حوض الكاريبي في أميركا الوسطى وقد جاء من الشرق بمواصفات يقال فيها أنه طويل القامة ابيض اللون أشعث الشعر ذو لحية سوداء، وهذه ملامح لا تنطبق نهائياً مع مواصفات الهنود هناك، بل هي أقرب لما عرف به الكنعانيون.

عام 1873 تم في البرازيل العثور على منقوشة برابيا التي وردت فيها كتابات فينيقية غير واضحة كلياً تضم حروفا أثيرت حولها التباس كبير كحروف الكاف والواو واللام ولكنها كتبت بالكنعانية طبعاً وهي تقول " نحن أبناء كنعان، جئنا من صيدون لقد شاء القدر وقذف بنا التيار إلى هذه السواحل النائية إلى ارض اخترنا فيها التقائنا مرضاة العلي والعلية في السنة التاسعة عشر لملكنا حيرام كان قد حدث أن أقدمنا طبقاً لقرار وسافرنا خارجين من البحر الأحمر وانطلقنا بعشر سفن وكنا في البحر معاً طيلة سنتين حيث درنا حول ارض الحاميين بعدها أضعنا آثار تيار ذهب بزملائنا ووصلنا إلى هنا اثنا عشر رجلا وثلاث نساء على الساحل الآخر من المحيط كان عشر قد ماتت لقد حدث أنهن كن قد ارتكبنا معصية على أن نكون مقبولين لدى العليوالعلية ليكونا رحيمين بنا". (3)

ولا يقل دور الحضارة العربة أهمية في بلوغ القارة الأمريكية فرغم مفارقة هزيمة العرب في قرطبة وخروجهم من الأندلس عام 1492م، أي ذات العام الذي تم فيه اكتشاف أمريكا فإن تزامن هذين الحدثين وتقاطعهما في نفس السنة فلا يمكن التغاضي عن دور الحضارة العربية ومساهماتها العلمية وتراكم تجاربها في الملاحة والتجارة والفلك والرياضيات على وجه الخصوص، والتي لولاها لما تمكن كرستوفر كولومبوس من بلوغ اليابسة.

وقد جاءت المساهمة المباشرة للحضارة العربية في حملة كولومبوس عبر الخرائط الأساسية التي اعتمدها وهي من إعداد أبو عبد الله الشريف 1100-1165 الملقب بالإدريسي، وهو رحالة مغربي ولد في سبتة ودرس في قرطبة وبرع في الجغرافيا واستقر في بلاط ملك صقلية روجيه الثاني فصنع له كرة أرضية من الفضة، واشتهر بكتابه المعروف نزهة المشتاق في اختراق الآفاق. وقد عرف عن كرستوفر كولومبوس اعتماده كغيره من البحارة والملاحين العاملين في مجال التجارة والصيد على خرائط صقلية من هنا يمكن البناء على أصول وجذور علمية كانت سائدة في تلك الفترة.

لا شك أن الكنوز العلمية العربية قد ترجمت إلى عدة لغات الأوروبية، حتى أن قلة ينكرون اليوم فضل العلوم العربية على تطور العلوم المعاصر ومساهمات مكتبة طليطلة أو توليدو في الأندلس وهي مكتبة معروفة جدا ولم تحرق عبر الأحقاد والكراهية والتعبئة ضد العرب إلا بعد أن ترجمت الغالبية العظمى من أعمالها.

وقد ترجم العديد من محتوياتها إلى اللغة الفرنسية وتم نقله إلى مكتبات أخرى يمكن القول أن مكتبة روما مكتبة الفاتيكان تحتوي على كميات كبيرة من هذه الكنوز والمخطوطات العربية المترجمة إلى لغات أوروبية.

رغم غياب أي أدلة على وصول رحالة عرب إلى القارة الأمريكية إذا أننا تكلم اليوم بعد اكثر من خمسمائة سنة على أولى الحملات المسجلة ولكن هناك إشارات تتحدث عن خروج عدة بعثات بحرية عربية من المغرب العربي لعبور ما كان يعرف ببحر الظلمات وذلك في العصرور العباسية والموحدين في الأندلس والمغرب.

هناك مؤشرات تؤكد خروج حملتين من هناك على الأقل وقد تمت التهيئة والاستعدادات اللوجوستية لهتين الحملتين الكبيرتين بعناية وتكتم بالغين.

ليس هناك أي دليل أو وثائق تتحدث عن عودتهما وهذه مسألة قد تعود إلى سببين، أولهما إتلاف وحرق جميع الوثائق التي كانت في الأندلس بعد طرد العرب من هناك، والثانية هي أن الحملات الاستكشافية الخاصة بالتجارية أو الصيد عبر مجاهل البحار عادة ما كانت تحاط بالكتمان التام على اعتبار أنها تستهدف مصادر ثروات طائلة لا بد من إبقائها سرا.

السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو أنه إذا كانت الحملة الأولى لم تعد فلماذا ترسل وراءها حملة أخرى؟ وإذا كانت الحملة الأولى قد ذهبت وعادت ولم تفلح فلماذا يتم الإعداد لحملة أخرى؟ رغم ما تعنيه هذه الحملات من كلفة عالية جدا، إذ عادة ما تمول للبقاء عدة أشهر للوصول إلى يابسة وسط بحار عاتية.

وتحتاج هذه الحملات إلى اكثر من سفينة وإلى تخزين مواد لوجوستية وكفاءات من عناصر البحارة وأمهر الملاحين.

من جهة أخر هناك أدلة توصل إليها أمين مروة، وهو باحث لبناني، مقيم في كندا، بعد دراسة عدد لغات السكان الأصليين المقيمين في شمال أميركا أو ما يعرف بالهنود تؤكد وجود تشابه بين بعض تعابير هذه اللغات التي اطلع عليها واللغة العربية القديمة.

كما يؤكد أمين مروة اطلاعه على بعض النقوش التي عثر عليها في شمال القارة الأميركية والتي تحمل كتابات أو كلمات محددة ككلمتي الله ومحمد وقد أورد صورها في دراسة نشرت في كندا.

تحدث بعض البعض عن بلوغ أمراء الويلز القارة الأمريكية قبل سنوات من كولومبوس، وقد اعتمدت المملكة البريطانية على ذلك للقول أن لها الحق والأولوية في تملك الأراضي في شمال أميركا في مواجهة البابا أو الكنيسة البابوية التي كانت تؤكد حصرية الحق الإسباني والبرتغالي في القارة الأمريكية.

قد نضيف إلى هذه الشواهد أخرى متعددة منها تلك المتعلقة بالفايكنغ التي تؤكد وصول هذه الشعوب من النرويج على وجه الخصوص، وقد اكتشفت منذ بضع سنوات مستعمرة لهم في أقصى الشمال الأميركي وتحديدا القريبة من غرين لاند حيث وما زالت آثار المستعمرة واضحة المعالم ولا تقبل أي التباس وذلك في منطقة تعرف باسم ميدو وأحيانا ما تسمى بأنز.

وقد ساهمت باحثة الآثار النرويجية هيلغا انستاد في اكتشاف هذه المستعمرة التي تؤكد وصول الفايكنغ إلى هناك قبل مئات السنين في القرن التاسع أو العاشر ميلادي أي قبل حوالي أربع أو خمسمائة سنة من وصول كرستوفر كولومبوس.

ولا بد من الإشارة أولا إلى جانب هام يتعلق بالخرائط المتوفرة أيام كرستوفر كولومبوس والتي جعلته يتجه جنوبا بدل الشمال في بحثه عن الهند. من الواضح جدا أنه اعتمد في تحديد وجهته على خرائط صقلية المتوفرة في ذلك العصر والمعروفة آنذاك باحتوائها على ما عرف حينها باسم (البحر الذي اكتشفه الإنكليز) وما فيها من أعلام تحدد وصول الإنكليز إلى الجانب الآخر من البحر أو الضفة الأخرى من المحيط الأطلسي.

لقد ثبت وصول الفايكنغ إلى الشواطئ الشمالية للقارة الأميركية بإبحارهم الملازم للسواحل انطلاقا من أيسلندا وغرين لاند ومنها إلى ما عرف فيما بعد بفين لاند حيث أقاموا لهم مستعمرة هناك. كما بينت أعمال التنقيب أن بناء هذا الموقع وطريقة إعداده تدل على أنه محطة تم تجهيزها ليتم الانطلاق منها لاستكشاف مناطق أخرى في أعماق اليابسة الأمريكية أو متابعة عبر الشواطئ نحو الجنوب. هذا ما تجنبه كرستوفر كولومبوس في التوجه جنوبا أثناء الملاحة وذلك تفاديا لبلوغ اليابسة المعروفة حينها، ما دفعه إلى التوجه جنوبا على أمل تخطي تلك الشواطئ إلى ما وراءها من مناطق ظن أنها الهند. هذا ما قاده في نهاية المطاف إلى حوض الكاريبي.

أي أن مساهمات الحضارة العربية لا تقتصر بالضرورة على تلك السفن أو الحملات التي انطلقت من المغرب لتعبر المحيط إلى السواحل الأمريكية والتي من المحتمل أن تكون قد وصلت كما أشرنا، بل تأتي هذه المساهمة من خلال التقدم الذي بلغه العرب في قرطبة وما احتوته طليطلة من مكتبة شكلت عاملا هاما في عصر النهضة الأوروبية بكاملها فكيف لا تساهم مقتنياتها الفلكية والتجارية وخرائط الملاحة لديها في حدث كهذا وقد كانت في ذروة العلمية والثقافية والتجارية أيضا.

وهناك عدة مؤشرات تتحدث عن مشاركة عدد من البحارة العرب في رحلة كرستوفر كولومبوس، كما يثار جدل حول ما نقل عن مذكراته من عبارات يؤكد فيها رؤيته لبعض المعالم العمرانية الإسلامية وتحديدا منها مآذن الجوامع فوق بعض التلال المطلة على المحيط في جزر الكاريبي وسماعه الآذان يصدح من بعضها، الخ. إلاّ أن شيئا من هذا لم يتأكد بعد، باستثناء ما أورده الباحث الكندي اللبناني الأصل أمين مروه عن العثور على قطع صخرية تحمل اسم الرسول محمد أو كلمة الله وغيرها من الكلمات المشابهة.

الملفت في هذه المسألة هو أن الهنود في جزر الكاريبي، وهي المناطق التي يقال بأن مذكرات كولومبوس تشير إلى رؤية بعض المآذن فيها، قد أبيدوا بالكامل. من المعروف أن نسبة الهنود الذين أبيدوا في شمال القارة قد وصلت إلى 80% من السكان الأصليين، أما في جزر الكاريبي فقد وصلت نسبة الإبادة إلى 100%. والحقيقة أننا إذا عدنا قليلا إلى المجازر التي ارتكبت بحق السكان العرب في الأندلس، رغم تعهد ملك أراغون أمام الأمراء العرب باحترام أرواح السكان المسلمين وممتلكاتهم، لا نستغرب أبدا أن تكون المآذن التي تحدث عنها كرستوفر كولومبوس في مذكراته وراء المذابح الجماعية الفريدة التي ارتكبت بحق الهنود هناك.

يشاع الكثير عن عدم صحة وجود هذه الأسطر في مذكرات كرستوفر كولومبوس، واعتبار البعض أنها مجرد كلمات كتبها كولومبوس وهو في حالة هذيان أصابته بعد أشهر من الإبحار. ولكن المشكلة في هذه المذكرات هي أنها اختفت بالكامل رغم أهميتها البالغة، ورغم أنها نسخت بطلب من كرستوفر كولومبوس نفسه وقام بإهداء نسخة منها إلى الملكة إيزابيل، التي موّلت رحلته، ليحتفظ لنفسه بالنسخة الثانية، ومع ذلك اختفت النسختين معا ليوصف كل ما يكتب عن المذكرات بالتكهنات.

والحقيقة أن لإخفاء المذكرات صلة مباشرة بادعاء الكنيسة الكاثوليكية لحق إسبانيا والبرتغال دون غيرهما في القارة، بحجة أن إسبانيا هي التي اكتشفت القارة، ما أثار مشكلة مع بريطانيا التي تمردت على ادعاء الكنيسة الكاثوليكية مؤكدة أن الفايكينغ هم أول من وصلوا إلى القارة الأمريكية. ما يعني أن إشارة كولومبوس في مذكراته إلى رؤيته لبعض المآذن على التلال الأمريكية المطلة على المحيط كاد، لو انتشرت تلك المذكرات، ليثير إشكالية أخرى مع قوة لا يستهان بها، إذ كانت رغم تراجعها في الأندلس، تدق أبواب العواصم الأوروبية من الشرق حتى استولت على بودابست وحاصرت مدينة فيينا بقيادة سليمان القانوني.

وهكذا أتلفت هذه المذكرات كما اتلف الكثير من المعلومات والأدلة التي تتحدث عن إبادة إرنان كورتيس لمئات الآلاف من السكان الأصليين من القارة الأميركية، وكما لا نعرف اليوم إلا القليل عما أصاب السكان العرب من مجازر في الأندلس، ليس من الغريب ألا ندرك الكثير عن حجم الدمار الهائل الذي لحق بالقارة الأميركية لإتلاف أكبر قدر ممكن من الأدلة والإثباتات التي كانت على الأرض عند وصول كرستوفر، والتي سجل وقائعها في مذكراته المغيبة.

بالعودة إلى مسألة اكتشاف القارة بحد ذاتها فقد توفرت في القارة الأوروبية التي أضاعت مذكرات كرستوفر كولومبوس، توفرت وثائق لدى ميناء معروف جدا في أوروبا وهو ميناء بريستول، تعود إلى فترة سبقت خروج كولومبوس بعشرات السنين. كانت بريستول من مدن التجارة والملاحة والصيد المعروفة جدا آنذاك وقد عاشت مرحلة ازدهار تزيد عن مائة عام وعرفت بمهاراتها في الصيد إذ كانت تطعم غالبية أجزاء أوروبا من الصيد التي كانت تقدمه.

تؤكد سجلات الفترة التي سبقت وصول كرستفور كولومبوس إلى أمريكا بعشرات السنين، خروج حملة عبر المحيط الأطلسي لتفادي الاصطدام بالألمان في منطقة غري لاند وايسلند تقديرا للمنافسة الكبيرة على المناطق الغنية بالأسماك، ما اجبر الصيادين الإنكليز في تلك الفترة على التوجه شمالا بعيدا عن غرين لاند وايسلند بحثا عن مناطق أخرى. كلفت هذه الحملة التجار الإنكليز مبالغ وإمكانيات لوجوستية هائلة ومع ذلك خرجت الحملة وعادت إلى بريستول.

شهدت بريستول بعد ذلك ازدهارا أكبر خصوصا في مجال الصيد رغم المنافسة الألمانية، ما يعني انهم وصلوا إلى المناطق التي يهاجر إليها الحيتان سنويا من المحيط الهندي إلى شمال المحيط الأطلسي، أي أنهم بلغوا مناطق الثروات السمكية الهائلة شمال ما يعرف اليوم بالولايات المتحدة وكندا.

هذا من جهة، أما من جهة أخرى وبعد سنوات قليلة، وتحديدا عام 1480 أي قبل 12 سنة من إعلان وصول كرستفور كولومبوس إلى أمريكا خرجت حملة أخرى من بريستول، وثقت في سجلات الميناء إجراءات خروج وعودة الحملتين. هنا نكرر السؤال مرة أخرى ونقول: لو خرجت الحملة الأولى ولم تعد بفائدة تذكر فلماذا يراهن التجار الذين غطوا مصاريفها الباهظة على إرسال حملة أخرى أكبر وأعلى كلفة منها؟؟

لا يحتاج المرء إلى ما قد تكشفه تطبيقات التكنولوجيا الحديثة على علوم الآثار والتأريخ من وقائع مدهشة حول أهمية التفاعل بين الحضارات وتعايشها على مر العصور في التوصل إلى ما تمكنت البشرية من تحقيقه على جميع المستويات حتى يومنا هذا.

كما لن يحتاج إلى مزيد من الأدلة حول الأساليب الفريدة التي اتبعت مع حضارة السكان الأصليين منذ اكتشاف الغرب الأوروبي للقارة الأمريكية عام 1492.

وما تبع ذلك من إلغاء لحضارات بكاملها استغرق بناءها آلاف السنين، وإجبار أبنائها على العيش في محميات نائية بالكاد يستطيعون فيها الكفاح من أجل البقاء، بعد أن حرموا من مصادر ثرواتهم الطبيعية الأغنى في العالم.

هذا ما تميز به وصول الحضارة الغربية الأوروبية إلى القارة الأمريكية عن وصول بقية الحضارات السالفة الذكر، والتي يبدو أن وصولها قد اقتصر على نوع من التفاعل الفكري والتجاري دون غيره، ولم يبلغ حد مبدأ إلغاء الآخر الذي قامت عليه المجتمعات الأوروبية الأولى في القارة الجديدة واستمر على مبادئه الكيان الأمريكي من سنوات المهد الأولى عبر المستوطنات المبعثرة التي شيدت هناك حتى عصر التوسع والهيمنة الجاريان اليوم تحت مظلتي العولمة والنظام العالمي الجديد وشعارات الدفاع عن الحرية والديمقراطية في العالم.

=-=-=-=-=-=-=-نهاية الفصل الأول.

© 2004-2009. All Rights Reserved-كافة الحقوق محفوظة للمؤلف

الفصل الثاني

 

[مقدمة اولى]  [مقدمة ثانية]  [مقدمة ثالثة]  [مقدمة رابعة]  [ملخص الكتاب] 
[الفصل الاول]  [الفصل الثاني]  [الفصل الثالث] 
[الفصل الرابع]  [الفصل الخامس]  [الفصل السادس]  [الفصل السابع]  [الفصل الثامن]  [الفصل التاسع] 
[ملحق اول]  [ملحق ثاني]  [ملحق ثالث]  [ملحق رابع] 
[فهرس المحتويات] 

 

 
 
 
 




قراء هذه الصفحة ابتداء من 08/01/2004


 

 

 

 

 

من نحن | | إبدي رأيك | | عودة | | أرسل الى صديق | | إطبع الصفحة  | | اتصل بنا | | بريد الموقع

أعلى الصفحة ^

 

أفضل مشاهدة 600 × 800 مع اكسبلورر 5

© جميع الحقوق محفوظة للمؤلف 1423هـ  /  2002-2012م

Compiled by Hanna Shahwan - Webmaster