اتصل بنا

Español

إسباني

       لغتنا تواكب العصر

من نحن | | إبدي رأيك | | عودة | | أرسل الى صديق | | إطبع الصفحة | | اتصل بنا | |بريد الموقع 

 
 

 

 

 

 أربط بنا

وقع سجل الزوار

تصفح سجل الزوار

 أضفه إلى صفحتك المفضلة

 اجعله صفحتك الرئيسية

 
 
 
 

 

 

 

 
 كتاب "ملف الإنقلابات في الدول العربية المعاصرة" الفصل الثالث
 

مهادنة الانقلابيين للدول الكبرى

      

تشير وثائق أرشيفات الدول الخمس الكبرى التي نتعقبها أن التواصل والعلاقات لم تنقطع مع أي من الانقلابيين الذين عرفتهم الدول العربية المعاصرة، أللهم إلاّ في بعض الحالات النادرة جداً، خصوصاً في المراحل الأولى للانقلابات، التي كثيراً ما تشير الوثائق والمذكرات التي تمكنا من الحصول عليها إلى جلسات مشاورات مطولة، ومآدب غداء وعشاء بين سفير دولة كبرى ورئيس الدولة الذي وصل حديثاً إلى سدة الحكم بحجة التشاور في المسائل المتعلقة بضمان أمن وسلامة رعايا تلك الدولة أحياناً، أو بحجة التأكد من عدم مساس الحاكم الجديد بما يسمونه المصالح الحيوية لهذه الدولة الكبرى أو تلك.

 

هذا ما تبينه وثيقة بريطانية مرسلة من الإسكندرية إلى الخارجية في لندن بتاريخ 25/7/1952 أي بعد يومين فقط من وقوع انقلاب ما عرف بثورة يوليو، وفيها أن مساعد الملحق العسكري البريطاني الذي أرسل إلى القاهرة مع بعض موظفي السفارة كونوا انطباعاً مهماً من خلال لقائهم يوم 23 يوليو بضابط شاب (لم يحدد اسمه) جاء نيابة عن محمد نجيب فقد أكد لهم هذا أن هدف التحرك/الانقلاب هو القضاء على الفساد في البلد.

                   

لا شك أن هذا هو ما أراد الوفد البريطاني الذي شكلته حكومة جلالتها سماعه لتهدئة مخاوفهم من سعي الانقلابيين إلى إصرارهم على طرد البريطانيين من مصر، وإخراجهم من قناة السويس وما سبق و/أو تبع ذلك من إلغاء البقية الباقية من الامتيازات التي كانت بريطانيا تتمتع بها في عهد الملك فاروق.

وهو أيضاً ما سعت قيادة الانقلاب المصري لإيصاله إلى القوة الأوروبية العظمى لتهدئة خواطرها وتحييدها عن الصراع الداخلي مع سلطات الحكم الملكي وذلك عبر مهادنتها وطمأنتها بالتركيز على الوجه الإصلاحي في الانقلاب والمتعلق بمحاربة الفساد، على اعتبار أن محاربة الفساد هي الصفة التي عرف بها تحرك ضباط الجيش ضمن إطار العرش الملكي وعلاقاته مع بريطانيا.

يبدو أن البريطانيين أصروا على مزيد من الطمأنينة بسماع ما هو أكثر وعبر الشخصية الأبرز بين الانقلابيين آنذاك، والمتمثلة بالجنرال محمد نجيب، هذا ما جاء في وثيقة بريطانية سرية موجه من السفارة البريطانية في القاهرة إلى الخارجية في لندن بتاريخ 25/7/1952 وهي تحمل خبر لقاء السفير البريطاني مع الجنرال نجيب الذي أخبره في المقابلة أن علي ماهر سيضم عدداً من الوزراء الوفديين إلى حكومته.

في وثيقة أخرى تؤكد سعي الانقلابيين للمهادنة مع واشنطن بعد لندن، وثيقة تحمل عبارة سري من السفارة البريطانية في واشنطن إلى الخارجية في لندن، بتاريخ 25/7/1952 أن الخارجية الأمريكية أبلغت كاتب الرسالة أنها لن تتدخل في شؤون مصر وأن هذه التوجهات أبلغت للسفير بشكل خاص وذلك بعد تأكيدات الجنرال محمد نجيب والوزير علي ماهر وتطميناتهما بأن حياة الأجانب مضمونة. كما أكدا من جانب آخر أن الانقلاب ليس ذو طابعٍ شيوعيٍ وأن الشيوعيين بعيدون عن الحركة.

 

ويبدو أن الثقة بين الانقلابيين والأمريكيين أخذت تنمو بشكل مضطرد خلال الفترة الأولى من الانقلاب، إلى درجة تحدثت عنها الوثائق الأمريكية عبر مذكرة تحمل تاريخ 11-8-1952 وهي تتحدث عن اتصالات قام بها ضباط من "الثورة" مع الحكومة الأميركية يطلبون فيها مساعدات أميركية لدعم الاقتصاد المصري وعن رغبتهم بالتعامل مع الأميركيين بدلاً من الإنكليز. وأكد الضباط التزام الثورة بمبادىء الحرية السياسية في مصر وكذلك عن رغبتهم بمحاربة الاتجاهات الشيوعية في مصر.

 

وزارة الخارجية

قسم التلغرافات

معلومات سرية

من: القاهرة

الى : وزير الخارجية

رقم 327 من 11 أغسطس 52

الساعة الرابعة مساءً

أولوية

هذا الصباح طلب العقيد أمين والعقيد زكريا من حاشية نجيب مقابلتي. وقالوا:

1- مصر أمة ضعيفة وتحتاج لصديق قوي. ونتمنى أن تكون الولايات المتحدة صديق.

أجبت بشكل ملائم ومتعاطف لكن علقت على هذا الاتصال، بأن موقفنا يجب أن يكون موقف المنتظر اليقظ.

وهنأتهم على المحافظة على النظام في هذه الحركة وإنها تمت بدون عنف أو إراقه دماء.

2- قاموا بنقد البريطانيين وإنهم لا يريدون (كرروا كلمة لا) التعامل معهم. حاولت أن أشرح لهم أن ذلك مستحيل ووضحت لهم حقيقة واقعة عن شؤون دفاع الشرق الاوسط.

3- أخبرتهم أني سمعت أنهم أطلقوا صراح 114 شيوعي، فأجابوا أن هذا الرقم مبالغ فيه لقد أطلقوا 84 و30 من المجموعة المحركة (القادة) تحت الحجز (معتقلين) وسيظلون هناك.

وأوضحت حقائق عن الشيوعية وأعطونا تأكيداً كافياً.

4- فقالوا إنهم لا (كرروا كلمة لا) يعنون تدمير الأحزاب السياسية لكنهم بالفعل جادين في تطهيرهم وعلى وجه الخصوص حزب الوفد الذي ينوي قادته تصفية الحزب.

5- يريدون انتخابات في خمسه أشهر.

6- يصرون على أن تصير ملكية الأرض 500 فدان للفرد و1000 للعائلات وأن انخفاض إيجار الأرض للفلاح

                   

يتحدث ولبيركرين إيفلاند، مسئول المخابرات الأمريكية في الشرق الأوسط بين عامي 1950-1980 في مذكراته التي نشرتها دار طلاس للدراسات والترجمة والنشر في دمشق تحت عنوان("حبال من رمال) تحدث في الصفحة 160 عن "استمرار مهادنة الانقلابيين المصريين للولايات المتحدة في عصر الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، أي بعد علمه بأن الرئيس محمد نجيب قد اتهم بتورطه في مؤامرة لاغتيال جمال عبد ناصر".

ينقل ويلبركرين إفلاند عن مسئول السي أي إيه في مصر مايلز كوبلاند أن كيم روزفيلت خبير الاستخبارات المفضل لدى وزير الخارجية الأمريكي جون دالاس، قد جرد الملك فاروق من ملكه، وأنه يعمل الآن من أجل تسليم زمام البلد إلى ناصر. وأضاف في الصفحة التالية 161 من المذكرات بأن ناصر سيكون قريباً الناطق بلسان القوميين العرب ليقوم بعد ذلك بتنفيذ الأعمال بالتعاون مع السي أي إيه (صفحة 162)"

وبعد وصف ولبيركرين للقاء عقده برفقة كوبلاند مع الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر في منزل الرائد حسن التهامي، قال إنه عرض على ناصر استقبال مجموعة من المستشارين العسكريين للعمل مع القوات المسلحة المصرية مشروع مفصل عن المساعدات التدريبية والعسكرية. فرد ناصر على الفكرة بالقول إن ذلك لن يمكنه من البقاء سياسياً، بعد أن استطاعت مصر أن تجلي 80 ألف جندي من الفرق البريطانية من قاعدة السويس، وأن المؤامرة الأخيرة على حياته كان من أسبابها قبوله بشرط بريطانيا في عودة قواتها في بعض الظروف الخاصة. مختتماً حديثه بالقول " صفحة 166  "إننا لا نستطيع ذلك في الوقت الراهن على الأقل "

 

إن صدق السيد ولبيركرين في مذكراته فإن أبرز رموز الانقلابات في العالم العربي وأشدهم نفوذاً وتأثيراً على الانقلابات العربية في بلدان أخرى قد هادن الأمريكيين والبريطانيين على حد سواء خلال السنوات الأولى من فترة حكمه، وكأنه استبدل حياديتهم المؤقتة بضمان أمنه المرحلي ريثما يتمكن من إرساء الأسس الضرورية لتثبيت عمادات سلطاته الذاتية التي عرفت بصلابة شديدة متميزة.

تؤكد المعطيات أن ظاهرة المهادنة قد بدأت مع أول انقلاب عربي عرفته المنطقة عام 1949، إذ تشير وثيقة أمريكية مؤرخة في 23 نيسان/أبريل من نفس العام إلى تأكيد حسني الزعيم التزام سوريا بمعاهداتها الخارجية كما تعهد بمتابعته محادثات نزع السلاح مع إسرائيل. وتتحدث الوثيقة في جانب آخر منها إلى إعلان بريطانيا وفرنسا موعداً لاعترافهما بالحكومة الجديدة في (26/4/49). وتقول في جانب آخر منها أن الولايات المتحدة الأميركية لا تزال تدرس قرارها بالاعتراف.

وهذه مسألة غريبة نسبياً إذ إن وثيقة أخرى سبقت هذه، تحمل تاريخ 30-3-1949، لتقول إن قائد انقلاب آذار 1949 قد أعلن استعداده للتعامل مع الأميركيين وعن رغبته بتأسيس حكومة ديمقراطية. علماً أن واشنطن كانت حينها أكثر حماسة للديمقراطيات في العالم مما هي عليه اليوم. فلعل للأمر علاقة بالنفوذ الفرنسي أو البريطاني الذي كانت تسعى لإبعاده عن الجوار؟

حاولنا الإطلال على أسباب الاعتراض الأمريكية عبر البحث في انعكاسات تغطيه الأرشيفات الفرنسية للانقلاب السوري منذ الثلاثين من آذار/مارس من العام ذاته فلم نجد إلا بضع وثائق محايدة.

 

تقول إحداها 30-3-1949 إن حسني الزعيم قد استولى على الحكم في سورية ولا يبدو أنه سيجيء بعبدالله. (وكأنها توحي بانتماء الزعيم إلى العرش الهاشمي). وتذيل الوثيقة بعبارة أخرى تشير إلى امتعاض الزعيم الذي نقله الكوماندان شاربي في التقرير الذي أرسلته في 18 آذار مارس السابق. ويبدو أن ذلك قد ترافق بوثيقة أخرى تحمل كذلك تاريخ 30 آذار/مارس 1949 لتتحدث عن انقلاب عسكري شهدته سوريا تلك الليلة أدى إلى إغلاق الحدود لمنع تسرب أية معلومات عن الحدث. كما تشير الوثيقة إلى توقيف خالد بك العظم وأعضاء حكومته الشرعية. وتذيل الوثيقة بعبارة تقول إن حسني الزعيم غير محسوب على البريطانيين مع أنها لا تستبعد أن يكون على علاقة بالأنكليز، وإذا كانت هذه هي الحال يتعجب كاتب التقرير كيف يأتي الانقلاب غداة اجتماع بين شومان وبوديه لتسوية الأوضاع في سوريا واستقبال اللاجئين والاعتراف بدور فرنسا في المنطقة.

 

برقية واردة

"دمشق", 30 مارس 1949

إلى الشئون الخارجية

في الثالثة من صباح اليوم تم اعتقال رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء وعدد من الوزراء والنواب على يد العقيد "حسني الزعيم" قائد الجيش السوري, الذي استولى على كافة السلطات.

وينوي "الزعيم" تشكيل حكومة مؤقتة, ويفكر في استدعاء "فارس خوري" والأمير "عادل أرسلان" لهذا الغرض, ودعوة المجالس للانعقاد اعتباراً من ظهر اليوم. إذا لم توله المجالس ثقتها فإن العقيد "حسني الزعيم" ينوي حلها والدعوة إلى انتخابات عامة في مهلة غايتها 3 أشهر. لقد ظهر قائد الجيش السوري صباح اليوم, حين ذهب أحد معاونيّ يرجوه أن يصدر التعليمات اللازمة بصدد الامتيازات الدبلوماسية, ظهر متعباً وعصبياً, ولم يبرر تصرفاته إلا بتوجيه لوم غامض إلى رجال السلطة ورئيس الجمهورية, الذي كانت جريمته هي اتخاذ عقوبات معينة في حق بعض الضباط.

ثم أشار القائد "الشر...ى" [الاسم مطموس المعالم في هذه الوثيقة, رديئة التصوير] إلى عدم رضا العقيد "حسني الزعيم" (ملحق تقريري رقم 248 بتاريخ 10 مارس). وعلى كل حال فإن هدف الحركة في الوقت الحاضر لا يتمثل على ما يبدو في تقريب "دمشق" من موقف الملك "عبد الله".

ترجمة نص إعلان القائد الأعلى للجيش السوري

بتاريخ 30 مارس 1949

إلى الشعب السوري الكريم

مدفوعين يروح من وطنيتنا, بإزاء الوضع المتردي الذي تشهده بلادنا, وسلسلة المصائب والأكاذيب التي تسبب فيها من يدعون أنهم حكامنا, قررنا أن نجمع في أيدينا كافة إدارات السلطة في هذه البلاد, بشكل مؤقت, وبهدف الحفاظ على استقلالها بكل حرص ممكن, ونحن واثقون من قدرتنا على أداء واجبنا حيال وطننا العزيز, دون رغبة في سلطة أو طموح. إن هدفنا هو التمهيد لنظام ديمقراطي سليم, يحل محل السلطة الحالية الزائفة, ونحن نرجو من شعبنا العزيز أن يلتزم الهدوء والسكينة, ونطلب منه تقديم كل عون يسمح لنا باستكمال مهمتنا التحريرية. إن أية محاولة للنيل من النظام العام تصدر عن أية جهة, وبالأخص العناصر المشاغبة, وأي استغلال تجارى للموقف, سيلقيان جزاءً فورياً رادعاً.

القائد الأعلى للجيش السوري

 

أي أن الوثائق الفرنسية توحي بأن مسألة التردد في الموقف الأمريكي من الاعتراف بحكومة الزعيم غير واضحة الأسباب، بل تزيدها غموضاً التناقض الحاصل بين الوثيقة الأولى، حيث توحي بعلاقة ما بينه وبين الملك عبد الله، والثانية التي تحمل نفس التاريخ، وتنفي أي علاقة له بالبريطانيين وبالتالي بالهاشميين.

كان الدكتور محمد معروف الدواليبي في تلك المرحلة من رواد العمل السياسي آنذاك، وهو يتحدث عن تلك الفترة في مذكراته فيقول:

"كنت عضواً في المجلس النيابي، فعرض علينا اتفاقيات للتسوية النقدية بيننا وبين فرنسا، لأن نقدنا كان يصدر من البنك اللبناني الفرنسي مضموناً بالذهب، وكنا نطلب حسب النص المكتوب على الليرة السورية أن تعيد فرنسا قيمتها ذهباً حتى تستطيع سورية إصدار عملتها مغطاة بالذهب، ورفضت فرنسا وأصرت على أن تعطينا ما يقابله ونشتري به بضاعة من عندها. وفي الوقت نفسه كانت شركة التابلاين تأسست لضخ البترول من المملكة العربية السعودية ماراً بالأردن والجولان على الحدود التي توجد فيها إسرائيل. وكنت أنا رئيس اللجنة الاقتصادية والاتفاقيات. كانت عندنا اتفاقية التسوية النقدية بيننا وبين فرنسا، واتفاقية التابلاين، فرفضنا بإجماع اللجنة الاتفاقيتين، وحجتنا أن إسرائيل قد قامت فلا يجوز أن يمر هذا الخط ومعه رجال الصيانة من الأميركان في المنطقة العسكرية التي يجب أن تكون مراقبة وسرّيّة، ورفضنا أيضاً مشروع التسوية النقدية التي وقعها آنذاك جميل مردم، على أن يكون الذهب في مقابل البضاعة. وكنا تقدمنا بمشروع إقامة اتحاد عربي كما أسلفت، فجاء رفض هاتين الاتفاقيتين، ومشروع الاتحاد العربي برهان على أن سورية ستكون قائدة معركة المصير والكيان المنتظر، وهذا ما لا يرضي الأعداء المتربصين بنا، فحدث الانقلاب، وكان خديعة لتمرير المخططات التي كنا نقف في وجهها، ففي اليوم السادس من الانقلاب وُقِّعت الاتفاقية مع التابلاين، ووقعت اتفاقية التسوية النقدية مع فرنسا، وتنازلت سورية عن نهر الدان لإسرائيل. وهكذا كان انقلاب حسني الزعيم مخططاً لدعم إسرائيل، وتحقيقاً لمصلحة فرنسا أيضاً، لأنه كان في الجيش الفرنسي ضابطاً له صلات وثيقة بالفرنسيين".

 

إذا صدقت مذكرات المرحوم الدواليبي فأن حسني الزعيم ومن حوله قد بالغوا جداً في مهادنة الفرنسيين فقدموا لهم كل التنازلات التي كانت السلطات الشرعية تقف عائقاً في طريقها، فجاء الانقلاب لتمريرها دون استثناء، ما آثار تحفظ الأمريكيين على الانقلاب مقابل موافقة البريطانيين الذين كانوا قبل يوم واحد من الانقلاب قد وقعوا تفاهماً مع باريس يعترفون من خلاله بين مسائل أخرى بدور فرنسا ونفوذها في المنطقة. فهل نعتبر أن مذكرات الدواليبي قد أفلحت في تسليط الأضواء على الجوانب التي لم يكشف عنها امتعاض واشنطن من توافق باريس ولندن على عودة الدور الفرنسي بقوة إلى الجوار؟

وقائع المهادنة لدى الانقلابيين مع أول انقلاب شهدته سوريا في تاريخها المعاصر لا تختلف كثيراً عما أبداه زعماء الانقلاب الأخير الذي عرفته ضمن ما عرف بالحركة التصحيحية بقيادة الرئيس الراحل حافظ الأسد، فالمفارقة الوحيدة التي تستحق الذكر بينهما هو أن مهادنة الأول كانت مع فرنسا، أما الثاني فكان مع سلطات الاتحاد السوفيتي البائد.

مع أن انقلاب الحركة التصحيحية في سوريا قد جاء ضمن الصف البعثي الواحد، إلا أنه شكل تحولاً نسبياً في توجهات الحزب اليسارية التي عرف بها نظام صلاح جديد، وقد لاحظ الأمريكيون ذلك وأدركوا أهميته ما جعلهم يعربون صراحة بأنهم يعتبرون حكم الرئيس الراحل حافظ الأسد أكثر اعتدالاً من سلفه، وبالتالي فهم يفضلون بقائه على عودة أتباع مجموعة صلاح جديد الأشد توجهاً نحو اليسار من الأسد.

 

هذا ما ورد في وثيقة أمريكية صدرت عن وزارة الخارجية وموجهة إلى دمشق وجدة بتاريخ 10-7-1969 أي قبل وقوع الانقلاب بأكثر من عام، وهي عبارة عن مذكرة تعبر عن استغراب السلطات الأمريكية للإدعاءات الواردة من لبنان حول تورط أمريكي في الشؤون السورية. مصدر الإدعاءات هو المستشار السياسي السعودي (السوري الأصل) رشاد فرعون والذي ادّعى أن الحكومة اللبنانية أخبرت الحكومة السعودية بأن الولايات المتحدة وافقت على العمل مع صلاح جديد (الأمين العام لحزب البعث في سوريا) ضد حافظ الأسد (وزير الدفاع السوري).

رفضت الولايات المتحدة هذه الإدعاءات بشكل قطعي وهي تعتقد بأن المصدر الحقيقي لهذه الإشاعات هو سيمون بولس (المقرب من القصر الجمهوري اللبناني) وصديق مدرسة لصلاح جديد.

ثم عملت واشنطن في جانب آخر من الوثيقة نفسها على تأكيد موقفها وإيحائها بتقديم الدعم لوزير الدفاع في انقلابه العتيد فتقول إنه رغم بعض العدائية التي يبديها حافظ الأسد تجاه الغرب إلا أنها تعتبره أكثر اعتدالاً من بقية المتنافسين على السلطة. كما تضيف أن هناك مؤشرات تدل على محاولة حافظ الأسد تحسين علاقاته مع الغرب لشراء الأسلحة عوضاً عن الأسلحة الروسية.

 

وزارة الخارجية

السفارة الأمريكية في جدة

السفارة الأمريكية في بيروت

جدة 2313

1-A

وزارة الخارجية الأمريكية تعبر عن استغرابها من إدعاءات رشاد فرعون (المستشار السياسي السعودي – السوري الأصل) و الذي ادعى أن اللبنانيين أخبروا السعوديين أن حكومة الولايات المتحدة وافقت على العمل معهم ضد الأسد.

وإذا صعد رشاد هذه المسألة مرة أخرى يمكن أن تؤكد وبشكل قاطع أن هذه الادعاءات كاذبة.

والسفارة في بيروت يمكن أن تحب أن تعلق على فكرة أن الحكومة اللبنانية تساند صلاح جديد (الأمين العام لحزب البعث في سوريا) ضد الأسد. وبعيداً عن أمكانية أن الأسد وجديد قد يكونان في الحقيقة يعملان سوياً، نحن نتساءل هل الحكومة اللبنانية متورطة في الشؤون الداخلية السورية إلى هذا الحد.

ونحن نذكر هنا أن سيمون بولس الذي أدعى أنه مقرب من القصر الجمهوري اللبناني، قد أخبر بعض الموظفين في الوزارة من عدة أشهر أنه صديق دراسة قديم مع جديد وأنه قد زاره عده مرات في دمشق.

و من الممكن أن بولس وبعلاقاته مع جديد، والذي وصفه بولس بأنه ذو نزعة غربية أن يكون هو مصدر هذه الادعاءات.

*****

1-B

و انطباعنا أن حافظ الأسد بالرغم من عدائه الواضح لحكومة الولايات المتحدة الأمريكية إلاّ أنه الأكثر اعتدالاً من بقيه المتنافسين على السلطة في سوريا.

وهناك بعض المؤشرات خلال الشهور الماضية أن نظام الأسد مهتم بتحسين العلاقات مع الغرب على الأقل لزيادة شراء الأسلحة عوضاً عن الأسلحة الروسية.

ونحن بالطبع نرحب بأي تطور يبشر بخلق نظام معتدل وثابت في دمشق.

 

ثم جاء انقلاب 16 تشرين الثاني 1970 بقيادة الأسد القادم بدعم وتأييد من ضباط الجيش وسط أجواء من التأييد الشعبي للنهج اليساري المتبع من قبل صلاح جديد، ويبدو أن امتلاكه للضمانة الأمريكية التي قدرت اعتداله واعتبرته أهون الشرّين ما جعله يستدير نحو خلفيته الحزبية محاولاً إرضاءها وطمأنتها إلى انسجامه مع خيار التحالفات الدولية التي أقامها البعث في عهد صلاح جديد، المتمثلة بالاتحاد السوفيتي.

وهكذا ندرك أهمية ما شهده البلدان من تبادل للوفود المطمئنة المشتركة، والتي توجت بعد أقل من عام على وقوع الانقلاب بزيارة قام بها الرئيس الأسد إلى موسكو تلبية لدعوة من اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفيتي، انعكست أصداؤها في تقرير مطول تصدر الصفحة الأولى لجريدة البرافدا الرسمية في 1 فبراير 1971 تحت عنوان عريض يقول: أهلاً وسهلاً!! يا رئيس الوزراء وزير الدفاع السوري حافظ الأسد.. ثم يتابع التقرير بالحديث عن أهمية تلبية الرئيس لدعوة اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفييتي. كما ذيل التقرير الواسع بصورة ولمحة عن حياة الرئيس، إلى جانب حديث مطول عن نشاطه وحيويته السياسية وعمله في مناصب مختلفة. ثم يتحدث عن برنامج حكومته بمشاركة القوى التقدمية لبناء اقتصاد اجتماعي متطور، متطرقا إلى نضاله ضد الامبريالية، وتعميق الصلات العربية- العربية. وتعاونه مع المعسكر الاشتراكي. ليختتم بترحيب الشعب السوفيتي بالصديق الأسد ومن خلاله بشعب سوريا الصديق.

 

1 فبراير 71

أهلاً وسهلاً. عنوان المقالة الطويلة.

يا رئيس الوزراء وزير الدفاع السوري حافظ الأسد.

بدعوة من اللجنة المركزية للشيوعي السوفييتي. صورة ولمحة عن حياته. حديث مطول عن نشاطه وحيويته السياسية. وعمله في مناصب مختلفة. عن برنامج حكومته بمشاركة القوى التقدمية بناء اقتصاد اجتماعي متطور. نضال ضد الإمبريالية. تعميق الصلات العربية. تعاون مع المعسكر الاشتراكي. الشعب السوفيتي يرحب بالصديق الأسد ومن خلاله بشعب سوريا الصديق.

 

بعد ذلك بأقل من شهر حصد انقلاب الأسد ثمار تودده إلى السوفييت فقد جاء الدعم الداخلي من أحد أوسع الأحزاب الشعبية في سوريا آنذاك عبر تقرير نشرته وكالة تاس الإخبارية السوفيتية في 6 آذار مارس 1971 يؤكد فيه تأييد الحزب الشيوعي السوري ودعمه لاستفتاء الرئيس حافظ الأسد.

 

ثم تعكس برافدا تقريراً آخر توفر في كتاب وزارة الخارجية السوفيتية بتاريخ 10 آذار مارس من عام 1971 جوانب من خطاب الرئيس حافظ الأسد في ذكرى الحركة التصحيحية ليشمل التطور الحاصل بعد عام بعد الانقلاب. وتوجه الأسد في خطابه إلى حلفائه السوفييت قائلاً: إن سد الفرات الذي بناه السوفييت أفاد البلاد وساهم في تعميق الصداقة بين البلدين، مؤكداً بذلك على أهمية العلاقة مع دول المعسكر الاشتراكي.

 

10 مارس 71 برافدا

خطاب الأسد في ذكرى التصحيحية عن التطور خلال عام.

السطر 2 قبل الأخير بعد النقطة "نائب رئيس الوزراء أكد أن سد الفرات الذي بني بمساعدة السوفييت يعتبر صورة رائعة للتعاون الصادق بين البلدين ورمزاً للصداقة الأبدية العربية السوفيتية" نهاية المقطع الأول في اليمين. تأكيد على العلاقات مع المعسكر الاشتراكي.

 

هذا ما قد تبينه وثائق أخرى تتعلق هذه المرة بتجربة الانقلاب العراقي الذي أطاح بالسلالة الهاشمية في بغداد عام 1958 والذي جاء بدعم كبير من الحزب الشيوعي العراقي وبالتالي كان عليه التحدث مع الاتحاد السوفيتي بلغة مشتركة، تتألف من عبارات اعتاد على سماعها متتبعي الخطابات الشيوعية من حلفاء الاتحاد السوفيتي السابق وحلفائه في دول ما عرف بالمنظومة الاشتراكية الداعية إلى الاستقلال والصداقة بين الشعوب وتعميق السلم العالمي.

هذه هي العبارات التي رد بها عبد الكريم قاسم بعد يومين من انقلابه في العراق في 14-7 من عام 1958 على الاعتراف الرسمي السوفيتي الذي ورد في كتاب وثائق وزارة الخارجية السوفيتي نقلاً عن تقرير للبرافدا الرسمية حيث جاء فيه: برقية رئيس الوزراء السوفيتي إلى عبد الكريم قاسم 16 يوليو 1958 رداً على اعتراف رسمي بحكومة قاسم متمنياً أن تعمق السلام والعلاقات مع الاتحاد السوفيتي. وللشعب العراقي تحقيق الاستقلال والازدهار. هامش: رد قاسم مؤكداً العمل على حيازة الاستقلال و تعميق السلم العالمي.

 

الاتحاد السوفيتي والدول العربية 1917-1960

من إصدارات وزارة الخارجية موسكو 61

1- برقية رئيس الوزراء السوفيتي خروشوف إلى عبد الكريم قاسم 16 يوليو 1958.

يعترف رسمياً بحكومة قاسم متمنياً أن تعمق السلام والعلاقات مع الاتحاد السوفيتي. وللشعب العراقي تحقيق الاستقلال والازدهار.

هامش: رد قاسم مؤكداً العمل على حيازة الاستقلال وتعميق السلم العالمي.

(ملاحظة الاعتراف جاء بعد يومين من الانقلاب، ما يشير إلى أن الاتحاد السوفيتي كان راض عن المقدمات و السياسات التي حملها الانقلاب).

حكومة الاتحاد السوفيتي المتمسكة بحق الشعوب بتقرير مصيرها واحترام طموح الشعب العرقي العادل، السطر الرابع بعد الفاصلة "تعلن عن اعترافها الرسمي بحكومة الجمهورية العراقية" نهاية المقطع:

حكومتنا تتمنى إن تأسيس جمهورية العراق سيقود إلى تعزيز السلم العالمي، وتعميق علاقات لصداقة بين بلدينا.

"شعوب الاتحاد السوفييتي ترجو للشعب لعراقي أن يعمق استقلال بلده الوطني ويحقق كل النجاحات في تطوير الاقتصاد والثقافة لبلاده".

خروتشوف ممثل مجلس الوزراء السوفييت.

 

ويبدو أن مداهنة "الزعيم الأوحد" كما كان يلقب عبد الكريم قاسم للسوفييت استدعت منه مزيداً من المهادنة ورسائل الطمأنة الموجهة إلى بريطانيا، وهو ما يعكسه الأرشيف البريطاني عبر وثيقة تحمل تاريخ 15/7/1958 أي بعد يوم واحد فقط من الانقلاب الذي أطاح بالأسرة الهاشمية في العراق، وهي موجهة من السفارة في بغداد إلى الخارجية في لندن لتحمل خبراً يؤكد اجتماع السفير البريطاني مع كل من عبد الكريم قاسم وعبد السلام محمد عارف ومحمد حديد... ويقول السفير أنهم كانوا على مستوى من الحرص الشديد لإعطاء انطباع بأنهم وديين ومتعاونين مع بريطانيا إلى أقصى الدرجات.

يوحي زيادة حجم التقارير والوثائق المتوفرة في الأرشيف البريطاني والتي تعكس تلك الفترة من تاريخ العراق مدى الاهتمام البريطاني بالأحداث التي شهدتها بغداد في ذلك اليوم، كما تشير بمجملها إلى رسائل مطمئنة من الانقلابيين جاءت الواحدة تلو الأخرى لتؤكد أن انقلاب لن يضر بمصالح لندن أو نفوذها في المنطقة.

هذا ما يرد في وثيقة صدرت من السفارة في بغداد إلى الخارجية في لندن بتاريخ 16/7/1958 أي بعد يومين فقط من وقوع الانقلاب الدموي، لتتحدث عن اجتماع عقده محمد حديد وزير المالية العراقي بالقنصل البريطاني دار خلاله نقاش حول المسائل التالية:

 

1-         تفاصيل حادثة السفارة البريطانية

2-         حول مصير عدد من أفراد النظام السابق

3-          متابعة لمجريات محاكمة المعتقلين.

كما قدم شرح لسياسة الحكومة الجديدة يتضمن:

                         1- الصداقة تجاه كافة البلدان، بالأخص الدول العربية والاسلامية.

                         2- احترام مبادئ الأمم المتحدة وميثاقها.

                         3- استمرار إنتاج النفط، وعدم تأميم صناعة النفط.

                         4- حلف بغداد سيحترم حتى نهاية مدته ثم يعاد النظر فيه.

                         5- لا اتحاد مع الجمهورية العربية المتحدة بل علاقات صداقة واعتراف متبادل.

                         6- تأكيداً على أن الإدارة الجديدة ليست شيوعية رغم أن الشيوعيين التحقوا بها والبعثيين ساعدوهم في الوصول للسلطة.

                         7- رغبة الحكومة الجديدة بالمحافظة على علاقات طيبة مع الغرب وأمل جديد بان المملكة المتحدة ستعترف قريبا بالنظام الجديد.

                   8- تأكيد السيد حديد نفسه بأنه لم يكن على علم بالانقلاب، وانضم لحكومة قاسم في 15/7/1958

هناك وثيقة هامة أخرى صدرت من السفارة في بغداد إلى الخارجية في لندن بتاريخ 23/7/1958 تحمل تفاصيل عن لقاء السفير البريطاني بجميع قادة الانقلاب وحرصه على عدم قول أو فعل شيء يوحي باعتراف بريطاني، بينما كان القادة والوزراء راغبين بشدة في تأكيد صداقتهم تحمل عبارات سري \ من مركز قيادة بغداد إلى وزاره الخارجية\ سير أم وايت\ وزارة الخارجية ومكتب وايت هول السري للتوزيع\ رقم 24من 23-7-58\ فوري\وقد وردت ترجمتها سابقا ...

 

هناك وثيقة أخرى صدرت من السفارة في بغداد إلى الخارجية البريطانية في اليوم نفسه أي بتاريخ 23/7/1958 تتحدث عن لقاء جرى بين السفير البريطاني وبابا علي وزير الاتصالات وأثره الايجابي والمطمئن على السفير البريطاني شخصياً.

 

وفي وثيقة جاءت بعد أقل من عشرة أيام من السفارة في بغداد إلى الخارجية البريطانية بتاريخ 27/7/1958 تتحدث عن لقاء محمد صديق شنشل مع اثنين من طاقم السفارة أهم ما فيها الرغبة الشديدة بالتعاون مع الغرب، وإنهم ليسوا شيوعيين وهو تقرير يتألف من 5 صفحات.

 

سرى

من بغداد (مركز الطوارئ) إلى وزارة الخارجية

وزارة الخارجية ومكتب التوزيع السري وايت هول

سير مايكل رايت

رقم 37

27-7-58

فوري

سري

التقى اثنين من طاقم السفارة بمحمد صديق شنشل وزير الإرشاد, في بيته ولمدة ساعتين. وكان ودود جداً وتحدث في النقاط الرئيسية التالية:

1- يقدر النظام الجديد بقاء اهتمام البريطانيين إمدادات البترول الخاص بهم. ولذلك كان من المهم طمأنة البريطانيين بشكل مبكر على أن إمدادات البترول لن تتوقف. وهو نفسه مقتنع أن إنتاج البترول من العراق سوف يزداد وأنه كان سعيداً برد فعل مدير شركة البترول لسياسة النظام الجديد تجاه البترول.

2- وطرح تساؤل حول تجميد الحسابات في بنك العراق المركزي, فأعطيته تأكيد عام أن هذه المسألة قد تم تسويتها بشكل مرضي بين البنك العراقي المركزي وبنك انجلترا. وكان سعيداً لسماع ذلك.

3- وأثناء الحوار أعرب شنشل عن رغبته القوية في وجود تعاون بين النظام الجديد والغرب. وتكمن المصالح العراقية في تبادل علاقات الصداقة مع الغرب على أساس المساواة. يمكن الاتحاد السوفيتي (كلمة السماح) بشكل نسبي الحصول على المنتجات الزراعية العربية حيث أنه السوق لمصادرهم الرئيسية, البترول يكون فقط في الغرب.

4- النظام الجديد لم يكن شيوعياً, ويشجعون الملكية الشخصية, ومع ذلك لن ينوي تعذيب الشيوعيين في العراق عن طريق سجنهم لكن سيضعون نظرهم عليهم, وبالفعل لديهم معلومات تفصيلية عنهم. وجهة نظر شنشل أن الشيوعيين ضعفاء ولا يمثلون أي خطر. وسياسة النظام في جعلهم غير مؤذيين بإزالة أسباب عدم الرضى على سبيل المثال وجود برامج للإصلاح الاجتماعي وعن طريق توزيع الأراضي على الفلاحين.

وأشرت لشنشل أنه مع استئناف العلاقات الدبلوماسية مع الجبهة السوفيتية, سيمنح تدفق الدبلوماسيين الشيوعيين فرصة لأعمال هدامة.

فقال شنشل أن النظام العراقي ينوي في ممارسة الحذر في عدد السفارات التي يفتحونها وفي عدد الدبلوماسيين الروس الذين سيسمحون لهم بالتواجد في البلاد. وسوف يراقبوا الدبلوماسيين الشيوعيين ويعملوا على ألا يزيدوا من مهامهم الدبلوماسية . أكد شنشل باستمرار أن النظام الجديد ينوي بشكل صارم على مقاومة الشيوعيين بشكل لا يقاس إذا كان الغرب مستعداً للتعاون معهم.

5- العلاقات مع الرئيس ناصر والجمهورية العربية المتحدة – تحدث شنشل مع ناصر والذي نظر له بكل تقدير في المؤتمر الأخير في دمشق. قال شنشل أن العلاقات الحالية بين الجمهوريتين سيكون على أساس التعاون المشترك وأن الطرفين مقتنعين في الوقت الحالي بالاتفاق الذي توصلوا إليه في المؤتمر. كما قال أن ناصر ذكر له في حديث سابق أن مهتم بالتقدم الذي قام به الشيوعيين في سوريا قبل تكوين الجمهورية العربية المتحدة.

وأنه أصبح من عاده السوريين طلب المشورة من السفير السوفيتي قبل القيام بأي فعل إلى هذا الحد هم قريبين من السلطة هناك. يرى ناصر خطر هذا الوضع بوضوح وليس لديه أي نية أن تتصرف حكومة الجمهورية العربية المتحدة بالمثل وتصبح تابعة للسوفيت.

6- يأمل شنشل أن يستمر التقنيين الأجانب في البقاء في أعمالهم, وقال إن النظام الجديد في حاجه إلى هؤلاء التقنيين. وأن ذلك كان سياسه النظام منذ البداية.

7- أما الموقف الحالي بين أعضاء الإدارة من الجيش والمدنيين فسيقوم الأعضاء من الجيش مسئولية الأمن الداخلي والخارجي, ما هو بعيد عن الأمن سيكون تحت مسئولية الأعضاء من المدنيين. وبالطبع يوجد تعاون شديد بين المدنيين والجيش, وأطرى شنشل على سياسة قادة الجيش.

- باقي التقرير يتحدث عن شؤون داخليه وعن ما حدث في الساعات الأولى من الانقلاب مع الأسرة المالكة وليس عن الشيوعية وتم ترجمة الجزء الخاص بالشيوعية.

 

وفي اليوم نفسه ساد شعور بأن رسائل التطمين التي بعث بها الانقلابيون قد أتت أكلها فهناك وثيقتان جاءتا من السفارة في بغداد إلى الخارجية البريطانية بتاريخ 27/7/1958 وفيهما يشرح السفير البريطاني تفاصيل استقرار الأمر للنظام الجديد في بغداد والبلاد اجمع، وأن اعترافاً بأي شكل سواء كامل أو تصاعدي سوف يؤدي إلى استمرار العلاقات المالية والتجارية مع الغرب وبريطانيا، ويمكن أن يبقى وضع القاعدة البريطانية في الحبّانية ... بنفس الشروط السابقة.

وتضيف الوثيقة أن اعترافاً بريطانياً سيقوي النظام الجديد في معارضته لمحاولات الشيوعيين وغيرهم المستمرة لحيازة السلطة. وأي تأخير في الاعتراف قد يدفعهم باتجاه الشيوعيين وناصر، أو قد يضعف قدرتهم على معارضتهم.

النظام بدأ بإبراز صداقته مع الغرب وأنه يرغب في دعم الغرب وليس الشيوعيين للاستمرار.

إن النقاشات المحلية لصالح دعم الاعتراف بأي شكل أو أي تطور تجاهه تتعاظم.

 

وأخيراً جاءت وثيقة تعكس مهادنة عبد الكريم قاسم الذي عرف بميوله اليسارية إثر الانقلاب مباشرة، وهي صادرة عن بغداد إلى الخارجية البريطانية بتاريخ 3/8/1958 لتعكس اجتماع شنشل مع قاله... وكانت النقاط الجديدة في هذا الاجتماع أهمية إذاعة ردود فعل ودية على الإذاعة والصحف العراقية تجاه البريطانيين. ثم يورد السفير البريطاني لائحة بالنقاط التي طرحها في الاجتماع على الشكل التالي:

 

ناصر: شنشل أصر أن ناصر ليس لديه نية بالاعتماد على السوفيت وأنه مضطر إلى ذلك بسبب العلاقات الاقتصادية وأن ناصر سبق أن حذَّر شنشل من العلاقات مع السوفيات سابقاً وذلك في 19/7/1958.

الوحدة العربية: موقف النظام من الجمهورية المتحدة، شنشل ذاته كان مشاركاً في مباحثات وحدة العراق سوريا 49-1950 والتي فشلت بسبب رغبة ولي العهد في العرش.

الكويت: لا رغبة بابتلاع الكويت، (المهم هنا) هم أفضل من الهاشميين ورغباتهم التوسعية، وتحدّث حول إمكانية مد خط نفط عبر الكويت وشط العرب بالتعاون مع الكويتيين.

 

ثم جاءت وثيقة أشد صراحة ووضوحاً في المهادنة من السفارة في بغداد إلى الخارجية البريطانية بتاريخ 23/11/58 وفيها خبر مفاده أن عبد الكريم قاسم أضاف إلى تأكيداته السابقة حول علاقات ودية مع الغرب وبريطانيا، أنه بالنسبة للعلاقات البريطانية العراقية يرغب قاسم بأن تستمر وتتقوى وأن أي علاقة مع أي دولة عربية أخرى لا يمكن أن تؤثر عليها وأنه لن تتخذ أي خطوات لتدمير التجارة مع بريطانيا.

 

تبعتها أخرى قد تفوقها جسارة في المهادنة والتودد إلى بريطانيا بعد أشهر فقط من وقوع الانقلاب وذلك عبر وثيقة قد لا تقل شأناً عن سابقتها من بغداد إلى الخارجية البريطانية بتاريخ 1/12/1958 وهي تتحدث عن دعوة قاسم إلى عدم تحميل بريطانيا ذنب التورط مع النظام السابق، وأن هناك صعوبات بهذا المجال، وأنه سيعمل جهده للتعاون.

 

سري

من بغداد إلى الخارجية البريطانية

سير مايكل رايت

رقم1995

1-ديسمبر 1958

موجه إلى وزاره الخارجية رقم 1995 من 1-12-58

تكرار المعلومات للحفظ لعمان، أنقرة، بيروت طهران وواشنطن

 

رأيت أمس رئيس الوزراء وكان بيننا حديث طويل أكد لي أكثر من المعتاد عن رغبتهم في علاقة الصداقة مع بريطانيا وقد ذهب في التأكيد لي على هذا على الرغم من وجود المشاكل والمصاعب داخل الدولة. وبعض من مساعديه اقترحوا عليه أن من الممكن أن تكون حكومة جلالتها متضمنة في بعض هذه الأمور. لقد تفحص الوقائع بعناية شديدة ولديه قناعة أن ذلك ليس الواقع. أن الثقة المتبادلة بين الدولتين نمت تدريجياً وأنه لديه كل النية لبقاء هذه العلاقة. فأخبرته أن هذه هي أيضاً رغبتنا.

2- ثم قلت له إنه على رغم من التعبير باستمرار عن رغبته في علاقة الصداقة بين الدولتين، إلاّ أن الصحافة والإذاعة في بث بروبجندا عدائية ضد البريطانيا مما يجعل من الصعب أو ربما مستحيل على الشعب أن تشاركه وجهة نظره. ومع ذلك ظل يقول إنه يتمنى ألاّ تكون علاقة الصداقة قاصرة على كبار الدولة ولكن بين الشعبين.

فقلت له إني أعطيت وزير الشؤون الخارجية الذي رأيته في اليوم السابق مثالاً على تعليقات من الإذاعة فيها يظهر ما تحدثت عنه ضد بريطانيا. فأكد لي أنه ليس بأي حال من الأحوال رغبه الحكومة في أن يتم الهجوم على بريطانيا بهذا الشكل، لكنه اعترف أنه ليس على علم بما يذاع، وقال إنه سيبحث في الأمر ويصلحه.

 

3- وقلت له أنه بالرغم من إعلانه عن ثقته بنا وبموقفنا، فالسفارة لا تزال تتعرض للمضايقات من عدة نواحي عن طريق صغار المسئولين من سلطات الأمن والبوليس الخ، قد تم التحقيق مع زوار السفارة وبإضعاف ثقة المتقدمين إلى السفارة لطلب وظائف، تم القبض على صغار العاملين في السفارة، ومراقبه المنازل، وعن هذا الموضوع أعطيت تفاصيل عنه لرئيس الوزراء، هل لن يستطيع أن يعطى تعليماته لوقف هذه الأفعال حتى نستطيع القيام بأعمالنا على أكمل وجه والمساهمة في بناء وتعزيز العلاقة الانجليزية- العراقية؟ لكنه قال إنه سوف يفعل ذلك.

4-وذكرته بأنه قد طلب مني رسمياً أن أساعده في عمل الترتيبات لتعلم الطلبة اللغة الانجليزية و زيارة انجلترا وقلت له إن عمل القنصلية البريطانية أصبح صعباً عن طريق عدم قدرتهم لمنح فيزا دخول للعاملين التي تحتاجهم القنصلية للعمل هناك وعدم تشجيع وإحباط الطلاب على عدم حضور الدورات في المعاهد الانجليزية وعلى عدم القيام بالامتحانات اللازمة وطلبت مساعدته للتخلص من هذه المتاعب. فأعرب عن تعجبه على وجود مثل هذه المصاعب وانه سيحاول كل ما في استطاعته.

5- سألته عن تعويض لما حدث في 14-7، فقال لي إن قراراً لتسوية ذلك قد أخذ بالفعل وأنه قد أمر بتكوين لجنة للبحث في الحقائق فأخبرته أنهم بالفعل بدأوا العمل وطلبت منه أن يعمل على التأكد من أنهم سينهمون عملهم بشكل سريع (حاولت وزارة الشؤون الخارجية أن تنشد الكمال قبل رحيلي لكن تأخر بيروقراطي قد يمنع ذلك).

6- شكرته على المساعدات التي قدمها من المؤونة الزائدة عند البصرة إلى الحبّانية.(أتمنى أن تكون المصاعب السابقة قد تم إزالتها لكني لم يصلني أي تأكيد على ذلك حتى الآن)، ثم قال لي إنه يتمنى أن يمنحني بعض الدلائل على وجهة نظره تجاه مستقبل الحبّانية عندما يقابلني في نهاية الأسبوع.

7- عندها طلب مساعدتي لاستعجال المؤونة العسكرية القادمة من المملكة المتحدة.

 

قد يستغرب المراقب السياسي والتاريخي هذه الوقائع التي تعكسها وثائق الأرشيف البريطاني، خصوصاً بعد ما عرف عن قاسم في تلك الفترة من ولاء وانتماء نسبي لخيارات الحزب الشيوعي العراقي وتحالفاته مع المنظومة الاشتراكية وعلى رأسها الاتحاد السوفيتي ضمن فترة جل ما عرف عنها أعمال السحل (عمليات الاغتيال) التي ارتكبها الشيوعيون بحق البعثيين في جنوب وجميع أرجاء العراق، وتعرضوا إلى ما هو أبشع منها على أيدي البعثيين بعد انقلابي عبد السلام عارف وصدام حسين التكريتي.

وهكذا لم يتأخر الرضى الأمريكي عن انقلاب عبد السلام عارف وإعدامه لعبد الكريم قاسم والشيوعيين العراقيين فقد جاء في وثيقة فرنسية تحمل تاريخ 15 فبراير شباط 1963 صدرت عن السفارة الفرنسية في واشنطن لتقول أن الولايات المتحدة ترى أن تصريحات القادة الجدد في بغداد على لسان وزير خارجيتها تعبر عن موقف مسؤول على نقيض تصرف النظام السابق ومعاداة الشيوعيين واضطهادهم لا يبدو أنه يزعجها. كما طالب المسئول الأمريكي بعودة سفراء الدول التي اعترفت باستقلال الكويت إلى بغداد.

 

الشئون الخارجية

"واشنطن" , 15 فبراير 1963

تم التسلم يوم 16 فبراير

ثمة انطباع عام في وزارة الخارجية الأمريكية بالرضا عن تصريحات القادة العراقيين الجدد, وخاصة تصريحات وزير الشئون الخارجية "طالب حسين شكيب", فهي تنم عن تقدير وحصافة تليق برجل يعي مسئولياته, وتختلف بالكلية عن المواقف المتهورة والتصريحات المغالية الخرافية, التي كانت سمة النظام السابق.

إن الاعتقاد السائد هنا هو أن حكومة "بغداد" تنوي البدء بتوطيد أركان حكمها ثم تحليل الموقف في البلدان العربية, قبل أن تحدد سياساتها, إلاّ أن التطمينات المقدمة لشركات البترول (؟), والتقارب مع الأكراد, والتحفظ البادي نحو المسألة الكويتية, كلها تدل على أنها ستكون سياسة عقلانية. كما أن هناك وعياً بالعداء العنيف للشيوعية الذي أبداه النظام الجديد. إن دعوة الدول التي اكتسبت سخط الجنرال "قاسم" نتيجة اعترافها باستقلال "الكويت", دعوتها إلى إعادة سفرائها إلى "بغداد", من شأنها أن تبدد أي قلق حول استرداد توازن التمثيل الدبلوماسي بين الدول الشيوعية والغربية. وقد لقيت تلك الدعوة ترحيباً خاصاً في "واشنطن", بما أن "الولايات المتحدة" كانت في عداد الدول التي تأثرت بانتقام النظام السابق.

"ألفان"

 

قد لا يستطيع أي بحث من هذا الحجم أن يشمل كل الوثائق المتوفرة حول مهادنة الانقلابيين للدول الكبرى وطمأنتها على مستقبل مصالحها في المنطقة، ولكن قد تكون حالة الانقلاب الذي قاده العقيد معمر القذافي الظاهرة الأنسب لتسليط الضوء على بعض الوثائق المتعلقة بتلك الوقائع فيكون بذلك مسك الختام في هذا العنوان.

بعد عشرة أيام فقط من وقوع الانقلاب جاءت وثيقة أمريكية موقعة في 10 أيلول سبتمبر 1969 تؤكد بأنه لا يوجد أي برهان على تأثير بعثي أو ناصري على حركة الإنقلاب حيث أن خلفية المشاركين متنوعة ولذلك يصعب تحديد ماهية التفكير الأيديولوجي للمشاركين. وتؤكد المذكرة بأن القائمين على الانقلاب أعلنوا بشكل رسمي بأنه ليس لديهم أي انتماء غربي أو شرقي وبأنهم سيسعون للتوجه نحو لدول العربية وتقوية الانتماء العربي في سياستهم الخارجية.

 

مذكرة بحث

10 سبتمبر 1969

الى: وزاره الخارجية

من جورج سي. ديني وجي. آر.

الموضوع: من هم قادتها

FOREIGN INFLUENCE

تعلم بعض الضباط في العراق (قبل الانقلاب بها) ليس دليلاً على وجود أي تأثير بعثي أو راديكالي ولا تأثير ناصري من مصر.

بينما تلقى 11 من قادة (قياده الثورة) تعليمهم العسكري في الولايات المتحدة فهذا أيضاً لا يعني أن هؤلاء الضباط لديهم أي توجه.

فهم على عكس بعض القادة في الثورة السودانية الذين استولوا على الحكم في 25 مايو، والذين تدربوا في الولايات المتحدة والذين أثبتوا لاحقاً انتماءهم الرادكالي بل والشيوعي.

أما في حالة ليبيا فالقادة الذين لم يحدد لهم ماهية تفكير واحده (أي أنهم مختلفي التفكير والتوجهات) لم يزور أي واحداً منهم أي دولة شيوعية.

-        - أما القادة الجدد المعروف عنهم بعلاقاتهم الخارجية هو الأعضاء المدنيين في المجلس.

-        - ومنهم مغربي وشتوي الذين أتهموا بانتمائهم إلى حركات وطنية عربية أثناء محاكمتهم في طرابلس أغسطس عام 1967.

-        - مغربي تلقى تعليمه في سوريا ويعرف عنه أنه لديه علاقات بالبعثيين.

-        بالإضافة إلى وزير الخارجية بو ياسر الذي كان يقيم في القاهرة 14 عاماً الماضية وعلى معرفة بالرئيس ناصر ولديه تأييد قوى للنظام المصري.

الثورة ومن خلال قادتها ليس لهم توجهات لا غربية ولا شرقية، بل ويوجد خلاف في وجهات النظر بينهم ويمكن أن يكون هذا التحول أن يبرز بسهولة نظام راديكالي و معتدل.

ولقد أشارت عدة حوادث عن وجود عناصر غير منضبطة في الجيش غير موافقين بشكل عام على الأسلوب المعتدل لمركز قيادة الثورة.

وعلى المدى الطويل يسعى القادة الجدد على التوجيه بليبيا إلى تقوية العلاقات مع الدول العربية في سياستهم الخارجية.

 

قد يقرأ المرء بين سطور هذه الوثيقة التي امتلك كاتبها الوقت اللازم والكافي لرؤية أبعاد الانقلاب الفعلية أنها تحاول تبرئة الانقلابيين وإبعاد أي مسببات للقلق أو الخوف من أهدافهم الحقيقية والتي كانت أكثر من معلنة عبر وسائل الإعلام المحلية والدولية، ما قد يفسح المجال أمام الكثير مما قيل عن اعتماد القذافي على تسهيلات قدمها الأمريكيين لإنجاح انقلابه.

ومع ذلك فهناك معلومات توفرت في وثيقة أوروبية شرقية رغم استعمال جزء منها تحت عنوان سابق في هذا البحث إلاّ أنها تبقى شديدة الأهمية إذ لم يكشف عنها من قبل كما أنها تعكس جانباً من وقائع ذلك الانقلاب بموضوعية تستحق الاهتمام لما فيها من تفاصيل وعناصر تعكس في طياتها جوانب من عناصر مهادنة الدول الكبرى وطمأنتها على مستقبل مصالحها في هذا البلد.

 

يحمل التقرير-الوثيقة رقم DA-58048 وهو صادر عن وزارة الخارجية في جمهورية ألمانيا الديمقراطية البائدة وقد بني على معلومات مستقاة من السفارة الألمانية في طرابلس الغرب. كما حرر بتاريخ 24 أيلول سبتمبر 1969 ويشتمل عشر صفحات ويتحدث عن تسلسل أحداث الانقلاب الحكومي في ليبيا.

 

في الساعات الأولى من صباح الأول من أيلول/سبتمبر 1969 استولى مجلس قيادة ثوري مكون من ضباط شباب على السلطة في طرابلس معلناً تنحية الملك إدريس الذي كان في زيارة إلى الخارج.

بمساعدة وحدات عسكرية تم الاستيلاء في الصباح الباكر من الأول من سبتمبر على النقاط الإستراتيجية في طرابلس وبنغازي ومدن أخرى وتم إغلاق المجال الجوي وتم إبلاغ السكان بالاستيلاء على السلطة من خلال مجلس قيادة الثورة وإعلان قيام الجمهورية العربية الليبية. كما فرض حظر التجول. وفي الساعات الأولى من ذلك اليوم دعى ولي العهد السابق حسن علي رضا عبر الإذاعة السكان إلى دعم السلطة الحكومية الجديدة.

إذاعة القاعدة الجوية الأمريكية واصلت برامجها دون أن تولي أي اهتمام للأحداث داخل ليبيا. وبناء على معلومة سرية فإن مجلس قيادة الثورة دعى في ساعات الظهر من الأول من سبتمبر ممثلي الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا إلى مقره حيث تم إخبار هؤلاء الممثلين بأن السلطة الجديدة تتطلع إلى تشييد ليبيا تقدمية واشتراكية وتريد القضاء على التخلف والفساد.

وعلى مستوى السياسة الخارجية فإن الحكومة الجديدة تتعهد بعدم إدخال أية تغيرات إذ إنها ستلتزم بجميع الاتفاقات والعقود التي أبرمتها الحكومة السابقة.

وفي مساء الثاني من سبتمبر حثت الإذاعة الليبية عمّال المنشآت النفطية على مواصلة عملهم وأن تلك الشركات ستواصل عملها حتى إشعار آخر.

وفي الثالث من سبتمبر نُظِّم لقاءٌ بين ممثل عن مجلس قيادة الثورة وأعضاء الهيئة الدبلوماسية للكشف عن أهداف الانقلاب ولطرح الأسئلة.

 

من سوريا إلى مصر والعراق وليبيا وجميع البلدان العربية التي شهدت على مدار نصف قرن من الزمن ما يعادل انقلاباً واحداً في كل عام، توالى فيها حكام عسكريون على مناصب سلطة بلغوها برفع شعارات تلبي تطلعات شعوب المنطقة في الوحدة والتنمية فاستعانوا بما تفتقت عبقرياتهم من حنكة سياسية لضمان طموحاتهم في البقاء على رأس السلطة بل وتوارثها بمعونة أجهزة معززة بأحدث وسائل الأمن والرقابة التي تؤمنها دول عظمى.

اعتمد الانقلابيون على سبل المهادنة لتحييد الدول الكبرى عن الصراعات الداخلية لحظة الانقلاب، كما اعتمدوا سبل التودد إليها للحصول على وسائل أمنية تكفل بقاءهم واستمرارهم في السلطة ولو كان لتلك الدول أهدافاً ومصالح قد تتعارض مع مصالح شعوب المنطقة. ومن المعروف أن العواصم الكبرى لم تقف مكتوفة الأيدي بانتظار حفنة من الضباط يستعينون بدعمها ضد حفنة أخرى من أخوتهم في الزي العسكري، بل اتّبعت سياسة ومواقف محددة تختار من خلالها الحليف الأفضل من بين الانقلابيين لتعزز مكانته حماية لأطماعها في المنطقة. وهو ما سنستعرضه في عنوان الملف التالي.

 

=-=-=-=-=-=-=-نهاية الفصل الثالث.

© 2008-2009. All Rights Reserved-كافة الحقوق محفوظة للمؤلف

الفصل الرابع

 

[محتويات]  [إهداء]  [تنويه]  [الصفحة الخلفية]  [تمهيد] 
[الفصل الاول]  [الفصل الثاني]  [الفصل الثالث]  [الفصل الرابع]  [الفصل الخامس] 
[خاتمة] 
[نص جريدة الأخبار] 

 

 
 
 
 



Hit counter
ابتداء من 28 كانون اول 2008

 

 

 

 

 

من نحن | | إبدي رأيك | | عودة | | أرسل الى صديق | | إطبع الصفحة  | | اتصل بنا | | بريد الموقع

أعلى الصفحة ^

 

أفضل مشاهدة 600 × 800 مع اكسبلورر 5

© جميع الحقوق محفوظة للمؤلف 1423هـ  /  2002-2012م

Compiled by Hanna Shahwan - Webmaster