اتصل بنا

Español

إسباني

       لغتنا تواكب العصر

من نحن | | إبدي رأيك | | عودة | | أرسل الى صديق | | إطبع الصفحة | | اتصل بنا | |بريد الموقع 

 
 

 

 

 

 أربط بنا

وقع سجل الزوار

تصفح سجل الزوار

 أضفه إلى صفحتك المفضلة

 اجعله صفحتك الرئيسية

 
 
 
 

 

 

 

 
 كتاب "ملف الإنقلابات في الدول العربية المعاصرة" الفصل الأول
 

أسباب الانقلابات/ تفاعلات داخلية

  

   

عاشت منطقتنا بين الخمسينات والستينات عقدين من التفاعلات الداخلية التي لا يمكن إغفالها عن وقائع الأحداث التاريخية التي عرفتها، وهي تتوافق في البلدان النامية كافة مع انتشار الحركات القومية ومساعي أتباع الملكية للبقاء في السلطة، مقابل إصرار التيارات الحزبية اليسارية واليمينية على حد سواء، في الاستيلاء على سدة الحكم والإمساك بها عبر شتى السبل، بما في ذلك اللجوء إلى الكفاح المسلح الذي كان استثناء في المنطقة، مقابل القاعدة العامة وهي الاستعانة بوحدات الجيوش النظامية الحديثة وقادتها لبلوغ طموحاتها في الحكم.

والجيوش النظامية كانت حديثة البناء في تلك الفترة، كما كانت ترمز إلى الهوية الوطنية لبلدان قامت على مساحات كانت تتقاسمها دول الاستعمار الأوروبي الكبرى، ثم أجبرت على مغادرتها إثر تعاظم حركات التحرر في المنطقة، كما أجبرت على تحويل ما تركته من وحدات قتالية محلية إلى قوات نظامية تابعة للدولة المستقلة حديثاً، دون أن تتخلى عن علاقاتها المميّزة بضباطه الذين تعلموا وتدربوا في معسكراتها بل وفي دولها أيضاً، هذا بالإضافة إلى أنها ستعتمد على مصادرها في التسلح لسنوات وعقود مقبلة.

لقد غلب الطابع العسكري على غالبية الانقلابات التي شهدتها المنطقة، بل يمكن القول إن الانقلابات السياسية أيضاً كانت غالباً ما تفرز حكماً يكتسب شرعيته من رجال الجيش الذين عادة ما ينضمون إلى النظام الجديد فيحتلون مراتب وزارية كما فعل الرئيس الراحل حافظ الأسد حين تولى حقيبة وزارة الدفاع إثر الإطاحة بأمين الحافظ عام 1966 فبدّل بزّته العسكرية بأخرى مدنية حتى أصبح رئيساً للدولة إثر احتدام الصراعات على السلطة بين البعثيين أنفسهم. وهذا هو حال أحمد حسن البكر والرئيس المخلوع صدام حسين الذي أجبره لاحقاً على الاستقالة، وكذلك حال البقية الباقية من الانقلابيين في مصر والسودان وليبيا والجزائر وصولاً إلى آخر انقلاب عرفته موريتانيا في الثالث من آب أغسطس عام 2005.

ويعتقد المراقبون أن المنطقة كانت تعيش حالة من التفاعلات القومية والحزبية الناشطة، ومن البديهي أن يأتي الانقلابيون من رحم ذلك الغليان الشعبي العارم وسط أحداث شكّلت منعطفات تاريخية لها أثر عميق على الواقع والمستقبل العربي برمته، ومع ذلك فإن الوثائق المتوفرة بين أيدينا تفند فكرة انتماء الانقلابيين في المنطقة إلى تيارات ادعت تمثيلها، بل تشير في السواد الأعظم منها إلى تخلي العديد منهم عن الخلفية السياسية أو الحزبية التي أوصلتهم إلى السلطة.

ولكن ذلك لا يلغي حقيقة أن التفاعلات الداخلية كانت سبباً رئيسياً في وقوع الانقلابات التي شهدتها المنطقة، هذا ما تؤكده مجموعة من الوثائق المتعلقة بعدد من الانقلابات التي شهدتها المنطقة، ومنها:

 

وثيقة أمريكية مؤرخة في 28-7-1952 جاءت على شكل مذكرة تحلِّل الوضع في مصر والانقلاب الذي قام به الضباط الأحرار في 23-7-1952. فتبدأ بوصف مفصل لنوعية الضباط المصريين وكونهم مثقفين وحملة شهادات جامعية، لتقول: هؤلاء الضباط أصبحوا قادة للجيش أثناء حرب 1947 وتمكنوا من إقامة محكمة تفتيش لفضائح الأسلحة والتي كانت إحدى الأسباب للخسارة الكبيرة التي أصابت الجيش المصري هناك.

ثم تعمل المذكرة على وصف الأحداث المرافقة للانقلاب الذي ترأسه محمد نجيب فتؤكد نجاحه في السيطرة على جميع وحدات الجيش بشكل سريع فقام الانقلابيون باعتقال رؤساء القوات العسكرية والجوية بالإضافة إلى مسؤولين كبار في حكومة الملك.

دون الإشارة إلى أي نوع من الضغوط أو التدخل الخارجي في إعداد الانقلاب أو تنفيذه.

ويتم التعرض لمجمل التفاعلات الداخلية في مصر عقب الانقلاب في تحليل للنتائج الأولى لوقوعه على المنطقة وذلك في ملف بريطاني يعود إلى عام 1952، حيث ترد وثيقة من القنصل البريطاني في تل أبيب إلى الخارجية في لندن بتاريخ 31-7-1952 وفيها أن وزيراً إسرائيلياً أبلغه بمعلومات أكدت أخرى كانت لديه وأضافت جديداً إلى ما عنده... وأهم ما جاء في الوثيقة عبارة تفيد بأن وضع الانقلابيين غير مستقر وأن هناك خلافات جدّية بين ماهر ونجيب، فقد هدد ماهر بالاستقالة من منصبه... وأن جماعة حزب الوفد منقسمون على أنفسهم... وأن القطاع الشاب ذو التوجُّه اليساري سيؤيد نجيب... كان هناك خطر حقيقي من توجُّه العسكر إلى المتطرفين من الوفد أو من الإخوان.

أما العيون الفرنسية فقد راقبت وقائع الانقلاب منذ ما قبل وقوعه، وقد كتبت السفارة الفرنسية في القاهرة مجموعة من الرسائل المتعاقبة إلى الخارجية في باريس تتحدث فيها عن التفاعلات الداخلية التي تصف موازين القوى بترجيح كفة الجيش، ثم تختتم ذلك برسالة واضحة تستعرض فيها انتقال مصر وتحولها إلى جمهورية دون الإشارة إلى أي نوع من التدخل الأجنبي أو الإقليمي الذي لو توافر لكانت الأولى في التحدث عنه نظراً لتنافسها الدائم مع لندن على النفوذ هناك.

 

وتحمل الوثيقة الفرنسية الأولى في هذا الإطار تاريخ 7 يناير – كانون الثاني 1952، وقد وردت تحت عنوان: سري– وهي تتألف من خمس صفحات تشرح خلالها بشيء من الدقة ظروف العاهل المصري وأوضاعه وسط المظاهرات التي شهدتها مصر آنذاك، كما تستعرض ما يجابه الحكومة الجديدة من صعوبة في التوصل إلى اتفاق مع الإنكليز، وذلك لمعارضة حزب الوفد للمقترحات المقدمة. كما تصف الوثيقة ما يتعرض له الملك والحكومة المصرية من ضغوط عبر المظاهرات التي تشهدها الجامعات بلغت مستوى من الجرأة والتحدي أن تم فيها إحراق صور الملك، كما تسترعي انتباه كاتب الوثيقة نتائج الانتخابات التي شهدها نادي الضباط حيث يشير إلى ولاء الكبار من ضباط الجيش وهو ما يمكن اعتباره أمراً مفروغاً منه، كما أنه يؤكد من جهة أخرى على أن الغموض ما زال مخيّماً حول ولاء ووفاء الضباط الشباب إلى جلالة الملك.

 

السفارة الفرنسية في "القاهرة"

من "موريس كوف دو مورفيل" , السفير الفرنسى

إلى صاحب السعادة "روبير شومان" , وزير الشئون الخارجية

7 يناير – كانون الثاني 1952

منذ أن عاد الملك "فاروق الأول" من "أوروبا" وهو ينأى بنفسه عن التدخل في شئون الحكم, بعد أن كان يمارس عليها تأثيراً حاسماً قبل وقت قليل, فهو إذ عجز عن تدارك رد الفعل الرافض للمعاهدة المصرية البريطانية, يبدو وكأنه قد يئس من إمكانية إقناع حكومته بمزيد من الاعتدال. وإذا كان قد حاول طوال ثمانية وأربعين ساعة أن يعارض سحب السفير المصري من "لندن", فلا بد أنه رضخ في النهاية لإلحاح "النحاس باشا".

إن ترشيحه لـ"حافظ عفيفي باشا" رئيساً للديوان الملكي يدل دون شك على رغبته في العودة للتدخل في حياة البلاد, وربما رغبته أيضاً في استعجال تغيير الحكومة, الذي يبدو أنه يرغب فيه منذ مدة طويلة. ومع ذلك فإن الملك يتردد, منذ هذا الترشيح, في الذهاب إلى مدى أبعد.

إن الموقف يدعو إلى الحرص دون شك, وقد ذكرت من قبل العقبات التي ستصطدم بها الحكومة الجديدة, حيث لن تتيقن من إمكانية التفاهم مع "بريطانيا", بينما ستجابه كتلة المعارضة الوفدية الهائلة. من شأن المغامرة أن تعرض للخطر أكثر السلطات استقراراً, وأشد الشعبيات رسوخاً. إن وضع الملك في البلاد غير مبشر, ويبدو أن بعض الدلائل الأخيرة على الحالة الذهنية الشعبية قد جعلته يدرك هذا, لقد عرضت في كتابي بتاريخ 27 ديسمبر – كانون الأول 1951 للمظاهرات التي قامت في "القاهرة" و"الإسكندرية", وأطلق فيها المتظاهرون الصيحات المعادية للملك, ورددوا الشعارات المسيئة إليه. لقد تعجبت أوساط القصر من سرعة انتشار تلك الشعارات في المدينة, ورأت فيها دليلاً على دعاية شفوية حسنة التنظيم, إلاّ أنها تأثرت بصفة خاصة بأن أحداً من مردديها لم يرفقها بتعبير يفهم منه توجيه اللوم إلى المتظاهرين, حيث لم يفاجأ سكان "القاهرة", ولم تصدمهم هذه الانتقادات المستهجنة الموجهة ضد الملك.

في "الإسكندرية" أحاطت الشرطة بالمظاهرات, إلاّ أنها رأت واجبها يقتصر على حفظ النظام, ولم يفكر قادتها في إصدار أمر بالتدخل لمنع سبّ الملك. وكان القصور مفضوحاً لدرجة أن مدير أمن "الإسكندرية" أعفي من منصبه حديثاً.

هناك مظاهرة أخرى كان من شأنها أن تؤثر جدياً في وضع الملك, فهي لا تمس عناصر شعبية متطرفة وإنما الجيش, الذي يعتبر ولاؤه أشد دعائم العرش رسوخاً.

كان نادي ضباط الجيش المصري مقبلاً في نهاية العام على إعادة انتخاب رئيسه, الذي تنص اللائحة على أنه قائد القوات المسلحة, فكان على الضباط إذن أن ينتخبوا إما "حيدر باشا", القائد العام للقوات المسلحة, أو اللواء "عثمان المهدي" رئيس الأركان, في حالة غيابه, والاثنان معروفان بالإخلاص لشخص الملك. لكن بعض الضباط أبدوا رغبة في تعديل اللوائح بحيث يتم اختيار الرئيس بصرف النظر عن رتبته, فتمّ تأجيل الاجتماع. وفي أعقاب عريضة وقعها 300 ضابط انعقدت الجمعية العمومية للنادي, وتمّ تغيير اللائحة وانتخاب ضابط عام, معروف بميوله الوفدية, رئيساً. لقد تمّ استبعاد ضباط حرس الحدود الموالين لقائدهم, الأثير لدى الملك, من النادي, بحجة أن حرس الحدود لا ينتمي فعلياً إلى الجيش. وسعياً إلى الحد من تأثير عدم انضباطهم, ذهب ضباط النادي يعرضون رئاسته على "حيدر باشا", كما أرسلوا وفداً يسجل الزيارة في سجل القصر. وقد قيل لي إن الملك أظهر استياءً بالغاً, واستدعى "حيدر باشا" فوبخه على أنه لم يعد يسيطر على ضباطه, وأن رئيس الأركان عرض استقالته, وأن هناك تفكيراً في إبطال انتخابات النادي واتخاذ إجراءات ضده. ومهما يكن من هذا فإن الواقعة تدل على أن الجيش يتأثر بالتيارات الجارية بأكثر مما نظن, وعلى أن ولاء الألوية وكبار الضباط إذا كان مضموناً, فهو ليس كذلك فيما يخص صغار الضباط.

مهما كانت الانتقادات التي توجه للملك, ومهما كان من ضآلة شعبيته, فإن مكانته في البلاد لم تتعرض لخطر حقيقي, وبوسعه دون شك أن يعيد توكيد سلطته, كما أن مولد وريث ذكر من شأنه أن يحيى المحبة التي كان يكنها له شعبه فيما مضى. لكنه أصبح يجد صعوبة تتزايد باستمرار في القيام بفعل سياسي يناقض بشكل مباشر ميول الأمة المصرية.

 

بعد ذلك بخمسة أسابيع، بقيت العين الساهرة الفرنسية بمراقبة ما يجري من تفاعلات داخلية في المشهد المصري، وهي الحريصة كل الحرص على ألاّ يكون لمنافستها اللدودة لندن يد خفية تعبث في الخفاء بعيداً عن الأبصار، كما أنها ما كانت لتفوت فرصة التحسب لأي دور يمكن أن تلعبه واشنطن، الزاحفة نحو الشرق مطالبة بحصتها من ثرواته بعد ما أحرزته من انتصارات عسكرية مشهودة في الحرب العالمية الثانية، وما يعيشه العالم من سخونة أجواء الحرب الباردة.

 

أُرخت الوثيقة الفرنسية الثانية في هذا الإطار بتاريخ 12 شباط - فبراير 1953، أي بعد وقوع انقلاب الثالث والعشرين من تموز - يوليو بسبعة أشهر على الأقل، وهي برقية تتحدث فيها عن الأوضاع في مصر إثر إعلان الجنرال محمد نجيب، في 10 شباط - فبراير، نص الدستور المؤقت المفترض أن يحكم البلاد خلال السنوات الثلاث التالية، والتي ستهيئ الظروف الملائمة لعودة العمل البرلماني، وتؤكد الوثيقة في استنتاجاتها أن العسكر، الذي نظم ووجه الحركة السياسية الجارية، سيتمتع بهذه الطريقة بكل ما يلزمه من صفات قانونية، وهذا ما كان يطمح ويسعى إليه على الدوام... بما معناه تشكيل ما يشبه حكومة ما فوق العادة أي (سوبر حكومة).

 

برقية واردة

"القاهرة", 12 فبراير - شباط 1953

إلى الشئون الخارجية

ينسخ مباشرة إلى "عمان" و"بغداد" و"بيروت" و"دمشق" و"جدة"

أعلن اللواء "محمد نجيب" يوم 10 فبراير - شباط عن النص الذي تقرر أن يكون بمثابة الدستور المؤقت لـ"مصر" خلال السنوات الثلاثة الأولى, التي تمهد لعودة النظام البرلماني. ويشمل هذا النص 11 مادة فقط, تعدد السبعة الأولى منها المبادئ الجوهرية التي يقوم عليها النظام الحالي: السيادة للشعب والمساواة أمام القانون وضمان الحريات المختلفة واستقلال السلطة القضائية. إلاّ أن تلك النصوص تبدو من قبيل النوايا المحضة, بالنظر إلى نظام الحكم الذي تؤسسه المواد اللاحقة.

إن تلك المواد تنص على أن السلطة العليا في يد زعيم الثورة "بالاشتراك مع مجلس قيادة الثورة". وهو بهذه الصفة يمتلك الحق في تعيين الوزراء وعزلهم.

يتولى مجلس الوزراء السلطة التشريعية, أما التنفيذية فهي تقع على عاتق الحكومة بمجملها, وكل وزير في وزارته.

وأخيراً ينص الدستور المؤقت على اجتماع "المجلس الثوري" بكامل هيئته (لجنة الضباط) مع مجلس الوزراء, اجتماعاً يتمّ في أثنائه التناقش في أمور السياسة العامة, ويمكن مساءلة الوزراء فردياً أمام هذا التجمع. وهكذا تكتسب العصبة العسكرية التي دبرت الثورة وأدارتها بالطريق القانوني ما كانت تمارسه من البداية فعلياً: صفة الحكومة من فوق الحكومة.

وبالرغم من أن الدستور المؤقت أتى نتيجة مناقشات مطولة, إلاّ أنه لا يحمل أي تعديل حقيقي للوضع القائم, فهو يسمح ببقاء كافة الشكوك المتعلقة بالسياسة المصرية بين اللواء "نجيب" و"اللجنة الثورية", والالتباس القائم بين مهام تلك اللجنة والحكومة.

تظل مسألة نظام الحكم معلقة بدورها, فالدستور لا يشير إليها أدنى إشارة, لكن وزير الإرشاد القومي, حين سأله الصحفيون, أشار إلى أن "مصر" ستبقى مملكة.

 

أي أن الأمر كما يراه المراقب الفرنسي الحريص على مكانة بلاده في القاهرة، هو في واقع الحال ثمرة تفاعلات سياسية داخلية يسعى الجيش من خلالها إلى تعزيز مواقعه عبر تشكيل حكومة قوية بالرغم مما يعنيه ذلك بالمقابل من إضعاف لمكانة الملك وأتباعه ومؤيديه...

 

وهكذا تأتي وثيقتها المؤرخة في 28 يوليو – تموز، 1952 لتحمل رسالة استعراضية محايدة تتحدث عن التلغراف الذي يترجم نص البيان الذي تلاه في 26 يوليو – تموز الفريق محمد نجيب بك إلى الشعب المصري والطلب بتنحي الملك ومغادرته البلاد. ثم تتبعه برقية أخرى في 30 يوليو - تموز 52 تنقل نبأ تنحي الملك فاروق ونشر أنباء عن ثرواته في الصحف المصرية.

 

نص بيان اللواء "محمد نجيب"

في ذكرى الملك السابق "فاروق"

لم أكن أظن أن الملك السابق, الذي كان يظهر الفخر بماضي لا يستحق سوى القليل من الثناء, يمكن أن ينحدر إلى درك متهم لا يجد له خلاصاً إلاّ بادعاء أي شيء, مخافة أن يفسر صمته كإقرار بما يلوث ذلك الماضي من انعدام للحياء والأخلاق.

يقول الملك السابق إنه يتحدث دفاعاً عن صالح أولئك الذين ظلوا له مخلصين, الذين ماتوا أو سوف يموتون دفاعاً عنه. غير أنه ينسى أن العالم بأسره صفق لنجاح حركتنا, التي لم تزهق روح بريء واحد, مثل أولئك الأبرياء الذين اغتالهم "فاروق" كلما عنّ لهم أن يرفضوا عبوديته. أما من اعتقلهم الجيش فهم ليسوا في انتظار الموت كما يقول "فاروق", بل في انتظار حكم القضاء على تصرفاتهم السابقة. ولا يوجد بينهم, حتى أولئك الذين كانوا جزءاً من حاشيته, من يملك كلمة طيبة يقولها عن "فاروق", فهم يجمعون على توجيه اللعنات إلى الظروف التي ربطتهم به.

ولن أخفي إعجابي بتمسك "فاروق" بمبدأ تقييد الحريات, التمسك الذي يدفعه للظن بأننا نمنع نشر تاريخه في "مصر". وقد كنت أتمنى لو لم يكن من شأن هذا الدفاع أن يفاقم من التهم الموجهة إليه, فنحن لم نمنع ظهور النص الكامل في كافة الصحف المصرية, في 15 أكتوبر -تشرين الأوّل الجاري, ولو بعد ظهوره بثلاثة أيام. لقد نشرته الصحف بهدف وحيد, هو استكمال استنكار الصورة المنفرة لهذا الماضي الذي هدمه الشعب, ممثلاً في قواته المسلحة الحرة الوفية, بيديه.

وربما لا ينسى ذلك الماضي نفسه كيف قام "فاروق" بمنع الصحف الأجنبية من دخول "مصر" مخافة أن يعرف الشعب أخبار فضائحه ومباذله المسيئة إلى "مصر". كان العالم كله يعرف بتلك الفضائح ويجهلها شعبنا, فلم يكن يعلمها سوى من يمنعون الضوء من بلوغ أعين الناس.

فليطمئن "فاروق" إذن على مصير الحريات, التي كانت فيما مضى حكراً على من يهدمون حياتنا الاجتماعية, وعلى شياطين الفساد الأخلاقي, الذين يصلي اليوم من أجلهم, كما صلى من قبل حول موائد القمار في الملاهي الليلية, في شهر رمضان, وهو ملك أمة إسلامية لها مكانتها, التي كان عليه أن يعليها, وسط شقيقاتها من الأمم المشتركة معها في الأصل العربي وفي الديانة. لا حاجة لمن يصلي اليوم من أجلهم إلى صلواته, فـ"مصر" كلها اليوم تصلي من أجل من ضحوا بها على مذبح شهواته واستبداده, وتناسوا أن الوطن أبقى من الرجال. لقد اشتروا الفساد بضمائرهم, فكانوا من حاشيته, يعولون عليه لحمايتهم والدفاع عنهم. لقد نسي "فاروق" أن العدالة اليوم, بعد أن لم يعد واقفاً في طريقها, تمضي في سبيلها بكل حرية, لنصرة المقهورين. لقد حررنا المعتقلين الذين ألقى بهم وراء الأسوار, والذين تعرضوا, بأمره, لأقسى صنوف التعذيب البدني والمعنوي, هم وأقاربهم من الأبرياء أيضاً. لقد اقترب اليوم الذي تنشر فيه سيرة تلك الفظائع.

إنى أرثي لـ"فاروق"...

إنى أرثي لـ"فاروق" من حيث أنه لم ينزل إلى معترك السياسة إلاّ للكذب على القوى الغربية, معتقداً أنه يرضيها بهذا, فهو يصف حركتنا بأنها شيوعية, أو تلعب لعبة الشيوعية, وينسى أن الساسة الأجانب, بل المتحدثين بأسمائهم أيضاً, لم يجدوا ما يقال عن حركتنا سوى أنها مثال ساطع للوطنية الحقة. لقد أجمعت القوى على الإقرار بهذا, وامتداح الحركة. بل إنه ينسى أن مشروع تحديد الملكية الزراعية إنما يهدف إلى الحد من انتشار الشيوعية.

لقد انقلبت تصريحات "فاروق" عليه, فقد اعتقد أن رجالي ينتمون إلى "الإخوان المسلمين", بما أنهم لا يتمتعون بلون سياسي محدد, لكنه نسي أن العداوة مستحكمة بين الإسلام والشيوعية. وليس من المنطقي أن يعتقد العالم في مساعدة السفير الروسي لنا بالمال, حيث أننا لا نحتاج تلك المساعدة الشحيحة, ما دمنا أثرياء بعقيدتنا في حق الشعب, الذي كان مهاناً في ظل نظام الملكيات الشاسعة التي كان يحميها.

لن تنشب الحرب الكورية الثانية في "مصر"

أما فيما يتعلق بخوفه من حرب كورية ثانية في "مصر" فإني أتعاطف مع قلقه, حيث أن سياسة حكومتي تقوم على أن تضمن لكل مواطن صالح حرية العيش, بدلاً من ترك الشعب على أبواب السفارة الروسية يتسوّل عيشه, كما يقول الملك السابق, على خلاف الحقيقة. غير أن هذا يمثل من جانبه, بكل أسف, اعترافاً بالحالة المزرية التي بلغها رعاياه تحت حكمه الإقطاعي, مما حرض الشعب على اللجوء إلى الشيوعية. لقد برهنت حركتنا على ديمقراطيتها الحقة, التي هي هدفنا الذي أكدناه: تحرير الشعب الخاضع لنظام شمولي يتقنع خلف دستور لم يحترمه مطلقاً.

أما ما يبدو غريباً فهو ظنه بأن حرس القصر هو الذي حماه, مع أنه انضم في الحقيقة إلى قوى الجيش, التي أحاطت بقصره لحمايته من غضب الجماهير.

ولا يوجد شك في أن صحف العالم نشرت صوراً لحرس القصر وهو يحيينا, ويبادلنا التهاني والتحيات.

أما عن الدبابات فهي لم تغادر ثكناتها إلاّ بعد أن أُخذ إلى قصر "رأس التين", فكيف يزعم أن تلك الدبابات سدت عليه الطريق؟ لم يصدر أمر واحد بحظر التجول, ولا قتل ضابط أو جندي واحد, في هذه الثورة السلمية, التي قام بها شعب بريء أراد أن يدلل على كرمه, حتى وهو يثور.

خيال تافه

علاوة على هذا فإن من الغريب أن نرى "فاروق" يختلق وقائع تدلّ على تفاهة خياله, ثم ينسب تلك الوقائع التي اختلقها اختلاقاً إلى الضباط, فهو يزعم أن ضباط حركة التحرير قتلوا كلاب بناته, وفقأوا عين أحد المهور, مع أن تلك الكلاب لم تزل تعيش وتنعم بحريتها, وتنبح كلما مر بها ظل الماضي, شاهداً على الحيوانية التي كان "فاروق" يعامل بها حيواناته, واللذة السادية التي كان يستمدها من إيلامها أشد الألم, إرضاءً لنزعاته المنحرفة.

كما أنه وصف الضباط الذين اشتركوا في حركة الجيش بأنهم قلة من الضباط الصغار لا تطلب سوى الترقي السريع, بينما يشهد العالم كله على أن ضابطاً واحداً لم يرتق إلى رتبة تزيد على رتبته قبل الحركة. إن الإيثار هو ميثاق شرفهم.

أما عن السفينة الحربية التي أرسيت أمام قصر "المنتزه" كإجراء وقائي, فهذه أيضاً من نسج خياله, ولا تثبت شيئاً سوى جهله التام بالوقائع. لم تأت تلك السفينة إلا تنفيذاً للأمر الذي تلقته من القيادة العامة, تداركاً لأي محاولة من الملك السابق للهرب من "مصر". وحين انتقل إلى قصر "رأس التين" تبعته السفينة الحربية إلى هناك, تنفيذاً لنفس المهمة.

لقد عاملناه بنبل حتى اللحظة الأخيرة من رحيله, وقد شهد السفير الأمريكي بنفسه ذلك الرحيل الكريم, الذي يدل على رفعة نفوس أولئك الرجال الذين يدركون واجباتهم وهم يطالبون بحقوقهم.

وبما أننا كنا على أية حال مشغولين بمسائل تمنعنا أهميتها من تتبع الحكايات الخيالية التي نشرها "فاروق", بهدف اكتساب عطف الأمم الأجنبية, فقد استحسنّا أن نجعل من أفعالنا الرد الوحيد على تلك الحكايات الخرافية. إن "مصر" بحاجة إلى أن نكرس لها كل جهودنا, كي نوفر لشعبها حياة حرة وكريمة, في ظل نظام ديمقراطي حق, وقد فضلنا اتخاذ هذا الموقف, بدلاً من الرد على أكاذيب تناقض نفسها بنفسها.

20 أكتوبر – تشرين الأول, 1952

 

كتب اللواء "محمد نجيب": لقد كلّفت البكباشي "أنور السادات" بزيارة دولة الرئيس - يقصد رئيس الوزراء- "على ماهر" لطمأنته على الوضع طالما تم تنفيذ مطالب الجيش بالكامل, وإبلاغه بأن كل شيء يسير نحو الأفضل. وبالفعل, توجه "أنور السادات" إلى قصر الحكم في "بلكلي" وأتم مهمته, وعاد إلى مقر القيادة العامة بعد أن اقتنع باطمئنان دولة الرئيس "على ماهر".

تمت الدعوة إلى اجتماع هام يشمل نصف هيئة مجلس القيادة الموجود في "الإسكندرية", في معسكر "مصطفى باشا".

وأثار القائد الجوي "جمال سالم" قضية جديدة: لقد قررت القيادة العليا خلع "فاروق" عن عرشه, لكنها لم تقرر شيئاً من مصيره. هل يعتقل ويحاكم حتى يعدم, أم يكتفى بخلعه؟

كانت الأبواب مغلقة

وطلب "جمال سالم" الكلمة كأنه مدع عام يطالب برأس مجرم, فقال:

·     هل تريدون أن يفر منا "فاروق" ويغادر البلاد حياً؟ لقد قتل, ويجب أن يشنق كما يشنق المجرمون. إنه قائد خان جيشه ويجب أن يعدم بالرصاص كما يعدم الخونة في كل الجيوش. إنه لص ويجب أن يحبس كما يحبس اللصوص.

فتدخل ضباط آخرون قائلين:

سنخلعه وهذا يكفي.

فصاح "جمال سالم":

·      كلاّ, هذا لا يكفى, فنحن هنا نمثل العدالة, والمحاكم تحكم بالإعدام على من يقتل رجلاً واحداً, فما قولكم في من قتل شعباً بأكمله؟ المحاكم تدين من يسرق, فكيف لا تدين محكمة الثورة من سلب بلداً بأسره؟

فقال الضباط الذين لا يشاركونه هذا الرأي:

·       لقد تميزت ثورتنا بخلوها التام من الوقائع الدموية, ولا نريد أن نشوهها بقطرة دم واحدة, حتى ولو كان دم "فاروق".

إلاّ أن "جمال سالم" عاد يقول:

·        علينا أن ننتقم للموتى. تذكروا أبطال "فلسطين" الذين رأيتموهم يموتون بأعينكم, بسبب الأسلحة الفاسدة التي أمدهم بها "فاروق".

فتكهرب الجو حيث انبهر بعض رفاق "سالم" بآرائه, لدرجة الانضمام إليه, وكان عندها قد فرغ لتوه من الإشارة إلى تهريب "فاروق" لأموال طائلة ينوى استخدامها ضد "مصر".

وهنا قرر اللواء "محمد نجيب" التشاور مع النصف الآخر من أعضاء مجلس القيادة الذي بقي في "القاهرة", وبما أنه لم يرغب في استخدام التليفون لأسباب يسهل فهمها, فقد كلف "جمال سالم" في الثانية مساءً بالتوجه فوراً إلى "القاهرة" في طائرة خاصة, ليبلغ رفاقه بأن نصف الضباط المجتمعين في "الإسكندرية" يؤيدون الإعدام, بينما يؤيد نصفهم الآخر الاكتفاء بالخلع والنفي.

فرحل "جمال سالم" وعاد بعد ساعات حاملاً رأي من بقي من مجلس القيادة في "القاهرة" , قائلاً إن حركة التحرير ترغب في التخلص من "فاروق" بأسرع ما يمكن لسبب أهم من "فاروق" نفسه , ألا وهو تحرير البلاد من الفساد , وإقامة نظام يضمن حقوق الشعب وكرامته وسيادته. ولهذا فمن المستحيل إدانة "فاروق" دون محاكمته, ولا يمكننا إبقاءه سجينا دون محاكمة, ولا تكريس أنفسنا له, بدلاً من تحقيق أهداف الثورة. سيحكم عليه التاريخ نفسه بالموت.

وهكذا اتخذ قرار خلع "فاروق" ونفيه, قبل أن يتمكن الأخير من الاستغاثة بالسفير الأمريكي.

وفى السابعة صباحاً بدأ الجيش عملياته التي تمثلت في محاصرة القصور الملكية, وفي التاسعة توجه اللواء "محمد نجيب" إلى دولة الرئيس "على ماهر", طالباً منه رفع إنذار الجيش إلى "فاروق".

21 أكتوبر , 1952

 

وقد نجد في التقارير السوفيتية الصادرة عن وكالة تاس الحكومية آنذاك دليلاً آخر يؤكد تصنيف السوفييت لما شهدته القاهرة من تحول جذري في 23-7-1952 ضمن إطار النتائج الأمينة والصادقة للتفاعلات الداخلية التي تشهدها البلاد، دون أي إشارة أو تلميح لتدخل من قبل الدول الثلاث الكبرى التي لها مصالح في القاهرة والمتمثلة بعواصمها لندن وباريس وواشنطن، فهي تنقل وقائع الانقلاب بحيادية بالغة ودون توجه اتهامات لأي من الدول الكبرى.

هذا ما ينعكس في تقرير ورد في 23-7-1952 أي في يوم وقوع الحدث الكبير، وهو يتحدث عن وقوع انقلاب للجيش بدعم الشرطة والأمن، ويؤكد أن الجيش يحتل الراديو والبنك وقصر الملك، والأماكن الإستراتيجية، بقيادة نجيب باشا الذي يعلن أن هدف الانقلاب بناء مؤسسة حكومية وعسكرية سليمة والقضاء على الفساد والفوضى الملكية. والقيام باعتقالات وتحقيقات مع الضباط والمسئولين عن أسباب الهزيمة في فلسطين.

ثم تبع ذلك في تقرير أخر صدر في اليوم التالي وموقع في 24-7-1952 وهو رغم اقتضابه يؤكد جوانب من الدعم الشعبي الذي يتمتع به الانقلاب بل وينطلق إلى ما هو أبعد من ذلك فيشير إلى دعم واحدة من القوى المعروفة بمناهضتها للسوفيت وهي جماعة الإخوان المسلمين فيقول أنهم شاركوا بدعم الانقلاب عبر تظاهرة حاشدة وسط القاهرة صارخين فيها فليسقط الملك.

عُرّف المشهد السياسي في مصر عقب انتهاء الحرب العالمية الثانية بكثير من الأزمات السياسة التي تمثلت في قضايا الاستقلال الوطني، والنهوض الاقتصادي، والعدالة الاجتماعية، وأزمة فلسطين، وأزمة الديمقراطية وغيرها، ولم يكن من السهل الخروج من تلك الأزمات إلا بتغيير سياسي حاسم تجاه كل القضايا المطروحة على الأرض.

واعتبر الاستقلال أولى القضايا التي شغلت الحياة السياسية في مصر آنذاك، وكان حزب الوفد في طليعة الحركة الوطنية المطالب بالاستقلال عبر أسلوب المفاوضات، التي جرى ست جولات منها مع الانجليز بين الحربين العالميتين فشلت جميعاً باستثناء معاهدة عام 1936 التي وقّعها الوفد، وقبل فيها ببقاء القاعدة العسكرية البريطانية في مصر ليفقد بذلك جزءاً من التأييد الشعبي له.

كما شهدت الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية فترة ما قبل انقلاب يوليو أزمات اقتصادية أدت إلى اضطرابات اجتماعية وعمالية، حيث زاد حجم الإضرابات الاقتصادية والنقابية. وفي الريف كان الملاك يحوزون على أكثر من ثلث الأراضي الزراعية، وفي مواجهتهم أحد عشر مليوناً من الفلاحين المعدمين. وقد دفعت الأزمات الاقتصادية إلى حدوث اضطرابات اجتماعية كإضراب عمال الحكومة عن العمل، والمدرسون، ورجال الشرطة، إلى جانب ما شهدته الأرياف من أحداث عنف متنوعة، وقد عجزت الحكومات المتعاقبة عن إيجاد مخرج مناسب يثبت قدرة النظام السياسي على مواجهة تلك الأزمات.

جاءت قضية فلسطين لتزيد حالة الاحتقان التي يعاني منها المجتمع المصري، حيث انتهت الحرب هناك بهزيمة أصابت رجال الجيش والسياسة المصرية ما دفع إلى بعض القوى السياسية في مصر إلى استخدام العنف ضد خصومها، والعمل العسكري ضد المحتل الإنجليزي، ومن إفرازات الهزيمة أيضاً بروز الجيش المصري كمؤسسة مرشحة للقيام بدور هام في الحياة السياسة المصرية، وزاد تدهور الأوضاع في مصر مع حريق القاهرة في كانون الثاني يناير 1952، وعجز النظام السياسي القائم عن ضبط الأمور وممارسة الحكم. وعرفت الشهور الستة التالية للحريق أربع وزارات لم تكمل آخرها اليومين حتى جاء انقلاب الجيش.

وكانت المؤسسة العسكرية قد أبعدت عن الحياة السياسية في مصر لأكثر خمسين عاماً منذ الاحتلال البريطاني لمصر، حين جرت تصفية الجيش من الضباط العرابيين، ثم أبعد الجيش في السودان، ولكن الضباط عاودوا نشأتهم الجديدة في أواخر الثلاثينيات عبر مجموعة من الضباط تمثل العداء للاستعمار البريطاني، وكانت أولى لقاءات شباب الضباط في معسكر "منقباد" بصعيد مصر عام 1938، وكان من بينهم جمال عبد الناصر وعبد اللطيف البغدادي وغيرهما.

ابتعد هؤلاء الضباط عن الحركات الحزبية في المجتمع، وإن انتمى قلة منهم إلى تيارات سياسية وفكرية معينة. ثم تشكلت أول لجنة لهم عام 1949، وعقدت أول اجتماعاتها واتفقت على تكوين خلايا سرية في الجيش إعداداً لانقلاب عسكري قدروا إنجازه بعد ست سنوات. إلا أنهم عجلوا القيام به لمعرفة الملك فاروق ودخولهم في مواجهة علنية معه في انتخابات نادي الضباط التي أسفرت عن فوز مرشحهم اللواء محمد نجيب على مرشح الملك في رئاسة النادي؛ فتقرر تعجيل موعد قيام الجيش بحركته، خاصة بعد تمكن الجهات الأمنية من كشف أسماء بعض الضباط الأحرار وغالبيتهم في اللجنة التأسيسية.

اتفق على مساء 22 يوليو لمفاجأة الحكومة الجديدة التي يرأسها أحمد نجيب الهلالي، قبل أن يتمكن وزير الحربية الجديد من إصدار التعليمات والأوامر بالتصدي لها، ثم أجّل جمال عبد الناصر الموعد ليلة واحدة ليتمكن من استطلاع رأي قيادة الإخوان المسلمين في الموافقة على قيام حركة الجيش. وكان عدد الضباط الأحرار الذين أسهموا فعلاً في القيام بحركة 23 يوليو حوالي تسعين ضابطاً، كان ثلثهم من صغار الضباط. لم يكن للتنظيم أحد في سلاح البحرية فقط، وإنما لديه أعداد يطمئن إليها في سلاحي الفرسان والمدفعية والطيران.

 جاء فوز اللواء محمد نجيب في انتخابات نادي الضباط على غير رغبة القصر الذي عمل على حل مجلس إدارة النادي، فاستقال اللواء نجيب، تدخل رئيس الوزراء حسين سري لإنقاذ الموقف بأن يعين نجيب وزيراً للحربية، فلم يستطع فقدم استقالته هو الآخر، فاختار الملك محمد نجيب الهلالي لتشكيل الوزارة الجديدة في 22 تموز يوليو 1952، غير أن هذه الوزارة لم تكمل يومين حتى قامت الثورة، وتحرك الجيش وسيطر على بعض الأماكن العسكرية وقيادة الجيش، وأعلن البيان الأول للثورة يوم 23 تموز يوليو.

قام الضباط الأحرار بتقويض النظام واعتلت حركة الجيش قيادة السلطة، وتقدم اللواء نجيب إلى رئيس الوزراء محمد نجيب الهلالي بطلبات الجيش وكانت: تكليف السياسي المعروف علي ماهر بتشكيل وزارة جديدة، وتعيين اللواء محمد نجيب قائداً للجيش، وطرد ستة من حاشية الملك الذي وافق فوراً عليها، ثم خُلع الملك فاروق بعد أربعة أيام من قيام الثورة، وغادر مصر مع أسرته إلى إيطاليا، وأُعلن أحمد فؤاد الثاني ملكاً على مصر، تحت إشراف مجلس وصاية.

هذه هي القصة التي يجمع عليها رجالات الفكر السياسي في تاريخ مصر الحديث وما أورده كل من جمال حماد في كتاب 22 يوليو أطول يوم في تاريخ مصر الصادر عن دار الهلال في القاهرة، نيسان إبريل من عام 1983 وطارق البشري في كتاب الديمقراطية والناصرية الصادر عن دار الثقافة الجديدة في القاهرة عام 1975 والمفكر عبد الرحمن الرافعي في كتاب ثورة 23 يوليو 1952/ تاريخنا القومي في سبع سنوات 1952-1959 الصادر عن مكتبة النهضة المصرية في القاهرة عام 1959.

وهو سرد لما شهدته مصر من وقائع تاريخية تتوافق بنسب كبيرة مع ما ورد في الوثائق الغربية المتوفرة حول الظروف الموضوعية التي أسست لانقلاب 23 تموز يوليو، بغض النظر عن المنحى الذي اتبعه رجالات الانقلاب بعد حصوله مباشرة وهذا ما يستدعي تناوله في الفصل الثاني من هذه الدراسة.

أما على مستوى التفاعلات السياسية الداخلية فكثيراً ما أثيرت قضية الدور الغربي و تحديداً الأمريكي المباشر فيما شهدته الدول العربية من أحداث وانقلابات، ومنها على وجه الخصوص المؤامرات التي أعدتها الولايات المتحدة ضد سوريا، إلى درجة دفعت السلطات السورية في إحدى المناسبات إلى طرد عدد من الدبلوماسيين الأمريكيين وإعلانهم شخصيات غير مرغوب بها في سوريا.

 وهذا ما سنتحدث عنه في الفصل المتعلق بدور الدول الغربية في الانقلابات، ومع ذلك فهناك حادثة اغتيال وإعدامات مأساوية أثيرت حولها قضية ومحاكمات بالخيانة العظمى لصالح الولايات المتحدة ليتبين فيما بعد أنها قضية تتعلق بالتفاعلات الداخلية الخاصة بمنافسة الأحزاب على فرصها في الاستيلاء على السلطة هناك.

أثيرت هذه القضية في مذكرة أميركية تحمل تاريخ 29/4/1955 وهي تناقش حادثة اغتيال عدنان المالكي التي وقعت بتاريخ 22/4/1955 في ملعب كرة القدم في دمشق وقام القاتل بالانتحار حال تنفيذه عملية الاغتيال.

ثم كشفت التحقيقات بأن القاتل هو عضو بالحزب السوري القومي الاجتماعي وينتمي إلى الطائفة العلوية في سوريا. وقد قامت الحكومة السورية مباشرة بتوجيه التهم إلى أصابع أجنبية تسعى إلى قلب السياسة السورية وكانت الإشارات متوجهة بشكل خاص إلى الولايات المتحدة ولو أن الحكومة السورية لم تقدم أي براهين على هذا الإدعاء.

تتابع الوثيقة هذه القضية بتقرير عن اجتماع لرئيس الوزراء العسلي بالسفير الأميركي وإعلامه بأن سبب الاتهامات السورية للتورط الأميركي بعملية الاغتيال تكمن في حصول الحكومة السورية على رسالة موجهة من عضو في الحزب السوري القومي الاجتماعي في نيويورك يذكر فيها أنه تم الاتصال بجهات رسمية أميركية لطلب العون في قلب الحكومة السورية.

ثم تختتم الوثيقة بأنه بالرغم من عدم ثبوت هذه الإدعاءات، قام الحزب الشيوعي في سوريا عبر صحف الحزب بتوجيه الاتهامات وتأكيد الدور الأميركي وإدانة الدول الاستعمارية والتحالف التركي العراقي.

وقد جاء كتاب المحاكمات السياسية في سوريا/ هاشم عثمان) ليؤكد البراءة الأمريكية من تلك الجريمة ويحدد الجهات والأهداف التي وقفت وراءها بوضوح، إذ يقول الكتاب أن "سوريا شهدت أعداداً كبيرة من الانقلابات التي تنوعت أشكالها واختلفت إلى مستويات قد يمكن التحدث فيها عن نوع من الانقلابات الاستباقية كتلك التي شاع صيتها إثر مقتل العقيد عدنان المالكي في 22-4-1955، وألقت الاتهامات على الحزب السوري القومي الاجتماعي، فاعتقل كوادره وتعرضوا للمحاكمة وأعدم بعض من قادته بينما تلقى البعض الآخر أحكاماً بالسجن المؤبد على جريمة لم يرتكبونها".

ويتابع الكتاب، "نشأ الحزب السوري القومي الاجتماعي بين لبنان والمهجر في 16 تشرين الثاني نوفمبر من عام 1932. ثم انتقل إلى سوريا عام 1935 حيث ناصبه حزب البعث هناك العداء الشديد وافتعل اشتباكات دامية ضده أدت إلى سقوط عدد من القتلى والجرحى في منطقة دير الزور في آذار مارس من عام 1955 كما ورد في صحيفة "الشاطئ السوري" عدد 452 الصادرة في 5-3-1955.

بعد أقل من شهر على تلك الصدامات، لعب فيها أكرم حوراني وحلفائه من الضباط البعثيين دوراً رئيسياً، وذلك لخشيتهم من تنامي نفوذ الحزب السوري القومي الاجتماعي في أوساط الضباط والعسكريين، إذ كان حوراني يسعى بإصرار على بقاء الجيش قلعة حصينة له ولنفوذه الحزبي. وحين قتل العقيد عدنان المالكي، اتهم الحزب السوري القومي الاجتماعي زوراً بارتكاب تلك الجريمة.

وهكذا سارعت أجهزة الأمن السورية إلى القبض على قادة وأعضاء وأفراد الحزب القومي في سوريا جميعهم وزجتهم في السجون حيث تعرضوا لأشكال من التعذيب والتنكيل ووجهت إليهم كل أنواع الاتهامات الواردة في القانون السوري بدءاً من القتل بدافع سياسي، مروراً بحيازة الأسلحة والتجسس وانتهاءً بالتآمر على أمن الدولة وقلب النظام.

وفي بيان ألقاه رئيس الحكومة السورية حول ما سمي بـ "المؤامرة" في الندوة البرلمانية مساء الثلاثاء 26 4-1955 اعترف رسمياً بإلقاء القبض على 75 مدنياً و30 ضابطاً عسكرياً. كما رفعت الحصانة عن نائب القوميين في البرلمان حنا الكسواني تسهيلاً لمحاكمته. ثم انتهت المحاكمات بمنع الحزب (حظره) وإعدام اثنين من قادته صبيحة الثالث من أيلول سبتمبر من عام 1956 في قرية المنصورة على الحدود الفلسطينية السورية وهما منعم دبوسي وبديع مخلوف رمياً بالرصاص، بينما استبدل رئيس الجمهورية حكم الإعدام الصادر بحق فؤاد جديد بالسجن المؤبد مع الأشغال الشاقة.

وقد اعتبر ذلك انقلاباً استباقياً ضد حزب كان في طور التنامي المتسارع على الأرض وصار لزاماً إزالته من الساحة إفساحاً في المجال لتفرد البعثيين في السلطة هناك. وقد أثبتت الوقائع كما يرد في العدد 192 من صحيفة النور الصادرة في 4-9-1955، أن الهدف من تلك المحاكمة هو مطاردة أعضاء الحزب جميعاً بما في ذلك المقيمون خارج سورياً ولم يقوموا بأي عمل جرمي ضد المالكي أو غيره، إذ أدانت المتهمين على الظن والشبهة دون أن يثبت قيامهم بأي فعل يستوجب معاقبتهم".

والحقيقة أن الظروف والمعطيات الداخلية التي أنتجت انقلابات سوريا أو ما عرف لاحقاً "بثورة يوليو" في مصر لا تختلف كثيراً عن تلك التي أسست لانقلابات فريدة وقعت في بلدان عربية أخرى كالانقلاب الوحيد الذي عرفته ليبيا وما زال يعرف حتى اليوم "بثورة الفاتح" من أيلول سبتمبر من عام 1969. وهو ما تتوافق عليه المراجع العربية المتنوعة مع ما يرد في الوثائق الغربية بمختلف مصادرها حول ذلك الحدث السياسي الهام من تاريخ المنطقة.

 

فقد ورد في مذكرة أميركية تحمل تاريخ 17/9/1969 أن توقيت الانقلاب كان له علاقة باستباق محاولة انقلاب أخرى كادت تقوم بها مجموعة ضباط تابعة لعائلة العقيد الركن عبد العزيز الشلحي المقربة من الملك والمكروهة من الشعب الليبي لاستغلالها علاقة أسرته بالعائلة المالكة. قرر أتباع الشلحي القيام بالانقلاب حال علمهم باحتمال تنازل الملك إدريس عن الحكم لابنه مما دفع ضباط الانقلاب إلى الإسراع في تنفيذ تحركهم في 1/9/1969.

المذكرة تؤكد أيضاً بأن أغلبية الضباط المشاركون في الإنقلاب هم خريجون من المدرسة العسكرية الملكية.

أي أنهم من داخل المنظومة السائدة في البلاد وليس بينهم عناصر خارجية أو أي نوع من النفوذ الدولي أو الإقليمي، وبالتالي فهم لا يقعون بالضرورة في دائرة الاتحاد السوفيتي، وسط ظروف الحرب الباردة، أو تحت تأثير الحركة الناصرية الواسعة الانتشار في المنطقة والتي كانت تقلق الأمريكيين والبريطانيين والفرنسيين على حد سواء.

وفي مذكرة أميركية وقعت بتاريخ 29/10/1969 أي بعد شهرين كاملين من وقوع الانقلاب، تجري الاستعانة بمقالة ظهرت في صحيفة الديلي تلغراف آنذاك، تؤكد بأنه لم يكن هناك أي تاثير مصري/ناصري بحركة الانقلاب. وتعزز المقالة ذلك بالقول إن حكومة الانقلاب قامت بترحيل 200 مدرس مصري لمحاولاتهم توزيع منشورات وصور للرئيس المصري جمال عبد الناصر.

ورغم أن جزءاً من مساعي الزعيم المصري الراحل الحثيثة آنذاك تمثلت بإعادة اللغة العربية إلى دول شمال أفريقيا على وجه الخصوص، إلاّ أن الوثائق الغربية كالأمريكية مثلاً، والشرقية كتلك التي استطعنا إيجادها في أرشيفات جمهورية ألمانيا الديمقراطية سابقاً التي عرفت بنشاطها البالغ في فلك السياسة الخارجية السوفيتية، تجمع على حقيقة أن الانقلاب الليبي جاء نتيجة تفاعلات ومعطيات داخلية أسست لذلك الانقلاب.

هناك تقرير هام يتوفر في ملف ألماني شرقي يحمل رقم DA-58048 صادر عن وزارة الخارجية لألمانيا الديمقراطية، مبني على معلومات من السفارة الألمانية في طرابلس. التقرير محرر بتاريخ 24 سبتمبر 1969 ويشمل عشر صفحات تتحدث عن تسلسل أحداث الانقلاب العسكري في ليبيا. وهو يقول:

"في الساعات الأولى من صباح الأول من سبتمبر 1969 استولى مجلس قيادة ثوري مكون من ضباط شباب على السلطة في طرابلس معلناً تنحية الملك إدريس الذي كان في زيارة إلى الخارج".

ويتابع التقرير "وقد جرى بمساعدة وحدات عسكرية مختلفة في الصباح الباكر من الأول من سبتمبر الاستيلاء على النقاط الإستراتيجية في طرابلس وبنغازي ومدن أخرى وتم إغلاق المجال الجوّي وتم إبلاغ السكان بالاستيلاء على السلطة من خلال مجلس قيادة الثورة وإعلان قيام الجمهورية العربية الليبية. كما فرض حظر التجول. وفي الساعات الأولى من ذلك اليوم دعى ولي العهد السابق حسن علي رضا عبر الإذاعة السكان إلى دعم السلطة الحكومية الجديدة.

ويوضح التقرير أن إذاعة القاعدة الجوية الأمريكية واصلت برامجها دون أن تولي أي اهتمام للأحداث داخل ليبيا. وبناء على معلومات سرّية فإن مجلس قيادة الثورة دعا في ساعات الظهر من الأول من سبتمبر ممثلي الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا إلى مقره حيث تم إخبار هؤلاء الممثلين بأن السلطة الجديدة تتطلع إلى تشييد ليبيا تقدمية واشتراكية وتريد القضاء على التخلف والفساد.

على مستوى السياسة الخارجية فإن الحكومة الجديدة تتعهد بعدم إدخال أية تغيرات إذ إنها ستلتزم بجميع الاتفاقات والعقود التي أبرمتها الحكومة السابقة.

وتم اطلاع القائم بأعمال الولايات المتحدة بالحظر المفروض على جميع الطلعات الجوية من القاعدة الجوية Wheelus بما في ذلك الطلعات التدريبية.

وتحدثت فقرة لاحقة من التقرير عن سيطرة القيادة الجديدة على زمام الأمن داخل المدن الكبرى وعن ترحيب الشعب بالسلطة الجديدة من خلال تنظيم تجمعات تهتف بشعارات تنادي بالحرية والوحدة والاشتراكية.

وفي الـ 3 من سبتمبر نُظِّم لقاء بين ممثل عن مجلس قيادة الثورة وأعضاء الهيئة الدبلوماسية للكشف عن أهداف الانقلاب ولطرح الأسئلة. مندوب ألمانيا الديمقراطية شارك في هذا اللقاء رغم أنه لم يدعى رسمياً إلى اللقاء. كما أشار التقرير إلى أن محاولات دبلوماسيين من ألمانيا الغربية ودول غربية أخرى للحيلولة دون مشاركة ممثل ألمانيا الديمقراطية في اللقاء باءت بالفشل.

ويقول التقرير في جانب آخر منه: رغم وجود أنشطة لقوى رجعية خلال الأسبوع الأول بعد الانقلاب من بينها نقل أسلحة بطرق غير شرعية ومحاولات هرب والكشف عن مخابئ سرية لأسلحة ووقوع تبادل إطلاق نار في ساعات الليل فإن النظام الجديد تمكن بسرعة نسبية من توطيد موقعه ويلقى دعماً قوياً من الجماهير الشعبية.

ويختتم التقرير بملاحظات صدرت عن المكتب التمثيلي لألمانيا الديمقراطية في طرابلس جاءت على الشكل التالي:

1 القوة الدافعة للانقلاب هي مجموعة من الضباط الشباب من سلاحيْ الأرض والجو أعدت طويلاً لمخطط الانقلاب. وتمّ   إلقاء القبض فوراً على كبار الضباط في الجيش والشرطة لارتباطهم بالملكية. الانقلاب لقي ترحيباً من الجماهير الشعبية.

2 الانقلاب جاء مفاجئاً وكان مدبراً بدقة ولم يكن متوقعاً لا من السكان ولا من الأجانب العاملين في ليبيا.

3 كانت هناك أسباب اقتصادية وسياسية وراء الانقلاب تفاقمت مع مرور الوقت. ثروة البلاد المتزايدة بفضل ارتفاع أسعار النفط تمركزت في أيدي طبقة محدودة في الوقت الذي اتسعت فيه أحياء الفقراء وكان هناك استياء كبير من توجه السياسة الخارجية للنظام الليبي السابق يعود في جزئه الكبير إلى التحالف مع القوى الامبريالية لاسيما الولايات المتحدة وبريطانيا اللتين تديران قواعد عسكرية في ليبيا.

4 موعد تنفيذ الانقلاب اختير له وقتا مناسباً. حريق مسجد الأقصى في القدس تسبب في غضب كبير وسط الشعب الليبي الذي كان ينتظر إجراءات حاسمة ضد إسرائيل. القوميون كانوا يتوقعون إجراءات مساندة حقيقية للدول العربية المجاورة لإسرائيل ولحركة التحرير الفلسطينية.

كما كانت عوامل أخرى مناسبة لتنفيذ الانقلاب:

أ وجود الملك إدريس خارج البلاد. وكان معروفاً أن ولي العهد كان على خلاف مستمر مع الملك.

ب السفيران الجديدان للولايات المتحدة وبريطانيا لم يصلا بعد إلى طرابلس حين موعد الانقلاب.

5 هناك علامات كثيرة على امتلاك مجلس قيادة الثورة مخططاً مفصلاً لتنفيذ الانقلاب إلاّ أنه لا يمتلك تصورات واضحة حول التطورات القادمة. هذا المجلس يتألف من خبراء عسكريين إلاّ أنه تنقصه الخبرة في المجالات الأخرى ومن الممكن أن تظهر خلال النقاش حول التطورات القادمة خلافات داخل مجلس قيادة الثورة وداخل الحكومة.

6 مجلس قيادة الثورة يجب أن يؤمن مساندة الجماهير الشعبية الأمر الذي سيكون صعباً على المدى الطويل. الطبقة العاملة تريد إصلاحات تقدمية حقيقية.

 

يتضح في مجمل فقرات التقرير وتحديداً في البندين الثالث والرابع من ملاحظات المكتب التمثيلي لألمانيا الديمقراطية أن العيون المراقبة للمنظومة الاشتراكية كانت تقدر المعطيات الموضوعية الداخلية التي أنجبت الانقلاب، كما تؤكد في فقراته المختلفة ابتعاد الأيدي الأمريكية والبريطانية أو الفرنسية عنه، بل وحرصت في الفقرة ب من البند الخامس في ملاحظات المكتب التمثيلي على إبراز أهمية وجود السفيرين البريطاني والأمريكي خارج البلاد كعامل مساعد في نجاح الانقلاب. هذا ناهيك عن عدم ذكرها لأي نوع من تأثير العامل المصري في إنجاحه مع أنها ذكرت عاملاً قومياً آخر يتعلق بالقضية الفلسطينية كمجرد عنصر إقليمي مساعد لما بعد انقضاء الحدث.

يختصر السفير الليبي السابق والأكاديمي المعارض الدكتور محمد يوسف المقريف الأوضاع التي سادت ليبيا عشية انقلاب الفاتح من أيلول/سبتمبر في الجزء الأول من موسوعة تاريخية تحمل عنوان: "ليبيا بين الماضي والحاضر: صفحات من التاريخ السياسي" والصادرة عن مركز الدراسات الليبية، أكسفورد، بما يلي:" تم اكتشاف النفط بكميات تجارية في ليبيا عام 1959، وأدى ذلك إلى ازدياد الفساد المالي واستشرائه، لدرجة أن الملك أصدر بيانه الشهير "بلغ السيل الزبى" موجهاً خطابه لرئيس الحكومة والوزراء وولاة الأقاليم، مندداً بقبول المسؤولين للرشاوى واستغلالهم لسلطاتهم ونفوذهم. وبسب هذا الفساد، وما عُرف بفضيحة طريق فزان، سحب مجلس النواب الثقة من حكومة عبد المجيد كعبار".

 

مرة أخرى وفي الحالة الليبية هذه تجمع الوثائق التي في أرشيفهم مع ما لدينا من مراجع تاريخية عربية مؤيدة كانت أو معارضة على أن الظروف والمعطيات التاريخية الداخلية كانت وراء الشرارة التي أشعلت لهيب الانقلابات العسكرية الأكبر في منطقتنا والتي تركت آثارها وتبعاتها تطرح سنة بعد أخرى على بساط البحث لتفحص وقائعها وضرورات قيامها، وحقيقة ما إذا بقيت مخلصة للأسباب التي ولدت من رحمها أم لا؟؟.

يعتبر انقلاب الرابع عشر من تموز يوليو من عام 1958 في العراق حدث تاريخي آخر أطاح بأسرة ملكية ثالثة قد لا تقل شأناً عن الأسرتين المصرية والليبية، ورغم كل ما يشاع عن الدور الإقليمي البارز للعراق آنذاك، وتحديداً ما عرف به نور السعيد من حركة سياسية نشطة في الجوار، سواء تجاه سعيه الدؤوب لضم الكويت إلى العراق من خلال ما سمي حينها بدولة الاتحاد العربي المفترض أن تضم الأردن والعراق والكويت، أو من خلال نشاطه الدؤوب لإعادة الأسرة الهاشمية إلى أمجادها في عرش سوريا، ولكن الوثائق الغربية والشرقية تجمع في هذه الحقبة أيضاً على أن الكلمة الفصل في اتخاذ قرار الانقلاب كان احتقان الشارع العراقي وتوافق زعاماته السياسية على ضرورة إجراء تغيير نهائي وحاسم في الساحة السياسية هناك.

هذا ما نقرأه في الطابع السردي لمجموعة الوثائق البريطانية التي لا توجه أصابع الاتهام إلى جهات دولية أو إقليمية في هذا المجال، بل تكتفي بسرد الوقائع على حالها وكأنها تدرك أصالة هويتها المحلية البعيدة بشكل كبير عن نفوذ خصومها في الحرب الباردة عدوها الإقليمي اللدود المتمثل بالقومية الناصرية التي كان لها تجارب مريرة معها توجت بـ "مأثرة" العدوان الثلاثي على مصر وما جلبته من تبعات أضعفت مكانة العرش البريطاني وجبورته في المنطقة برمتها.

 

هذا ما تؤكده الوثائق البريطانية المتعلقة في تلك الحقبة والتي صدرت إحداها من السفارة البريطانية في بغداد إلى الخارجية في لندن بتاريخ 14/7/1958 لتنقل خبراً عن سقوط إذاعة بغداد في يد حكومة ثورية منذ الساعة 6 من صباح اليوم على الأقل، معلنين إنشاء الجمهورية العراقية يتزعمها رئيس حكومة هو البريجادير عبد الكريم قاسم، ومعه جماعة من الضباط الوطنيين تضم محمد حديد وصديق شوشل. كما تتحدث الوثيقة عن خبر اختفاء أو الغموض السائد حول مصير الملك وولي العهد ونوري.

وفي وثيقة أخرى صدرت عن السفارة البريطانية في واشنطن إلى الخارجية البريطانية بتاريخ 14/7/1958 خبر حول عدم تعرف السيد عبد الكريم الأزري، وزير المالية العراقي السابق الذي طلب اللجوء السياسي في السفارة الأمريكية في بغداد، لم يتعرف على أسماء أفراد الانقلاب، وكذلك الملحق العسكري للولايات المتحدة، لم يتمكن من التعرف على غالبية الضباط المتورطين.

ما قد يشكل دليلا آخر على عدم تورط تلك القوى في الانقلاب.

 

من واشنطن إلى وزاره الخارجية

وزاره الخارجية و مكتب التوزيع السري لوايت هول

فيسكونت هوود

رقم 1890

فوري

سري

موجه إلى وزاره الخارجية تلغراف رقم 1890 من 14 يوليو

تكرار المعلومات إلى عمان, انقره, بيروت, باريس, بغداد و P.O.M.E.F

تلغرافي الفوري السابق بعنوان: العراق

تلقت وزارة الخارجية الأمريكية تقريراً من سفارتها ببغداد أن وزير المالية عبد الكريم الازري اتخذ السفارة كملجأ له. ووفقاً لكلامه فالحكومة لم يكن لديها أي تحذير على أن انقلاباً على وشك الحدوث. إن عدداً من أعضاء الحكومة الجديدة لا يعرفهم إطلاقاً. وكذلك الملحق العسكري للولايات المتحدة لا يعرف غالبية الجنود المتورطين في الانقلاب .

الرجاء لوزارة الخارجية إرسال هذا إلى عمان, أنقره, بيروت, P.O.M.E.F وباريس.

وتكرار لبغداد الموجودة في D.W.S.HQ  لحين عوده الاتصال

نسخ ترفع إلى:

السكرتير الخاص

سير اف. هوير ميلر

سير بي. دين

سير دبليو. هيتر

السيد شوكبيرج

السيد ورمسبي-جور

السيد موري

رئيس إدارة المشرق

رئيس إدارة P.U.S

رئيس إدارة الأخبار

رئيس إدارة سياسة المعلومات

سري

 

وفي وثيقة ثالثة تؤكد ابتعاد بريطانيا عن كل الشبهات، وهي تحمل تاريخ 15/7/1958 من السفارة البريطانية في بغداد إلى الخارجية في لندن، تقرير حول اجتماع السفير البريطاني مع عبد الكريم قاسم وعبد السلام محمد عارف ومحمد حديد... يؤكد فيه أنهم كانوا على شديد الحرص لإعطاء انطباع بأنهم وديين ومتعاونين تجاه بريطانيا.

 

أما المصادر السوفيتي السابقة فلم تكن لهجتها في البداية أقل موضوعية في اعتبار الانقلاب نتيجة تفاعلات داخلية، رغم التشفي المفترض أن يظهر في تلك اللهجة بعد أن بادرت بغداد إلى قطع علاقاتها الدبلوماسية مع موسكو في الثالث من كانون الثاني يناير من عام 1955، كما ورد في وثيقة للخارجية الروسية تحمل نفس تاريخ السابع من كانون الثاني يناير من عام 1955 وتتحدث عن طلب وزير خارجية العراق إغلاق ممثلية بلاده في موسكو لاعتبارات اقتصادية، وأن الخارجية العراقية سلمت الممثل السوفيتي في العراق رسالة بقطع العلاقات الدبلوماسية يوم الثالث من كانون الثاني يناير. تعتبر الوثيقة هذه الخطوة غير ودية تجاه السوفيييت، وترى في ذلك جزء من محاولات حكومة السعيد عزل العراق عن العرب وإدخاله ودول عربية أخرى في حلف معاد ومساند للامبريالية.

أضف إلى ذلك أن السوفييت كانوا يتهمون نوري السعيد بالعمل على إتِّباع سياسة منهجية لتصفية الشيوعيين في العراق.

وثيقة 33 ص 114

بيان وزير الخارجية السوفيتية بخصوص العلاقات السوفيتية العراقية

7 يناير 55

6 يناير 54 أخطر وزير خارجية العراق السيد شهبندر ( بالروسية شابندر) القائم بالأعمال السوفيتي في بغداد الرفيق ياكشين أن الحكومة العراقية "لاعتبارات اقتصادية" قررت إغلاق ممثليتها في موسكو. وأضاف شهبندر "أن القرار هذا ينسجم مع السياسة الداخلية للحكومة العراقية "التي تقود سياسة نشطة ضد شيوعيي البلاد" . وأضاف شهبندر أن تواجد البعثة في موسكو "يتعارض مع هذا النهج وتشكل له حالة محرجة وصعبة" حتى نهاية المقطع الأول.

114.

م 2: 3 يناير 55 مدير عام الخارجية العراقية السيد (أفني بالروسية) عفني (ربما) سلم مذكرة للقائم بالأعمال السوفيتي في بغداد ذكر فيها "انطلاقاً من إغلاق البعثة العراقية في موسكو تقرر في الوقت الحالي إلغاء التمثيل الدبلوماسي بين البلدين" لكنه أضاف "إن إلغاء التمثيل لا يعني قطع العلاقات الدبلوماسية بين العراق والسوفيتي" نهاية المقطع.

المقطع الأخير: "هذه الخطوة من قبل الحكومة العراقية تعبير عن الطابع السياسي اللاصداقي لحكومة العراق تجاه الاتحاد السوفيتي وتقود إلى التوتر في العلاقات الدولية. أعمال حكومة نوري السعيد هذه تتطابق بشكل مباشر مع نهج سياسته الخارجية الموجهة نحو زج العراق ودول عربية أخرى في أحلاف عدوانية في الشرق الأوسط والأدنى التي شكلتها الولايات المتحدة وانكلترا. وهذا يري مرة ثانية على أي حد من التبعية للأوساط الامبريالية تقع حكومة العراق هذه.

نهاية

 

وقد جاءت الوثيقة السوفيتية التالية بهذا الخصوص يوم 8 كانون الثاني يناير من عام 1955 تعلن في تقبل الحكومة السوفيتية لقطع العلاقات وتحميل العراق المسؤولية.

رغم تلك الواقعة التي كانت حاضرة في الذاكرة السوفيتية والتي تعتبر غياب السوفييت عن العاصمة العراقية تبرئة بحد ذاتها، إلا أن طريقة نقل الحدث من قبل صحيفة برافدا السوفيتية الحكومية آنذاك جاءت لتؤكد عبر مراسلها في مقالة مطولة من دمشق تحمل تاريخ 16-17 تموز/يوليو من عام 1958 يتحدث فيه حول أوضاع العراق إبان الانقلاب. ويؤكد على أن الانقلاب كان شأناً داخلياً ولم يستدع تدخل الدول العظمى وخاصة واشنطن.

 

بيان الحكومة السوفيتية بشأن أوضاع في الشرق الأوسط

17يوليو 58

ص 1

العالم كله منزعج من دخول الأسطول السادس لميناء بيروت والجنود الأراضي اللبنانية، معتبراً هذا تدخلاً سافراً في شؤون لبنان الداخلية. وهذه محاولة للحفظ على احتكار النفط في المنطقة ودليل على فشل سياسة واشنطن في العالم العربي وانهيار حلف بغداد ومخطط أيزنهاور.

م5 – "الوقائع الأخيرة في العراق تدلل على هذا، والتي ينظر إليها في بيان البيت الأبيض بوصفها سبباً للتدخل السكري الأمريكي. لكن الوقائع في العراق تعتبر دليلاً جديداً للطموح العنيد للشعوب العربية بغية التحلل من التبعية الكولونيالية وتقرير مصيرها بنفسها" نهاية المقطع.

ويذكر بثورة 14 تموز التي قام بها الجيش وبتأييد الشعب أطاحت بالنظام وأقامت الجمهورية.

ويضيف أن أول صدى خارجي لهذه الحكومة بقيادة قاسم بيانها عن تأييدها لمبادئ مؤتمر (باندوغ) عن خروج العراق من حلف بغداد العدواني وكذلك الاعتراف بالجمهورية العربية المتحدة.

الحكومة أعلنت "التزامها بميثاق الأمم المتحدة" و"وخوض سياسة عربية الالتزام الصارم بمؤتمر باندوغ" "واستعدادها لتنفيذ الاتفاقات بما يخدم مصلحة الشعب" و"تضمن أمن الأجانب المتواجدين في البلاد وممتلكاتهم".

وهذا يدلل أن الشعب العراقي إلى جانب الشعوب العربية يستكمل طموحه في الوصول إلى الاستقلال والتحرر.

ومن الطبيعي أن تلقى الحركة التحررية العراقية هذه دعم الشعوب والدول العربية والأوساط الدولية التي تنظر إلى أن ما حصل في العراق شأن داخلي.

ويضيف أن ما حدث لن يرضي واشنطن ولندن وأنقرة.

ويستكمل أن خارجية انكلترا التي أعلنت علمه بالتدخل الأمريكي مشارك في هذا العدوان على لبنان.

ص2

م قبل الأخير

الحكومة السوفيتية تدعو واشنطن لوقف عدوانها وتدخلها العسكري في الشؤون الداخلية للدول العربية وإخراج قواتها من لبنان سريعاً.

16 يوليو 58

 

أما الوثائق الفرنسية فلم تكن أقل دقة وموضوعية في شرح الظروف الداخلية المحضة التي أحاطت بانقلاب الرابع عشر من تموز/يوليو في العراق، وكي تكون أكثر موضوعية نقلت وثيقة لها بتاريخ 14– 15يوليو 58 من إسطنبول أن نوري السعيد باشا كان في وضع أكثر ضعفاً مما كان يظهره في الواقع. وأن الملك فيصل الثاني كان يعتقد أن الجيش سيبقى وفياً له ولكن الرأي العام العراقي في حال تم تنظيم استفتاء لم يكن موالياً للعائلة المالكة.

 

عاجل

"إسطنبول", 14 يولية, 1958

إلى الشئون الخارجية

استكمالاً لبرقيتى رقم 591.

أما وقد قطعت كافة أشكال الاتصالات مع "العراق", فإن التحقق مما تذيعه إذاعة "بغداد" قد أصبح في عداد المستحيل.

فى كافة الأحوال, ودون القطع بشيء نهائي, تدل الأحداث على أن وضع السيد "نورى السعيد", كما أشرت كثيراً من قبل, أكثر هشاشة مما كنا نظن, فقد انتهى الأمر بالباشا إلى الاعتقاد في صحة سياسته, مع أنه كان يعرف, مثله مثل الأقل اطّلاعاً, بأنها تلقى تأييد نسبة ضئيلة من الرأي العام العراقي, لكن الظن هنا كان أن بوسع الملك "فيصل" الثاني أن يعول على ولاء الجيش التام. لقد أساء "نورى السعيد", على أقل القليل, تقدير فاعلية الأساليب السوفييتية, حتى وإن كانت تتم بأيدي المصريين.

وعلى هذا فإن أساليب التحريض, التي أثبتت نجاحها في "سوريا" وفى "لبنان", قد حققت هنا "ضربة معلم". لقد كان الخصم جاهزاً, ولم ينتظر ما يسفر عنه مؤتمر, كان من شأن مجرد الإعلان عنه أن يمثل له داعياً للقلق, بل كان الغرض منه على ما يبدو هو أن يلعب دور الشرارة الأولى في عدة مهيأة للانطلاق. إلا أنه, وبدلاً من أن يقبل مخاطرة التعرض لمبادرات الدول المسلمة العضو في حلف "بغداد", أخذ بزمام المبادرة وقتلها في مهدها, فاستحوذ لنفسه, دفعة واحدة, على أوراق اللعبة كلها.*

*{هذه الفقرة شديدة الغموض لم تؤد عندي إلا معنى واحداً: أن حلف "بغداد" كان يستعد لعمل ما ضد "عبد الناصر" فعاجلهم هو ودبر انقلاب "قاسم" ـ أفيدونا إن كان ذلك كذلك ـ المترجم}

الاضطراب هنا واسع النطاق, وعبثاً يتساءل المرء عن وجود نظام الملك "فيصل" الثاني, وعن قدرة هذا النظام على الدفاع عن نفسه, سواء على الصعيد الداخلي, أو الخارجي. ولا شك أننا كنا نخشى من امتداد بؤرة العدوى اللبنانية إلى مكان قريب, لكن ليس بهذه السرعة ولا بتلك الخطورة, حيث أن مصير "الأردن" يبدو محسوماً, ومصير "لبنان" مهدداً.

علاوة على هذا فقد أدرك الأتراك الآن أن دعاية "ناصر", بتوجهها إلى الأكراد, إنما تشن الهجوم على جزء من ترابهم الوطني.

كما أن العواقب الاقتصادية, فيما يخص النفط تحديداً, لا تبدو أقل خطورة.

إنها لطمة قاسية للسيد "مندريس" شخصياً, وإننا لنتساءل إن كان بوسعه تجنبها, لكننا نرى أن وضع "الولايات المتحدة", ومعها حلف "الناتو" والغرب كله, قد تعرض لهزة أخرى شديدة الوقع.

"شبيتزمولر"

ملحوظة من جهاز التشفير:

تأخر بث هذه البرقية بسبب عطل في البث, وضرورة القيام بأبحاث عديدة.

 

هناك وثيقة فرنسية أخرى جاءت من تل أبيب في 15 تموز/يوليو من عام 1958 لتقول أن الإسرائيليين لم يتفاجأوا بالانقلاب، ليس لحيازتهم أي معلومات حول خرق الناصريين للجيش العراقي بل لعلمهم بمدى ضعف حكومة نوري السعيد. كما أن بن غوريون يعتبر أن الوضع يغير المعطيات للموقف الإسرائيلي. وتختتم الوثيقة بالقول أن إسرائيل فقدت الثقة بقدرة الأميركيين التحليلية.

 

برقية واردة

"تل أبيب", 15 يولية, 1958

إلى الشئون الخارجية

سرى

كان وقع أحداث "العراق" على الإسرائيليين أقل مباغتة مما كان على العالم الأنجلوساكسونى, لا من حيث أنهم يملكون معلومات أكثر عن المكائد الناصرية التي تدبر في قلب الجيش العراقي, بل لأنهم لم يتعلقوا بأية أوهام عن متانة نظام "نورى باشا السعيد", إذا ذهب في طريق الاختفاء.

إن تطور الأحداث يلقى هنا متابعة قلقة, وإن كانت هادئة.

ويرى السيد "بن غوريون" أن تمرد "بغداد" لا يمس معطيات الوضع الإسرائيلي, حيث أن "العراق" الموالى للغرب لم يكن أقل عداءً لـ"إسرائيل" من "العراق" الموالى للمصريين, كما أن الأزمة اللبنانية قد أوضحت من قبل أبعاد الطموح الناصري.

لكن العواقب المحتملة للعملية العراقية هي التي تستثير التوجس, فهناك أولاً انعكاسات على "الأردن" للموقف العدائي ـ ولو باللفظ على الأقل ـ الذي اتخذه الملك "حسين", والذي يجازف باستثارة انتقام سريع من متمردي "بغداد", إذا قدر لهم البقاء, من قبل أن يتمكن من الحصول على مساعدة أجنبية فعالة. إن امتداد التخريب الناصري إلى الأردنيين سيضع "إسرائيل" أمام قرارات تخشى أن تضطر لاتخاذها منفردة. ثم أن تردد الأمريكيين, من جهة أخرى, وقلة ثقة الناس هنا في صواب حكمهم , يدفع بحكومة "إسرائيل" إلى تصور مظلم لمستقبل السياسة الغربية في الشرق الأوسط.

 

ما قصده الإسرائيليون في القدرة على التحليل فقد لا يتعدى مجموعة من المعطيات التي كانت إسرائيل وتركيا وإيران وعدد من دول الجوار حريصاً على تعقبها ومراقبتها عن قرب، خصوصاً وأنها على صلة مباشرة بما يجري على الأرض من تفاعلات توضح طبيعة المشهد السياسي في البلد. وهو ما تحفظه الوثائق الغربية في أرشيفاتهم حول تلك الحقبة التي شكلت منعطفاً تاريخياً في حياة العراق.

هنا أيضاً يتوافق ما أوردته تلك الوثائق مع ما نقرأه في الأدبيات السياسية العراقية المعاصرة، إذ تقول الدكتورة عصمت السعيد في كتابها (نوري السعيد/ رجل الدولة والإنسان) الصادر عن دار الساقي، بيروت، تقول " أن عبد الكريم قاسم وعبد السلام عارف شكلا نواة وأقاما تحالفا منذ عام 1954 وانتخبت لجنة مركزية مكونة من اثني عشر شخصية لإدارة الحركة الثورية، وفي سنة 1958 انضمت إليهم نواة الموصل فأصبح عدد الضباط المنتسبين ما يقارب 150 ضابطاً كانت غالبيتهم من صغار الضباط".

 

كانت الحكومة تعكس تصرف عدد من السياسيين - العسكريين ذوي الثقافة العثمانية، من الذين قدموا مع فيصل الأول، وعلى رأسهم نوري السعيد، الذي كان مخلصاً مع نفسه عندما أدلى في العام 1944 بالتصريح التالي في مجلس النواب:

 

«أن في الدولة حكماً نيابياً ديمقراطياً، ومجلساً مسيطراً، وحكومة مسؤولة، ترتكز على هذا المجلس، وهذا المجلس ينزع الثقة من الحكومة، ويعطي ثقته لحكومة أخرى. هذا هو نظام الحكم الموجود، والذي أقسمنا عليه. ولكن سادتي، نظام الحكم هذا كيف يطبق في المملكة؟ هل يطبق على الوجه الصحيح؟ وإذا لم يطبق على الوجه الصحيح، فلماذا؟». ويستطرد نوري السعيد قائلاً: «نظام الحكم يقضي بإجراء انتخابات في المملكة، وللشعب أن ينتخب مَنْ يعتمد عليه، ليراقب، ويسيطر على أمور الدولة. هذا هو أساس الحكم. ولكن بالنظر إلى قانون الانتخابات الموجود بأيدينا، هل في الإمكان، أناشدكم بالله، أن يخرج أحد نائباً مهما كانت منزلته في البلاد، ومهما كانت خدماته في الدولة، ما لم تأت الحكومة وترشحه، فأنا أراهن كل شخص يدعي بمركزه، ووطنيته، فليستقل الآن، ويخرج، ونعيد الانتخاب، ولا ندخله في قائمة الحكومة، ونرى! هل هذا النائب الرفيع المنزلة، الذي وراؤه ما وراؤه من المؤيدين، يستطيع أن يخرج نائباً؟"(حسين جميل، «الحياة النيابية في العراق وموقف الأهالي»، صفحة 69).

كان أحمد مختار بابان، آخر رئيس وزراء في العهد الملكي، صرح أمام المحكمة العسكرية الخاصة عقب ثورة 1958 قائلاً: «إن كل رئيس وزراء يجري انتخابات يتفاهم مع البلاط، ويتفق على الأسماء. وهذه حقيقة يعرفها الجميع» (المصدر نفسه). وبعد عشر سنوات من تصريح نوري السعيد، أثبت الرجل إخلاصه مع نفسه مرة أخرى. لكنه مارس ذلك في شكل عنيف عندما أصر على حل مجلس النواب المنتخب العام 1954، بسبب فوز أحد عشر نائباً من المعارضة السياسية، التي دخلت الانتخابات بجبهة واحدة، الأمر الذي خلق في حينه رجة سياسية كشفت عن زيف النظام النيابي العراقي، الذي أسسه المحتل البريطاني"

 

وما كان الحال في انقلاب هو~اري بومدين الشهير في الجزائر 19-6-1965 ليختلف كثيراً عما شهدته الأحداث المشابهة في الدول العربية الأخرى من تفاعلات داخلية أدت إلى وقوع الانقلابات هناك، وهذا ما تؤكده الوثائق الغربية التي كانت الفرنسية بطبيعة الحال من أبرزها إذ تعود إحداها إلى 23 فبراير/شباط 1963 وهي تتحدث عن الصراعات الداخلية بين رجالات الحزب الحاكم. فتقول: من المتوقع أن يطرأ حصول تغييرات في المكتب السياسي والحكومة، مباشرة بعد زيارة ملك المغرب إلى الجزائر. بن بللا يحاول قطع الطريق على خضر المعروف بطموحاته السياسية التي يتوجب استباقها قبل أن يحكم سيطرته على جهاز الحزب وتعاظم تأثيره في أجهزة الدولة. من هنا قد تأتي مبادرة بن بللا أن يطالب لنفسه الأمانة العامة للمكتب السياسي أو منح هذا المنصب إلى رجل يحظى بثقته ويبقى داخل الحدود المرسومة. من الواضح أن بن بللا مصمم على إحكام السلطة في البلاد. ويقول كاتب الوثيقة أنه سيبقى على الحياد حيال النزاعات الداخلية في الجزائر.

برقية سرية واردة

"الجزائر" العاصمة, 23 فبراير, 1963

إلى الشئون الخارجية

بالإحالة إلى برقيتي رقم 945/53.

في الحاشية المحيطة برئيس مجلس الوزراء يسود توقع لتعيينات جديدة في المكتب السياسي والحكومة, يمكن أن تتم بعيد زيارة الملك المغربي إلى "الجزائر", أي بدءاً من النصف الثاني من شهر مارس.

وتهدف هذه التعيينات الجديدة إلى استبعاد بعض المصاعب العملية, التي تخلو, كما يجب أن نشدد, من أى بعد إيديولوجى, حيث أنها تنبع من ممارسة أعلى المهام الحزبية والحكومية على يد رجلين ليسا على وفاق تام, ولذا يتبادلان المضايقة. يمكن حمل السيد "بن بللا" على الصبر, أما السيد "خيضر" فهو يمتلك طموحات ينبغي تداركها قبل أن يتفاقم وضع يده على الجهاز الحزبي, ويتزايد نفوذه في الدولة.

ومن هنا مبادرة السيد "بن بللا", الذي سيظل رئيس الحكومة, إلى الاستئثار لنفسه بالسكرتارية العامة للمكتب السياسي, أو منحها لرجل يتمتع بثقته, ويقبل العمل ضمن الحدود المرعية.

وفى سبيل إتمام تلك العملية الحساسة بأمان, تتوالى الاتصالات التي ذكرتها في برقيتي السابقة, والتي يتوسط فيها السيد "بو ضياف", إضافة إلى السيدين "آيت أحمد" و"بلقاسم كريم". سيقدم للأول مقعد في المكتب السياسي, كان قد استقال منه منذ بداية سبتمبر, أو للثاني, الذي لم يقبله حتى الآن. أما السيد "كريم" فسوف يعرض عليه منصب وزاري. لكن هذا الجزء من الخطة من شأنه أن يصطدم بعقبة, ألا وهي امتعاض العقيد "بومدين" من السيد "كريم".

وعلى كل حال فإن الحكومة ستشهد تغييراً وزارياً في نفس الوقت, لاستبدال وزير أو اثنين ممن يشيع الاعتقاد في نقص كفاءتهما, مثل السيد "حاج حامو", وربما السيد "العروسى خليفة".

إني أقدم تلك المعلومات بتحفظ بالغ, رغم حصولي عليها من مصدر حديث جداً وموثوق فيه, لأن نوايا السيد "بن بللا" وأصدقائه المقربين يمكن أن تتغير من يوم إلى يوم.

لقد امتنع السيد "بن بللا", والسيد "خميستى؟" الذي قابلته يوم أمس, عن الحديث معي عن نواياهما, إلاّ أنهما أكدا عزمهما على تدعيم هياكل الدولة وفرض سلطة المحافظين في الأقاليم.

لقد بديا لي على وعى تام بالتدهور الطفيف الذي لاحظته, ومصرّين, حسب كلمات السيد "خميستى؟", على إيجاد "نفس ثان".

وغني عن القول إني أنوي الاستمرار في مراقبة التوترات الداخلية الجزائرية بكل حياد ممكن.

السفير الفرنسي

 

تتحدث وثيقة فرنسية أخرى تحمل تاريخ 27 أغسطس/آب 1963 عن مناقشات عامة حول مشروع الدستور انتهت الأمس في مجلس النواب الجزائري وتناولت انتقادات بعض المداخلين خطورة التخلي عن السياق الكلاسيكي لحدود السلطة وفصل السلطات وإعطاء الحزب الوحيد صلاحيات عظيمة، قبل اللجوء إلى إعادة تنظيم الحزب بشكل تام على أسس ديمقراطية عن طريق مؤتمر عام.

بن عبد الله رئيس المجلس يرفض الهلوسات بالديمقراطية والنظريات الدستورية البالية، على حساب نظام حكم من قبل الحزب. الذي يؤمن تدخل الشعب وسيطرته الدائمة في عمل السلطات والمؤسسات العامة.

 

برقية واردة

"الجزائر" العاصمة في 27 أغسطس 1963

إلى الشئون الخارجية

 

انتهى النقاش العام عن مشروع الدستور أمس الأول في الجمعية الوطنية, بعد انتهاء آخر 15 خطيباً مسجلاً من إلقاء كلماتهم. لقد انصبّت انتقادات هؤلاء, مثل انتقادات العديد من الخطباء السابقين, على الخطر المتمثل في الاستغناء عن الآليات الكلاسيكية المتبعة للحد من السلطات والفصل بينها, بهدف إضفاء سلطات غير عادية على الحزب الواحد, قبل الانتهاء من إعادة تنظيمه على أسس ديمقراطية, عن طريق مؤتمر عام.

وقد قامت السيدة "بن عبد الله", مقررة المشروع, بالرد يوم أمس على مجمل الانتقادات, فاقتصرت على تبرير استغناء واضعي الدستور عن "هذيان الديمقراطية" وعن النظريات الدستورية لعصر سابق, عن طريق حجج انتهازية ذات فعالية سياسية, لصالح "نظام للحكم عن طريق الحزب", من شأنه, كما أكدت, أن يضمن لكافة المستويات سيطرة الشعب على عمل السلطات العامة.

إلاّ أن اللجنة كانت قد أظهرت بالفعل غلبة الحزب, حين قامت بإعادة ترتيب النص المبدئي, فدست بين فصلي "الحقوق الأساسية" و"ممارسة السيادة" بعض المواد التي تحدد طبيعة "جبهة التحرير الوطني" ودورها.

بعد رد السيدة "بن عبد الله" قامت الجمعية بالتصويت على مشروع الدستور مادة بمادة, فرفضت في البداية اقتراحاً مبدئياً من السيد "عمار موحوس" يقضي بتأجيل دراسة مشروع الدستور لحين انعقاد مؤتمر موسع لجبهة التحرير, ثم رفضت كافة التعديلات المقترحة للمواد الستة والعشرين الأولى, وهكذا رفضت, حين وصلت إلى المواد المتعلقة بجبهة التحرير, أن يكون مبدأ الحزب هو "المركزية الديمقراطية" (في تعديل من اقتراح "على يايا" و"قروج"), وأن يتولى المؤتمر وحده سلطة وضع سياسة الدولة ("على يايا") , وإرغام الحزب على أن يسمح في داخله بـ"التواجه الحر للآراء والميول" (الأب "برينغير") وأن يفرض عليه انتخاب مسئولية في اقتراع سري على كافة المستويات ("قروج").

ثم أبدت الآنسة "بلميهوب" والنائبان "عمار حامل" و"بو عزيز" الدهشة من أن أيّاً من الانتقادات الأساسية الموجهة إلى النص الدستوري, على هذا النحو, لم تؤخذ بعين الاعتبار, بحجة الحفاظ على "وحدة جبهة التحرير وتفردها", التي تعرضت للخطر فعلاً في رأيهم.

يبدو من هذا إذن أن اللجنة الدستورية مستمرة في تجاهل ثورة قلة من أعضائها, وسوف تستأنف عصر اليوم التصويت على المشروع مادة بمادة.

 

ينعكس جانب آخر من التباينات الداخلية الجزائرية في وثيقة فرنسية ثالثة تحمل تاريخ 3 أكتوبر/تشرين الأول – 1963 يشار فيها إلى أن مجلس النواب يتبنى خلال جلسة لم تدم سوى 10 دقائق، وبالإجماع إعطاء كافة الصلاحيات للرئيس بن بللا الذي تجيزه له المادة 59 من الدستور بهدف الحفاظ على الاستقلال وحماية مصالح الجمهورية. يشار إلى أن بن بللا قد تحدث عما أسماه "ثورة مضادة" و"تواطؤ خارجي" تتمتع به هذه الثورة المضادة هكذا يكون بن بللا بالاستناد إلى المادة العاشرة من الدستور حمى نفسه من انتقادات تصفه بالديكتاتور لاستفادته من المادة 59 من الدستور. بن بللا يوجه نداء للحوار لحل مشكلة منطقة القبائل وسط مساومات أبوية مع الحزب.

 

برقية واردة

الشئون الخارجية

"الجزائر" العاصمة , 3 أكتوبر 1963

في جلسة صورية تماماً, لم تستغرق في مجملها أكثر من 10 دقائق, وبعد تصويت برفع الأيدي, صدقت الجمعية الوطنية صباح اليوم على قرار الرئيس "بن بللا" بتولي السلطات التي يسمح له بتوليها نص المادة 59 من الدستور, "بهدف الحفاظ على استقلال الأمة ومصالح الجمهورية".

وفي مداخلة قصيرة جداً برر السيد "بن بللا" هذه المبادرة بالواجب الذي يقع على عاتق رأس الدولة بالدفاع "في وجه المواقف الخطيرة, عن أهداف الجمهورية الأساسية", والمادة العاشرة من الدستور تعدد من هذه الأهداف "الحفاظ على استقلالها القومى, وعلى سلامة أراضيها, ووحدتها الوطنية", التي قال السيد "بن بللا" إنها تتعرض لتهديد من "الثورة المضادة" ومن العملاء الأجانب لهذه الأخيرة.

ومن المحتمل أيضاً أن رئيس الجمهورية كان يحيل إلى المادة العاشرة للتهرب من تهمة الديكتاتورية التي لن يعدم البعض أن يوجهها إليه بسبب تسرعه في استخدام أحكام المادة 59.

واستكمالاً لعملية "شرح الدوافع", مع الحديث بصفته كأمين عام للحزب, أشار السيد "بن بللا" إلى اتصالاته الحديثة مع "عدد من الإخوة المناضلين أو النواب".

وقد أكد أنه خرج من تلك الحوارات بشعور ينفى وجود معارضة أو نزعة انفصالية قبائلية. لا شك في وجود معارضين وساخطين, إلا أن أصولهم متباينة, كما أنهم موجودون داخل منطقة القبائل وخارجها. إن جيش الشعب الوطني, كما أعلن الرئيس بعد ذلك بقوة, فاستثار التصفيق الحاد من مستمعيه, لن يستخدم أبداً ضد "إخواننا القبائليين". بل إنه قام, على العكس, بإصدار نداء جديد إلى الطرفين "المخدوعين" ـ المناضلين, وضباط الجيش وجنوده ـ بالعودة إلى وحداتهم أو إلى أماكنهم التي تركوها.

ثم اعترف رأس الدولة أخيراً بوجود "مشاكل", إلاّ أنها "لن تحل في الجبل, بحمل المدفع الرشاش, وإنما بالحوار الأخوي, داخل الحزب".

وكأنما بهدف تأكيد أقواله, قام 13 من النواب القبائليين, وبينهم أسماء معروفة بعلاقاتها مع زعماء المعارضة, بطلب استصدار تصريح يعلن أنه "لا توجد مشكلة قبائلية" ويشجب أي مساس بالوحدة الوطنية, ويدين العودة للعنف, ويطلق الدعوة إلى الحوار الأخوي من داخل حزب جبهة التحرير. وقد تم التصديق على النص بالإجماع.

ومهما كان من درجة الصدق في مشاعر الموقعين, إلا أن السيد "بن بللا" يبدو وقد أحرز بهذا نقطة جديدة في صراعه النفسي ضد الانشقاق القبائلي.

 

أما الحدث الانقلابي فيرد تحت عنوان تتطور الأوضاع في الجزائر، وذلك في وثيقة تحمل تاريخاً يمتد من 15 إلى 22 حزيران 1965 يقول حدث سياسي داخلي ويتابع: ليلتي 18 و19 حزيران تمت إقالة بن بللا من منصبه على يد مجلس الثورة برئاسة هوّاري بومدين الذي يتولى حالياً كافة السلطات. هذا الانقلاب سبقته شائعات، تم تكذيبها رسمياً في البداية حول اختلافات على مستوى جهاز إدارة الثورة والدولة.

 

ثم جاءت الوثائق الأمريكية لتؤكد ما تشير إليه مثيلاتها الفرنسية من توفر العوامل والنزاعات الداخلية المؤدية لوقوع الانقلاب وكان من أبرزها ما يلفت القنصل الأميركي في الجزائر النظر إليه في وثيقة تحمل تاريخ التاسع عشر من حزيران/يونيو من عام 65 حول استقلالية قرار بومدين عن بن بللا وإلى انحياز الجيش إلى بومدين الأمر الذي يشير إلى وجود خلافات جزائرية داخلية أسهمت على حد تعبيره في انقلاب بومدين على بن بللا.

 

الوثيقة رقم 1

من: السفارة الأمريكية بباريس، التاريخ: 19 يونيو 1965

الموضوع: الجزائر: التعليق على احتمال وجود خلافات بين بن بللا وبومدين

للقنصل الأمريكي بالجزائر

"في حديث مؤخر مع الحاكم وليم مدير الشؤون الأفريقية أشار إلى وجود اختلافات واضحة في وجهات النظر بين بن بللا وبومدين، وأن منشورات الجيش الجزائري توقفت مؤخراً عن ذكر بن بللا كما اختلفوا معه في بعض المواضيع.

ومؤخراً سأل المستشار السياسي للشئون الجزائرية بوزارة الخارجية إذا كان لديه أي إثبات على التقارير التي حصل عليها وتأثيرها العام، فرد المستشار السياسي قائلاً إنه بالفعل توجد بعض المؤشرات تدل على أن بومدين يعمل بشكل مستقل، الشيء الأكثر وضوحاً هو اعتقاده بأن كونه قائد العسكرية يجعله مؤخراً يقوم عدة لقاءات صحفية للصحف الأجنبية، في حين أنه كان في الماضي يرفض أن يحصل على أي مراكز عامة.

المصدر تسرع في إضافة، أنه مع ذلك يعتقد أن بن بللا لا يزال يسيطر على الوضع كله، حيث أنه وبشكل واضح قد نقل رجل بومدين – بوتفليقة- من مكتب وزاره الخارجية.

ثم قال المصدر إن بومدين يمكن أن يناور للحصول على سلطه أكبر و لكن بن بللا استطاع أن توازن بين مكسبه وخسارته.

 

هناك وثيقة أمريكية أخرى تعود إلى التاريخ نفسه أيضاً ولكنها صادرة عن السكرتير الأول في السفارة الأميركية في الجزائر، يعلق على انقلاب هوّاري بومدين وإطاحته بالرئيس بن بللا ويصف الانقلاب على أنه استعراض للجيش وللوحدات المسلحة التي قدمت القوة الأولية المطلوبة للانقلاب.

 

الوثيقه رقم3

جاءت من الجزائر

19-يونيو -1965

السكرتير الأول في السفارة الأمريكية في الجزائر يعلق على انقلاب بومدين على بن بللا ويصف الانقلاب على أنه استعراض للجيش وللوحدات المسلحة التي قدمت القوة الأولية المطلوبة للانقلاب والقوات الجوية كان لها دور محدد أيام بعد حدوث الانقلاب وهي أن تلقي الطائرات والهليكوبترات المنشورات، وأن بعض المشاة نزلوا إلى المدينة بعد الانقلاب للحفاظ على الأمن الداخلي.

 

أما الوثيقة الأمريكية التالية التي تصف أصالة انقلاب بومدين وعدم تأثره بالنفوذ الدولي والإقليمي فهي عبارة عن تلغراف يعكس بطريقة غير مباشرة عدم وجود علاقة للمصريين بانقلاب بومدين، ويؤكد أن القاهرة قد فوجئت بالتوقيت إضافة إلى أنها كانت تطالب الأميركيين بتقييم الوضع في الجزائر قبل الانقلاب لعدم وضوح الرؤية لديهم بحقيقة ما يجري كما يشير إلى أن المصريين قد فوجئوا بالطريقة السلسة والسلمية التي تم بها الانقلاب.

ثم تأتي الوثيقة الأمريكية الأخيرة ضمن هذا العنوان ضمن تاريخ 29 يونيو 1965 لتقول إن السفير المغربي في واشنطن بن جلون أبلغ مساعد وزير الخارجية الأميركي وليام ترمبل بأن انقلاب بومدين قد جاء على ما يبدو نتيجة عوامل داخلية. وقد عممت هذه الوثيقة المؤلفة من صفحة واحدة على سفارات الولايات المتحدة في كل من تونس وليبيا والجزائر.

اتهم بن بللا بكونه مهووساً بالفكر الاشتراكي اليساري ما جعله يصطدم بالتيارات الإسلامية وغير الإسلامية في البلد ومن بينها جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، وفسرّ البعض ذلك الصدام بأنّه بداية الطلاق بين النظام الجزائري والخط الإسلامي الذي بدأ عندما اتهم أحمد بن بللا بتغييب الإسلام عن معادلات القرار الجزائري وقد ذكّر في أكثر من بيان بدور الإسلام في تحرير الجزائر والجزائريين من الاستعمار الفرنسي. ويقول بعض المؤرخين الجزائريين:

"إنّ الشيخ الإسلامي البشير الإبراهيمي أصدر بياناً في 16 أبريل/نيسان سنة 1964 يختصر فيه مآخذ الجزائريين على بن بللا عشية انقلاب هوّاري بومدين بالنص التالي: باسم الله الرحمن الرحيم... إن وطننا يتدحرج نحو حرب أهلية طاحنة ويتخبط في أزمة روحية لا نظير لها ويواجه مشاكل اقتصادية عسيرة الحل، ولكنّ المسؤولين فيما يبدو لا يدركون أن شعبنا يطمح قبل كل شيء إلى الوحدة والسلام والرفاهية وأن الأسس النظرية التي يقيمون عليها أعمالهم يجب أن تبعث من صميم جذورنا العربية والإسلامية لا من مذاهب أجنبيّة. إن للمسؤولين أن يضربوا المثل في النزاهة وألاّ يقيموا وزناً إلاّ للتضحية والكفاءة وأن تكون المصلحة العامة هي أساس الاعتبار عندهم." ((أخذت فقرات من نص البيان الحرفي من موقع شهاب الخاص بجمعية العلماء المسلمين في الجزائر. http://www.chihab.ne)).

كما دخل بن بللا في صراع آخر مع رفاق الأمس في صفوف جبهة التحرير الوطني، فقد كان يثق بوزير دفاعه هوّاري بومدين، إذ يقال أن هذا الأخير قد مهّد له الطريق نحو هرم السلطة، ولم يكن يتوقع أن يأتيه الانقلاب من وزير دفاعه الذي اعتبر أن بن بللا خرج عن خط الثورة الجزائرية واستأثر بالسلطة واتهمه بالديكتاتورية والشوفينية وكان يأخذ عليه احتكاره لتسعة مناصب حساسة في وقت واحد، وأكد أنه لجأ إلى الانقلاب إنقاذاً للثورة وتصحيحاً للمسار السياسي و حفاظاً على مكتسبات الثورة الجزائرية.

قد لا يتوفر لدينا متسع من الوقت أو المساحة الورقية الكافية لتغطية أكثر من أربعين انقلاباً شهدتها منطقتنا خلال العقود الخمسة الماضية تحت عنوان واحد، لهذا سنكتفي باعتماد أبرز الانقلابات التي شهدتها الدول العربية في النصف الثاني من القرن الماضي، إلا أن التحدث عن أبرز الانقلابات يحول دون إمكانية ترك انقلاب الرئيس الصومالي الراحل محمد سياد بري في الصومال في تشرين أول/أكتوبر من عام 1969 كمثال عن الانقلابات العربية في أفريقيا السوداء ليصبح لدينا نموذجاً واحداً يرمز إلى كل من المساحات الجيوسياسية القائمة في المنطقة.

في مذكرة تحمل تاريخ 3-11-1969 موجهة من وزارة الخارجية إلى هنري كيسنجر تشرح تفاصيل الانقلاب في الصومال وواقعة اغتيال الرئيس السابق عبد الرشيد علي شيرماركي والصراع الداخلي الدائر على مراكز القوى في الحكومة الجديدة. المذكرة تؤكد أن احتمالات وقوع الإنقلاب كانت قائمة منذ عام 1968 ومع ذلك فقد كان من المستحيل تحديد التوقيت المحدد أو أسماء الفاعلين. وفي الصفحة الثانية من الوثيقة المؤلفة من صفحات ثلاث، تؤكد المذكرة على استغلال الجيش لواقعة اغتيال الرئيس عبد الرشيد علي شيرماركي للاستيلاء على السلطة. وكان عدم رضا قادة الجيش عن ترشيح السيد (ابراهيم) إيغال لتولي منصب رئيس الوزراء واحداً من الأسباب التي أدت إلى وقوع الانقلاب الذي سبقته محاولة أخرى فاشلة في شهر مايو/أيار في نفس العام.

 

مذكرة

من: وزارة الخارجية الأمريكية

إلى هنري كيسنجر—البيت الأبيض

3 – نوفمبر - 1969

الموضوع تفاصيل الانقلاب الذي حدث في الصومال

أسباب الانقلاب: الانقلاب الذي حدث في الصومال نتيجة لعدة عوامل مترابطة.

وجود ماليزي عام في البلاد، اغتيال الرئيس عبد الرشيد علي شيرماركي ومشكلة الخلافة، منح قوات الأمن الفرصة للقضاء على الماليزي.

إنه من المؤكد أن الاغتيال الذي تم في 15- أكتوبر لم يكن جزءاً من المؤامرة ولكنه كان حادث منفصل أستغله قوات الأمن.

إن سياسة الاحتواء لرئيس الوزراء إيجال والتي بدأها منذ سنتين، نظر لها ضباط الجيش على إنها تعدٍّ على امتيازاتهم، وصلاحياتهم،

في فبراير 1969 إيجال كان مسئولاً بشكل كبير عن نقل واحد من أشهر وأكفاء قادة البوليس، محمد أبشير، وفي نفس الوقت وأثناء الانتخابات أقامت الحكومة تحكم سياسي على البوليس مما أدّى إلى أن انخفاض معنويات البوليس وكثير من رجال البوليس أصبح لديهم عداوة لحكومة إيجال.

أنتشر العنف والفساد أثناء الانتخابات الصومالية في مارس 1969. جتى  صارا أكبر من قدرة تحمل الكثير من الصوماليين. وقد ألقي اللوم في ذلك على أيجال وحكومته.

أثناء حكم شير ماركي انتشرت الواسطه اى ( المحاباة للأقارب في التوظيف).

كما كان وزير الداخلية ياسين نور من أكبر المتهمين بهذا الأمر.

الرئيس عبد الرشيد علي شيرماركي تم دفنه في 20 أكتوبر وبعد ساعات من دفنه بدأت الخلافات السياسية حول تسمية من سيخلفه. وكان لترشيح الأبجال وعدد من أعضاء حكومتهم، أستياء وعدم رضى من قبل الجيش و الشرطة ولكن بحدود أقل.

بالإضافة إلى انقسام الآراء بين الشباب الصوماليين على اسم المرشح الذي سيخلف الحكم.

كان من الواضح أن اختيار إيجال القشة التي قسمت ظهر البعير فقام الجيش مع البوليس بحركة الانقلاب في 21 أكتوبر.

تحذير مسبق عن الانقلاب

كما كان واضحاً في المقاطع السابقة العوامل التي وفرت الجو لانقلاب في الصومال من وقت طويل.

وفي استعادة الأحداث الماضية يتضح أن بعد عناصر في الجيش خططت لانقلاب منذ عده شهور. وجاء الظرف الملائم أغتيال شيرماركي فاستغل الجيش وقام بالانقلاب.

أن هذا خطط الانقلاب المزعوم تم الإبلاغ عنه بشكل متقطع منذ أبريل 1968 و لكن كان دائماً يفتقر إلى الإثبات ولم يتم متابعه الخبر، ومسألة أن ينفذ الجيش والبوليس الانقلاب لم يكن في الحسبان، حتى بعد أن أجبر ابشير قائد البوليس على الاستقالة. فقط قبل الانتخابات الصومالية في الربيع السابق، تم الإبلاغ أن معظم القادة بالجيش والبوليس لا يفضلون أن يرشح أيجال إلى رئاسة الوزراء.

في مايو من نفس السنة حاول بعض القادة والليوتنانت بالجيش القيام بانقلاب لكنه فشل، و بعد هذا الحادث تم وضع عدد من الضباط تحت الإيقاف لمده بسيطة.

في يوليو قتل أحد قادة الجيش بلغم أرضى.

ونحن نعتقد أن هذا القائد كان يدرب فقرة على اغتيال الرئيس شيرماركي وقد تم على الفور مجهود لتحسين الأمن الرئاسي.

وفى النهاية كانت هناك عدد من التقارير المتكررة حول أن عدد من الضباط في الجيش الصومالي يرغبون في طرد القائد العام للجيش سياد.

هذا يبدو متناقضاً مع حقيقة أن سياد كان يخدم كرئيس صوري للمجلس الأعلى للثورة. ويبدو مع ذلك من المحقق أن القوه الحقيقية في المجلس كانت بيد الميجورات والكولونيلات مع وجود سياد كواجهة.

وعندما وضع كل هذه المعلومات مع بعضها نجد أننا أمام قضية واضحة لتوقعات لشيء ما سيحدث في الصومال، ومن ناحية أخرى خضعت الصومال لعدة أنتقالات سلمية لعدة حكومات وذلك منذ الاستقلال. في السياق الأفريقي وفي ما يبدو تم بناء تقليد ديمقراطي صلب.

وبدون معلومات قوية من قاده الانقلاب أنفسهم، كان من الصعب أن نتنبأ بالتوقيت والأحداث الفعلية للانقلاب.

 

ولم تتخلف العين البريطانية المراقبة عن نقل وقائع الانقلاب في 21- تشرين الثاني عبر وثيقة موجهة من السفارة في مقديشو إلى الخارجية في لندن تؤكد فيها أن مجموعة الضباط التي تقف وراء الانقلاب قد تدربت في الاتحاد السوفيتي وأن المستشارين السوفييت بدأوا فور ذلك بإدارة شئون المدينة، ومع ذلك تؤكد الوثيقة بأن السبب الرئيسي لوقوع الانقلاب يكمن في توقيع اتفاقية مشبوهة في البلد حول صفقة نفايات اليورانيوم بعيداً عن البرلمان.

 

تكمن أهمية هذه الوثيقة في أنها تركز على أن أسباب الانقلاب تبقى شأناً داخلياً رغم إشارتها إلى تواجد الخبراء السوفييت وإدارتهم لشئون المدينة فور وقوع الحدث. ولا شك أن اهتمام البريطانيين بتنامي نفوذ البلدان الاشتراكية في الصومال كان واضحاً وهو ما نراه في وثيقة موجهة من السفارة في مقديشو إلى الخارجية البريطانية في لندن تحمل تاريخ 6-11-1969 وهي تتحدث عن زيارة مفاجئة للسفير الألماني الشرقي في عدن إلى مقديشو، ومكوثه مع زملائه الدبلوماسيين في المطار طوال ساعات خمس لعدم حملهم تأشيرات دخول إلى البلد، وقد قابلوا مدير عام وزارة الخارجية ثم قابلهم الرئيس لمدة خمس دقائق فقط وكان لقاء يتسم بالبرودة، معرباً عن سعادته بلقائهم على المستوى الشخصي وليس كممثلين لحكومتهم، وقد تبع ذلك تصريحاً من مدير عام الخارجية لأحد السفراء الغربيين أنه لا نوايا للحكم الجديدي بالاعتراف بألمانيا الديمقراطية.

 

وفي وثيقة بريطانية أخرى قراءة في نظام (عبد الرشيد) شارماكي وابجال 1967-1969، وقد صيغ التقرير من قبل السفير البريطاني في مقديشو إلى وزير الخارجية في لندن والوثيقة تتألف من 10 صفحات يقول فيها إن الثنائي قد حكم لمدة ½ 2 سنة والذي انتهى بقتل الرئيس ثم خلع رئيس الوزراء بالانقلاب. وفي عام 1968 سجلت الحكومة السابقة نجاحات على الصعيد الخارجي وانجازات ضئيلة داخلياً... ومع انتخابات البرلمان في آذار مارس 1969 وضعت الحكومة نفسها في وضع صعب استعجال ابجال في تنظيم الانتخابات بعد موت الرئيس ومحاولته فرض رئيس لا يتمتع بشعبية تسبب في الانقلاب... نجاح ايفال في المحافظة على تحسين العلاقات مع الجوار دفعنا بحسب قول السفير إلى أن نخطئ في تقدير قوته وشعبيته.

 

تكمن أهمية هذه الوثيقة التحليلية في أنها تصل إلى استنتاج رئيسي مفاده أن العوامل الداخلية وفساد الحكم هما السبب الرئيسي في الانقلاب. كما يمكن اعتمادها في وصف وتشخيص الحالة السياسية في الصومال عشية وقوع الانقلاب. كانت الدولة الموحدة صومالياً التي أعلنت في يونيو ‏1960، موحدة شكلياً إلا أنها من الناحية العملية ظلت تعاني الشروط القاسية التي قبلها الشمال لإتمام الوحدة‏،‏ كأن يكون رئيس الجمهورية ومجلس الوزراء ووزراء السيادة من الجنوب‏، كما أثرت القبلية على تجربة التعددية الحزبية خلال فترة ‏60‏19 ـ ‏1969.

عقب انتخابات عام‏1969،‏ وسيطرة حزب وحدة الشباب الصومالي على أغلبية المقاعد،‏ تصاعدت الاتهامات بتزوير الانتخابات وتزايد النهب لجانب كبير من المعونات المقدمة للصومال،‏ وهي الدولة الأولى في العالم اعتماداً على المساعدات الخارجية‏،‏ إذا أخذنا في الاعتبار نصيب كل فرد فيها من المعونات‏.‏ وأدت الفوضى التي أعقبت الانتخابات واغتيال الرئيس الصومالي عبد الرشيد شارماركي إلى انقلاب‏21‏ أكتوبر ‏1969‏ بقيادة سياد بري‏.‏

وهكذا تبين الوثائق الغربية والمراجع العربية نوعاً من التجانس في وجهات النظر على حقيقة واقعة تؤكِّد طابع النزاعات الداخلية المحضة التي غلبت على المشهد السياسي والاجتماعي في أوائل النصف الثاني من القرن الماضي في السواد الأعظم من البلدان العربية التي شهدت أبرز الانقلاب التي عرفتها المنطقة، ما يجبرنا على التوافق مع ما تجمع عليه وثائق الأرشيفات الغربية والمراجع العربية الجادة من أن العوامل الداخلية في تلك البلدان شكلت بيئة حاضنة ملائمة مهدت الظروف اللازمة لتنفيذ تلك الانقلابات.

مع ذلك فعندما تابع باحثونا في العواصم الأوروبية الرئيسية والولايات المتحدة تعقبهم لما في تلك الأرشيفات من وثائق تتعلق بتلك الحقبة من تاريخنا، استطاعوا العثور على إثباتات تؤكد وجود عناصر أخرى قد يعتبرها البعض عوامل مساعدة ساهمت في حصول الانقلابات، بينما يجد فيها البعض الآخر أسباباً جوهرية رئيسية، كانت وراء حصول الانقلابات منذ اللحظة الأولى.

المقصود هنا أن ما تقوله بعض المراجع العربية والغربية من أن دولاًَ إقليمية كانت تمول وتحرك وتدفع بعض القوى المحلية لتنفيذ انقلابات تخدم مصالحها الإقليمية المحددة في تلك الحقبة من تاريخنا يعتبر حقيقة قائمة بذاتها من وجهة نظر وثائقهم وأرشيفاتهم على الأقل. وهذا ما سنعمل على تبيانه في الفصل التالي.

 

=-=-=-=-=-=-=-نهاية الفصل الاول .

© 2008-2009. All Rights Reserved-كافة الحقوق محفوظة للمؤلف

الفصل الثاني

 

[محتويات]  [إهداء]  [تنويه]  [الصفحة الخلفية]  [تمهيد] 
[الفصل الاول]  [الفصل الثاني]  [الفصل الثالث]  [الفصل الرابع]  [الفصل الخامس] 
[خاتمة] 
[نص جريدة الأخبار] 

 

 
 
 
 




Hit counter
ابتداء من 28 كانون اول 2008

 

 

 

 

 

من نحن | | إبدي رأيك | | عودة | | أرسل الى صديق | | إطبع الصفحة  | | اتصل بنا | | بريد الموقع

أعلى الصفحة ^

 

أفضل مشاهدة 600 × 800 مع اكسبلورر 5

© جميع الحقوق محفوظة للمؤلف 1423هـ  /  2002-2012م

Compiled by Hanna Shahwan - Webmaster