اتصل بنا

Español

إسباني

       لغتنا تواكب العصر

من نحن | | إبدي رأيك | | عودة | | أرسل الى صديق | | إطبع الصفحة | | اتصل بنا | |بريد الموقع 

 
 

 

 

 

 أربط بنا

وقع سجل الزوار

تصفح سجل الزوار

 أضفه إلى صفحتك المفضلة

 اجعله صفحتك الرئيسية

 
 
 
 

 

 

 

 
 كتاب "ملف الإنقلابات في الدول العربية المعاصرة" الفصل الرابع
 

دور وأداء الدول الكبرى تجاه الانقلابات

      

كثيراً ما تعطي الوثائق المتوفرة في أرشيفاتهم إجابات واضحة وصريحة ومحددة عن دور بريطاني وأمريكي وفرنسي وسوفيتي مباشر أو غير مباشر في دعم الانقلابات التي شهدتها المنطقة، أقلّه الاجتماعات المتكررة التي انعقدت بين سفراء تلك البلدان وقادة الانقلاب منذ اللحظة الأولى لوقوع الحدث وحتى فترات متقدمة منه، إلى جانب مستوى التنسيق الذي تعكسه الوثائق المتوفرة في كثير من الحالات، ما يشير إلى الاهتمام الرئيسي لتلك البلدان بضمان ما لها من نفوذ ومصالح عسكرية كالقواعد ومخزون الأسلحة والتحالفات الإقليمية وغيرها، إلى جانب ما نعرفه جميعاً عن مصالحها الاقتصادية المتعددة.

ورغم وقوع السواد الأعظم من الانقلابات ضمن مرحلة ما عرف بالحرب الباردة، ورغم التنسيق الحاصل والمطلوب بين الدول الغربية في مواجهة المدّ الشيوعي ومن ورائه الاتحاد السوفيتي، إلاّ أن كثيراً من الوثائق التي استطعنا الحصول عليها تشير منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية إلى محاولات حثيثة قامت بها فرنسا للحفاظ على دورها في المنطقة ومواجهة سعي بريطانيا الدؤوب لأن تحل مكانها، مع أنها كانت بدورها تتعرض لمساعي الولايات المتحدة الحثيثة والناجحة في إلغاء الدور البريطاني لتحل محله في المنطقة برمتها.

وهكذا سيتأكد لنا في بعض الأحيان وجود تنسيق مسبق بين حركة زعيم انقلابي وإحدى الدول الكبرى لإنجاح تحرك الأولى وضمان مصالح الثانية، هذا ما تشير إليه بعض الوثائق والمذكرات كتلك المتعلقة بانقلاب حسني الزعيم في سوريا عام 1949 أو انقلاب عبد السلام عارف في العراق عام 1963، بينما تشير غالبية الوثائق إلى انطلاق الدول الكبرى على مبدأ التفاوض والتنسيق أو الاعتراف وتقديم الدعم اللازم والمشروط، بعد التأكد من سيطرة الانقلابيين على جميع أرجاء البلاد.

قد لا تبدو هذه ظاهرة منطقية، فلماذا يحتاج الانقلابي إلى الدعم الخارجي بعد إحكام سيطرته على البلد؟ ومع ذلك فهذا ما تثبته الوقائع والمعطيات والأحداث المركبة إلى درجة التعقيد والتي يختصرها رئيس الوزراء السوري الراحل جميل مردم بك منذ فترة مبكرة من عمر الجمهورية العربية السورية الذي عاصر المقدمات الأولى لتلك الوقائع وقد لها تشخيصاً يستحق الإشارة في بداية هذا الفصل.

جاء توصيف جميل بك مردم في وثيقة فرنسية هامة تحمل تاريخ 17 كانون الثاني/يناير1947 كتبها وزير فرنسا في دمشق إلى وزارة الخارجية في باريس، وقد كرست لاستعراض مواقف جميل بك، التي لخصها في أن الأحداث العالمية تمكن من رسم صورة عن الظروف التي تم خلالها إبدال حكومة سعد الله الجابري لتحل محلها حكومة جميل مردم بك.

 

الوثيقة ضلوع إنكلترا في السياسة السورية ورسم خريطة المنطقة.

وكيف أن حكومة الجابري قد أوصلت البلاد إلى الاستقلال فعلاً، إلاّ أن ذلك حصل لأن الإنكليز أرادوا دحر الفرنسيين من المنطقة. ومع ذلك فإن هذا لا يعني بالضرورة أن هؤلاء الرجال الذين سعوا إلى الاستقلال كانت لديهم النية باتباع السياسة الإنكليزية بمفردها، بل ربما الاستفادة منها ولو جزئياً.

ثم تناولت الوثيقة توصيفاً دقيقاً لمساعي السياسة الإنكليزية في تلك الفترة تشجع إقامة حلف عسكري بين تركيا وسورية والعراق ولبنان والأردن، لكن ذكر بأن العوائق أمام مثل هذا المخططات كانت كثيرة، ثم تأتي الوثيقة على تفنيدها بالتفصيل، فتتحدث عما تسميه بعقبة لواء الإسكندرون والتناقضات العربية- العربية وغيرها.

وينتقل مردم بك بعد ذلك بالحديث عن مساعي سعدلله الجابري المبكرة في إعطاء حكومته صلاحيات ديكتاتورية لحمايتها من مطامع الهاشميين في ضم سوريا إلى عرشهم. لكن تعرضه للمرض حال بينه وبين تحقيق ذلك. ثم تتحدث الوثيقة عن قيام الجنرال الانجليزي كليتون بفرض جميل مردم بك على المعادلة السياسية القائمة، وتأكيدها أن مستقبل الحكومة السورية أصبح مرتبطا بالإرادة الإنكليزية.

 

جاءت أول انتخابات سورية حرة تقام في الدولة السورية وهي ما تزال في مهدها بعد لتؤكد ما عكسه الوزير الفرنسي في سوريا، والذي عاد هذه المرة ليكتب رسالة موثقة أخرى أرخت في 8 آذار/مارس من عام 1947 بمناسبة أول انتخابات حرة تشهدها سوريا، ليتحدث فيها عن توقعاته في أنها ستكون عنيفة ويؤكد من خلالها على تشخيص مردم بك لتلك المرحلة قائلاً بأن التأثيرات الأجنبية لن تدع هذه الفرصة شبه القانونية تمر دون إضفاء التفاصيل السياسية عليها، مختتماً ذلك بالقول إن مصير البلاد كان متعلقاً بتلك الفرصة.

 

البعثة الفرنسية في "سوريا"

إلى سعادة وزير الشئون الخارجية

8 مارس, 1947

الانتخابات السورية:

ستجري الانتخابات العامة في "سوريا" من مايو إلى يونية, لأول مرة في ظل غياب القوات الأجنبية, ويهدد الصراع الانتخابي بالتحول إلى العنف. ومن المفترض ألا تفوت المؤثرات الأجنبية مثل هذه الفرصة لممارسة دورها: ربما يعتمد مصير البلد على هذا.

هذا التنافس الوشيك هو المهيمن الحالي على الحياة السياسية السورية, التي ننشر أهم وقائعها, في الفترة من 1 إلى 8 مارس, في نشرة البعثة رقم 10, والتي أشرف بإرفاقها إلى سعادتكم مع كتابي هذا.

 

بعد أقل من عامين على ذلك وفي آذار مارس من عام 1949 بلغت الصراعات بين لندن وباريس ذروتها ما استدعى مساومة بين الطرفين توجت بتفاهم بريطاني فرنسي يعترفون من خلاله بدور فرنسا ونفوذها في المنطقة، غداة اجتماع عقد بين شومان وبوديه  لتسوية الأوضاع في سوريا واستقبال اللاجئين والاعتراف "بالحقوق" الفرنسية في المنطقة. وفي اليوم التالي جاء انقلاب حسني الزعيم ليجسد هذا الاتفاق بين الدولتين العظميين على تقويض مشروع الدولة السورية الحديثة وهو ما يزال في المهد.

تشير الوثائق الأمريكية كما سبق وأسلفنا في الفصول السابقة بأن الولايات المتحدة قد أدركت انتماء حسني الزعيم إلى النفوذ الفرنسي، ويبدو أن استيائها من ذلك حال دون اعترافها بحكومة الزعيم، بل فضلت الانتظار حتى تغيرت الظروف وجاء انقلاب سامي الحناوي ومقتل الزعيم بعد أشهر قليلة من ذلك فسارعت وزارة الخارجية في واشنطن عبر وثيقة تحمل تاريخ 19-9-1949 إلى تقديم اقتراح إلى الرئيس الأميركي للاعتراف بحكومة الحناوي التي قامت بقلب حكومة الزعيم بعده أشهر فقط من قلب هذا الأخير حكومة القوتلي. موضحة أن حكومة سامي الحناوي قامت بإعدام حسين الزعيم ورئيس الوزراء محسن البرازي.

 

وزارة الخارجية

واشنطن

19-9-49

مذكره إلى الرئيس

موضوعها: الاعتراف بالحكومة السورية

تم قلب حكومة الرئيس حسني الزعيم في سوريا في الرابع عشر من أغسطس عام 1949, قام بها مجموعة من ضابط الجيش والذين كانوا قد ساعدوه في الانقلاب الذي قام به في 30 مارس 1949.

هؤلاء الضباط تحت قياده العقيد سامي الحناوي، قاموا بإعدام الرئيس الزعيم ورئيس الوزراء محسن البرازي ولكن لم يتم قتل أحد أخر أثناء الانقلاب. ولا توجد على أي حال دلائل على مشاركة أي قوى خارجية في هذا الانقلاب. ومن الواضح أن هؤلاء الذين استولوا على الحكم كان يحركهم الحقد الشخصي للزعيم، وعدم رضاهم على فشله في تنفيذ وعوده لعمل إصلاحات في الجيش، ورغبتهم في نهاية الحكم المستبد الذي أسسه الزعيم.

الضباط الذين قاموا بالانقلاب على الفور بتحويل الحكومة إلى مجلس وزراء يتكون من مدنيين تحت رئاسة هاشم بك الأتاسي.

تؤكد الحكومة السورية الجديدة على الديمقراطية والشخصية المدنية على عكس الحكم العسكري الديكتاتوري الذي كان في فتره الزعيم وفي 11 سبتمبر 1949 قامت الحكومة الجديدة أدرت قانون للانتخابات والتي تمنح حرية الانتخابات والتي سوف تقام في المستقبل القريب. وأكدت الحكومة شفوياً للمسؤلين الأمريكان أنهم يحترمون كل التزامات الدولية لسوريا، وأكدت بحزم على أن سوريا يقف في صف الديمقراطية الغربية ضد الشيوعية.

أعترف بالحكومة السورية الجديدة كل من حكومة تركيا، لبنان، تشكوسلوفكيا وأسبانيا، الأرجنتين، أفغانستان وحكومة فنزولاً, استئناف العلاقات مع العراق والأردن الهاشمية, أما مصر والسعودية لم تعترفا بتعد بالحكومة الجديدة لكن الحكومة السعوديه قالت أن موقفها من سوريا موقف الصداقة.

وبالنظر إلى حاله التوتر التي تسود مؤخراً السياسة الداخلية لسوريا فقرار منح الاعتراف لأى حكومة سورية سيتضمن مخاطره أن هذا النظام الجديد لن يكون دائماً، ومع ذلك الحاجة للاعتراف لوجود استقرار معقول.

وعند الحكم على الوضع السوري الحالي فتقبل الشعب، و احترام الالتزامات الدولية قد تم تنفيذها حتى الآن.

وذكرت حكومتا بريطانيا العظمى وفرنسا أنهما على استعداد للاعتراف بالحكومة الجديدة وترغب في تنسيق وقت الاعتراف مع الولايات المتحدة، وعدد من الحكومات الأخرى ترغب في فعل المثل.

استمرار التوقف المؤقت للعلاقات الدبلوماسية سيؤدي إلى مشاكل في إتمام المشاريع التي تهتم بها الدول الغربية.

استعدادات دبلوماسية لتسهيل عمل مهمة لجنه المسح الاقتصادي للمصالحة الفلسطينية على سبيل المثال لن يكون كافياً لتتولها وفدنا في دمشق بدون اتصالات رسمية مع الحكومة الجديدة.

بالإضافة أن اعتبر أنه من مصلحتنا وأيضاً من مصلحة الشعب السوري أن تحافظ الحكومة المدنية الحالية على التحكم وتستمر في تنفيذ الانتخابات السلمية لتسمح عودة الحكومة الدستورية، واعتراف القوى العظمى منح بلا شك تأثيراً راسخاً لوضع الحكومة الجديدة .

بالإضافة إلى ذلك فالاعتراف المبكر سوف يعوق إمكانية ارتباك ممثلينا في تعاملهم مع الوفد السوري في الجلسات القادمة من التجمع العام للأمم المتحدة في نيويروك.

وبعد تقيم كل العوامل فأنا أقترح أن تعترف الولايات المتحدة بالحكومة السورية في خلال الأيام القادمة و نسأل أن تمنح السلطة للإدارة لتوجيه المفوضية الأمريكية في دمشق لأخذ الخطوات المناسبة للوصول إلى هذه النهاية.

 

واستمر سيل الوثائق الأمريكية على مدار السنوات التالية لكي يؤكد التنافس الدولي على النفوذ في سوريا ففي وثيقة أمريكية مؤرخة في 1 شباط فبراير من عام 1950 صادرة عن السفارة في لندن إلى الخارجية في واشنطن، لتؤكد بأنه لا يزال هناك محاولات عراقية بالتدخل في الشئون السورية وهي بالتالي تشكل دعماً لمركز بريطانيا في المنطقة، وفي الصفحة التالية للوثيقة ذاتها تبرر كثرة الانقلابات في سوريا على أنها محل تجاذبات بين الدول العظمى لعدم ارتباطها المباشر بأي منها، وبالتالي أصبحت تشبه حقل التجارب من قبل مختلف الدول الكبرى التي تحاول فرض نفوذها هناك. كما تقدم الوثيقة اقتراحاً باستعمال الإعانات الاقتصادية كوسيلة لجذب الرأي العام السوري نحو دعم النفوذ الأمريكي هناك.

 

الى وزارة الخارجية في واشنطن

السفاره في لندن

1-فبراير 1950

تم عمل توصية على تلغرافك رقم 456 في 26 يناير. تقيم الإدارة حول الوضع السوري قائم على تقارير من البعثات الموجودة في بغداد ودمشق.

إنه توجد نشاطات ضد المجموعة الحاكمة حالياً و لا توجد دلائل على أن انقلاباً رابعاً قريب الحدوث، لا يمكن أن نسقط من الحساب حدوث قلاقل أخرى في سوريا.

الإداره لم تتمكن من التأكد من تفاصيل المصادر الأخرى ليس لديها أي دلائل موثوق بها حول التدخل المباشر للحكومة العراقية. ومع ذلك توجد تقارير أخرى تنص على مشاركة العراق في نشاطات sub rosa انظر لتلغراف دمشق رقم 35 في 17 يناير وتلغراف 37 في 18 يناير والتي سترسل لك بشكل منفصل بالهواء.

 

أما نوع الإعانات التي تحدثت عنها الوثيقة فكانت تكمن كما ورد في الصفحات 112-114 من كتاب (مأساة الكونت لويس دوسان/ سفير بلجيكا في سورية 1957-1958) لرجل المخابرات السوري السابق سامي جمعة، "أن نوع الإعانات التي تحدثت عنها الوثيقة الأخيرة كانت تكمن بمركزين تابعين للمخابرات الأمريكية يعمل الأول تحت غطاء مؤسسة "فورد فونديشن" والثاني تحت اسم جمعية أصدقاء الشرق الأوسط الأمريكية. اقتصرت أنشطة الأولى على ريف دمشق تمهيداً لانتشارها في بقية أرياف سوريا فافتتحت مراكز لها في كل من النشابية وحران العواميد وجسرين والسيدة زينب وغيرها من قرى الريف، وكان هدفها المعلن تدريب القرويات على أعمال التدبير المنزلي والأشغال اليدوية كما تقدم للقرويين بعض البذور والإرشاد الزراعي وخدمات الآليات الخفيفة والثقيلة لخدمة أراضي الفلاحين، وقد تم إغلاقها بعد التأكد، عبر معلومات قدمها السفير البلجيكي السابق، من انغماسها في أعمال استخباراتية ضد سوريا.

أما جمعية أصدقاء الشرق الأوسط فكانت نسخة عما عرف بجيش السلام، فقد مارست نشاطاتها في دمشق وكان هدفها تجنيد العديد من الشبان وحفنة من صغار العسكريين السوريين، وقد تم اختراقها عبر الملازم أول توفيق مخلوف، الذي ساهم في ضبط رئيس الجمعية وهو أمريكي الجنسية متلبساً في اجتماع سري مع حفنة من الشبان وصغار الضباط في الجيش السوري. فألقي القبض على الأمريكي ورحل إلى خارج سوريا".

 

عاش النفوذ الفرنسي حالة من الترقب الدائم لما تشهده سوريا من متغيرات تهدد بخروجها من دائرة ذلك النفوذ، هذا ما عكسته وثيقة رسمية فرنسية في 4-12-1951 تحت عنوان "رابع انقلاب في سوريا" لتتحدث عن تخصيص الصحافة السوفييتية مكاناً واسعاً للحالة في سوريا وتقديم صحافة لندن والقاهرة الشيشكلي على أنه عميل أمريكي.

 

برقية واردة

الشئون الخارجية

"موسكو", 4 ديسمبر 1951

نشرت الصحافة السوفييتية اليوم على نصف عمود ما تلقته من مراسلي وكالة "تاس" حول الوضع السوري.

ولن يعدم أن يثير اهتمامنا أن مراسلي "لندن" و"القاهرة" يقدمان العقيد "الشيشكلى" في صورة عميل أمريكي يتمثل دوره في إرغام الشعب السوري بالإرهاب على تقبل مقترحات القوى الغربية فيما يخص سياساتها العدوانية في الشرق الأوسط.

"شاتينيو"

 

ثم تؤكد على تلك القناعة بوثيقة أخر جاءت بعد أقل من أسبوعين في 16 كانون أول ديسمبر من عام 1951 لتتحدث عما ورد في صحيفة روسية من إن الشيشكلي عميل أمريكي بريطاني قد عُين لمحاربة الدواليبي المعروف بميوله اليسارية، وقد ذيلت الوثيقة بنص المقالة الروسية حول محاربة معروف الدواليبي.

"موسكو", 16 ديسمبر 1951

إن عريضة "أوزيبوف" القانونية في حق العقيد "الشيشكلى" المنشورة في "المجلة الأدبية", بمناسبة المقال الذي كتبه "زفيادين" عن الطبعة الروسية من مجلة "الأزمنة ـ Temps" التي ظهرت اليوم والخاصة بـ "الحركات المعادية للإمبريالية في العالم العربى", ثم إبراز الدعوة التي وجهها "نوري باشا السعيد" باسم "العراق" إلى الحكومات العربية حتى ترفض الاعتراف بحكومة العقيد "سكيلو", يؤكدان معاً الآمال التي عقدتها "موسكو" على تباين الآراء وتضارب المصالح بين الأمريكيين والبريطانيين في الشرق الأوسط.

لقد سخر "أوزيبوف" من العقيد "الشيشكلي", بعد أن وصفه بـ "العقيد الأمريكي", وأدان الانقلاب السوري الأخير من حيث أنه تم بتنسيق إمبريالي أمريكي, وأضاف "زفيادين" أن العملية تمت في اليوم التالي ليوم 28 نوفمبر, "أي يوم تسلم حكومة "معروف الدواليبي" السلطة, حيث أن هذا الأخير, فور علمه بالمذكرة السوفييتية عن حكومات الشرق الأوسط, أعلن أن "تصرف "الاتحاد السوفيتي" يصب دون شك في مصلحة البلاد العربية". كما استشهد أيضاً بجريدة "الشرق" اللبنانية, وهي تمتدح رسالة المذكرة, التي تذكّر بمساندة السوفييت للمطالب العادلة للدول العربية".

إلا أن الصحافة السوفييتية لم تعلق على حرص الجيش السوري على استقلال بلاده, أمام المحاولات المتكررة لضمها إلى "العراق" في قلب "سوريا الكبرى", أو "الهلال الخصيب". إن روح الاستقلال الموجودة لدى الشعب السوري, والتأثير الذي يمارسه عليه عدد من البرلمانيين الشباب من ذوى الثقافة الفرنسية, ومشاريع الإصلاح الزراعي التي تدرسها "دمشق" , كلها تضر بلعبة "موسكو", التي تعرف أنها ستستفيد من نشر دعايتها التي تؤيد الحزب المعارض للإقطاع العراقي, بأكثر مما يمكن أن تستفيد من الأحزاب ذات القيادة الليبرالية.

من هنا فإنها تفضل أن ترى سلطة "نوري باشا السعيد" تمتد إلى "سوريا" الخاضعة لـ "لبنان", على أن تخاطر بامتداد عدوى الروح السورية إلى "العراق". ولا شك في أن تحقق مشروع "سورياً" الكبرى تحت حكم هاشمي سيجد القبول في "موسكو", أولاً لأنه يضمن ميزة للقوة الأضعف بين القوتين الغربيتين صاحبتي النفوذ في الشرق الأوسط, وثانياً لأن من شأنه أن يلغى الإصلاح الزراعي, الذي لا تراه في صالح الشيوعية.

وهي مع ذلك لا تترك مهلة للحكومات التي تتبع سياسات قومية تحابي مخططاتها: طلبة "طهران" الذين يحركهم حزب "تودة", فيستحثون "مصدق" في مواجهته الرعناء مع الغرب, وطلبة "القاهرة" و"الإسكندرية" الذين يهيجون حكومة "النحاس باشا" منذ إلغاء معاهدة 1936.

[الفقرة الأخيرة مطموسة بشكل يجعل قراءتها مستحيلة].

بعد أن خرجت الحكومة السوفييتية على ما يبدو من الحرج الذي أوقعها فيه انقلاب 28 نوفمبر في "دمشق", ومعارضته لخططها بتحييد العرب, نشرت توضيحاً لهذا الحدث بقلم "أوزيبوف", خبير الشئون الإسلامية, في "المجلة الأدبية" المنشورة اليوم. إنه يصور العقيد "الشيشكلي" على أنه عقيد "أمريكي", دفعه الاستعماريون الأمريكيون والبريطانيون بهدف التغلب على مقاومة "معروف الدواليبي" لاضطهاد العرب.

سأبعث بملخص المقال في برقية تالية.                                 

 

يبدو أن الفرنسيين كانوا الأكثر تضرراً من تلك المنافسة إذ إن الأمر يتعلق بمستعمرة سابقة أصبحت في مهب الريح بين المطرقة البريطانية والسندان الأمريكي وسط رياح قومية إقليمية وسخونة الحرب الباردة التي لم تعد في صالح أي من العواصم الثلاث، ما دفع باريس إلى إطلاق دعوة لتنسيق المواقف والتفاهم فيما بينها كي لا تفلت المنطقة بين أيديهم.

هذا ما نلحظه في وثيقة فرنسية أُرخت في 19 كانون أول ديسمبر من عام 1951 توجه من خلالها دعوة صريحة إلى القوى العظمى من أجل التعاون حول الوضع في الشرق الأوسط. وتدعو الوثيقة إلى نوع من التنسيق الدائم بين القوى العظمى وتنسيق المواقف والخطى فيما بينها دون إثارة الشك لجلب النظام السوري إلى محور الغرب. كما تتحدث بإسهاب عن الاجتماعات المنعقدة بين تلك القوى.

 

برقية صادرة

وزارة الشئون الخارجية الفرنسية

"باربس", 19 ديسمير 1951

إلى السفارة الفرنسية في "واشنطن"

تنسخ إلى "لندن" و"دمشق" و"أنقرة"

أولوية قصوى, عاجل جداً

 

لقد اطلعت باهتمام كبير على اقتراح وزارة الخارجية الأمريكية الموجه إلى ممثلها في "دمشق", بشأن التنسيق المستقبلي في "سوريا" بين تحركات القوى الأربع, المحرضة على مشروع القيادة في الشرق الأوسط.

إني أعتقد أن مثل هذا التنسيق أمر مرغوب فيه, بهدف زيادة فاعلية جهود تلك القوى الراغبة في التأثير على تطور "سوريا" ودفعها نحو الغرب. ومع ذلك فلا يجب أن نتغافل عن أن التطور السوري سيكون بالضرورة بطيئاً, وأن الحكومة الجديدة, التي لم يمض على قيامها شهر, تتعامل مع رأى عام لم يزل مرتبطاً بتحيزات المجتمعات الإسلامية, ويشعر بريبة شديدة تجاه المبادرات الغربية.

إذا نظرنا إلى عدد المشاركين في اجتماعات السفراء الأربع في "دمشق" ونوعيتهم, لأدركنا أن تلك الاجتماعات المنتظمة المتواترة لن تعدم من يذيع أمرها ويعلق عليها. إن اللجنة المقترحة تكاد تدعو إلى المقارنة بينها وبين لجنة الرقابة المفروضة على الدول المهزومة, وهى بهذا تخاطر باتخاذ صورة أداة للتدخل, وتعريض تحركاتنا للخطر بدلاً من تسهيلها. ثم إن تكوينها نفسه يزيد من هذا الخطر, إذ يوحي بالمشاريع العسكرية, بينما سيكون من شأن اشتراك دولة مجاورة بعينها في المنظمة أن يجرح الكبرياء السوري.

أنا إذن, رغم مشاركتي الأمريكيين في الآمال التي يعقدونها على حكومة "دمشق" الجديدة, أرى أن يكون تحركنا أكثر حرصاً وتدرجاً. علينا في المقام الأول أن نسهل لها توطيد دعائمها, والاكتفاء بمساعدتها في القيام بتحديث البلاد, على الصعيدين الأخلاقي والاجتماعي, كما في المجال الاقتصادي.

حين تنجح تلك الحكومة في تغيير الحالة الذهنية للرأي العام, عندها فقط سيتسنى لنا أن نطلب من القادة الجدد الانسلاخ عن بقية الدول العربية للتحالف مع السياسة الغربية.

من هنا فإني أفضل ألا نتحدث عن تشكيل لجنة من السفراء الأربع, بل أن نكتفي بتوجيه ممثلينا إلى ضرورة الاحتفاظ باتصالات وثيقة, لكنها متكتمة, بهدف تحقيق التناغم بين تحركاتهم, لصالح القوى الغربية المشترك.

إذا نشأت ضرورة لجس نبض القادة السوريين الجدد, فإن الإجراء الذي اقترحه السيد "باريس" يحتفظ بكامل أهميته.

 

يبدو أن هذا ما حصل فعلاً بعد بضع سنوات من إطلاق تلك الدعوة وهو ما يتضح في الصفحات 66-67 من كتاب (مأساة الكونت لويس دوسان/ سفير بلجيكا في سورية 1957-1958)  "في تلك الآونة من عام 1957 كان سفراء دول حلف شمال الأطلسي في سورية يجتمعون أسبوعياً فيتبادلون المعلومات ويتدارسون التعليمات الواردة من حكوماتهم لتنسيق خطواتهم بما يحقق مشاريع دولهم في سوريا، بالإضافة إلى قيامهم بالتنسيق والتعاون مع أقرانهم من سفراء دول الحلف في دول شرقي البحر الأبيض المتوسط لنفس الغرض".

ويتابع الكتاب "أن السفير البلجيكي قام بتسليم محضر اجتماع لسفراء الحلف مع القرارات المتخذة خلال الاجتماع، وأهم ما احتواه المحضر المراحل التي قطعتها عملية الرصافة الهادفة للقيام بعمل عسكري وشعبي لتغيير نظام الحكم في سوريا، وهي عملية كما يقول الكتاب اتفقت بموجبها المخابرات البريطانية والأمريكية بخطوة غير مسبوقة وعلى خطة واحدة لقلب نظام الحكم في سوريا والتي عهد إلى أحد كبار ضباط مخابرات الجيش العراقي الإشراف عليها، وقد أطلق هذا الاسم على العملية تيمناً بحي الرصافة في بغداد حيث مقر السفارتين البريطانية والأمريكية".

 

جاء الكشف عن تلك الوقائع ليوتر العلاقات بين سوريا والولايات المتحدة إلى مستويات لم يسبق لها مثيل، وقد جاء الاحتجاج الأمريكي على كشف السلطات السورية عن محتويات التقرير الذي سلمه السفير البلجيكي للأمن السوري عبر مذكرة صارمة وشديدة اللهجة بتاريخ 13/8/1957 وقد وجهت من قسم الشرق الأوسط في وزارة الخارجية الأمريكية إلى وزير الخارجية في واشنطن وفيها:

تخوف أميركي من التقارب السوري- السوفياتي والعدائية في اللهجة السورية تجاه الولايات المتحدة الأميركية.

1-        إتهامات سورية موجهة إلى أعضاء في السفارة الأميركية بمحاولة إنقلاب. هذه الإتهامات وجهت إلى أشخاص معينين في السفارة ومن بينهم Howard Stone وهو القائم بالأعمال والمستشار السياسي للسفارة الأميركية، وFrank Jeton وهو مساعد مستشار في السفارة.

2-         بعد توجيه الاتهامات مباشرة قامت الحكومة السورية بإرسال عناصر أمن والجيش إلى منطقة السفارة الأميركية وكذلك قامت عناصر على الحدود السورية اللبنانية بتفتيش السيارات التابعة للسفارة الأميركية، وكخطوة تصعيد نهائية، قامت الحكومة السورية بإعلان الأشخاص المذكورة أسماءهم أعلاه بأنهم أشخاص غير مرغوب بهم.

3-         الحكومة الأميركية قامت بتقديم شكوى رسمية إلى الحكومة السورية فقامت بترحيل بعض الأشخاص من السفارة السورية في واشنطن كونهم أشخاص غير مرغوب فيهم وقامت وزارة الخارجية الأميركية بسحب سفيرها من دمشق حتى إشعار آخر.

 

مذكرة بتاريخ 13-1957

من قسم الشرق الأوسط في وزارة الخارجية

إلى وزارة الخارجية

الموضوع: الخطوات المقترحة للرد على موقف الحكومة السورية تجاه الولايات المتحدة

مناقشة:

الحكومة السورية في الشهور الماضية ازدادت في الموقف العدائي تجاه الولايات المتحدة الأمريكية، ومؤخراً أصبحت تكون روابط قوية مع الاتحاد السوفيتي.

فقد قامت بالخطوات التالية:

1-                            أصدرت في 12 أغسطس من خلال الإذاعة التي تتحكم فيها الحكومة السورية بياناً رسمياً تتهم فيه أمريكا بالتآمر لانقلاب على الحكومة الحالية. اتهم البيان اتهامات وجهت بالاسم إلى Howard stone القائم بالأعمال والمستشار السياسي للسفارة الأمريكية و Frank Jeton مساعد مستشار في السفارة.

2-                            وفق وتفتيش السيارات التابعة للسفارة الأمريكية على الحدود السورية في 12 أغسطس.

3-                            محاصرة منطقة السفارة الأمريكية بدمشق في 12 أغسطس بحوالي 30 من قوات الأمن السوري المسلح.

4-                            وكخطوة تصعيد نهائي قامت الحكومة السورية بإعلان في 13 أغسطس أن Howard stone وFrank Jetone وملحق الجيش Robert molloy أشخاص غير مرغوبين بهم يجب أن يخرجوا من البلاد على الساعه12 ظهراً يوم الأربعاء 14 أغسطس.

أعتقد أننا يجب أن نتصرف سريعاً وبشكل حاسم الرد على هذه الأفعال العدوانية الواضحة من قبل الحكومة السورية.

توصيات

1 إني قد اجتمعت مع المسئولين السوريين بعد الظهر و

a احتجاج على الحملة الشرسة التي تقوم بها الصحافة والإذاعة السورية على فبركة التهم للولايات المتحدة بأنها تقوم بمؤامرة ضد الحكومة السورية.

b- احتجاج على البيان الخاص بالثلاثه المذكورين أعلى أنهم أشخاص غير مرغوب بهم.

c- احتجاج على إعاقة سيارات السفارة الدبلوماسية.

d— التحقيق في مسألة وقوف رجال الأمن حول منطقة السفارة.

e— تسليم رسالة رسمية بإعلان أن السفير زين الدين ودكتور ياسين زكريا السكرتير الثاني بأنهم شخصيات غير مرغوب فيها، زين الدين الآن في سوريا ونطلب أن يرحل زكريا السكرتير الثاني خلال 24 ساعة.

1- زين الدين معرف عنه منذ زمن لنشاطاته المؤيدة للسوفيت ونحن نرحب بأي فرصه لطرده من البلاد، وليس لدينا أي معلومات محدده عن زكريا و لكنه فرد من فريق عمل السفارة والذي يحافظ على وجود اتصالات مع السفارة السوفيتية هنا.

ولقد وصل مؤخراً الملحق العسكري وهو معروف بتأيده للغرب بوجه عام.

الفعل الموصى به أن يتم بترحيل فريق العمل السوري مكونين من السكرتير الأول والملحق العسكري.

وبغض النظر عن وجودنا المقيد على وجودنا في سوريا والتي من المتوقع لها الزيادة لا نرغب أن ندعو السوريين إلى غلق مبنى كاملاً، لذلك نحن نعتقد أنه من غير المستحسن العمل ضد أي ضباط سوريين آخرين موجودين في البلاد في هذا الوقت.

إصدار نسخه صحفيه وذلك لسرد الخطوات التي اتخذناها ولذلك بسبب المظاهرات العدائية التي تقوم بها الحكومة السورية الحالية.

 

ثم جاء رد الفعل السوري بطرد الدبلوماسيين وتوقيف عشرات المواطنين السوريين العاملين في سفارتي بريطانيا والولايات المتحدة ليزيد الأوضاع تفاقماً فلجأت الدبلوماسية الأمريكية إلى مبدأ الهجوم كأفضل وسيلة للدفاع فرفعت حدة لهجتها في مخاطبة الرأي العام السوري والعربي وذلك من خلال مذكرة صادرة عن السفارة الأميركية في بيروت في 14-8-1957 موجهة إلى وزارة الخارجية الأميركية تصف من خلالها تدهور الأمور بين سوريا وأميركا. وتتحدث عن قيام الحكومة السورية بتوقيف 100موظف سوري يعملون في السفارة الأميركية.

وتشير الوثيقة أن الصحف اللبنانية الموالية لسوريا والمعروفة باتجاهاتها اليسارية قامت بتوجيه التهم إلى الحكومة الأميركية بتوريطها بجميع محاولات الانقلاب في الدول العربية. أما الصحف الموال الموالية للغرب فقامت بوصف التهم السورية لأميركا بأنها جزء من السياسة التي يتبعها النظام الديكتاتوري في سوريا ودول أخرى لتقوية وضعه الداخلي.

 

مذكره من السفارة ببيروت

إلى: وزارة الخارجية الأمريكية

14-8-57

الساعة 3 ظهراً

اتهام سوريا لحكومة الولايات المتحدة الأمريكية بالمؤامرة ضدها لا يزال الموضوع الرئيسي في الأخبار والمقالات الرئيسية في الصحف و في الحوارات.

العناوين الرئيسية لكثير من الصحف تتحدث عن تدهور العلاقات الأمريكية بالحكومة السورية حيث قامت الحكومة السورية بوقف 100 موظف سوري يعملون في السفارة الأمريكية و في جهز الاستخبارات الأمريكية بدمشق.

والتعليقات في الصحف المعارضة تقدم نقداً لاذعاً أكثر من المتوقع، فصحيفة رئيس الوزارء الأسبق يافي تقول "لو كنت أمريكياً مخلصاً كنت اتهمت دالاس (Dulles) بسياسته الملتوية في الشرق الأوسط، أتّهم الولايات المتحدة بأنها خلف أي عدوان مسلح يتم ضد العرب.

يقول عبد الله مشنوق (مبدأ أيزنهاور مغموس في دم الحرية) وتقول صحيفة معارضة أخرى (سيكون من الغريب أو المفاجأة ألاّ تقوم أمريكا بالتآمر على قلب نظام الحكم السوري الحالي.

وتعكس الصحف المعتدلة والوطنية وجهة نظر جماعات موالية للتعاون اللبناني الأمريكي والتي تقول إن الاتهامات السورية لأمريكا هدفها تحويل تفكير الجمهور السوري عن فداحة الاتفاق السوفيتي.

 

رفضت الولايات المتحدة كل الاتهامات التي سيقت ضدها واعتبرت التقرير الذي سلّمه السفير البلجيكي وكل المعطيات الاستخباراتية السورية والدولية عارية عن الصحة، مؤكدة على نفيها صحة تلك المعلومات بمذكرة أميركية أخرى جاءت بتاريخ 14/8/1957 تصف الاتهامات السورية الموجهة إلى التورط الأميركي بمحاولة انقلاب في سوريا بالقول: قام الراديو السوري التابع للحكومة بالإدعاء بأنه تم اجتماع بين أعضاء من السفارة الأميركية في دمشق وأديب شيشكلي والملحق العسكري السوري في روما لبحث تفاصيل الانقلاب. وأكدت الإدعاءات السورية بأن الحكومة الأميركية قامت بتخصيص 300 - 400 مليون دولار أميركي لإنجاح الانقلاب بشرط توقيع الحكومة الجديدة معاهدة سلام مع إسرائيل واحتلال سوري للبنان.

وتختتم الوثيقة بالقول إن الحكومة الأميركية ترفض الإدعاءات والتهم السورية وتصفها بالاختلاقات الواضحة وبأنها نتيجة للتعاون السوري السوفياتي وكونها مؤامرات شيوعية متبعة بشكل كبير من الأحزاب الشيوعية، مؤكدة بأن استقلال سوريا ودول عربية أخرى أصبحت مهددة بالخطر بسبب سيطرة الحكومات الديكتاتورية على بعض الدول العربية.

 

مذكره أمريكية

مبعوثة لـ:CIRCULAR

هذا التلغراف يلخص التطورات السورية وتعطى أفكار عن ما يجب التأكيد عليه في الحوارات الخاصة وما يصرح للإعلام.

في 12 أغسطس قام الراديو السوري باتهام الولايات المتحدة بالتورط في محاوله لقلب النظام في سوريا.

كما قام الراديو في تصريحه إلى الادعاء بأنه قد تم اجتماع بين أعضاء السفارة الأمريكية بدمشق وأديب شيشكلي والملحق العسكري السوري في روما وهاورد أي ستون الملحق و المستشار السياسي، وفرانسيس جتون المستشار السابق لسفارتنا في دمشق كما اتهم ملحق الجيش بالسفارة وذلك للاتفاق على الانقلاب.

وأكدت الادعاءات أن الحكومة الأمريكية وعدت المتآمرين 300- 400 مليون دولار وأنه سيتم التعامل فيما بعد مع الاحتلال العسكري السوري للبنان بمساندة الأردن والعراق. واشترطت أمريكا على أعوانها أن يتم الاتفاق على معاهده سلام بين سوريا وإسرائيل.

 

بقي الحال على ما هو عليه من تقاذف الاتهامات بين واشنطن ودمشق في عهد الرئيس المنتخب منذ عام 1955 شكري القوتلي إلى أن نشرت مذكرات مسئول المخابرات الأمريكية في الشرق الأوسط بين عامي 1950- 1980 ولبركرين إيفلاند والتي أكد فيها شروع الولايات المتحدة في الإعداد لانقلاب عام 1957 عبر استلام مبالغ مالية محددة جاء بها إلى دمشق براً وقام بتسليمها إلى شخصيات سورية متعددة كان من أبرزها ميخائيل ليان من الحزب الوطني السوري وعدد من أعضاء مجلس الشعب هناك (مجلس النواب).

يقول ولبركرين إيفلاند في صفحة 380 من مذكراته، "أن ميخائيل بك كان ممتنعاً عن تسمية الأشخاص الذين يتعامل معهم، (والذي كان شرطاً لتسليمه مبلغ النصف مليون ليرة ص 376) ولكنه قبل بتسليمها شفهياً من دون أوراق مكتوبة في نهاية الأمر، وكانت كلها من كبار الضباط برتبة عقيد في الجيش قالوا أنهم سيستعملون فرقهم للسيطرة على دمشق وحلب وحماه وسوف يطوقون مراكز الحدود مع الأردن والعراق ولبنان إلى أن تعلن محطات الإذاعة بأن حكومة جديدة برئاسة قباني قد استولت على الحكم، وعند ذلك يقوم ميخائيل ليان بإعلام المدنيين الذين اختارهم لتأليف حكومة جديدة قبل أسبوع واحد فقط تجنباً لتسرب المعلومات".

 

أما الأسماء التي تحفظ عليها ميخائيل ليان فقد بقيت في سوريا تحت المراقبة الأمنية طي الكتمان حتى كشف عنها السفير البلجيكي الكونت لويس دوسان بعد فشل الانقلاب المزعوم وفرار ليان إلى أنقرة مع ما حصل عليه من مكافآت ومبالغ مالية أودعت في حساباته الشخصية، بينما أودع شركاؤه من الضباط والنواب والوزراء خلف قضبان السجون بعد الكشف عن تفاصيل المحاولة الانقلابية الفاشلة.

قد يعلم أي مراقب للأحداث السياسية في العالم، أن هذا النوع من الانقلابات التي كانت تحاك في بلدان المستعمرات الأوروبية القديمة هو بعض من سمات الحرب الباردة التي ما كان الاتحاد السوفيتي في تلك الفترة العصيبة أن يقف مكتوف الأيدي حيال وقائعها، وكثيراً ما كان اختراقه لصفوف الدول الغربية متسللاً إلى بلدان حُسبت تاريخياً على دول أوروبا الغربية وكانت الولايات المتحدة تنتظر سقوط ثمارها الناضجة طوعاً بين أيديها، كثيراً ما كان التسارع في انتشار النفوذ السوفيتي في المنطقة حافزاً إضافياً لسياسات الغرب العدوانية في المنطقة.

هذا ما تثبته الوثائق السوفيتية التي كانت في تلك الفترة تعزز مواقعها في سوريا التي أخذت تخرج دمشق من دائرة النفوذ الغربي لتدخلها نهائياً إلى المحظية السوفيتية المتنامية في الجوار. وقد يكفينا إلقاء نظرة بسيطة على بعض من مواقف رجالات الكرملين تجاه المخاطر المحدقة بحكومة القوتلي المنتخبة شرعياً، والتي يلخص عناصرها مؤتمر صحفي عقده وزير الخارجية السوفيتي آنذاك أندريه غروميكو معلقاً عن أحداث سوريا وعمان واليمن.

 

تنقل وقائع المؤتمر الصحفي الذي عقده أندري غروميكو وثيقة تحمل 113 في صفحة 363 من كتاب الخارجية السوفيتية المؤرخة في 10 أيلول سبتمبر من عام 1957 وهي تبدأ بسؤال موجه من صحيفة البرافدا حول تعليقه على حملة أمريكا وانكلترا وتركيا ضد سوريا. وقد وردت ترجمة هذه وثيقة آنفا

المقطع الأخير "الإمبرياليون يريدون أن يتم الصمت على هذه المسألة المزعجة له لكن لا يجب الصمت – هذا يعني الموافقة على أفعالهم – الشعب السوفيتي أبداً ظل يؤيد رافعاً صوته دفاعاً عن الشعوب ... السطر الأخير حتى الفاصلة.

 

وما كان زعماء الكرملين ليكتفون بالمواقف والتصريحات أو عقد مؤتمرات صحفية دعائية فحسب، بل كانت حملاتهم الإعلانية تأتي مترافقة مع أفكار اقتصادية وسياسية حثيثة تستهدف إدخال سوريا ضمن الفلك السوفيتي وأهدافه في المنطقة، وهو ما تعكسه خطة مشروع حول المفاوضات مع الرئيس السوري شكري القوتلي.

 

أعد هذا المشروع قسم دول الشرق الأوسط والأدنى في الخارجية السوفيتية يوم 22/ 10/ 1956، وقد استطعنا الحصول عليه في صفحة 531 ضمن وثيقة تحمل الرقم 307 من كتاب الخارجية السوفيتية ج1. وهي تحمل عناوين:

السلام في المنطقة، السياسة السوفيتية في المنطقة، اتفاقية صداقة كما مع أفغانستان واليمن. مساعدة السوفييت لسوريا.

تتحدث الوثيقة عن غياب سياسة موحدة في سوريا. وأن هناك قوى ضد العلاقات مع موسكو. وضرورة الحديث مع القوتلي حول الشؤون الدولية بما في ذلك العلاقة السورية الصينية ومسألة الحد من أسلحة الدمار الشامل. الطلب منه بتوسيع دور سوريا ضد حلف بغداد. مسألة السويس في الأمم المتحدة والمساعدة في التسوية. الحديث عن دعم موسكو لحركات التحرر في المغرب والسودان وتونس لشده إلى صفها (مقطع تحت رقم 4). سماع القوتلي، فيما إذا أراد هو التعرف على موقف موسكو، أولاً بشأن الصراع العربي الإسرائيلي والتحدث معه بحذر بهذا الشأن حتى لا يعطى أي مبرر للدول الاستعمارية بتشديد مواقفها في الشرق الأوسط (نلاحظ هنا الحذر الشديد من قوتلي وكأنه سينقل ما يقوله السوفييت إلى الغرب)، معرفة رأيه بالتوقيع على اتفاق صداقة، العمل على تحقيق متطلبات الرئيس في التعاون الاقتصادي التقني.

1- في الأوساط المتنفذة السورية لا توجد وحدة تجاه الأسئلة المتعلقة بالسياسة الخارجية للبلاد، بل يوجد خلاف حاد بخصوص تعاون سوريا مع الدول الديمقراطية (يقصد الاشتراكية) والدول الغربية العظمى، كما يوجد تيار قوي يقف ضد أي حالة تقارب مستقبلي مع الاتحاد السوفيتي. و في هذا السياق يعتقد أن القوتلي باعتباره أحد زعماء المجموعات التي تقف مع تعميق الاستقلال السياسي والاقتصادي للبلاد ومع تقاربها من المعسكر الديمقراطي، سيسعى لاستثمار زيارته إلى الاتحاد السوفيتي لتعزيز موقف هذه المجموعة و موقعه في هذه البلاد " نهاية مقطع 1 من ص 532.

المقطع 2- ويقترح مشروع القرار أنه من المفيد مناقشة مع القوتلي السياسة الدولية بما في ذلك توطيد السلم العالمي ومنع انتشار أسلحة الدمار الشامل وتطوير العلاقات الدولية على أساس ميثاق الأمم المتحدة واستيضاح موقف سوريا من التقارب مع الصين.

المقطع 3 تحت رقم 2 _وكذلك مناقشة مسألة الشرق الوسط. السطر 2 بعد النقطة "وفي هذا السياق يجب باختصار الحديث عن الموقف السياسي السوفييتي حيال قضايا الشرق الأوسط والأدنى والتأكيد على أن الاتحاد السوفيتي ليس له أهداف نفعية سياسية أو اقتصادية من وراء هذه السياسات". نهاية المقطع.

كذلك إن فرنسا وأمريكا وانكلترا التي استجابت لقرار مجلس الأمن بشأن السويس لن توقف نهجها الاحتلالي.

3- التأكيد على دور سوريا والقوتلي خاصة في مناهضة حلف بغداد، السطر 2 بعد النقطة "وفي هذا السياق يجب باختصار الحديث عن الموقف السياسي السوفييتي حيال قضايا الشرق الأوسط والأدنى والتأكيد على أن الاتحاد السوفيتي ليس له أهداف نفعية سياسية أو اقتصادية من وراء هذه السياسات". نهاية المقطع.

5-"إذا رغب القوتلي تبادل الآراء بشأن المسألة الفلسطينية فاستمعوا إليه أولاً، وفي معرض اللقاء قولوا بأنه في البحث عن حل لهذه القضية فمن الضروري التحلي بأعلى درجات الحذر حتى لا تعطوا فرصة للدول الغربية العظمى لتوتير الصراع العربي الإسرائيلي بهدف تحقيق خططها الكولونيالية في الشرق الأوسط" نهاية المقطع.

 

كانت تلك تطلعات ومواقف الاتحاد السوفيتي الهادفة إلى إيجاد مكان لهم على أرض المنطقة، إلاً أنهم لم يكونوا بعد قد تقدموا بخطوات ثابتة نحو إيجاد مكان لهم تحت سمائها، هذا ما نلاحظه من عبارات يشوبها الشك والريبة من التعارض السائد في مواقف زعامات سوريا تجاه علاقات البلد مع دول الغرب، كما نلحظه في الدعوة إلى اليقظة في الاستماع إلى شكري القوتلي، وأخذ الحيطة والحذر من احتمال نقله ما يقولونه إلى دول الغرب، وغير ذلك من عبارات ملفتة، تؤكد بأن المشروع السوفيتي كان في مراحله الأولى بعد، رغم الشوط الكبير الذي قطعه في هذا الاتجاه.

رغم اعتبار الأجواء السائدة في النصف الثاني من القرن الماضي ملائمة لانتشار النفوذ السوفيتي، ليس في منطقتنا فحسب بل وفي العالم أجمع، لما عرفته تلك الفترة من طفرة فكرية وانتصار للحقوق المدنية وحقوق الأقليات والمرأة وانتصار لحركات التحرر في العالم، إلا أن الخطوات الأولى للدولة السوفيتية العظمى في الجوار جاءت متعثرة تجاه ما شهدته انقلابات ومتغيرات أبقت الاتحاد السوفيتي على مسافة نسبية منها، ما أسهم في إبطاء دوره ونفوذه في أحداثها.

 

وكانت العلاقات المصرية السوفيتية قد اكتملت وفق ما ورد في وثيقة تحمل تاريخ 9 أيلول سبتمبر من عام 1943 في كتاب الخارجية السوفيتية عن تبادل سفراء بين الاتحاد السوفيتي ومصر وما يعنيه ذلك من بناء علاقات دبلوماسية بين الطرفين.

 

وثيقة 18 ص 28

إعلان عن بناء علاقات دبلوماسية بين الاتحاد السوفيتي ومصر.

9 سبتمبر 1943

على امتداد الفترة الأخيرة، قام نائب المفوض الشعبي في وزارة الخارجية ي. م. مايسكي ورئيس وزراء ووزير خارجية مصر مصطفى النحاس باشا باسم حكومته، بتبادل الخطابات. وفي المحصلة بدأت منذ 26 أغسطس 43 عملية بناء العلاقات الدبلوماسية بين البلدين.

الاتفاق المنجز يقضي بتبادل السفراء في الفترة القادمة.

 

أما بعد الانقلاب فمن الواضح أن موسكو بقيت على مستوى من الترقب تجاه ما يجري حتى مراحل متقدمة نسبياً من عمر الانقلاب، بل قد يذهب البعض إلى أنها لم تشهد تحسناً فعلياً إلا بعد وصول جمال عبد الناصر إلى سدة الحكم. وقد نرى أولى أشكال التردد السوفيتي تجاه الانقلاب عبر:

 

وثيقة من الخارجية تحمل تاريخ 8 أيلول/سبتمبر من عام 1952.

تتحدث الوثيقة عن لقاء جرى بين نائب رئيس قسم الشرق الأوسط والأدنى في الخارجية السوفيتية شيبورين والدبلوماسي السوري في موسكو أزهري هذا ما أورده كتاب وثائق الخارجية في الجزء 1 ص 15. وتؤكد الوثيقة أن السوفيتي كان يستمع إلى السوري دون تعليق، بينما يوضح الأخير أن ليست لديه معلومات واضحة عن الأحداث في مصر. علماً أن الوثيقة تصنف الأحداث التي شهدتها مصر بأنها ليست ثورة بل انقلاباً وذلك حسب تعبير ورد على لسان المسؤول السوفيتي، وأن الأحداث التي تلتها أفادت الأمريكان.

 

كما انعكست نظرة الشك والريبة السوفيتيان تجاه انقلاب تموز/يوليو من عام 1952 في رسائل موسكو الإعلامية الرسمية والتي عادة ما يشكل اهتمامها صدى للمواقف السوفيتية في الساحة الحمراء، وهذا ما نقرأه في

 

استطلاع نقلته عن مجلة روز اليوسف المصرية في 12-1-53، أكدت فيه أن 225.855 من المصريين أي 4.5 بالمائة مع الحفاظ على الملكية و 3.466 مع الخلافة الإسلامية وعدد قليل مع الدكتاتورية العسكرية، أما غالبية الشعب المصري فهو يقف مع الجمهورية. ما يشكل ترويجاً لمبدأ رفض الدكتاتورية الذي كانت ترمز إليه القيادة العسكرية السائدة آنذاك.

 

ثم جاء تقرير يعكس مستوى الشك والريبة الذي بقي يراود السوفييت طوال الفترة الأولى من الانقلاب، وذلك عبر أول لقاء لموفد الخارجية السوفيتية أندريه كوزيروف عقده في 29 يناير 1953 مع الجنرال نجيب ليوثق في الجزء الأول من كتاب الخارجية السوفيتية ص 180-181. وقد استغرق اللقاء مع نجيب حوالي 45 دقيقة. ويقول كوزيروف فيه أنه كلما حاول القيام للخروج كان يطلب إليه نجيب البقاء لمناقشة أمر ما. ثم يتحدث عن سوء صحته وعمله المضني، وأنه كان يعتبر ستالين مثله الأعلى لتحقيق أهداف شعبه.

ثم يؤكد الموفد أنه لم يجب على سؤال نجيب فيما إذا كان السوفييت مستعدون لمساعدة مصر. مكتفياً بأن موسكو دعمت الدول العربية بما فيها مصر بتأييد تحررها من الاستعمار في الأمم المتحدة. ثم يعرب عن تهكمه من سؤال نجيب عن استعداد موسكو لبيع طائرات ودبابات لمصر أجابه السوفيتي أن الطائرات ليس كالمواد التجارية المعروضة للبيع. يغير نجيب الحديث، ثم يقول إنه يحاول تعلم الروسية سعياً للتقارب. وحين خرجا إلى الصحفيين اكتفى السوفيتي بالقول إنها كانت زيارة بروتوكولية للمجاملة. ثم يختتم برقيته بالقول إن نجيب أراد أن يكون لهذه الزيارة وقع ديماغوجي داخل مصر، وأن الرجل يحاول تبرير سياسته الهادفة إلى حشر مصر في حلف معاد للسوفييت، والإيحاء بأنه كان مجبراً على شراء الأسلحة من الأمريكان.

يبدو أن موسكو اعتبرت ما جرى بعد أسابيع من ذلك بأنه تأكيد لما لديها من شكوك تجاه نجيب،

 

ففي 3-3-1953 روّجت وكالة الأنباء السوفيتية تاس لنبأ اعتقال 118 شخصية كان من بينهم زعيم الحزب الاشتراكي أحمد حسين وعبد القادر عودة اللذان عرفا بميولهما اليسارية، وبعد ذلك بأيام في 14-3-1953 نشرت وكالة الأنباء السوفيتية الحكومية أنباء عن الجريدة السويدية نيو داغ تتحدث فيها عن مؤامرة أعدت ضد الجنرال نجيب قائلة بأنها من إعداد وتنظيم بريطاني وأن انكلترا دفعت مقابل ذلك مليون جنيه إسترليني لتنفيذ الانقلاب. وتبرز الوثيقة الإعلامية أن السفير الأمريكي كيفيري حذر نجيب من المؤامرة ودعاه إلى عدم ذكر دور انكلترا فيها. ويختتم تقرير تاس بأن الأمريكيين أعطوا توجيهات لمحمد نجيب كي يستغل قصة المؤامرة الانقلابية لملاحقة التيارات والأوساط التقدمية في البلاد.

 

ورغم ذلك بقي السوفييت على حالتهم من الترقب الدائم لحقيقة ما يجري، كما أبقوا على استمرار التواصل مع نجيب، وقد عكست الوثيقة11 الصادرة عن الخارجية السوفيتية بتاريخ 13-10-1953 رسالة كوزيروف الثانية بعد لقاء نجيب الذي انعقد في بيت نجيب بسبب مرضه. وفي هذا اللقاء الثاني يقول كوزيروف:

 

إن نجيب طلب إليه مجدداً إمكانية بيع السوفييت أسلحة لمصر، فأجابه المسئول السوفيتي أن على الرجل إرسال طلب للقيادة السوفيتية للنظر في الأمر. وبعد ذلك يتم الحديث عن محبة نجيب لفيلمين سوفيتيين، فيقص عليه الضيف حكاية الفلمين. هنا يخبره نجيب أنه بات يتأرجح بين الأمريكان والانكليز بما في ذلك بخصوص شراء أسلحة. السوفيتي يندهش من دعوة نجيب للغداء في الوقت المحدد للقائه مع وزير الخارجية المصري.

 

نلاحظ من خلال تقريري السيد كوزيروف أن الوثيقتان تؤكدان الحذر الروسي من ثورة يوليو وعدم الإسراع بالاعتراف بها رغم مضي فترة طويلة على اندلاعها، ما يشير إلى أن السوفييت كانوا يعتبرون حركة الضباط الأحرار مجرد عمل انقلابي لا يخدم النمو المتسارع لحركة التحرر التي يراهنون عليها في تعزيز نفوذهم في المنطقة.

ويبدو أن سبب هذا الشك والريبة السوفيتيان من حركة الضباط بزعامة نجيب تنبع من اعتقاد سوفيتي ينعكس في بعض الأدبيات السياسية السوفيتية عموماً حول وجود علاقة ما بين قادة الانقلاب أو ثورة يوليو بالأمريكيين والبريطانيين.

وبعد عام واحد على الانقلاب، حين تولى عبد الناصر سدة الحكم حصل اختلاف في اللهجة والتعامل السوفيتيين تجاه الانقلاب، بل نجد أن الوثيقة 12 الصادرة عن الخارجية السوفيتية ما عادت تعتبره انقلاباً بل تسميه ثورة مثالية كما جاء في نص برقية الأمين العام السابق للحزب الشيوعي السوفيتي ورئيس مجلس السوفيت الأعلى نيكيتا خروتشيف للرئيس جمال عبد الناصر رئيس الجمهورية المصرية في 22 تموز يوليو من عام 1959 والتي يهنئه فيها بذكرى انتصار الثورة. معتبراً أنها تشكل مثالاً للتحرر وإنهاء التبعية في المنطقة. كما يؤكد على أهمية التعاون مع مصر من أجل تعميق أواصر الصداقة والسلام العالميين.

 

ثم بلغت العلاقة السوفيتية مع الرئيس الراحل جمال عبد الناصر ذروتها بعد هزيمة عام 1967 حين أخذت التفاعلات الداخلية تعزز مراكز القوى من حوله حتى كادت تتحول إلى ما يشبه الازدواجية في السلطة. وقد عثر فريقنا على وثيقة سرية في أرشيفات جمهورية ألمانيا الديمقراطية تتحدث عن تلك الحقبة وتعكس مستوى وعمق اهتمام برلين الشرقية ومن ورائها موسكو باستقرار نظام الحكم الناصري في القاهرة، لما في الوثيقة من تقييم وتحليل دقيق لحقيقة ما يجري في أروقة الحكم، بل وتستعرض مكامن ضعفه وما تعتبره وسائل دعم ضرورية لنصرة حكمه على ما تراه في الأفق من محاولات انقلابية ضد الرئيس ناصر، هذا إلى جانب تأييدها الضمني لجملات الاعتقال التي شنها ناصر ضد عدد من كبار العسكريين ورجال الشرطة هناك.

 

تحمل الوثيقة الألمانية الديمقراطية رقم DC20I41652 وهي تتألف من تقرير بدون تاريخ وهو مذيل في نهايته باسم الدكتور فايس نائب رئيس مجلس الوزراء الألماني. يتألف التقرير من 6 صفحات. وهو يتحدث عن تطور العلاقات السياسية والاقتصادية لألمانيا الديمقراطية مع الجمهورية العربية المتحدة. وقد أشار في صفحته الثالثة إلى أن الوضع الحالي في الجمهورية العربية المتحدة متأثر بحقيقة أن القيادة بزعامة جمال عبد الناصر لم تبلور مشروعاً شاملاً لتجاوز الانعكاسات القوية للاعتداء الإسرائيلي على المستويات السياسية والاقتصادية والعسكرية. فالجيش بسبب وضعه السياسي الأيديولوجي وعدم تمكنه من التقنيات العسكرية ليس قادراً على مواجهة أية ضربة عسكرية محتملة من الجيش الإسرائيلي.

ثم ينتقل التقرير للقول أن البلد لا يحظى بقيادة موحدة وأن موقع الرئيس أصبح ضعيفاً وأن مجموعات رجعية تحاول بالتعاون مع دول إمبريالية نخر جهاز سلطة الرئيس ناصر.

كما يشير إلى انعدام مشروع سياسي واقتصادي واجتماعي واضح يؤدي مع استمرار التهديدات الإسرائيلية وإلى عدم الحزم في مواقف القيادة ويصيب الجماهير الشعبية بالشلل ويدعم مواقف القوى الرجعية لاسيما داخل جهاز الدولة وقطاع الاقتصاد.

القوى الإمبريالية وفي مقدمتها الولايات المتحدة تصعد الضغوط السياسية والاقتصادية والعسكرية على الجمهورية العربية المتحدة وتواصل جهودها للإطاحة بالرئيس ناصر والقضاء على التطور غير الرأسمالي للبلاد. وإسرائيل متشبثة بطلباتها التوسعية وتوطد مكانتها في شبه جزيرة سيناء وقناة السويس. ولا يمكن استبعاد ضربات عسكرية إضافية ضد الجمهورية العربية المتحدة.

ويضيف التقرير أن الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا الغربية وإسرائيل تربط الضغوط الخارجية مع دعم منهجي للقوى الرجعية داخل البلاد. هذه القوى الرجعية تصعد في الأسابيع الأخيرة مقاومتها المباشرة وغير المباشرة ضد إجراءات القيادة لتوطيد البناء السياسي والاقتصادي وضد توسيع علاقات الجمهورية العربية المتحدة مع الدول الاشتراكية.

كما تنشر الصحافة تقارير تقلل من شأن فاعلية مساعدات الدول الاشتراكية وقيمتها لاسيما من الاتحاد السوفياتي وتدعو بصفة غير مباشرة إلى التعاون مع الدول الإمبريالية، فخبراء من الدول الإمبريالية لاسيما من ألمانيا الغربية الذين كانوا متواجدين في البلاد قبل الاعتداء الإسرائيلي عادوا بأعداد كبيرة إلى قطاعات الدعاية والتعليم والاقتصاد وحتى صناعة التسلح.

وتشكف الحالة الاقتصادية عن وضع متأزم.

ثم يضيف أنه نظراً لهذا الوضع الصعب فإن مخاطر تنفيذ عمليات مناهضة للثورة تكبر. اعتقال نائب الرئيس السابق عامر وعدد من الجنرالات والضباط يبين مدى اتساع المؤامرة المناهضة للثورة. وليس مستبعداً أن تنجح القوى الرجعية في البلاد بمساعدة القوى الإمبريالية في دفع القيادة إلى توسيع التعاون مع الدول الإمبريالية وتقليصه مع دول المنظومة الاشتراكية.

ويتابع التقرير أن الإمبرياليين يكثفون جهودهم لترسيخ الفرقة بين الدول العربية ويعملون على تنسيق جهود الأنظمة العربية الرجعية ضد الرئيس ناصر. وعليه فإنه من المهم للغاية تقوية موقع الرئيس ناصر للحفاظ على التوجه غير الرأسمالي المتبع داخل البلاد.

 

وهكذا نجد أن الدور السوفيتي التصاعدي قد بدأ في معظم بلدان المنطقة من منطلقات فضفاضة كدعم حركات التحرر ودعم السلم العالمي والتعاون الدولي لينتهي بمكانة الداعم الرئيسي لأنظمة حكم انقلابية في كل من سوريا البعث ومصر الناصرية وعراق عبد الكريم قاسم أولاً ومن بعده التيارات البعثية المتعاقبة على سدة الحكم في بغداد مؤيدة لها جميعاً ولو بأشكال متفاوتة، مع استثناء المراحل الدموية الأولى من انقلاب عبد السلام عارف، ومنه إلى ليبيا والسودان والجزائر واليمن وغيرها.

بينما نجد الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا قد تمكنت من الحفاظ على قوتها في منطقة الخليج التي بقيت عصية على نفوذ الاتحاد السوفيتي ومساهماته فيما شهدته من انقلابات بقيت ضمن إطار المحمية الغربية دون غيرها، ولكن هذا لم يمنع الدول الثلاثة الكبرى من المساهمة بشكل مباشر أو غير مباشر ومنذ انتهاء الحرب العالمية الثانية في صنع ما شهدته البلدان الأخرى من متغيرات انقلابية، في مراحل مختلفة من تاريخها.

وقد أثبتت الوثائق الأمريكية والبريطانية المتعلقة بالانقلاب المصري في تموز يوليو من عام 1952 الدقة في المتابعة الأمريكية- البريطانية للشئون اليومية في حركة الضباط الأحرار حتى يخيل للمراقب وهو يقرأ وثائق واشنطن ولندن المتعلقة بذلك الحدث، أنه تتحدث بلهجة مشتركة، إلى جانب لغتها الواحدة منذ اللحظة الأولى حتى كادت تنجح في تحييد الحركة الانقلابية عن أهدافها المعلنة.

من أولى الوثائق البريطانية الأمريكية التي تعكس مستوى عالياً من التنسيق بين البلدين تلك التي تتابع بشكل يومي وتنسق ساعة بعد أخرى كل المسائل المتعلقة بانقلاب حركة الضباط الأحرار في مصر، بدءاً من طريقة التعامل مع الملك المصري المخلوع، وانتهاءً بمآدب العشاء التي أقامها موظفي ودبلوماسيي البلدين لزعماء الانقلاب بهدف التعرف على نواياهم.

1.              حول التعامل مع العاهل المصري نجد وثيقة بريطانية تحمل عبارة /سري/ وهي موجهة من السفارة البريطانية في واشنطن إلى الخارجية في لندن بتاريخ 25/7/1952 لتقول أن الخارجية الأمريكية أبلغت السفارة بأن فاروق يسأل عما إذا كان ممكناً لسفينة حربية ما ترحيله وعائلته إلى خارج البلاد. وتتابع الوثيقة أن رد الأمريكيين جاء يدعو الملك للبقاء هادئاً، وأنهم لن يتدخلوا إلاّ إذا كان الانقلاب شيوعياً، وهم (الأمريكيون) يسألون إذا كانت لنا سفن في المنطقة يمكن أن تقوم بالمهمة.

وقد جاءت هذه الوثيقة البريطانية وكأنها نسخة حرفية لمثيلتها الأمريكية التي تحمل التاريخ نفسه، 25-7-1952، وتقول بأن الملك فاروق يطلب من الأميركيين تقديم حماية له أثناء مغادرته مصر والسماح له بالمغادرة على ظهر سفينة حربية أميركية. ولكنها ذيلت بعبارة تقول إن الحكومة الأميركية رفضت تقديم أي مساعدة.

ثم عززت ذلك بمذكرة أخرى في نفس التاريخ 25 يوليو 1952 تؤكد عدم استعداد الحكومة الأميركية تقديم أي مساعدة للملك فاروق وترفض إرسال سفن أو طائرات حربية لهذا الهدف.

 

25

 يوليو 52

من: وزارة الخارجية بأمريكا

وزارة الخارجية تأمل أن تستمر في نصح الملك بعدم فعل أي شيء متهور.

الوزارة توافق على رسالتك للملك نحن لا نرغب في التدخل في هذا الموقف وهكذا وتحت هذه الظروف لن نرسل أي سفينة حربية أمريكية أو طائرة لمصر من أجل أغراضه.

 

مع ذلك ورغم إعلان الوثيقة الأمريكية المصدر رفضها إرسال أي سفن أو طائرات لإنقاذ الملك، إلاّ أن وثيقة سرية بريطانية جاءت في اليوم التالي 26/7/1952 من الإسكندرية موجهة إلى الخارجية في لندن ومرسلة عن طريق الإسكندرية إلى الخارجية الأمريكية أيضاً من السفير مباشرة، للتغلب على سوء الاتصالات، يبلغ فيها أن الملك طلب منه النجدة والتدخل لأن الجيش قد دخل القصر ويقول السفير الأمريكي أنه اتصل برئيس الوزراء ثم بمحمد نجيب وحصل منهما على وعد بأن لا يمس أحد بسلامة الملك.

 

سرى

من الإسكندرية إلى وزارة الخارجية

وزاره الخارجية

مكتب توزيع واشنطن

26-يوليو 52

طارئ

سرى

موجّه إلى واشنطن تلغراف رقم 227

الرجاء إرساله إلى وزاره الخارجية الأمريكية

إلى سكرتير أو (عمدة) ولاية واشنطن.

من كافري.

نظراً لسوء الاتصالات بيننا لقد طلبت من البريطانيين إرسال الآتي.

اتصل بي الملك فاروق في الساعة الثامنة صباحاً ليخبرني أن القصر محاط بالجيش. ثم اتصل بي مره ثانية في الساعة الثامنة والنصف ليخبرني أن هناك طلق ناري, وان الموقف "يائس" و إذا كنت استطيع مساعدته بشكل سريع؟

وعلى الفور اتصلت برئيس الوزراء الذي كان في القصر في ذلك الوقت. فقال لي أن إطلاق النار قد توقف وإنه يتوقع أي تطورات ستتم بهدوء. ثم بعد ذلك اتصلت باللواء نجيب وحدث ما أذكره في السطور التالية: لقد انزعجت من الأحداث هذا الصباح و التي ظهرت عكس ما وعدني به سابقاً, لقد كنت واثقاً من أنه قد استوعب أنه ليس من مصلحة أحد لارتكاب أي أحداث مضادة, والاهتمام بشخص الملك (أي عدم إيذائه).

رد اللواء نجيب قائلاً أن تقوية الجيش في الإسكندرية و بعض المواقع الإستراتيجية حول القصر كان نتيجة معلومات تلقاها من نشاطات "محدده من الطابور الخامس".

كما قال إن مثل هذه النشاطات يتم التعامل معها بصرامة وإنه قد تم القبض على عدد منهم.

ولقد وعدني اللواء نجيب شخصياً إنه لن يملس الملك أحداً, فقلت له إنني أعتمد على كلامك هذا.

كنت أحاول الاتصال بالملك لأخبره على وعد اللواء نجيب بعدم المساس به لكن التليفون في رأس التين تم قطعه الآن.

وحاولت أن أسلِّم الرسالة لحافظ عفيفي في بيته, لكنه أخبرني أنه قد تم تحديد إقامته في منزله مثله مثل باقي العاملين بالقصر حيث اعتقلهم الجيش.

وأنا أحاول أن أرسل الرسالة مباشرة للملك.

 

هذه الوثيقة تدل أن الأمريكيين كانوا أقرب إلى الانقلابيين من الإنجليز. كما تؤكد أن مستوى التنسيق بين الدولتين في شؤون الانقلاب كانت أرفع من التنسيق القائم أحياناً بين أي جهازين في دولة واحدة. وهو ما يشير إلى حجم التعاون القائم بين بلدين وجدا أرضية لمصالح مشتركة لهما في أحد بلدان المنطقة رغم المنافسة الأصيلة، والتي تبلغ حد سعي أحد الطرفين لإزاحة الآخر كما هو معروف عن السياسة الأمريكية التي جاءت بعد الحرب العالمية الثانية لتوسع نفوذها على حساب القوى الاستعمارية القديمة التي كانت في المنطقة من قبلها.

ثم تتوالى الوثائق البريطانية نيابة عن مثيلتها الأمريكية لتتناول وقائع تلك الأحداث فتقول في وثيقة بريطانية تحمل تاريخ 26/7/1952 سري جداً من البحرية إلى الاستخبارات بعنوان عمليات عاجلة، استعداد لالتقاط الملك فاروق ولكن من خارج الحدود المائية للإسكندرية وإعطائه ملجأ آمناً على أن يخبروا قبل 4 ساعات.

 

سرى للغاية

عمليه عاجله

من البحرية

إلى الاستخبارات

26-7-1952

بسبب احتمال تطور الوضع الحالي يجب الاستعداد لالتقاط الملك فاروق خارج الحدود المائية للإسكندرية وسوف يعطى ملجأ إذا وصل إلى سفن جلالة الملكة في مثل هده الظروف.

2- وإذا كانت هناك الحاجة لهذه العملية, على MANXMAN الظهور بالشكل المناسب.

3- مع افتراضية أنها (أي السفينة) سوف يتم إخبارها في 4 ساعات فلا يجب فعل أي شيء في الوقت الحالي.

4- وعند وصول إشارة من CODEWORED HAL البحرين على السفينة MANXMAN التوجه مباشرة ولكن لا تبحر.

5- وفى حالة وصول رسالة من codeword persil سواء قبل أو بعد HALO, يجب على MANXMAN

التقدم والاستمرار بكامل طاقتها وسرعتها.

6- عندئذ سيتم الإشارة إلى موقع اللقاء.

 

وختاماً تأتي في اليوم ذاته وثيقة بريطانية أخرى من الإسكندرية إلى الخارجية في لندن بتاريخ 26/7/1952 وفيها وصف للحظات الأخيرة لمغادرة فاروق على اليخت خارج البلاد.

 

ولكن المفارقة التي تؤكد مستوى التقارب والتنسيق هي أن هذا الوصف رغم وروده في وثيقة بريطانية فقد جاء على لسان سفير أمريكا في القاهرة. أي أننا نتحدث هنا عن وثيقة بريطانية لا تعكس انطباعات دبلوماسي بريطاني بل تحمل وصفاً قدمه سفير واشنطن عن اللحظات الأخيرة لوداع الملك فاروق. ما يشير إلى نوع من المصداقية التي تمنحها الوثيقة لمندوب الولايات المتحدة في مصر، والتعامل مع انطباعاته وكأنها صادرة عن موظف انجليزي لتنعكس بتفاصيلها في وثيقة بريطانية. والمسألة المثيرة الأخرى هي أن الملف يحتوي قصاصة لمقالة صحفية نشرت في التايم وفيها وصف للحظات الوداع الأخيرة يذكر فيها أن محمد نجيب واثنان من قادة الانقلاب قد شاركوا في وداع الملك.

 

تحية وداع من القائد

من مراسلنا

الإسكندرية,27-7

وقعت أحداث المشهد الأخير من دراما التنازل عن العرش مساء أمس بالإسكندرية, فعلى متن اليخت الملكي محروسة رحل الملك فاروق إلى وجهة غير معلومة, يعتقد انه ذاهب إلى جينوا.

في تمام الساعة الخامسة مساءاً ترك ماهر باشا مكتبه في ---- متجها إلى قصر رأس التين ليشارك في الفصل الأخير من دراما رحيل العائلة المالكة, وبعد فتره جاء بعده مستر جفرسون كافري سفير الولايات المتحدة و كذلك فعل السلك الدبلوماسي. وكان في القصر العقيد إسماعيل شرين بك زوج الأميرة فوزية, و محمد على رؤوف زوج الأميرة فايزة.

ثم وصل اللواء نجيب إلى القصر من مدخل نادر الدخول منه, ثم صعد إلى الملك وسلم عليه قبل أن يحيه بتحية عسكرية.

ثم توجّه كل الحاضرين إلى رصيف الميناء الملكي حيث كان هنا حارس شرف من الحاشية الملكية والذي صعد اليخت وثم تم عزف السلام الوطني. كان الملك فاروق يرتدى زياً بحرياً, وبعد أن حيّا مودعاً ماهر باشا ومستر أفري وكل الحاضرين, صعد اللنش متجهاً إلى اليخت محروسة والذي كان على بعد نصف ميل, وكان في صحبة زوجته الملكة ناريمان والتي كانت ترتدي ملابس رمادية اللون ونظارة سوداء وبناته الثلاث وابنه الرضيع بصحبة مربيته. وكان اللواء نجيب وأثناء من القادة في وداع الملك.

وعندما صعد الملك فاروق وصاحبته إلى محروسة تم رفع العلم الملكي وتم إطلاق 21 طلقاً نارياً تحية للملك. وعند صعود الملك على متن اليخت نظر إلى اللواء نجيب وتحدث معه لمدة خمس دقائق ثم سلم على القائد الذي كان مسؤولاً على الأحداث التي أدت إلى تنازله على العرش . فحيّاه اللواء تحية عسكرية ثم استدار ليترك اليخت.

 

قد يعتبر المرء أن مسألة التنسيق بين دولتين عظميين في شأن كهذا مشروعة جداً لما فيها من جوانب إنسانية تستدعي التعاون حقناً للدماء في لحظات انقلابات عسكرية عادة ما تكون محفوفة بالمخاطر، إلا أن التناغم في إيقاع الوثائق البريطانية والأمريكية حول وقائع الانقلاب المصري تتحدث عما هو أبعد من ذلك، وكأنها تؤكد ما جاء في التقارير التي سلمها سفير بلجيكا السابق في سورية، والتي استعرضت في جانب آخر من البحث عبر كتاب "مأساة الكونت لويس دوسان".

والأمر لا يقتصر هنا على مناقشة دولة لموقف دولة أخرى في وثيقة رسمية كما نرى على سبيل المثال في مذكرة أميركية تحمل تاريخ 31-تموز/يوليو 1952 تناقش وجهة النظر الإسرائيلية من الانقلاب المصري والتي كانت تعتبر بأن الانقلاب على الملك فاروق قد يكون شيئاً إيجابياً حيث أن الملك فاروق كان قد اتخذ موقفاً سلبياً تجاه السلام المصري الإسرائيلي. وأن الإسرائيليين أبدوا تخوفاً من تأكيد الثورة على تاريخ نجيب في حرب 1947 والتي كانت تهدف إلى إثارة المشاعر في الشارع المصري.

 

وزارة الخارجية

مذكرة مناقشة

التاريخ 31 يوليو 1952

الموضوع وجهة النظر الإسرائيلية للوضع في مصر

مشاركة في الحديث:

السيد: أبا إيبان سفير إسرائيل

السيد: بن – هورن السكرتير الأول للسفارة

السيد: هارت

السيد: ستابلر

نسخ إلى السفارة في القاهرة

      السفارة في لندن

      السفارة في تل أبيب

       العواصم العربية

زار السيد إيبان السيد هارت في 31 يوليو بناءً على طلب الأخير. قال السيد إيبان أنه هو وحكومته يفكرون باهتمام في التطورات التي تحدث في مصر وترغب في تبادل وجهات النظر مع الوزارة. وذكر أن السيد شاريت والسفير دافيد قامت بينهم محادثة في تل أبيب حول هذا الموضوع والذي يمثل أهمية كبيرة للحكومة الإسرائيلية

قال السيد إيبان أنها وجهة نظر حكومته بأنه من المبكر جداً القول عن أي وجهة اتجهت مصر, لكن يبدو من المفيد في هذه المرحلة تبادل وجهات النظر مع الوزارة على أمل استخراج بعض الأفكار. من وجهة نظر إسرائيل أن خسارة الملك فاروق ليس بالضرورة عاملاً مقلقاً حيث تعتقد إسرائيل أن الملك فاروق كان يتبنى موقفاً سلبياً تجاه إسرائيل وأنه في الحقيقة قد أبلغ ممثليه من الدبلوماسيين في عدم التفكير في السلام المصري الإسرائيلي, ومن ناحية أخرى فالإشارة المستمرة على أن اللواء نجيب بطل في الحرب الفلسطينية، واستمرار مناقشة الأمر الخاص بفضيحة الأسلحة الفاسدة في الحرب الفلسطينية كسبب لهزيمة مصر، مقلق بالنسبة لنا.

وفقاً لضباط إسرائيليين أنهم لا يتذكرون أي شيء عن نجيب، وأنه لم يبرز في أي حال من الأحوال أثناء مسألة فلسطين. تخشى الحكومة الإسرائيلية من أن الاستمرار في ذكر الحرب الفلسطينية يخلق أفكاراً عدائية بين الضباط المصريين.

 

علما أن هذه الوثيقة تنسجم كلياً مع أخرى بريطانية المنشأ تحمل عبارة سري للغاية، وهي صادرة عن السفارة البريطانية في واشنطن وموجهة إلى الخارجية في لندن عام 1952 (اليوم والشهر غير واضحين) ولكنها تحتوي على شرح للموقف الأمريكي بشأن الوضع في مصر، وتؤكد كراهية الولايات المتحدة الأمريكية للملك فاروق ونظامه لأسباب مختلفة.

 

نتحدث هنا عمّا تعكسه وثائق العاصمتين من انسجام وتناغم في مستوى التنسيق الذي كان قائماً بين واشنطن ولندن على مستوى التقارب مع الانقلابيين والتواصل معهم لمعرفة أدق التفاصيل عن ميولهم وانتماءاتهم السياسية، دون أن نتذكر دائماً حقيقة المساعي الأمريكية لزيادة نفوذها على حساب تقليص الدور البريطاني التاريخي في المنطقة وفي مصر على وجه الخصوص، كما لا يمكن التغاضي عن حقيقة إدراك العاصمة البريطانية لاستحالة كبح المد الأمريكي في العالم أجمع، وبالتالي ضرورة التحالف معه لمواجهة أشكال أخرى من المخاطر التي تهدد نفوذ البلدين، والتي يمكن اختصارها بالتهديد السوفيتي من جهة وما حملته تلك المرحلة من حركات شعبية وديمقراطية مترافقة مع موجة قومية عاتية كادت تطيح بمصالح الدولتين العظميين معاً.

 

من أبرز الوثائق الملفتة في هذا المجال، وثيقة أمريكية تحمل تاريخ 28 يوليو 1952 تحدد وجهة نظر واشنطن وتقييمها للانقلابيين فتقول: في المرحلة الأولى من الانقلاب، عبر الضباط الأحرار عن عدم رغبتهم بالمشاركة بالسياسة أو بالحكم وطلبوا من الملك تعيين علي ماهر كرئيس للحكومة وأن يعلن الملك عن انتخابات حرة وإزالة قانون العقوبات. وافق الملك على الشروط وتم تعيين علي ماهر رئيساً للحكومة. الأمور بدأت تتطور بين الضباط الأحرار والملك عندما وصلهم نبأ قيام الملك فاروق بالاتصال بالأميركيين والإنكليز لمساعدته بالقضاء على الثورة وإرسال جيش بريطاني لحمايته. قام الثوار بالطلب من الملك التنازل عن العرش وتم تسليم العرش إلى ابنه أحمد فؤاد الثاني الذي أصبح ملكاً على مصر والسودان ورحل الملك فاروق من الإسكندرية إلى إيطاليا.

محمد نجيب أعلن رغبة الثوار بحماية الأجانب في مصر وأكد إصراره على عدم المشاركة في الحياة السياسية. تؤكد المذكرة بأنه لم يكن هناك أي تأثير شيوعي على الثورة وأكدت أيضاً على دور الإخوان المسلمين في نجاح الثورة بسبب شعبية الحزب بين أفراد الشعب المصري وأنه عدد كبير من الثوار الضباط كانوا أعضاء بمنظمة الإخوان.

 

28-7-52

من الواضح أن لا يوجد تأثير شيوعي في الجيش ولا يوجد أي دليل على عناصر شيوعية في هذا الثوران. ومع ذلك عندما يكون هناك أي تغير من المؤكد أن يحاول الشيوعيون أن يحولوا هذا التغير في اتجاههم.

الإخوان المسلمين لديهم قوة ما بين قوات الجيش، كما أنه محتمل كلياً أن يكون لهم تأثير كبير في الثورة التي تمت من أسبوع، لأن هدف الإخوان مثل المجوعة التي قامت بالثورة فهم باتجاه تطهير البلاد من الفساد سواء كان الأمر مادياً أو أخلاقياً أو دينياً .

عدد من قادة الثورة أعضاء في الإخوان

 

إذ تقر الوثيقة بوقوف الدولتين منذ اللحظة الأولى وراء تغيير مسار الانقلاب، فهي توضح أنهم ما كانوا يطمعون بالسلطة، وأنهم أجروا تعديلاً في مواقفهم حين بلغهم تفاوض الملك مع بريطانيا وأمريكا. بعبارة أخرى لو قررت الدولتان التعاون مع الملك لربما كان الانقلاب ليتخذ منحى باتجاه مختلف. ولكن موقفهما بعدم تأييد الملك يحتمل القراءة بأنه وقوف غير مباشر مع الانقلابيين، ما يستدعي منهما التعامل المشترك مع السلطات الانقلابية بحثاً عن نقاط التفاهم المشتركة معهم. وهذا ما حصل.

يمكن اختصار قصة التناغم في إيقاع الوثائق البريطانية والأمريكية حول الانسجام في دور العاصمتين تجاه الانقلاب باستعراض وثيقة بريطانية جاءت في تاريخ 24/7/ 1952 وهي برقية موجهة من وزارة الخارجية البريطانية إلى هاملتون في الإسكندرية تطلب منه فيها مقابلة محمد نجيب حتى تؤكد له عدم التدخل في الشؤون الداخلية المصرية، والتوضيح بأنها لن تتردد في التدخل إذا ما دعت الحاجة لحماية أرواح البريطانيين. كما تحتوي على أمر لقواتها هناك بأن تكون على أهبة الاستعداد.

وفي اليوم التالي 25/7/1952 كتب السفير البريطاني تقريراً عن لقائه مع نجيب وإبلاغه برسالة الخارجية في لندن، وأن نجيب قد أبلغه أثناء اللقاء بأن علي ماهر سيضم أعضاء من حزب الوفد في حكومته.

 

تكررت اللقاءات المطمئنة كما جاء في فصل المهادنة من هذا البحث، ثم جاءت تصريحات الانقلابيين بمزيد من المهادنة التي انعكست في مذكرة أميركية موجهة إلى السفارة الأميركية في القاهرة في 1-8-1952 تعرب عن ارتياح الحكومة الأميركية من التعليقات القادمة من نجيب وأعوانه عن رغبتهم بالتعاون مع أميركا في شؤون الدفاع، وتؤكد المذكرة على رغبة الحكومة بتقوية العلاقات مع الحكومة المصرية وخاصةً إذا كانت الحكومة الجديدة قادرة على السيطرة على الوضع السياسي في مصر. وأكدت المذكرة استعداد الحكومة الأميركية لتقديم مساعدات عسكرية للجيش المصري.

 

وزارة الخارجية

موجهة إلى: السفارة الأمريكية في القاهرة (أولوية)

تكرار المعلومات إلى السفارة الأمريكية في لندن

1- على الرغم من أنه سيمر وقت حتى نقول على وجه التحديد في أي اتجاه ستسير مصر بعد الانقلاب، نحن نعتقد أنه سيكون من الأفضل في هذا الوقت أن نفكر فيما سنفعله، محتملاً بالتعاون مع المملكة المتحدة، للرد على أي طلب مساعدة  على وشك الحدوث من نجيب أو الجيش.

2- إعجاب متبادل بين نجيب ونحاس، تورط واضح للإخوان المسلمين، احتمال البرلمان الوفدي، خلافات دستورية وإصرار واضح لبقاء الجيش في مقدمة الحياة السياسية، كل هذه عوامل مقلقة والتي تدفع للمتابعة باهتمام خشيت أن تصبح فكره كره الأجانب مرة ثانية فكرة أساسية.

3- ومن ناحية لا يوجد أي عنف، موقف الصداقة الذي يتخذه نجيب تجاه أمريكا، والتكرار المستمر للتعبير عن رغبة الجيش في مشاركة أمريكا في شؤون الدفاع كل ذلك أمور مشجعة.

4- أكبر شيء مشكوك فيه هو موقف النظام الجديد تجاه الجدل المصري- الانجليزي ويتضمن هذا الجدل مشكلة السودان والتي زاد تعقيدها بعد إعلان الملك أنه (ملك مصر والسودان).

5- إذا استطاع النظام الجديد الحفاظ على النظام والقانون واستعادة الاستقرار للحكومة المصرية، استمرار طلب المساعدة من الغرب، وإظهار الرغبة في الوصول إلى تسوية معقولة لمشكله مصرية – الانجليزية وبما في ذلك ترتيبات لاستبدال للقوات البريطانية في قناة السويس وبالطبع يجب أن نكون مستعدين للتعاون في هذا الموضوع. نحن نعتقد أنك يجب أن توضح ذلك لنجيب ورئيس الوزراء عندما تجد الوقت المناسب.

ولكن بالطبع لا نرغب (تكرار كلمة لا) أن نعطي انطباعاً أننا نستعجل نجيب في الانضمام إلى حلف الشرق الأوسط الدفاعي وفي نفس الوقت يجب أن نتجنب الابتعاد.

6- توقع أمكانيه أن يشير الجيش المصري لرغبته في مساعدة الجيش الأمريكي. فسيكون من المفضل أن يكون لدينا فكرة عن حجم احتياجات مصر، لذلك سيكون من المفيد لو أنك بالتوحد مع موظفينا استغلال هذه المعلومات لتستفيد بها السفارة لتمد الوزارة بأسرع وقت ممكن بالأفكار التي لديك حول المعدات العسكرية.

(الفقرة الخامسة من التلغراف رقم 197، بتاريخ 28 يوليو 7).

بهذه المعلومات التقديرية ستكون وزارتا الدفاع والخارجية في وضع أفضل لتحديد مناطق التعاون مع قوات الجيش المصري.

 

جاءت بعد ذلك وثيقة من السفارة البريطانية في القاهرة موجهة إلى وزارة الخارجية في لندن بتاريخ 20/8/1952 وفيها خبر عن اجتماع عقده محمد نجيب مع السفير الأمريكي و10 من ضباطه على العشاء. ويقول السفير البريطاني في تعليق له على اللقاء أنه كان أشبه باجتماعه هو السابق مع نجيب.

 

أي أن الأمر لا يقتصر على توجهات البلدين والتشابه في مواقفهما تجاه الانقلاب بل وفي الأساليب المتبعة أيضاً. ما نقصده بالتشابه في المواقف هنا هو ذلك الجانب المتعلق بموقف البلدين من الإطاحة بالملكية في مصر من جهة ومن الانقلابيين من الجهة الأخرى، وقد رأينا بوضوح أن واشنطن ولندن قررتا عدم التدخل المباشر لمد يد العون إلى الأسرة المالكة عبر التدخل المباشر أو تقديم الدعم غير المباشر لحماية العرش، كما نلاحظ أيضاً أن كلا العاصمتين تميزتا بالتردد تجاه مسألة إنسانية كمساعدة الملك فاروق وأسرته في مغادرة البلاد.

أما تجاه الانقلابيين فالوثائق البريطانية والأمريكية وحتى مراجع الأدبيات التاريخية تجمع على بقاء العاصمتين على مسافة نسبية من الانقلابيين في البداية للتأكد من سيطرتهم الفعلية على البلاد، وحجم التأييد الشعبي الذي ينعمون به من جهة، في حين سعى البلدان إلى التعرف عن قرب على شخصيات الانقلابيين وارتباطاتهم أو توجهاتهم السياسية على الأقل.

 في حين عمل المندوبين والمبعوثين الدبلوماسيين لواشنطن ولندن على اتّباع أسلوب مشترك في التعامل مع الانقلابيين، فهم إلى جانب التفاهم المشترك على مسألة التريث في الاعتراف، أخذوا يتسابقون على عقد لقاءات واجتماعات ودية أو جلسات وموائد غداء أو عشاء لدراسة الشخصيات النافذة من الزعامات الانقلابية وانتماءاتها الحزبية وتوجهاتها السياسية وما تخطط له تجاه مستقبل وتعاملها مع الدولتين.

هذا ما تعززه وثيقة أخرى جاءت، بعد أقل من شهر على اللقاء الأمريكي مع زعماء الانقلاب المصري، من السفارة البريطانية القاهرة إلى الخارجية في لندن بتاريخ في 18 سبتمبر 1952 لتقول أن أربعة ضباط أعضاء في اللجنة العسكرية العليا أو قريبين من اللجنة تناولوا الطعام مع الملحق العسكري الإنجليزي، وأن اللقاء قد تم في منزله، وذلك بحضور مساعد الملحق وشخصية أخرى، وقد سجلوا محضر اللقاء، وهناك تقييم لكل من جمال عبد الناصر، جمال سالم، صلاح سالم، زكريا محيي الدين، وصف جمال عبد الناصر بأنه قريب من الإخوان وليس على عداء مع بريطانيا. ويبدو أن السفير البريطاني استطاع انتزاع تأكيد من الانقلابيين بأنهم كانوا مع بقاء القواعد البريطانية في مصر.

 

تعتبر سلطنة عمان حالة نموذجية أخرى يمكن أن نسوقها تحت هذا العنوان من الملف، لما ترمز إليه من ظاهرة تتشابه معطياتها مع ما يحيط بها من انقلابات شهدتها اليمن في انقلاباتها العديدة والسعودية (الانقلاب على فيصل بعد انقلابه على شقيقه سعود) إلى جانب ما عرفته دول الخليج الأخرى كدولة قطر (إزاحة الشيخ خليفة بن حمد لابن عمه الشيخ أحمد بن علي)، وأبو ظبي (إزاحة الشيخ زايد لأخيه شخبوط بن سلطان)، إلخ.

 

يقول رياض نجيب الريس في الصفحات 236-238 من كتابه (صراع الواحات والنفط 1968-1971)  "منذ أعلنت بريطانيا عن عزمها الانسحاب من الخليج في موعد أقصاه عام 1971 والشائعات تنتشر عن قرب نهاية السلطان سعيد بن تيمور آل بوسعيد. وكان البديل المتداول شقيق السلطان سعيد، طارق بن تيمور، الذي غادر إلى أوروبا إثر نزاع على الحكم بعد أن جمع المعارضين وطرح الملكية الدستورية التي لم تقنع أحداً حينها، ثم عادت أسهمه لترتفع بعد فشل ثورة الإمام غالب بن علي، سنة 1963، وبرز اسمه مجدداً لدى عودته من أوروبا وإقامته في دبي بتمويل من الشيخ زايد بن سلطان.

كان طارق الأخ الأصغر لسعيد وأول رئيس مجلس بلدي في عمان، وأول رئيس لمجلس الوزراء هناك وكان ضابط عسكري محبوب في الجيش، وقد خاض حروب الرستاق ونزوى والجبل الأخضر ضد حكم الأئمة وقمع تمرد القبائل فيها... ويبدو أن هذه المعطيات جميعاً أدت إلى تحفظ البريطانيين حياله، ليفضلوا قابوس الذي كان شاباً عاد حديثاً من الدراسة في لندن التي وجدت فيه خياراً يمكن التعامل معه بسهولة أكبر إذ كانت تنقصه الخبرة التي يتمتع بها عمه المجرب والمخضرم ذو الخمسين من عمره".

 ويصف رياض الريس عملية الانقلاب بالقول "إن فوج الانقلابيين قد هاجم غرفة السلطان السابق بقيادة ضابط بريطاني ألقى قنبلة مسيلة للدموع في غرفته ما أثار حالة من الفوضى أدت إلى إصابة السلطان برصاصتي مسدس الأولى في ساقه والأخرى في قدمه، فاستسلم سعيد إلى قائد الحرس الضابط البريطاني الكولونيل تيدي تورنيل. كانت وثيقة التنازل تنتظره على باب الطائرة التي حملته إلى البحرين ومنها إلى لندن. بعد تردد قليل، تناول القلم ثم وقع الوثيقة ورمى بالقلم أرضاً فأقلعت به الطائرة إلى المنفى".

 

الوثائق البريطانية حول هذه الحقبة من تاريخ سلطنة عمان شبه محرمة، فقد أمضى فريق البحث في البرنامج كل الوقت اللازم للحصول على أي وثيقة تثبت صحة ما أورده رياض نجيب الريس أو أي من الأدبيات السياسية العربية والدولية دون جدوى، ما جعلنا نركز على مصادرنا في الأرشيفات الأوروبية والأمريكية الأخرى كي نستعيض بها على النقص المتعمد في الوثائق البريطانية المتعلقة بهذا الانقلاب. حتى استطعنا الإمساك بطرف الخيط.

استطاعت زميلتنا باحثة البرنامج في واشنطن العثور على تلغراف يعود تاريخه إلى 29-7-1970، الملفت في هذا التلغراف الهام هو ما يذكره من أن بريطانيا كانت تبيت النية لاستبدال السلطان سعيد بابنه لعدم قدرته على الإمساك بزمام الأمور. وفي جانب آخر من الوثيقة الأمريكية ذاتها يتوقع وزير الخارجية الأمريكية السابق جوزيف سيسكو أن يحافظ قابوس الابن على المصالح البريطانية وتواجدها العسكري في بلاده. من الملفت في التقرير القول أن بريطانيا أرادت أن تكون عمان الحزام الواقي، الذي يحمي الإمارات الخليجية الناشئة من النظام الراديكالي في جنوب اليمن.

 

وزاره الخارجية

واشنطن

مذكرة

موجه: لوزارة الخارجية

من : --- جوزيف جا. سيسكو

الموضوع: سلطان جديد في مسقط وعمان

استولى ولي العهد قابوس بن تيمور على السلطة في مسقط وعمان في 24 يوليو بقياده ثوره ضد والده.

ومن الواضح أن المملكة البريطانية المتحدة كانت على علم بمخطط قابوس سابقاً ولكنها تنكر أن يكون لها أي مسئوليه في ذلك.

ولقد علمنا بهذا الانقلاب من خلال تقرير تلغرافية جاءت في 26 يوليو.

ولقد تمّ نفي السلطان المخلوع إلى لندن من قبل آر إه إف. وتذكر التقارير البريطانيه أن قابوس قد مسك زمام الحكم بقوة وأن هذا الانقلاب قد تم الترحيب به من قبل الجماهير وأن الوضع في السلطنة هادئ.

ومحتمل أن يصل قريباً إلى حكومة الولايات المتحدة الأمريكية طلب بالاعتراف بهذا النظام الجديد وأننا سوف نوصى بتنفيذ ذلك بشكل فوري.

الوضع السياسي

بسبب سياسة القمع الاقتصادية والسياسية التي مارسها السلطان المخلوع سعيد بن تيمور ظلت بلاده غير متطورة ومنعزلة عن العالم الخارجي، هذه السياسة التي جعلته غير قادر على أن يكون على مستوى (السيطرة على) زيادة الثورة في إقليم ظفار والذي كان يدعمه جنوب اليمن وتدخل من بعض الصينيون الشيوعيون.

كما فشل السلطان السابق في إنهاء الثورة في إقليم عمان، كما لم يقم بأي مجهود فعلي للاستفادة من الثروة الجديدة الآتية من البترول (95 مليون دولار في عام 1969) لمصلحه شعبه.

 

الوعد بعهد جديد

السلطان الجديد في نهاية العشرينيات من عمره وقد تلقى تعليمه في أوكسفورد وساندهرست، ولقد وضعه والده رهن الإقامة الجبرية منذ عودته كما لم يعطه أي دور في حكم السلطنة.

وعد قابوس في تصريح 26 يوليو بأن يقوم بشكل فوري بتأسيس حكومة جديدة حديثة.

وأنه لابد أن يتعامل بشكل منفصل مع الثورتين في عمان وظفار.

قد يفتقد قابوس إلى أفكار واضحة حول الحكم ولكن هذا المشكلة سوف تنتهي بعد عودة خاله (أو عمه) طارق من المنفى لينضم إلى ابن أخيه في إدارة الحكم.

B1

التأثير البريطانى

الاهتمام البريطاني الحالي بمسقط وعمان يرتكز على البترول، والمواقع الإستراتيجية للمهابط والإمكانات الرادارية في جزيرة مسيرة والرغبة في أن تكون عمان ومسقط كحزام واقي يحمى الإمارات الخليجية والنظام الراديكالي في جنوب اليمن.

ونحن نتوقع أن السلطان قابوس لن يضر بالمصالح البريطانية وسوف يحتفظ بالمائة جندي البريطاني من ضمن جيش السلطنة.

وايت هول تعتقد أن قابوس لديه سيطرة كاملة على السلطنة – تم نشر الاعتراف البريطاني فى29 يوليو.

 

ثم يأتي تقرير أمريكي مفصل بعد الانقلاب هذه المرة ليؤكد بالأدلة ضلوع البريطانيين بشكل مباشر بتفاصيل انقلاب قابوس بن سعيد على أبيه، وذلك عبر وثيقة أمريكية مؤرخة في 29-9-1970. تبين هذه المذكرة أن البريطانيين كانوا على علم بالانقلاب الذي ينوي قابوس القيام به للاستيلاء على السلطة من أبيه سعيد بن تيمور. بينما يدعي الأميركيون أنهم عرفوا بالأمر عبر تلغراف وقع بين يديهم، وتشمل المذكرة تحليل للوضع السياسي في عمان ويعكس التحليل فشل الأب في حل مشكلة إقليم ظفار الذي يدعم المتمردين فيه يمنيون جنوبيون إضافة إلى شيوعيين صينيين وكذلك فشله في الاستفادة من ثروة البلد لمصلحة شعبه وهناك إشارة إلى أن السلطان المطاح به وضع قابوس رهن الإقامة الجبرية منذ عودته إلى إنكلترا عقب انتهاء دراسته. وقد تم نفي السلطان سعيد إلى لندن التي ساعدت ابنه للإطاحة به.

 

أما الاتحاد السوفيتي فلم يكن أقل ضلوعاً في تلك الأحداث، خصوصاً وأن مشكلة إقليم ظفار المذكورة في الوثيقة الأمريكية، والتي شكلت واحداً من الأسباب التي سارعت في الإطاحة بالسلطان سعيد، تقع على الحدود مع جمهورية اليمن الديمقراطي الشعبي، وقد كانت تحظى بالدعم السياسي والاقتصادي من قبل موسكو التي لم تبخل بتقديم المعونة المشابهة لما عرف حينها بثورة ظفار وعلى رأسها الجبهة الشعبية لتحرير الخليج العربي. هذا ما ينعكس في وثائق سوفيتية مبكرة جاءت في أواخر عقد الخمسينات، لتبرر التدخل السوفيتي في شئون منطقة الخليج عبر البوابة العمان.

تقول الوثيقة السوفيتية رقم 108 ص 343 من كتاب الخارجية السوفيتية، عبر بيان لوكالة الأنباء الحكومية السوفيتية تاس في 20 أغسطس 1957 تحت عنوان: "بخصوص الوضع في عمان" أن الوضع في عمان يقع في مركز اهتمام العالم. فقد نهضت الجماهير هناك دفاعاً عن استقلالها. حيث وجد النضال البطولي ضد الكولونيالية هناك تأييداً عربياً واسعاً. (استخدم جانب آخر من هذه الوثيقة في عنوان سابق، وستجد الترجمة الكاملة لها هناك)

 

وبقي حال الوثائق السوفيتية يصور الوضع الداخلي في عمان على أنه قضية صراع تحرري دائر مع بريطانيا حتى فترة انقلاب السلطان قابوس على أبيه السلطان سعيد، فكانوا هناك على مقربة من حقيقة ما يجري، فقدموا وصفاً دقيقاً يجده المراقب متوافقاً إلى حد بالغ الغرابة مع الوصف الأمريكي الوارد في الوثيقة المذكورة أعلاه... هذا ما يتضح في وثيقة سوفيتية تحمل "عنوان حرب خطيرة/ ظفار" الموقعة في تاريخ الأول من آب أغسطس 1971، حيث يتحدث المبعوث السوفيتي بداية عن عثوره على قنابل فوسفورية متروكة بعد الاعتداءات الانكليزية على عمان. وهو يقول: العمانيون يقتلون لرفضهم العبودية. لندن تخفي ما استخدمته من أسلحة في ظفار. القرى مدمرة . محمد أحمد الغساني يقدم لائحة بأسماء القرى المتضررة.

 وتضيف الوثيقة في جانب آخر منها: خاض الانكليز المعركة باسم النفط. الانتفاضة العمانية أصبحت شوكة في حلق الشركات النفطية الغربية. قبل عام قادها ليس أنصار الإمام غالب بل الجبهة الشعبية الديمقراطي (والتي يصفها بالثورية) لتحرير عمان. سنوات طويلة حكم السلطان ابن تيمور المحاط بمستشارين وضباط انكليز. في القرن العشرين منع فتح المدارس، والاستماع للراديو، والسفر بالطائرات واستخدام الكهرباء.

أدرك البريطانيون أن تصرفاته هذه تدعو للثورة وتنعكس بلا شك على سلطاتهم. في تموز يوليو من العام الماضي مسرحوا انقلاباً حكومياً قاد الابن قابوس إلى العرش للحفاظ على سلطتهم في عمان وقبل كل شيء الهيمنة على القوات المسلحة. علماً أن وزير الدفاع ورئيس الأركان انكليزيان والجيش يعف بالضباط الانكليز (يسمي معظمهم مرتزقة) وكيف أنهم يسعون لخنق القوى التقدمية. عمان أكبر محمية انكليزية. يسمي قطر والبحرين محميتين أيضاً انكليزيتين.

 

هناك حالة انقلابية فريدة، بل ويمكن اعتبارها نادرة لخروجها عن مجمل القواعد السابقة في هذا الملف، وما تكتنفه من غموض أخذت ملامحه تتكشف منذ الإفراج الأخير عن مجموعة من الوثائق البريطانية التي تسلط الأضواء عن وقائع وأحداث تقلب مفاهيم وصوراً كنا نعتبرها ثابتة مؤكدة وغير قابلة للجدال.

 

=-=-=-=-=-=-=-نهاية الفصل الرابع.

© 2008-2009. All Rights Reserved-كافة الحقوق محفوظة للمؤلف

الفصل الخامس

 

[محتويات]  [إهداء]  [تنويه]  [الصفحة الخلفية]  [تمهيد] 
[الفصل الاول]  [الفصل الثاني]  [الفصل الثالث]  [الفصل الرابع]  [الفصل الخامس] 
[خاتمة] 
[نص جريدة الأخبار] 

 

 
 
 
 




Hit counter
ابتداء من 28 كانون اول 2008

 

 

 

 

 

من نحن | | إبدي رأيك | | عودة | | أرسل الى صديق | | إطبع الصفحة  | | اتصل بنا | | بريد الموقع

أعلى الصفحة ^

 

أفضل مشاهدة 600 × 800 مع اكسبلورر 5

© جميع الحقوق محفوظة للمؤلف 1423هـ  /  2002-2012م

Compiled by Hanna Shahwan - Webmaster