اتصل بنا

Español

إسباني

       لغتنا تواكب العصر

من نحن | | إبدي رأيك | | عودة | | أرسل الى صديق | | إطبع الصفحة | | اتصل بنا | |بريد الموقع 

 
 

 

 

 

 أربط بنا

وقع سجل الزوار

تصفح سجل الزوار

 أضفه إلى صفحتك المفضلة

 اجعله صفحتك الرئيسية

 
 
 
 

 

 

 

 
 "الفصل الثامن"
 

 

اللوبي الصهيوني رهن التوسع الأمريكي

اختار اليهود في المجتمعات الأوروبية على مدار القرون الوسطى وتحديدا في القرنين الرابع والخامس عشر حياة من العزلة الذاتية والانغلاق الذي تعزز بنشاطاتهم الربوية وممارسة بعضهم لأعمال مفسدة وتمسكهم بمفاهيم فوقية تستخف بجميع الأعراق البشرية وتعتبرها دونية لا ترتقي إلى "نقاء" اليهود ورفض اختلاطهم وتزاوجهم بالآخرين.

ساهمت هذه الأسباب إلى جانب غيرها بردود الفعل المعادية لليهود في غالبية بلدان أوروبا والتي أدت إلى عمليات نفي وقمع واسعتين أخضعت اليهود للمطاردة والتنكيل حتى بلغت حدود الإجلاء الكامل من بلدان رئيسية كإسبانيا وفرنسا وبريطانيا.

لم يلق اليهود طوال تلك الحقبة التاريخية في أوربا إلا المذلة والمهانة بشتى أشكالها واستمر الأمر على هذا النحو حتى قيام ما يعرف بحركة الإصلاح الديني في القرن السادس عشر حيث " نشأت البروتستانتية على يد مارتن لوثر وجون كالفين اللذين كانا من أبرز روادها". (97)

نذكر في هذه الأثناء أن اليهود كانوا في ظل الحكم العربي وطوال مئات السنين ينعمون بحسن المعاملة ليبلغوا مستويات رفيعة من المناصب الحكومية التي رافقتهم حتى أواخر الحكم العثماني الذي اختارهم مع غيرهم من الأقليات ليكونوا من كتبة السجلات الحكومية في بلاد الشام إلى جانب مناصب أخرى بالغة الأهمية في بلدان متعددة.

وكان لما كتبه الفيلسوف والمفكر العربي الذائع الصيت أبو الوليد محمد ابن رشد دورا في كتابات ا للاهوتي الإيطالي الشهير توماس أكويناس لتبرير الفارق الواضح بين الشريعة والحكمة. وهو مبدأ إسلامي يشكل أساسا لجميع الأبحاث العلمية، ما أسهم في عصر النهضة الأوروبية حيث أطلق عليه علماء الغرب لقب الشارح فظهرت ملامح صورته في لوحة رفائيل النهضوية الكلاسيكية التي جمعت لكبار المفكرين الغربيين، وقد ظهر فيها إلى جانب بلاتو وأرسطو، ليكون شاهد حي على ما يدين به عصر النهضة الأوروبية للعرب والمسلمين.

نشأت البروتستانتية في أوروبا كجزء من حركة الإصلاح الديني في عصر النهضة فأتاحت فرص لحرية التعبير والمساواة والعدل وأعادت دراسة العهدين القديم والجديد على أسس فكرية جديدة استفاد منها اليهود نظرا إلى تأسيس البروتستانتية لرابط ذهني ونفسي بين يهود أوروبا في القرون الوسطى وأنبياء التوراة. (98)

وهكذا فرضت اللغة العبرية مادة أساسية في منهاج التدريس الديني في المدارس والمعاهد وترجم التوراة إلى لغات مختلفة وأخذ الأوروبيون البروتستانت يحترمون اليهود حتى أنهم أخذوا يطلقون على أبنائهم أسماء يهودية قديمة وحل أنبياء اليهود ورموزهم محل الأبطال الأوروبيين وأشادوا بما تميزوا به من قوة وبأس وحكمة ووعي انتقل معهم فيما بعد إلى الأراضي الأمريكية.

لا شك أن هذا التحول شبه الجذري في النظرة إلى اليهود قد جاء نتيجة ما عرف بالإصلاح الديني وحركة النهضة في أوروبا التي تأثرت بين عوامل أخرى بأفكار عربية كتلك التي جاء بها الفيلسوف والمفكر العربي أبو الوليد محمد ابن رشد ولعبت دورا في كتابات اللاهوتي الإيطالي توماس أكويناس لشرح الفرق الشاسع بين الشريعة والمنطق كمبدأ أساسي لجميع الأبحاث العلمية. ويبدو أن لسقوط الحكم العربي في الأندلس دورا بارزا في هذه المسألة إذ أن اليهود الذين طردوا من إسبانيا مع العرب كانوا يمسكون بعصب الاقتصاد هناك، وقد جمعوا منه ثروات طائلة ساعدتهم في بناء علاقات متينة على أرفع مستويات المجتمعات الأوروبية التي رحبت بما يحملونه من إمكانات جاءوا بها إلى فرنسا وهولندا وإنكلترا على وجه الخصوص.

هناك سبب حسي آخر لا يقل أهمية عما ذكر وهو أن غير الأثرياء من اليهود الذين طردوا مع العرب من إسبانيا كانوا يحترفون عدة صناعات يدوية من بينها صناعة الورق والنسخ الضرورية جدا لنشر أفكار الإصلاح الديني وعصر النهضة، وكانت هذه الصناعة في أوج نموها وازدهارها في مدينتي طليطلة وقرطبة. أتقن العرب واليهود هذه الصناعة في فترة لم يتوفر في أي دير أوروبي أكثر من عشر كتب من ورق البرشمان. بينما كانت مدينة قرطبة الأندلسية مركزا ينافس بغداد في العلم والثقافة، ما يعني أن الورق لم يكن متوفرا فحسب بل أصبح صناعة واسعة الانتشار، وهذا ما كانت أوروبا بأمس الحاجة إليه في تلك الفترة.

أي أن المجتمعات الأوروبية كانت بحاجة إلى المهاجرين الجدد من اليهود لما كانوا يتمتعون به من مهارات وخبرات اكتسبت من الأندلس وتحديدا ما أخذوه عن العرب من خبرة ضالعة في مجالات التجارة والملاحة فاستثمرت معارفهم في نطاق المنافسة على المواقع البحرية والتجارية البريطانية والفرنسية وغيرها.

أدى الدور المالي والحرفي الجديد الذي لعبه اليهود مترافقا مع المتغيرات الفكرية في أوروبا إلى خوض اليهود في آفاق كانت تقتصر عليهم فأثروا في مذاهب تفرعت عن البروتستانتية كحركة الطهرانيين في بريطانيا التي حوّلت الديانة اليهودية إلى عقيدة سياسية توسعت من خلالها في الأراضي الأمريكية على حساب طرد الهنود والاستيطان في القارة الأمريكية.

ترافق ذلك مع إطلاق نداءات تدعو اليهود لاعتناق الديانة المسيحية وهو ما جاء على لسان هنري فنش المستشار القانوني لملك إنجلترا ونشره عام 1621 في بحث بعنوان "استعادة العظمة العالمية" حيث طالب الأمراء المسيحيون بجمع قواهم لاستعادة إمبراطورية الأمة اليهودية المزعومة. (99)

مع توافق المصلحة المشتركة بين البورجوازية اليهودية وما أخذ يعرف بالصهيونية المسيحية بدأت تتبلور معالم الخطوط العريضة للصهيونية العنصرية الاستيطانية بآفاقها الاستعلائية الدينية الواهية في جميع الاتجاهات فتم في هذا المجال بين البروتستانت تأسيس عدة منظمات أواسط القرن السابع عشر، من بينها "حركة العودة" في بريطانيا على يد توماس برايتمان والتي جاءت تدعو العالم لمساعدة اليهود على "استعادة" فلسطين.

ثم بادرت الصهيونية المسيحية بخطوات عملية في مسيرتها الاستعمارية من خلال تأسيس "صندوق اكتشاف فلسطين" عام 1865 برعاية الملكة فكتوريا، وذلك لتشجيع الباحثين في وضع دراسات تفصيلية عن كيفية نقل اليهود واستيطانهم في فلسطين حتى توجت هذه الجهود بوعد قطع في 2/11/1917 بإقامة دولة لليهود من قبل اللورد بلفور الصهيوني المسيحي الذي تعلم التوراة منذ طفولته وتأثر جدا بها ومع ذلك لخصت ابنة أخته المؤرخة بلانش دوغاديل رؤيته وفلسفته بجملة سمعتها منه في طفولتها حين قال بأن المسيحية وحضارتها مدينتان بالشيء الكثير لليهودية لكنهما سددتا هذا الدين في أبشع صورة. (100)

لم تكترث الغالبية العظمى من اليهود بدعوات الهجرة إلى فلسطين، كما هو الحال اليوم، إذ لا تتعدى نسبة المستوطنين منهم خمسة عشر بالمائة من أعداد اليهود في العالم. كما لم تنجح دعوات البروتستانتية لهم باعتناق المسيحية فهاجروا جماعات إلى القارة الأمريكية حيث تتحدث بعض المصادر عن وصول أول دفعة منهم إلى نيويورك نهاية صيف عام 1654 وهي تتألف من ثلاثة وعشرين يهوديا. ثم استمر التدفق اليهودي إلى أمريكا بأعداد بسيطة نسبيا إذ لم يتعدى الربع مليون يهودي مع نهاية القرن التاسع عشر (101) .

ولكن الكفاءات الحرفية التي تمتع بها اليهود في أوروبا لم تعد أساسية للذين هاجروا منهم إلى أمريكا حيث وجدوا أنفسهم في مجتمعات التوسع الاستيطاني الذي ليس لهم خبرة فيه، فانكبوا على أعمال وردت في تقارير لعدد من صحفيي وقضاة ومحاميي تلك الحقبة تحدثوا عن وقوف كبار الشخصيات اليهودية ومؤسساتهم الوهمية وراء مشاريع الملاهي الليلية وعلب الليل وغيرها من أعمال منافية لأخلاقيات الطهرانية وما حولها من الكنائس المسيحية المشابهة.

أدى ذلك إلى انطلاق حملات رفيعة المستوى تحذر من خطورة هذه المشاريع على المجتمع المسيحي في أمريكا الشمالية، وقد برز من هذه الدعوات خطاب ألقاه رجل الاستقلال الأمريكي بنيامين فرانكلين أمام أعضاء المجلس التأسيسي لوضع الدستور الأمريكي عام 1789، والذي يقول فيه:

ثمة خطر داهم وعظيم يتهدد الولايات المتحدة الأميركية وهو ناشئ عن وجود اليهود الذين حيث ما حلوا أذلوا وحاولوا خنق الشعوب ماليا وهذا ما جرى في البرتغال وإسبانيا. إن اليهود أشبه بالعلقة مصاصة الدماء لا تستطيع العيش مع أخواتها لهذا إن لم يتم إقصاء اليهود عن الولايات المتحدة يف\قوة الدستور خلال مائة عام على الأقل، فإنهم سيتدفقون كالسيل للسيطرة علينا وتغيير نظام حكمنا الذي نبذل من أجله دمائنا ونضحي بأرواحنا وممتلكاتنا وحريتنا.

إذا لم يتم إبعاد اليهود خلال مائتي عام سيحول أولادنا إلى الحقول عمالا لإطعام اليهود وتغذيتهم، بينما يفركون أيديهم فرحين. أُحذركم أيها السادة بأنكم إذا لم تطردوا اليهود إلى الأبد فإن أولادكم وأحفادكم سيلعنونكم في قبوركم. إن اليهود خطر علينا، وإذا سمح لهم بالدخول فأن مؤسساتنا ستكون كلها معرضة للخطر، لذلك علينا أن نقصيهم عنّا بقوة القانون.

اعتمد هذا التصريح الصادر عن فرانكلين على ثلاث أسس الأول اقتصادي إذ كان اليهود من أصحاب الربى وقد تسببوا بمشاكل في أوروبا جعلت أعداد من النبلاء وذوي البلاط الملكي في مختلف المناطق مدينين لهم ما أثار حملة من معاداة السامية أخافت أمثال فرانكلين. اعتقاد اليهود بالتفوق على جميع الأغيار من أتباع الديانات الأخرى وبالتالي حقهم باستباحة ما يملكون مسألة أخرى أثارت في البداية مخاوف البروتستانتية المسيحية حول حقها المنفرد في الميراث التوسعي اليهودي الذي أخذت تمارسه على حساب الهنود وترفض أي منافسة لأتباع معتقدات أخرى شبيهة بها من حيث التوسع والاستيطان على حساب الآخرين، ما شكل سببا آخر لتعبئة الناس ضدهم.

ولكن أبرز مخاوف أمثال فرانكلين في تلك الفترة وما تبعها تنجم عن ممارسة اليهود لكل المهن التي تعتبر محرمة على المسيحيين في الفترة ومن بينها المشروب سعيا لاستمرارية تماسك المجتمع الأميركي لتحقيق أهدافه التوسعية، ما تطلب إبعاد المجتمع الأميركي عن كل أشكال الانحراف التي روجت لها الجاليات اليهودية الأولى عبر مؤسسات تدعي إقامة مراكز وإحياء حفلات للأعمال الخيرية.

لم يكن اتحاد ماكس هوشستيم المؤسسة الوحيدة من هذا النوع التي تم اكتشافها فهناك مؤسسات أخرى تدعى رابطة الإحسان المستقلة في نيويورك، قام على تنظيمها يهود من تجار الرقيق الأبيض عام 1896، وقد شكلت عصابات كهذه العمود الفقري لعصابات الجريمة المنظمة في أحياء الملاهي وعلب الليل، وكان الميدان الرئيسي لعملياتهم صالات الرقص الرخيصة العاملة تحت اسم رابطة الإحسان في المنطقة الشرقية من المدينة. علما أن معظم مديري هذه الصالات كما تثبت الوثائق الرسمية كانوا من يهود روسيا وغاليسيا.. وكان هؤلاء من مهربي الخمور وكانوا في الوقت نفسه العون الرئيسي لحلقات تهريب المخدرات الدولية التي ظلت تتحدى القانون حتى يومنا هذا. (102)

في هذه الأثناء وقعت في مناطق مختلفة من أوروبا اضطرابات عنصرية ضد اليهود تعاظم شأنها مع الوقت حتى تحولت في النصف الثاني من القرن الثامن عشر إلى أعمال عنف وارتكاب الفظائع بحقهم وصلت إلى حدود موسكو وتحديدا في منطقة كيشينيف المعروفة أيضا باسم سرابيا، وهي مقاطعة تابعة للقيصرية كانت تشمل مولدوفيا وبعضا من رومانيا وأوكرانيا.

أدت هذه الاضطرابات إلى قتل 45 شخصا وجرح ستين آخرين، ولكنها ساهمت مع غيرها في إعداد الأجواء المناسبة لانطلاق حملة واسعة لهجرة اليهود من أوروبا إلى القارة الأمريكية. ولكن أصداء الاضطرابات الأوروبية تجاه اليهود والنزعات الدينية المنتشرة في أمريكا والقلق السائد حيالهم في الولايات المتحدة جعلهم يتوزعون بداية على شمال القارة وجنوبها، علما أنهم كانوا في الغالب ينتقلون إلى مدن الشمال.

تدعي بعض المصادر اليهودية اليوم أن حملات الهجرة هذه قد جاءت إلى أمريكا تحمل ثروات مالية ساهمت في بناء الاقتصاد منذ نشوء الدولة هناك. والحقيقة هي أن أموال المرابين اليهود ما زالت على شكل عقارات وحسابات وأراض لا يسهل نقلها وسط الاضطرابات بهذه البساطة، كما أن السلطات كانت تحظر على المهاجرين اليهود نقل أموالهم، وهناك أدلة على أن الأثرياء من اليهود بقوا على الأرجح في أوروبا، أما بالنسبة لمن غادروا منهم فالمعطيات تتحدث بنفسها الديون التي كانت للأثرياء من اليهود على عدد من الحكومات الأوروبية أبان الحربين العالمية الأولى والثانية، خصوصا الأموال التي كان الرايخ الألماني الثالث مدين بها لبعض الممولين اليهود. كما أن قضية حسابات اليهود المصرفية في سويسرا والتي تحدثت عنها الصحافة الأوروبية والأمريكية بإسهاب تفند الادعاءات اليهودية والصهيونية في هذا المجال.

يؤكد ذلك ما نشر في الولايات المتحدة خلال تلك الفترة من أن ما جمعه اليهود من ثروات نجمت عن متابعة أعمالهم في مجالات الربى والسمسرة والاحتكارات والتجارة الطفيلية والملاهي بكل ما تخلفه من أزمات وتحريض عرقي ضدهم. وقد أشار الكاتب الفرنسي ألفونس توسينيل إلى هذه الوقائع بالقول: "أن اليهودي المحتقر هو كل من يمتهن تداول الأموال وهو طفيلي غير منتج يعيش على عمل الآخرين" (103) .
لم يتردد اليهود في استغلال اندلاع الحروب الداخلية والخارجية في الولايات المتحدة لتحقيق الثراء، فعملوا في تجارة الأسلحة وكانوا لا يترددون في بيع جميع الأفرقاء المتنازعين مختلف أنواع الأسلحة والمعلومات لإطالة أمد الحروب، هذا ما حدث في الحرب الأهلية بين الشمال والجنوب تماما كما فعلوا في الحربين العالميتين الأولى والثانية.

ساهم ذلك في جمع الأموال واستثمارها في مراحل السلم اللاحقة لتعزيز نفوذهم المادي والسياسي والدعائي، فكان أن" سيطروا بالتعاون مع اليهود في الخارج على جزء كبير من صناعة الأفلام السينمائية والسكر والتبغ وعلى خمسين بالمائة من صناعة اللحوم المعلبة وأكثر من ستين بالمائة من صناعة الأحذية ومعظم صناعات الأدوات الموسيقية والمجوهرات والحنطة والقطن والزيوت والفولاذ وإصدار الصحف والمجلات وتوزيع الأنباء والمشروبات الروحية ومنح القروض على المستويات القومية والدولية" (104)

لا يقتصر ذلك على الولايات المتحدة الأمريكية وحدها بل هو ما تم أيضا للتأثير في الاقتصاد البريطاني وما وصفه العالم الإنجليزي فرنسيس غالتون بالقول:" إن اليهود مختصون بتحقيق وجودهم الطفيلي على حساب الأمم الأخرى وثمة شك في قدرتهم على القيام بواجبات الأمم المتحضرة".(105) وهذا ما يؤكده المفكر الاشتراكي الفرنسي برودون بقوله:" إن اليهودي بطبعه غير منتج، فهو ليس مزارعا ولا صناعيا، حتى أنه ليس تاجر حقيقيا، إنه وسيط طفيلي". (106)

أما في الولايات المتحدة فقد استمر اليهود على هذا الحال حتى بداية الثلاثينات، ولا شك أن آرثر فيليغن هيمير اليهودي ذو الأصل الهولندي وأحد كبار زعماء عصابات الجريمة المنظمة في الثلاثينات من الشخصيات الدالة حتى اليوم على الصلة العضوية الوثيقة بين المافيا وجاليات اليهود التي من الصعب التستر عليها مهما بلغ النفوذ اليهودي من جبروت في المجال الإعلامي هناك.

وما زالت حادثة اغتيال الرئيس الأميريكي جون كينيدي وعلاقة هارلي أوزفالدو الشاب الذي قتله باليهودي جاك روبي صاحب الكازينوهات الكبيرة وعلب الليل ومواخير الدعارة. ومن المعروف أن جاك روبي وهو يهودي متدين جدا قد ذهب شخصيا وقتل هارلي اوزفالدوا دون أن يسمح لشخص آخر غيره بقتله.

 

شهدت الولايات المتحدة أكبر موجة حديثة لهجرة اليهود إليها خلال الحرب العالمية الثانية من بلدان أوروبية مختلفة. كما يتم الحديث عن اتفاق تقول بعض المصادر أنه جرى بين الحكومة النازية وعدد من زعماء الصهاينة في تلك الفترة ينص على تبادل بعض الأموال التي يدين بها الرايخ الثالث لهم مقابل السماح بهجرة اليهود إلى فلسطين. ولكن السواد الأعظم من هؤلاء لم يكونوا على قناعة بمشروع الهجرة إلى فلسطين، فأخذوا بدل الاتجاه نحو فلسطين كما كان الاتفاق وكما كانت رغبات القادة الصهاينة أخذوا يتوجهون إلى الولايات المتحدة الأميركية.

كما تعززت هذه الهجرة بحملات مشابهة جاءت من الاتحاد السوفيتي السابق، الذي أحيانا ما كان يسمح لمواطنيه اليهود بالهجرة إلى فلسطين، ولكن الكثيرين منهم كانوا يطمعون بالحصول على الجواز الإسرائيلي ليسافرون به إلى الولايات المتحدة الأمريكية. استمر الأمر على هذا المنوال منذ بدايات القرن العشرين عشية الحرب العالمية الأولى فكان مصدرا لموجات الهجرة الكبيرة من اليهود إلى أمريكا الشمالية.

شكلت الفترة الممتدة بين الحرب العالمية الثانية والحرب الباردة قفزة نوعية لدور اليهود في المجتمع الأمريكي حيث تعزز تواجدهم البشري وأصبح عددهم في نيويورك وحدها يوازي ضعف عدد اليهود في فلسطين المحتلة تقريبا، كما بدءوا ينتقلون من مجالات الجريمة المنظمة إلى التجارة والأعمال المشروعة فاستثمروا تحديدا في قطاعات المصارف والصناعات الثقيلة والتجارة والصناعة السينمائية والتلفزيونية والإعلامية والثقافية والتربوية أيضا.

أما من جهة أخرى فقد تحول الصهاينة بعد الحرب العالمية الثانية وقيام دولة إسرائيل إلى قوة منظمة اكتسبت خبرة كبيرة في التعبئة والتنظيم بعد أن تخلصت كليا من الجدل القائم حول ما كان يعرف بالمسألة اليهودية والتي أثيرت حول الخيار بين إقامة دولة تجمع اليهود، أو ضرورة الاندماج في مجتمعات العالم، والتي يبدو أنها حلّت على أساس تسخير المجتمعات اليهودية في العالم للدفاع عن دولة إسرائيل.

قد نستطيع اختصار هذا الواقع الجديد باقتباس صغير نقل عن أحد حاخامات اليهود الأمريكيين أدلى به من على منبر كنيس في الولايات المتحدة يقول فيه أن الولايات المتحدة لم تعد حكومة للأغيار بل هي إدارة يشارك فيها اليهود بشكل كامل وعلى كل المستويات. والمقصود هنا هو أن الدولة الأميركية أصبحت بسلطاتها الأربع تتأثر بالنفوذ اليهودي بشكل أو بأخر، وقد لا يقتصر ذلك على المجالات التي ينشط فيها اليهود فحسب بل أخذوا يصلون في هذا النفوذ إلى أرفع مستويات السلطة التشريعية والتنفيذية في البلد.

علما أن مسألة النفوذ هذه لا تعني بالضرورة تحقيق المصالح اليهودية وحدها بل تعكس مدى انسجام أصحاب المصالح المالية في الولايات المتحدة مهما تعددت انتماءاتهم الدينية، أما إن كان هناك غلبة لمصالح طرف على آخر فلا شك أن الغلبة ما زالت في أيدي الأنجلوسكسوني البروتستانتي العنصري الأبيض الذي يستفيد من قوة ونفوذ الصهيونية اليهودية ويتقن تسخيرها لخدمة المسار التوسعي الأمريكي عبر توافقه مع المبادئ الصهيونية محليا وعالميا وعربيا.

على الصعيد الديني تغلب الفكر الصهيوني على الأفكار الإصلاحية التي أكدت في مؤتمر بيتزبيرغ الذي عقده الإتحاد المركزي للحاخامين الأمريكيين عام 1885 وعلى لسان الحاخام أيزاك ماير وايز:" نحن لا نعتبر أنفسنا أمة بعد اليوم بل جماعة دينية لا تتوقع العودة إلى فلسطين واسترجاع الشرائع المتعلقة بالدولة اليهودية" (107) . يتأكد ذلك عبر ما أشار الكتاب السنوي اليهودي الأمريكي إليه من وجود ما يزيد عن مائتي منظمة قومية يهودية تنتشر في أبرز المدن الأمريكية لتشمل أنشطتها مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والإعلامية والاجتماعية الخيرية والدينية ما يمكنها من تشكل قوة ضاغطة لها نفوذها في السياسة والإعلام والتجارة والكنيسة.

وقد تغلبت الصهيونية على هذه المواقف في مؤتمر كولومبوس الذي انعقد عام 1937 ليرى ضرورة المساعدة في نقل اليهود إلى فلسطين لإقامة وطن لهم فيها، وقد تجسد هذا الموقف عبر بيان إتحاد الأبرشيات العبرية الأمريكية الذي ورد فيه:" نرى يد العناية الإلهية في فتح أبواب فلسطين أمام الشعب اليهودي.. آن الأوان كي يتضافر كل اليهود بغض النظر عن خلافاتهم العقائدية من أجل إقامة الوطن اليهودي كما نطلب من أبناء رعيتنا تقديم الدعم المادي والمعنوي لإعادة بناء فلسطين". (108)

وهكذا سارت الأنشطة الصهيونية على المراحل اللاحقة في اتجاهين يركز الأول على ضرورة قيام قوة ضغط ذاتية فاعلة على القرار الأمريكي لخدمة المشاريع الصهيونية الداخلية الهادفة لترويج أعمالها وتعزيز أرباحها ومكانتها السياسية، والخارجية التي تكمن بدعم الكيان الصهيوني في فلسطين ماديا وسياسيا ومعنويا من قبل الجاليات اليهودية وغير اليهودية ومن قبل الدولة في الولايات المتحدة والعالم.

تعززت الأنشطة الصهيونية في الولايات المتحدة عبر مجموعة من المنظمات تبرز من بينها المنظمة الصهيونية في أمريكا والمنظمة الصهيونية النسائية في أمريكا (هداسا) والمنظمة الصهيونية العالمية (القسم الأمريكي) والاتحاد الصهيوني الأمريكي، إلى جانب لائحة تزيد عن مائتي منظمة وجمعيات خيرية وعمالية وطلابية منتشرة في جميع أرجاء الولايات المتحدة الأمريكية.

أما أدوات الضغط السياسي التي تعتمدها فهي تركز على ما يعرف باللوبي الصهيوني وهو أكبر ما في الولايات المتحدة من حيث الاهتمام بالسياسة الخارجية. والحقيقة أن هناك لغط كبير حول هذا اللوبي في منطقتنا بين من يؤكد سيطرته على السياسة الداخلية والخارجية الأمريكية ومن يعتبر أن هذا اللوبي يشكل جزءا من البنية اليمينية المتطرفة في واشنطن وأنه بالتالي يشكل أداة صلبة يستعين بها اليمين الأمريكي، كما ذكر أعلاه، لتحقيق أهداف سياسته التوسعية في العالم وتحديدا في منطقة الشرق الأوسط.

رغم ذلك لا بد من تسليط الضوء على مستوى ونفوذ أدوات الضغط الصهيونية، لنبدأ بالسلطة التشريعية الأميركية حيث لا ينشط نظام جماعات الضغط أو اللوبي على مستوى واشنطن وقراراتها الخارجية فحسب بل وعلى جميع مستويات الولايات، فهناك جماعة ضغط في كل ولاية تعمل على مستوى المدن لضمان انتخاب شخصيات مؤيدة للصهاينة أو يدعمها الصهاينة، فتشارك في انتخابات حكام الولايات ولمجالس التنفيذية لها كما وفي انتخابات أعضاء الكونغريس بمجلسيه الشيوخ والنواب، وأخيرا تلعب دورا هاما في الانتخابات الرئاسية، وهي تعمل بنظام يضمن ارتباطها المباشر بالمؤتمرات الصهيونية، لضمان بتأثير فريد على السياسة الخارجية الأمريكية، وكي تنعم إسرائيل من جهة أخرى بنفوذ كبير عليها.

لا تقتصر هذه النشاطية الفريدة على المستوى التشريعي وحده بل تمتد إلى مجالات حيوية كصناعة الأسلحة وترويجها، ما يمكنها من بسط ما تحتاجه من نفوذ على مستوى القادة العسكريين لأن تطوير الصناعة العسكرية يتطلب استرضاء كبار القادة والضباط خاصة وأن هؤلاء كثيرا ما ينتقلون إلى العمل السياسي ويحتلون مناصب رفيعة في الدولة وقراراتها المستقبلية، ما يسهم أيضا في تعزيز الترابط العضوي القائم بين الولايات المتحدة وإسرائيل.

أما الانتخابات الرئاسة وما تثيره من جدل واجتهادات تحليلية في منطقتنا فهي تؤكد مرة بعد أخرى أن النفوذ الصهيوني لم يبلغ حد الاستبداد بالصوت الانتخابي الأمريكي رغم مساعيه الكبيرة في هذا المجال وذلك من خلال التمويل المادي والإعلامي الهائل للحملات الانتخابية. ولا شك أن الانتخابات الرئاسية الأخيرة قد أثبتت قوة النفوذ الصهيوني من جهة وعدم سيطرته التامة على الشارع الأمريكي بعد.

رغم انتماء جورج بوش الابن إلى نفس المجموعات المالية الصهيونية بشقيها المسيحي واليهودي في الولايات المتحدة فقد سخر النفوذ اليهودي لخدمة ألغور لأكثر من سبب يتعلق بعضها بمواقف هذا الأخير الأكثر حماسا تجاه إسرائيل والدعم التقليدي للجاليات اليهودية لمرشح الحزب الديمقراطي وغيرها من الأسباب الداخلية الأخرى التي لم تمكن جماعات الضغط من إحراز النصر النهائي لألغور رغم الفارق البسيط بحجم الأصوات بين الطرفين.

تضعنا هذه الوقائع أمام حقيقة أخرى لا بد من التنويه إليها هنا لإبراز الفارق الشاسع بين مستوى فعالية جماعات الضغط الصهيونية في الانتخابات الرئاسية والتشريعية وما تبذله من تسخره من مبالغ هائلة تقدر بمئات الملايين لتمويل الحملات الانتخابية، مقابل مساهمات بسيطة من قبل الجاليات العربية التي ما زالت دون المستوى المطلوب لإثبات وجودها وفرض مكانتها في المجتمع الأمريكي على الأقل بعيدا عن تأثيرها على السياسة الخارجية ا[لأمريكية.

قد لا تصح المقارنة بين نشاطية الجاليتين أصلا لانتماء كل منهما أصلا إلى طبقة مختلفة، مع أن هذا لا يشكل عائقا لأن جاليات المواطنين السود في الولايات المتحدة لا تنتمي في فئات مالية متنفذة، إلا أنها تعتبر من أقوى الجاليات الأمريكية بفضل تماسكها وحسن تنظيمها، بينما تعاني الجاليات العربية من تشتتها بين العربي والإسلامي والقطري والإقليمي وغياب إطار محدد وفعال يجمع بينها ما ينعكس سلبا على مكانتها في المجتمع الأمريكي وعلى مستوى نفوذها الفعلي هناك.

لا بد من عدم الوقوع هنا في خطأ التحدث عن دور الجاليات والأقليات وكأنه حاسم في الانتخابات الرئاسية، علينا أن نتذكر باستمرار أن طبيعة النظام في الولايات المتحدة تستدعي أن يكون الرئيس في خدمة الشركات الكبرى وليس في خدمة الغالبية العظمى من الشعب كما يدعون. وبالتالي من المفترض بالرئيس أن يقدم للشركات الكبرى الخدمات التي تريدها، أي أنه ليس في خدمة المواطن ككل، بل يسهر على خدمة حفنة من ذوات النفوذ المالي والاقتصادي لأن أصحاب الأموال في الولايات المتحدة هم أصحاب القرار أي أن الرئيس الأميركي عادة ما ينفذ مطالب الشركات الكبرى التي تحدد سياسة الرئيس الأميركي الداخلية والخارجية في نهاية المطاف.

وقد شهدت الفترة الأخير من تاريخ الولايات المتحدة وضوح نوعي في عملية الإمساك بزمام السلطة الأميركية، فتأكد للجميع بما لا ريب فيه أن الرئيس لا يمثل غالبية الشعب الأميركي بمؤسساته الديمقراطية كالاتحادات العمالية والنقابات واتحادات المرأة والاتحادات والمؤسسات الشعبية الأخرى التي ألغي دورها تماما، بل يركز جل اهتمامه بالسر والعلن منذ السنوات العشرين الماضية و تحديدا منذ فترة حكم الرئيس رونالد ريغان على خدمة مصالح كبرى الشركات الأميركية في المنحى المتجدد للسلطة، أما كيفية تحكم هذه الشركات بالقرارات الأميركية فهذه مسألة تسهر على ضمانها مجموعات الضغط المتخصصة كل في مجاله كالصناعات العسكرية الكبرى ومجموعات الضغط الخاصة بصناعة الحليب وتجارته.. وغيرها.

وهكذا أحيانا ما تأتي هذه الشركات برئيس شبه فخري كما هو حال الرئيس رونالد ريغان الذي انتقل من ممثل فاشل بدأ حياته السياسية كمخبر يشي بزملائه من ذوي الميول اليسارية في هوليود، ليتحول فجأة في المرحلة الأخير في حياته وهو في عقد الستينات إلى مرشح في الانتخابات الرئاسية لأقوى دولة في العالم، تسلم السلطة لتنفذ الشركاتالكبرى من حوله ما تريد من تطوير مشاريع ترسانتها العسكرية وخصوصا ما عرف بمشروع حرب النجوم الذي عاد بأرباح هالة لصناعات الأسلحة من جهة وإفقار لفئات شعبية واسعة بعد تقليص ميزانيات التربية والتعليم والعناية الصحية وقطع المساعدات والدعم الحكومي عن كثير من المؤسسات التي يستفيد منها المواطن الأمريكي العادي كضمانات اجتماعية للطفولة والشيخوخة والمرأة وذوي الإعاقة وغيرها.

نستطيع القول أيضا بأن الشركات الأمريكية الكبرى لا تكتفي باختيار سيد البيت الأبيض فحسب بل هي الضمان الأساسي لبقائه في السلطة، فلو عدنا إلى حكم الرئيس كارتر مثلا لوجدنا أنها كانت قادرة على التجديد له رغم قضية الرهائن في إيران، ولكن رفضه لمشروع حرب النجوم جعلها تجد مصلحتها مع الرئيس رونالد ريغان فعملت على انتخابه وضمان بقائه في السلطة رغم الكارثة التي حلت بجنود المارينز في بيروت خلال فترة حكمه وأودت بحياة أربعمائة جندي أمريكي، أي أضعاف ما فقدته الولايات المتحدة في إيران.

استيلاء أصحاب المصالح المالية الكبرى على السلطة في الولايات المتحدة يفرض واقعا محددا على مفاهيم الغالبية العظمى من الناس ذلك أن رؤوس الأموال تتدخل في صنع المبادئ التي تنشأ عليها الأجيال الجديدة التي تتم تربيتها في الجامعات وتعد لتكون أليفة مدجنة مروضة لا تهتم إلا بمستوى حياتها الذاتية عديمة الاكتراث بكل ما يجري من حولها إن لم يكن على صلة مباشرة بامتيازاتها الخاصة. حتى أن مشاريع الأبحاث الجارية في الجامعات عادة ما تتم بتمويل من كبرى الشركات التي لا تكتفي بتحديد مادة البحث لتقبل بتمويلها بل وكثيرا ما تساهم في تحديد النتائج أيضا، وخصوصا في المجالات السياسية، نذكر هنا بأن النفوذ الصهيوني يطال أكثر من نصف الجامعات الأمريكية.

أما عامة الناس فيتم الوصول إليهم من خلال وسائل الإعلام التي نستطيع التأكيد بلا حرج أن ثمانين بالمائة مما يشاهده المواطن الأمريكي بل ومواطني العالم الثالث بما في ذلك في البلدان النامية والدول العربية من صناعة أميركية موجهة ومعدة مسبقا لتشكيل رأي عام يتوافق مع مصالح الشركات الأمريكية الكبرى بما فيها من نفوذ صهيوني نستقبله عبر محطاتنا التلفزيونية بشكل يومي، وهكذا نرى المجرم في الفيلم الأميركي أسود اللون والعصابات الكبيرة الضخمة التي تدعم أعمال التخريب في الولايات المتحدة لاتينية أو آسيوية عربية وذات ملامح شرق أوسطية.

قلة في العالم العربي والإسلامي لم يشاهدوا أفلام رامبو لسلفستر ستالوني رامبو بأجزائه الأول والثاني والثالث الذي ذهب إلى آسيا الوسطى وقتل عددا من المسلمين والعرب وانتصر على الجميع. وما تعجز عنه السينما يصلنا عبر التلفزيون فيما يعرف بالمسلسلات الأمريكية والمكسيكية والأرجنتينية التي نراها اليوم وهي برامج من صناعة رؤوس أموال يهودية توزع في الوطن العربي وتنشر عبر فضائياتنا. هناك أمثلة كثيرة عن الغزو الثقافي وخاصة عبر وسائل الإعلام الموجهة إلى منطقتنا العربية، وكأنهم في حرب ضروس لا يدفعون ثمن الرصاص والقنابل بل يدفعوا ثمن المعلومة ويستفيدوا منها على المدى البعيد أكثر من الرصاص.

والحقيقة أن المواطن العربي ما زال يشكو عميقا من مستوى انحياز الرأي العام العالمي بوسائله الإعلامية الرئيسية إلى جانب الكيان الصهيوني، الذي يتقبل منه ما لا يقبله من أحد ويبرر له ما يرفضه لأي دولة أخرى من العالم جملة وتفصيلا. والحقيقة أيضا هي أن لهذا الانحياز أسباب جوهرية وموضوعية ليس لها صلة بانحياز الشعوب إلى ما تعيث به "إسرائيل" من دمار وخراب في منطقتنا، بقدر ما هو على ارتباط بما زرعته الصهيونية العالمية من أفكار سامة منذ بدايات القرن العشرين لتحصد اليوم ثمارها.

رغم الأزمة التي يتخبط بها الكيان الصهيوني داخليا وحتى على المستوى الإعلامي الخارجي، لا بد من الاعتراف بأنه تمكن من تحقيق "إنجازات" ما زال يعتمد عليها في مواجهة شعوبنا عبر وسائل إعلام البلدان الأخرى التي تساهم العولمة في إيصالها إلى بيوتنا.

نفوذ في أمريكا اللاتينية

اعتمدت الصهيونية في أمريكا اللاتينية منذ ما قبل قيام الدولة العبرية على ما عرف بداية بلجان دعم فلسطين، التي أسست بهدف تأكيد حق اليهود بإقامة دولة لهم على أرض فلسطين. وتأسست فروع لهذه اللجان في تموز يوليو من عام 1945 في كل من بوليفيا وتشيلي وكوبا وكوستا ريكا وكولومبيا والمكسيك، لتعمل بالتعاون مع لجنة دعم فلسطين الأمريكية المسيحية عبر مقرها في نيويورك. وقد ضم الصهاينة أكبر عدد ممكن من الشخصيات السياسية والاجتماعية والثقافية اللاتينية في هذه اللجان، التي كانت مهمتها تكمن بإقامة احتفالات حاشدة وتجنيد الأقلام التي تروج الأفكار الصهيونية بين تلك الشعوب. فكان أن ضمت إلى صفوف تلك اللجان شخصيات بارزة على غرار خوسي فيغيريس، رئيس كوستا ريكا، وأدولفو موري رئيس البرلمان التشيلي، وفروكتووسو بيتالوغا، وزير الخارجية في الأوروغواي، وخوسي غالفيس نائب رئيس البيرو وعميد جامعة سان ماركوس في ليما وغيرهم.

في تشرين الثاني نوفمبر من عام 1945 انعقد في واشنطن مؤتمرا صهيونيا تحت عنوان ندوة فلسطين المسيحية العالمية، شارك فيها ممثلون عن 30 دولة، كان 14 منها أمريكية لاتينية. توصل المؤتمر إلى قرارات تدعو جميع الدول إلى إزالة العوائق من طريق الهجرة اليهودية إلى فلسطين وشراء الأراضي العربية وطالب هيئة الأمم بأن تعترف بفلسطين دولة تاريخية لليهود، وأهم ما في هذه القرارات هو ما شرعته من أنشطة صهيونية.

وقد عزز نمو رأس المال اليهودي الصهيوني وشركاته الاحتكارية التغلغل في جميع مجالات الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية في القارة ، ما يساهم حتى اليوم في الانتقاص من سيادة شعوب أمريكا اللاتينية وخياراتها السياسية. وقد كرست الدعاية الصهيونية جل اهتماماتها منذ أواسط القرن على رسائل محددة تعمل ضمن خطوط عريضة تخدم مصالح “إسرائيل” والمشروع التوسعي الصهيوني على حساب الحقوق العربية، فبنت حملاتها الدعائية على الأسس التالية:

التشجيع الدائم للهجرة اليهودية إلى فلسطين. التأكيد المستمر على العلاقة التاريخية والدينية التي تربط اليهود بفلسطين. التذكير بوعد بلفور الذي يسمونه "أسس الدعم المشروع"، لإضفاء الشرعية على إقامة الوطن القومي لليهود في فلسطين. إبراز البطولات اليهودية في محاربة النازية خلال الحرب العالمية الثانية. استغلال مشاعر الرأفة تجاه ما تعرض له اليهود من معاناة خلال الحرب العالمية الثانية. ممارسة الضغوط على المؤسسات الحكومية لاتخاذ قرارات مؤيدة للدولة العبرية. المبالغة في إبراز العنصر اليهودي كحقيقة فوق العادة في مجالات البحث والثقافة والعلوم والفن، ونشر قوائم بأسماء المبدعين من اليهود في مختلف أرجاء العالم ويتفاخرون بها. تبرير دعم “إسرائيل” للأنظمة الدكتاتورية التي حكمت بلدان أمريكا اللاتينية بحجة مواجهة الامتداد الشيوعي. الادعاء بأن بلدان أمريكا اللاتينية تستفيد في علاقاتها مع “إسرائيل” ومن تجارب هذا البلد الاقتصادية الغنية، علما أن استيراد الأسلحة هو العلاقة الأهم التي تربط هذه الدول ب”إسرائيل”.(109)

تعتمد الحركة الصهيونية في تنفيذ حملاتها الإعلامية في جنوب القارة بشكل أساسي على الاحتكارات المالية وما ل”إسرائيل من اتفاقات متعددة مع المؤسسات الثقافية والتربوية والعسكرية في هذه البلدان، هذا إلى جانب العمل على احتكار الصناعة الثقافية بحد ذاتها. ومع ذلك يمكن اعتبار سلطة الإعلان والملكية المالية المباشرة لمؤسسات الثقافة والإعلام السبيل الرئيسي لتحديد سياسات وسائل الثقافة والإعلام مباشرة في هذه البلدان.

نذكر من هذه الوسائل على سبيل المثال نشرة (كرونيكاس) الأسبوعية التي يوزع منها 66 ألف نسخة على غالبية المراكز الثقافية في الأرجنتين، وهي تصدر عن مركز يعد المقالات والتحقيقات الصحفية لتوزع على وسائل الإعلام. كما توزع في هذا البلد سلسلة (“إسرائيل” دي أوي) أي “إسرائيل” اليوم، باللغة الإسبانية وهي نشرة نصف شهرية تشمل أهم الأحداث الإسرائيلية وتوزع على الصحافة المكتوبة والمرئية والمسموعة. تصدر الصهيونية في الأرجنتين أيضا عددا من الصحف والمجلات الموجهة إلى جميع الفئات الاجتماعية هناك، نذكر منها ثلاث صحف يومية هي (دي بريس)، و(نويفا برينسا)، و(موندو “إسرائيل”يتا). بالإضافة إلى مجلة (لا لوس) وهي نصف شهرية، ومجلة(بلورال) الشهرية التي توزع على 22 ألف مشترك. (110)

إلا أن الأمر لا يقتصر على ذلك وحده لأن رؤوس الأموال الصهيونية المحلية والأجنبية تشكل وسيلة ضغط تنال من الفنون التشكيلية والكتابة والسينما والمسرح والإنتاج التلفزيوني أيضا.

يمكن أن نرى أهمية الإنتاج التلفزيوني في أمريكا اللاتينية بالنسبة لمجتمعاتنا العربية إذا أخذنا بعين الاعتبار أن خمسة مسلسلات من جنوب القارة الأمريكية التي تعرف إقليميا بالمسلسلات المكسيكية، تعرض في آن واحد وفي أي وقت من العام على مختلف المحطات الفضائية العربية.

تجدر الإشارة هنا إلى أن هذه المسلسلات تصل إلى بلداننا وهي محشوة بالكثير من الرموز والصور والحوارات الصهيونية العنصرية المعادية لحضارتنا وتقاليدنا ومفاهيمنا من جهة، بينما تبالغ في احترام الحكمة والفكر اليهودي العميق من جهة أخرى.

لدينا أهم مثال على ذلك في مسلسل أرجنتيني استوردته ومنتجته شركة (فيلمالي) اللبنانية في أواسط التسعينات، وقد جاء تحت عنوان (سيليستي)، يحمل فيه الكلب اسم (أربي) أي عربي، أما شخصية السيدة العجوز الحكيمة المتواضعة والإنسانية جدا فيه فهي تعتنق الديانة اليهودية. لا بد هنا من تقدير الدور الهام الذي لعبه المخرج الكبير الأستاذ نقولا أبو سمح والفريق المخلص الذي عمل معه على إزالة جميع المحاذير الرقابية من هذا المسلسل ومن غيره حتى أصبح بالإمكان عرضها على المحطات الفضائية العربية.

هذا ما ينطبق أيضا على مسلسل تم عرضه على إحدى المحطات العربية، وقد استورد تحت عنوان (كاليبسو) من فنزويلا عبر شركة (سوبر إم) بمركزها في بيروت، حيث بذل العاملون فيها جهدا كبيرا في إلغاء مشاهد تحتوي على صور لرموز صهيونية وتلافي حوارات تبالغ في تقدير الحكمة والفلسفة اليهودية التي تنقل على لسان شخصية المخرج السينمائي (هاسينتو)الأساسية في القصة.

لا بد من الإشارة هنا إلى فنزويلا هي الأقل شرا بالمقارنة مع الأرجنتين مثلا بالنسبة لنفوذ الإعلام الصهيوني وسمومه الذي يتبع نهجا أشد عدوانية من ذلك المعتمد في البلدان اللاتينية الأخرى إلا أنه يركز بشكل خاص على التعاقدات ومشاريع التعاون والاتفاقات الموقعة بين الكيان الصهيوني والوزارات والجامعات ومؤسسات ثقافية متنوعة.

وهذه اتفاقات تتجدد باستمرار إلا أن أهمها ما وقعته سلطات تل أبيب عام 1981 مع كافة الجامعات الوطنية، والتي لم يكن لبنودها أي مبررات أكاديمية أو علمية، إنما هي اتفاقات فكرية وذات أهداف سياسية. تؤدي هذه الاتفاقات إلى جلب مجموعات من المحاضرين التي تأتي أربعة أو خمسة مرات كل عام، لتشارك خلال زياراتها في طاولات مستديرة تناقش خلالها مسائل سياسية وثقافية تتعلق بآخر التطورات في أمريكا اللاتينية والشرق الأوسط. هذا ما يؤدي على أرض الواقع إلى جعل كوستا ريكا أول بلد في العالم، وربما البلد الوحيد الذي نقل سفارته من تل أبيب إلى القدس وهو طبعا من بلدان أمريكا اللاتينية التي ما زالت ترفض حتى اليوم إعادة النظر في سياساتها الخارجية تجاه الشرق الأوسط.

قد يشكل ما حدث لبرنامج تيستيمونيو السياسي للقناة الرابعة في تلفزيون البيرو شاهدا حيا على مستوى التأثير الصهيوني على الإعلام في بلد آخر من أمريكا اللاتينية حيث هددت رؤوس الأموال الصهيونية بحجب إعلاناتها كاملة عن المحطة إن لم توقف هذا البرنامج. عالج هذا البرنامج السياسي، قبل وقفه، القضايا السياسية الساخنة وقد أوضح معد هذا البرنامج ومقدمه سيزار إيلدبرانت، أن أشد ما أغضب الصهاينة هو أن يجرؤ أحدا في البيرو على توجيه إصبع الاتهام إلى تورط “إسرائيل” في المجازر التي ارتكبت بحق الفلسطينيين في مخيمات بيروت.

لم يكتف الصهاينة بوقف البرنامج عبر ابتزازهم المالي بل أجبروا القناة على تقديم إدواردو بييخو، رئيس لجنة العلاقات الإنسانية للتجمع اليهودي في البيرو حينها، للتحدث عن قضية إيلدبرانت قائلا أن إسرائيل هي المثال الوحيد للديمقراطية والإنسانية في العالم..

قد لا نستغرب ما جرى عند الاطلاع على ما تداولته الإحصاءات هناك من أن المؤسسات الاقتصادية المرتبطة بالحركة الصهيونية تمول ما يقارب 80% من الإعلانات التجارية في الصحافة المحلية على أنواعها. والأمثلة أكثر من أن يتسع صدر هذه الصحيفة لها، إلا أنها جميعا تؤكد على ضرورة إحراز المزيد من التفاعل بين شعوبنا المتشابهة في العديد من المجالات، والتي قد تجمعها مصالح مشتركة لا تقل أهمية عن بلدان أخرى تقع على نفس المسافة الجغرافية منها.

كما تؤكد أيضا ضرورة إبراز أهمية ضلوع وسائل الإعلام العربية بواجباتها في التوجه الجدي والحضاري إلى هذه الشعوب حاملة معها الرسالة الإنسانية للهوية العربية عبر كل السبل المتاحة انطلاقا من ظروف العولمة نفسها التي يتوجهون هم إلينا من خلالها. تعزيز العلاقات الدبلوماسية والثقافية والتقارب مع جنوب القارة الأمريكية انطلاقا من الهامش الديمقراطي الكبير الذي تنعم به اليوم والذي يسمح لها بإقامة علاقات متوازنة تخدم المصالح المشتركة بالتساوي. كل هذا ضمن إشراك الجاليات العربية بفعالية أكبر في قضايا أمتها عبر مشاريع اقتصادية وثقافية وإعلامية تعود بالنفع على جميع الأطراف وتقيم جسور علاقات متينة ودائمة لا تقتصر على قضية واحدة فحسب ..

هذه مجرد أفكار يتم تداولها في أوساط الجاليات العربية هناك وهي تعبر عن الرغبة الشديدة في العمل على إقامة جسور مباشرة مع قارة بكاملها كانت وما زالت تتأثر جديا بمختلف الحملات الإعلامية المعادية لجميع القضايا العربية المحقة.

.. في الولايات المتحدة

رصدت بعض وسائل الإعلام الإسرائيلية مثل جوروزاليم ريبورت وجروزاليم بوست في شهر يناير من عام 2000 قصة صوني كالهان مع اللوبي الإسرائيلي في الولايات المتحدة حين تحدثتا عن الشعور بالراحة الذي ينتاب اللوبي الصهيوني بسبب تخلي كالهان عن منصبة كرئيس للجنة العمليات الخارجية التابعة للجنة الاعتمادات المالية بمجلس النواب بعد انقضاء دورة رئاسته لها والتي بلغت ست سنوات.وبهذه المناسبة أخذت الوسيلتان الإعلاميتان تحصيان حجم المساندة الموجودة لإسرائيل بالكونغرس الأمريكي، وقد كانت جورزاليم ريبورت أكثر صراحة في هذا المجال، إذ أخذت تتحدث في مقالة نشرتها في التاسع والعشرين من يناير عن عدد الأعضاء اليهود بالكونغرس الذي يبلغ 27 نائبا في مجلس النواب وعشرة نواب في مجلس الشيوخ، واختصت جورزاليم ريبورت بالتحليل لجنتي العلاقات الدولية والاعتمادات المالية بمجلس النواب، وتحدثت عن خسارة اللوبي الإسرائيلي لجهود النائب اليهودي الأمريكي بنجامين جيلمان كرئيس للجنة العلاقات الدولية بسبب انتهاء دورة رئاسته لها، مما اضطره للتخلي عن المنصب للنائب هنري هايد، بينما انتقل جيلمان لرئاسة إحدى اللجان الفرعية بلجنة العلاقات الدولية وهي لجنة الشرق الأوسط. أما بالنسبة للجنة الاعتمادات المالية فقد احتفلت وسائل الإعلام الإسرائيلية بتخلي كالهان عن رئاسة إحدى لجانها الفرعية الخاصة بالعمليات الخارجية والتي تولى رئاستها من بعد كالهان النائب جيمس كلوب ممثل ولاية أريزونا.وقد أفشت هذه التحليلات بعض أسرار اللوبي الإسرائيلي والتي يندر التعبير عنها في وسائل الإعلام الأمريكية الشديدة الحرص في كل ما يتعلق بإسرائيل أكثر من وسائل الإعلام الإسرائيلية ذاتها.ومن أهم هذه الأسرار شعور اللوبي الإسرائيلي بقلة ومحدودية مصادر قوته حتى لو كانت كثيرة وذلك بسبب أنها محكومة أساسا بعدد الموالين لإسرائيل والذين يجدهم اللوبي الإسرائيلي بالأساس في النواب اليهود الأمريكيين، ثم في بعض النواب الذين استطاع اللوبي الإسرائيلي التأثير عليهم بالأموال أو بالأصوات.والواضح - كما توضح التحليلات - أن اللوبي الإسرائيلي يهتم أساسا بالتأثير على أعضاء الكونغرس الذين يشغلون لجاناً هامة مؤثرة على مصالح إسرائيل، وفي الغالب ما يكون هؤلاء الأعضاء قبل احتلالهم لهذه المواقع بعيدين إلى حد كبير عن دوائر العلاقات الدولية والسياسة الخارجية الأمريكية والتي يغلب على الأمريكيين عدم الاهتمام بها.وينطبق هذا التحليل على سوني كالهان والنائب جيمس كلوب الذي خلفه في رئاسة لجنة العمليات الخارجية التابعة للجنة الاعتمادات المالية، وينطبق أيضا على هنري هايد الرئيس الجديد للجنة العلاقات الدولية، فهم - كما توضح المصادر الإسرائيلية - ليسوا من المهتمين أساسا بقضايا السياسة الخارجية.وما يحدث في العادة هو أن منظمات اللوبي الإسرائيلي تسرع بعد كل انتخابات تشريعية بدراسة مواقف أعضاء الكونغرس الموجودين لأول مرة في مواقع حساسة ثم تبدأ في التأثير عليهم من خلال شبكة علاقاتها بالناخبين والمتبرعين.وفي العادة تنجح لأسباب عديدة من أهمها غياب دور عربي وإسلامي موازٍ لدور اللوبي الإسرائيلي والذي لا يجب المبالغة فيه، فاللوبي الإسرائيلي على الرغم من قدراته التي لا ينكرها أحد لا يمتلك عصا سحرية بل يستخدم أساليب معروفة ومتاحة جدا للجماعات الفعالة المنظمة المثابرة والمصرة على التأثير في السياسة الأمريكية.وأحيانا يفشل اللوبي الإسرائيلي ولو فشلا نسبيا كما هو في حالة النائب سوني كالهان والذي انتخب لعضوية مجلس النواب الأمريكي لأول مرة في عام 1984، والذي أتي إلى الكونغرس من القطاع المالي الأمريكي حيث كان يعمل كرجل أعمال.

جرت أصعب المواجهات بين كالهان واللوبي الإسرائيلي فقد حدثت مرتين على الأقل أحدهما في نهاية عام 1997حيث هرب شاب أمريكي إسرائيلي بعد ارتكابه جريمة قتل، وقد هدد كالهان في ذلك الحين إسرائيل بقطع 200مليون دولار من المساعدات الأمريكية لها إذا لم يتم تسليم الشاب القاتل. أثارت هذه القضية ضجة إعلامية داخل أمريكا وإسرائيل دفعت قادة أكبر المنظمات اليهودية الأمريكية للتدخل للوساطة وحل المشكلة. وفي أكتوبر 1997أصدر قاض إسرائيلي حكما بالسماح بتسليم الشاب القاتل، في الوقت الذي هاجمت فيه الصحف الإسرائيلية كالهان لتهديده إسرائيل بوقف المساعدات، كما لامته وسائل الإعلام الإسرائيلية لضغطه على إسرائيل في عام 1996للموافقة على منح الأردن حوالي 50مليون دولار من حصتها بالمساعدات الأمريكية.وفي السادس من نوفمبر 1997كتب نيل شير المدير التنفيذي السابق لمنظمة إيباك أكبر منظمات اللوبي الإسرائيلي مقالة في جورزاليم بوس تتحدث عن خطورة الموقف الذي اتخذه كالهان هو ورئيس لجنة الاعتمادات المالية روبرت ليفنجستون خلال أزمة تسليم الشاب الإسرائيلي الأمريكي القاتل، وحذر شير من خطورة الموقف الكبيرة، وخاصة في السرعة والعلانية التي لجأ بها كالهان وليفنجستون إلى استخدام ورقة المساعدات للضغط على إسرائيل. أما الأزمة الثانية فقد حدثت في أواخر عام 2000حين هدد كالهان بحرمان إسرائيل من 250مليون دولار من المساعدات الأمريكية لها إذا مضت إسرائيل في بيع صفقة رادار مضاد لطائرات الفالكون للصين، وأوضح خلال الأزمة أنه من الأجدى بأمريكا أن تضغط على إسرائيل مقارنة بدول أخرى لأن إسرائيل أكبر دولة مستقبلة للمساعدات الأمريكية في العالم ومع ذلك لا تتورع في بيع أسلحة وتكنولوجيا أمريكية طورتها بمساعدات عسكرية أمريكية لدول أخرى كالصين دون موافقة الولايات المتحدة. ومرة أخرى نجحت ضغوط كالهان في إرغام اللوبي الإسرائيلي وإسرائيل على التراجع

شهدت فترة منتصف الثمانينات مرحلة نشاط متزايد للوبي العربي الأمريكي وقد أشادت صحيفة لوس أنجيلوس تايمز في الثالث عشر من شباط فبراير من عام 1996 بالنشاط المتزايد للوبي العربي مشيرة إلى وجود أكثر من عربي منتخب في أماكن سياسية هامة مثل الجمهوري فيكتور عطية حاكم ولاية أوريغون في ذلك القوت والجمهوري جيمس عبد النور عضو مجلس الشيوخ عن ولاية ساوث داكوتا حينها، إذافة إلى النائب الديمقراطي نك راهل عن ولاية وست فرجينيا، والنائب ماري روز أوكار عن ولاية أوهايو.

بدأت في نفس العام توجه اتهامات لجميع النواب المدافعين عن القضايا العربية ومنها تهمة معادات السامية التي وجهت لنك راهل الذي رد عليها بالتحذير من خطورة تصاعد لهجة العداء للعرب داخل الدوائر السياسية الأمريكية.

في النصف الثاني من عام 1986 اتخذت علاقات اللوبي الصهيوني بالمؤيدين للقضايا العربية منحا شديد التوتر بعد اغتيال أليكس عودا أحد أبرز النشطين العرب الأمريكيين ومدير مكتب اللجنة العربية لمكافحة التميز في كليفورنيا على يد بعض الجماعات اليهودية المتطرفة، ما استدعى مجلس النواب الأمريكي إلى تنظيم جلسة مباحثات للنظر في ظاهرة العنف وجرائم الكراهية الموجهة ضد العرب الأمريكيين، بعد اتهام المنظمات العربية للحكومة الأمريكية بالتقاعس عن تعقب والقبض على المسؤولين عن اغتيال أليكس عودا مشيرين إلى أن الحادث وقع على أيدي جماعات إرهابية داخلية.

وعام 1988 مع اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الأولى تحدثت الصحافة الأمريكية عن حالة نشاط كبيرة في الأوساط العربية الأمريكية وخاصة في مجالات التبرع والعمل السياسي، ما استدعى تحركات صهيونية مضادة ويائسة..

خلال الدورة الانتخابية لعام 1988 صرفت ال PAC المؤيدة لإسرائيل مبلغ 5432055 دولار على حملات تأييد لأعضاء في الكونغرس، جلبت لها ستة بلايين دولار على شكل مساعدات لإسرائيل. لوضع الأمور في نصابها، تحصل الحكومة الإسرائيلية على 1105 دولار من دافعي الضرائب مقابل كل دولار واحد تدفعه الPAC المؤيدة لإسرائيل في لوبي الكونغرس . (111)

وهكذا عندما كانت الحكومة الإسرائيلية برئاسة ميناحيم بيغن في بداية الثمانينات، تمول بناء المستوطنات في الضفة الغربية وقطاع غزة، تقدم عضو الكونغريس الأمريكي بول ماكلوسكي، بمجموعة أفكار واقتراحات تقلص من المساعدات الأمريكية لإسرائيل طالما استمرت ببناء هذه المستوطنات. وجدت الAIPAC في الدورة الانتخابية لعام اثنين وثمانين مناسبة لتجميد عضوية ماكلوسكي في الكونغرس، منتهزة هذه الفرصة. لم تكتف الAIPAC بدعم بيت ويلسون لمواجهة ماكلوسكي فحسب، بل أطلقت حملة دعائية ضد هذا الأخير في محاولة لتدمير سمعته. وقد شكلت هذه تحديا كبيرا أخذا بعين الاعتبار تاريخه كبطل حرب أمريكي. " خدم ماكلوسكي متطوعا في البحرية بعد أن كان من المشاركين في الحرب العالمية الثانية. وقد قاد شخصيا في كوريا ستة هجمات بالبنادق فأصيب بجروح فاز على أثرها بالنجمة الفضية وصليب البحرية معا. " (112)

ومع ذلك لم تنقذه هذا السمعة من الحملات الإعلامية التي جعلته يبدو وكأنه يشكل " تهديدا أكبر لأمن إسرائيل من أي تحالف مشترك بين الدول العربية" (113) . تلقى منافسه ويلسون 7500 دولار فقط من الPAC المؤيدة لإسرائيل،( غالبية التبرعات الأخرى جاءته من الأفراد)، إلا أن الهجمات الإعلامية ضده كانت كافية لجعله ينهزم. وقد أعلت ماكلوسكي لاحقا بأن " الكونغرس يرتعد من الAIPAC." مرجع رقم(114)

لا يسمح قانون منع الرشوة الفدرالي في الكونغريس لل PAC بدفع أكثر من 10000دولار للمرشح الواحد في الدورة الانتخابية." (115)

تعمل مجموعة الPAC المؤيدة لإسرائيل تحت قيادة الAIPAC التي هي" جزء من اللوبي الإسرائيلي، أما في ما يخص التأثير المباشر في سياسة الشأن العام، فمن الواضح بأنها الأهم،".(116)

وهي تعمل ضمن الخط العام والرؤية السياسية للAIPAC. عندما تقرر هذه الأخيرة دعم مرشح محدد ماليا، تفعل جميع الPACالأخرى المؤيدة لإسرائيل ذلك أيضا، ما يؤدي عادة إلى فوز المرشح. وهذا ما يحدث أيضا عندما تعارض الAIPAC مرشحا محددا وتقرر دعم خصمه في الانتخابات. يسمح ذلك مبدئيا للAIPAC بوضع حدود العشرة آلاف دولار المقررة لكل PAC مؤيدة لإسرائيل تحت تصرفها، وهي تستعمل المال لدعم السياسي المؤيد لإسرائيل، فتمنحه الإمكانيات اللازمة للتفوق على منافسه.

إلى جانب التلاعب على القانون، هناك أسباب أخرى تكمن وراء قوة وفعالية الPAC المؤيدة لإسرائيل في تحديد السياسة الخارجية للولايات المتحدة المتعلقة في الشرق الأوسط، تحافظ هذه اللجان على الهدوء النسبي بحيث لا تلفت أنظار الرأي العام إلى استراتيجيتها التآمرية. لهذا تتخذ أسماء مثل Pac المترو وPAC تشيلي، وPAC الغرير، وPAC المدينة و PAC الهادئ وَQ PAC وغيرها، " من بين هذه اللجان ال120 المؤيدة لإسرائيل منذ عام 1976هناك ستة فقط تأتي على ذكر الشرق الأوسط وإسرائيل واليهودية والصهيونية. ومن بين هؤلاء نشط اثنان بعد عام 1984." (117)

يعاني اللوبي العربي على خلاف اليهودي، من انقسامات كبيرة تتوافق والحالة في العالم العربي. " حقيقة أن العضوية( في اللوبي العربي-الأمريكي) هي من أسلاف 22 دولة عربية، وأن غالبية هذه الدول تواجه مشاكل جدية فيما بينها، يعني بأنه لا يمكن لأي مجموعة عربية-أمريكية أن تعلن انتمائها إلى أي بلد أو طائفة عربية واحدة خلف البحار، ثم تتوقع بالمقابل أن تنتمي إليها أعداد كبيرة من الأعضاء." (118) وقد عادت هذه الحقيقة بنتيجة عكسية على مصادر التمويل العربية-الأمريكية، حالت دون تمكينهم من منافسة الموارد الهائلة التي تتمتع بها اللجان المؤيدة لإسرائيل.

يؤكد ريتشارد إتش كورتيس في "Stealth PACs," أنه عندما تقدمت الPAC العربية-الأمريكية النشطة الوحيدة بمرشحها في الدورة الانتخابية الخاصة بعام 1984، صرفت 17350 دولار في حملات الكونغرس مقابل 3772994 دولار صرفتها 81 PAC مؤيدة لإسرائيل. عام 1986صرفت ال94 لجنة نشطة المؤيدة لإسرائيل 34609984 دولار بينما صرفت الPAC العربية-الأمريكية 61147 دولار.

في الدورة الانتخابية لعام 1988صرفت ثلاث لجان عربية-أمريكية ومسلمة 38370 دولار مقابل 5432055دولار صرفتها 78 PAC مؤيدة لإسرائيل. أي أن هذه اللجان الأخيرة تفوقت على العربية-الأمريكية ب217 مقابل 1، و75 مقابل 1، و141 مقابل 1، في الدورات الانتخابية الخاصة بأعوام 1984 و1986 و1988 على التوالي.

لائحة الانتصارات التي حققتها الAIPAC لأنصارها السياسيين تثير الرعب لدى رجال الدولة الأمريكيين، نجد أفضل مثال على هذا الرعب في تصريح أدلى به عضو الكونغريس كلارينس دي لونغ حين قال:" قررت منذ زمن بعيد أن أصوت لكل ما تريده الAIPAC. فأنا لا أرغب بمقارعتهم، دائرتي الانتخابية صعبة جدا. لست بحاجة إلى المتاعب التي يمكن أن يسببها لي( اللوبي المؤيد إسرائيل). لقد عزمت على أن أدعمهم وأتلقى الدعم منهم.(119)

وصل حجم المبالغ التي تقدمها جميع ال PAC للمرشحين إلى عضوية الكونغرس إلى 27744072دولار. علما أن إجمالي مصاريف هؤلاء المرشحين قد وصل إلى 29141474دولار. (120)

بعبارة أخرى، قدمت اللجان المؤيدة لإسرائيل أكثر من 95% من التمويل اللازم للحملات الانتخابية الخاصة بالمرشحين الذين تدعمهم في الكونغرس، والذين بالتالي سيدعمون إسرائيل. لم يتمكن أي لوبي آخر من الوصول إلى أرقام ولو قريبة من هذه الأرقام. من خلال شواهد معززة بالأرقام كالمذكورة أعلاه، أكدت الAIPAC للساسة الأمريكيين بوضوح تام أنهم إن لم يعملوا بانسجام مع سياسة الحكومة الإسرائيلية، سيواجهون المتاعب في الحصول أو المحافظة على مناصبهم.

 

يمكن التأكيد بثقة تامة بأن حريات التعبير الأساسية التي يضمنها الدستور للشعب الأمريكي قد انتهكت بسبب القوة التي يتمتع بها اللوبي الإسرائيلي. لقد رأينا في هذه الورقة، أن الذين "يجرؤن على الكلام"، كما فعل بول فاسيندلي، واجهوا ظروف عصيبة أخافت المحيطين بهم من توجيه الانتقادات إلى إسرائيل.

رغم هذه الوقائع المؤكدة هناك حقائق لا يمكن إغفالها وهي أن الكونغرس هو من مقرري السياسة الخارجية الأمريكي كما أن الرأي العام الأميركي فيها يلعب دورا ما في قراراتها والصحافة مقررة مجموعات الضغط أي اللوبي مقررة جدا وبهذا المعنى السياسة الخارجية تأتي عادة لتعكس كل هذه التجاذبات المجتمعة.

في مسألة بداية الاهتمام الأميركي بالقضية الفلسطينية يظهر لدينا أول موقف مباشر للسياسة الأميركية في المنطقة أنها لا تعارض المشروع الصهيوني ولا تعارض الموقف البريطاني في ضرورة إنشاء وطن قومي لليهود في بلادنا وهنا ممكن أن نأتي بشاهد بسيط على الموضوع يقول فيه أن في دراسة حول فلسطين بين الماضي والحاضر أن قدم "واجمان" مذكرة إلى المؤتمرين مؤتمر الصلح في فرساي ولا حقا مؤتمر سان ريمو يطالب فيها أن تكون حدود فلسطين إلى قرب صور ومتصلة مع جبل الشيخ وممتدة في سوريا حتى ذرعة ومن هناك حتى محاذاة سكة الحديد الحجاز حتى العقبة وحضر الرئيس الأميركي ويلسن مؤتمر السلام وأعلن نقاطه الأربع عشر التي يطالب فيها بحق تقرير المصير لشعوب الدولة العثمانية المنهارة وبعد أن رأى كيف انتهى مؤتمر سان ريمو 26/حزيران 1920 فقد وصف الرئيس ويلسن ما جرى في هذا المؤتمر بصدد المنطقة بأن تزاحم على الشرق الأوسط مثير للقرف والاشمئزاز هذا كان موقف ويلسن لكن في نفس الوقت تتبنى مجلس عصبة الأمم إدخال نص وعد بلفور في مقدمة صك الانتداب بناء على طلب من بريطانيا وبتأييد إنشاء إدارة مستقلة لشرق الأردن ويحظى هذا الأمر بالموافقة الأميركية صريحة.

صحيح أن الموقف الأميركي قبل قيام دولة إسرائيل قبل الحرب العالمية الثانية كان موقف يتسم بالعاطفة على الحركة الصهيونية لم يكن لوبي يهودي قوي في أميركا لم يكن هناك وزن كبير للصوت اليهودي في الانتخابات الأميركية لكن رؤية المصالح الأميركية أيضا للمنطقة بأن تعتمد فيها قوة استراتيجية موثوقة تعتبر بمثابة ذراع للجسد الأميركي تطمئن لها في إمكانية تحقيق حلم السيطرة المطلقة على الشرق الأوسط باعتباره هو المجال الحيوي الرئيسي للاقتصاد العالمي

قدرة الولايات المتحدة الأميركية على رعاية دولة إسرائيل من لحظة قرار التقسيم وتحول الحركة الصهيونية عن مركزها الأوروبي إلى المركز الأميركي ليصبح في جوهر بناء مؤسسات دولة إسرائيل البناء الاقتصادي والبناء العسكري والبناء الاستخباراتي مع التجميل الديمقراطي المعهود هو الذي يجعل من هذا البناء الذي تدخلت به أميركا من اللحظات الأولى يجعل من هذه الدولة موثوقة لأن مصيرها مرتبط بالدعم الأميركي مصير هذه الدولة مرتبط في تنفيذ السياسات والاستراتيجيات الكبرى التي تريدها الولايات المتحدة الأميركية على نطاق الدولة وفي منطقة الشرق الأوسط

أي أنها قضية مصالح بالدرجة الأولى فالولايات المتحدة عندما تريد السيطرة على منطقة الشرق الأوسط وتشمل إيران حتى تركيا والصومال الحقل الاقتصادي الضخم في العالم لا تجد أي تعارض في سياستها مع المصلحة الإسرائيلية، وعندما يحدث ذلك، ولن يحدث، سيكون الحسم لصالح الإدارة الأميركية قطعا مهما بلغت ضغوط اللوبي اليهودي وجماعات الضغط الأخرى على الإدارة الأميركية فإن هذه ستتخذ الموقف المنسجم مع مصالحها تماما. وفي سياق هذه العملية نرى بأن القوة الإسرائيلية في الشرق الأوسط وفرت للإدارة الأميركية قاعدة اعتبرت من أكبر حاملات الطائرات الثابتة في العالم في هذا المجال.

نجد دليلا على ذلك في مقولة لبيغن عندما عقد اتفاقية كامب ديفيد مع السادات سأله أحد الصحافيين لماذا تطالبون بكثير من المساعدات ألا تخجلون من هذه المساعدات المالية التي تطالبون بها الإدارة الأميركية فرد عليه بسخرية شديدة قائلا بأن الإدارة الأميركية تكسب من خلالنها أضعاف ما تقدمه لنا فنحن أكبر مشروع استثماري سياسي عسكري لهم في الشرق الأوسط هذا القول ماذا يعكس، يعكس حقيقة العلاقة حقيقة الاستثمار السياسي والعسكري والاقتصادي الذي تجسده إسرائيل في الشرق الأوسط بالنسبة للإدارة الأميركية.

موقف آخر لبيغن في هذا المجال يقول فيه لقد حاربنا عام 1967 وضحينا من أجل احتلال سيناء وها نحن نعود لسليم سيناء وعقد اتفاقية سلام لا نكسب من وراءها شيء إنما أميركا تقطف ثمراتها بالكامل. نرى هنا أن السياسة الخارجية الإسرائيلية ليس سوى قاعدة انطلاق أساسية، أساسا حرب حزيران جاءت بتوافق إسرائيل أميركي لإحداث تغيير في منطقة الشرق الأوسط في لحظة كانت السياسة الأميركية في الفيتنام وشرق أسيا تعاني من اهتزازات وأزمات عميقة.

لو توقفنا قليلا أمام العمليات العسكرية الكبرى ستجد أن الجيش الإسرائيلي يقوم بمعدل عملية عسكرية كبيرة كل عشر سنوات من 48 – 56- 67- 73 وبطريقة مختلفة كون حرب تشرين كانت مبادرة عربية 82 الاجتياح الإسرائيلي للبنان بعد ذلك الحرب في جنوب لبنان في التسعينات هذا يعني تحديدا أن المنطقة تخضع باستمرار لفك وتركيب سياسي إذ يصل أحيانا الاستهدافات وفق تصور شارون وتشيني مؤخرا لضرورة تقسيم السعودية مثلا إلى مناطق نفط خاضعة للشركات وإلى مملكة تأخذ هبات لكي تعيش من الشركات البترولية إحكام السيطرة المباشرة أي سرقة النفط المعلنة مرة واحدة هناك مشاريع يتحدثون عنها أيضا منسوبة إلى تشيني وشارون باعتبارهما أكثر اثنين متقاربين في السياسة يقولون في إمكانية قيام مملكة هاشمية جديدة من فلسطين إلى العراق عبر الأردن لإنهاء الصراع على قاعدة التحكم والسيطرة الإسرائيلية بعد توجيه ضربة للعراق وإسقاط صدام حسين وكل ما هنالك من سيناريوهات.

تتضح طبيعة هذه العلاقة أكثر عندما يطالب شارون بتعويضات تصل إلى 12 مليار دولار كتعويض عن الحروب التي خاضها ضد المدن الفلسطينية التي اجتاحها في شهر نيسان إذا وصلت المسألة في التفكير في هذا ليس مجرد فانتازيا سياسية هذا يعني كيف ينظرون إلى المنطقة وما هي استهدافاتهم فعلا التوافق الذي يحصل، يحصل من زاوية محددة تماما هي كيف يمكن نهب هذه المنطقة ومنعها من التطور وكيف يمكن إعادة ترتيب أوضاعها في كل عقد من الزمن بما يناسب استمرار عملية النهب المنظم والمنهجي وبما يجعلها دائما منطقة متخلفة مما يجعلها دائما منطقة متخلفة غير قادرة على الوقوف على قدميها

بالعودة إلى مجموعات الضغط اليهودية نستطيع القول أن اللوبي اليهودي من أكبر اللوبيات الضاغطة والمؤثرة في صناعة القرار لكنها لا تصنع القرار وحدها لنأخذ مثل مختلف قليلا في الشرق الأوسط غالبا ما نرى السياسة الخارجية الأميركية وخلفها اللوبي الصهيوني لكن عندما تنظر للسياسة الخارجية إزاء كوبا سنرى السياسة الأميركية اللوبي الكوبي وهو ثاني لوبي في أميركا قوة ضغط لصالح القوى المعادية لكوبا فهل يمكن أن نقول من الشرق الأوسط أن اللوبي الكوبي هو المسيطر؟ أما في صناعة القرار في السياسة الخارجية الأميركية فتخضع بالدرجة الأولى للمصلحة الأميركية الأكثر انسجاما مع المصلحة الصهيونية والتي تلعب المصلحة الإسرائيلية دور الرافعة لهذه المصلحة الأميركية ولذلك نرى التطابق على أنه صناعة يهودية كاملة ناجمة عن سيطرة يهودية في أميركا، علما أن أميركا أكبر من اللوبي اليهودي ومع ذلك علينا أن نعتبره كأحد أجنحة صنع القرار الذي تحتاج إليه الإدارة الأميركية في لحظات معينة لتبرزه كصاحب قوة طاغية وفي لحظة معينة عدما لا نحتاجه يمكن أن تسكته.

يتأكد مما سبق أن هناك سياسة أميركية معادية لنا تلعب إسرائيل دور القوة الضاربة فيها وفي هذا المعنى هناك من يقول أن عدونا إسرائيل وأميركا تدعم هذا العدو وتنحاز له يقرءون النص بالعكس فلا يمكن تجاوز العداء الإسرائيلي المباشر والخاص للمنطقة، ولكن الصراع السياسي المباشر في المنطقة مع الإدارة الأميركية بينما تعتبر إسرائيل تجسيد عسكري سياسي كذراع ضاربة للإدارة الأميركية وبهذا المعنى إذا فهمنا المعادلة على أنها قضية صراع مع إسرائيل فعلينا أن نسلم بأن الإدارة الأميركية منحازة إليها.

كانت شعارات الأحزاب العربية كلها في الستينات وشعارات الأنظمة والصحافة تتحدث باستمرار عن أن الصراع هو مع الإدارة الأميركية ومع المصالح الأميركية لكن التبدل الذي حصل مع انهيار الاتحاد السوفيتي ألغى هذا المشهد بالفكر السياسي في المنطقة ولم نعد نسمع أي صحيفة رسمية أو حزب يولي هذا الموضوع أهمية خاصة، أصبحت اللغة السياسية مختلفة تماما، غاب الكثير من المفردات وأصبحنا نتحدث عن الانحياز والوسيط النزيه الذي تخلى عن دوره، مع أن هذا لا يتعدى تحريف مطلق لما يجري في الواقع، لأن العلاقات الراهنة ليست علاقات صدامية ولأن الصراع الراهن لا يدور وفق منهج صدامي بل يدور وفق منهج تسووي ونهج تصالحي يسعى لحلول أسقطت هذه اللغة ليبدو الحديث عنها غريبا رغم استمرار الصراع. ومع أن شكل الصراع الراهن ولغته ومضامينه وأسلوبه مختلف، نرى تبدل في الكثير من اللغة السياسية في هذا الإطار لكن هل يعني التبدل في اللغة السياسية تبدلا في واقع الصراع؟ أم أن الصراع يدور مع الإدارة الأميركية بالدرجة الأولى؟

يتبين مما سبق أن صراعنا المباشر مع أميركا وأن المشروع الصهيوني ليس إلا تجسيد للمشروع الإمبريالي الأميركي في المنطقة بشكل مباشر ولا يوجد أي إمكانية لأن نكسب أميركا أو نحيدها أو نحلم بأن تكون إلى جانبنا يوم ما.

=-=-=-=-=-=-=-=-=-انتهى الفصل الثامن.

© 2004-2009. All Rights Reserved-كافة الحقوق محفوظة للمؤلف

الفصل التاسع

 

[مقدمة اولى]  [مقدمة ثانية]  [مقدمة ثالثة]  [مقدمة رابعة]  [ملخص الكتاب] 
[الفصل الاول]  [الفصل الثاني]  [الفصل الثالث] 
[الفصل الرابع]  [الفصل الخامس]  [الفصل السادس]  [الفصل السابع]  [الفصل الثامن]  [الفصل التاسع] 
[ملحق اول]  [ملحق ثاني]  [ملحق ثالث]  [ملحق رابع] 
[فهرس المحتويات] 

 

 
 
 
 




قراء هذه الصفحة ابتداء من 21/02/2004


 

 

 

 

 

من نحن | | إبدي رأيك | | عودة | | أرسل الى صديق | | إطبع الصفحة  | | اتصل بنا | | بريد الموقع

أعلى الصفحة ^

 

أفضل مشاهدة 600 × 800 مع اكسبلورر 5

© جميع الحقوق محفوظة للمؤلف 1423هـ  /  2002-2012م

Compiled by Hanna Shahwan - Webmaster